الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آثار العبادة في الفرد وفي الأُمّة
تبين -فيما سبق- الإطار العام للعبادة، وما يعنيه تحقيق العبوديَّة للَّه من قيام الحياة برمتها وفقًا لشرع اللَّه، وأنَّ العبادة تشمل جميع جوانب حياة المسلم إذا أراد بها وجه اللَّه، واستقام فيها على صراط اللَّه المستقيم.
وتبين -أيضًا- أنَّ من أسرار العبادة شكر المنعم والاعتراف له بالجميل والثناء عليه والخضوع له والاستسلام لعظمته، ومن أسرارها -أيضًا- انسجام العبد مع فطرته ومع حقائق الوجود، فالكل قانت للَّه بالتسخير، ويتميَّز الإنسان بأنَّه مخيَّر في الإقبال على طاعة اللَّه وله الأجر والثواب، أو الإعراض وعليه تبعات ذلك من الوعيد والعذاب.
ولعل -فيما سبق- كذلك ما يوضح بعض آثار العبادة على الفرد والمجتمع، ولا يتسع المجال لبيان ذلك بالتفصيل، ولذا فيقتصر هنا على أبرز آثار العبادة في معناها الخاص، وبخاصة العبادات الأربع؛ الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، على النحو الآتي:
أولًا: الصلاة:
وهي في اللغة: (الدعاء، والتَّبريك والتمجيد)(1)، ولها معانٍ أخرى كثيرة منها: الاستغفار، والرحمة، والتزكية، واللزوم (2)، والصلاة في الشرع:(أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم)(3).
(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن: مادة (صلَّى)، (مرجع سابق).
(2)
انظر: المرجع السابق نفسه، وانظر: ابن منظور: لسان العرب: مادة (صلا)، مرجع سابق).
(3)
شرف الدين أبو النجا الحجاوي: الروض المربع شرح زاد المستنقع، مختصر المقنع في فقه الإمام أحمد 1/ 38، بشرح: منصور بن يوسف البهوتي، الطبعة السادسة، (بدون تاريخ).
قال الراغب الأصفهاني: (والصلاة التي هي العبادة المخصوصة، أصلها الدعاء، وسميت هذه العبادة بها كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه)(1).
وقال -أيضًا-: والصلاة من العبادات التي لم تنفك شريعة منها، وإن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع) (2).
وقد أكَّد الإسلام على ضرورة إقام الصلاة، وجعلها عمود الإسلام، وجاءت الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة تأمر بالصلاة وتحث عليها بصيغ متنوعة، وأساليب كثيرة. منها: الأمر الصريح بإقامتها وحسن أدائها. ومنها: أمر الأهل بها. ومنها: أمر الأنبياء والمرسلين بإقامتها والصبر عليها والوصية بذلك. ومنها: مدح المقيمين لها المداومين عليها. ومنها: ذم المتساهلين بها الساهين عنها. ومنها: بيان فضلها وأهميتها والأمر بها أو الحث عليها مقترنة بالفضائل والصفات الحميدة (3).
ومن الصلاة في الإسلام ما هو فرض كالصلوات الخمس، ومنها ما هو مندوب أو سنَّة مؤكدة كالسنن الرواتب، ومنها ما هو نافلة، وقد يدخل في بعض صورها التحريم أو الكراهة (4)، كما أنَّها عبادة توقيفيَّة لا يصح أن يزاد عليها، ولا أن ينقص منها، بل تؤدى وفقًا لما فرضه الشارع وندب إليه وأباحه، وما خرج عن ذلك فهو بدعة (5).
وللصلاة شروط وأركان وواجبات وسنن وآداب، ويشترط لها كذلك
(1) مفردات ألفاظ القرآن: مادة (صلَّى)، (المرجع السابق نفسه).
(2)
المرجع السابق نفسه.
(3)
انظر: محمد أبو الفتح البيانوني: العبادة ص 100 - 103، (المرجع السابق نفسه).
(4)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 114.
(5)
انظر: المرجع السابق نفسه: ص 114.
الطهارة، والوضوء، وللطهارة والوضوء سنن وواجبات ومقتضيات كثيرة ومتنوعة، وكل ذلك مبسوط في كتب السنَّة والفقه وغيرها من كتب التفسير والأحكام.
وعندما تؤدي الصلاة في ضوء الكتاب والسنَّة ووفقًا لما أداه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو القائل:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(1)، فإنَّها عندئذٍ تحقق منافع جمَّة تعود بالخير على الفرد والمجتمع، ومن أهم آثار ذلك على الفرد الآتي:
أ- دوام صلة العبد بربه وتجديدها، وتتمثل هذه الصلة في الأعمال والأقوال، وكذلك النيَّة والقصد؛ لأن الصلاة -كما سبق ذكر ذلك- تجمع أنواع العبادات (الاعتقادية، والقلبيَّة، واللفظية، والبدنية)، وعندما يؤدي العبد صلاته فإنَّه يغذي نفسه بذكر اللَّه وعبادته وطاعته، ويطهر نفسه من أدران الذنوب والخطايا، ويقيها من الغفلة عن اللَّه، وقد شبَّه الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة في عملها هذا بنهر، يغتسل فيه العبد خمس مرات كلَّ يوم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم، يغتسل منه كلل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ " قالوا: لا يبقى من درنه شيءٌ. قال: "فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو اللَّه بهن الخطايا"(2).
ب- وفي اتجاه المسلم إلى القبلة في صلاته رمز لتوحيد اللَّه وإفراده بالعبادة، ورمز لوحدة المسلمين العالميَّة، حيث تتكون الأُمَّة من مجموعة
(1) أخرجه البخاري: صحيح البخاري: 1/ 226، باب الأذان للمسافر، الحديث رقم (605)، تحقيق: مصطفى ديب البغا، (مرجع سابق).
(2)
أخرجه مسلم: صحيح مسلم 1/ 462، 463، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، وباب [51] الحديث رقم [667]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (مرجع سابق).
الأفراد، فإذا التزم كلُّ فرد بهذا القصد وتلك الغاية نتج عن ذلك وحدة الأُمَّة في عقيدتها وعبادتها، قال تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]، ويبلغ التسليم والذل والخضوع بالمسلم غايته للَّه تعالى في حالة السجود.
يقول أحد الباحثين: (إنّ العبد وهو يقف أمام مولاه تبارك وتعالى في سجوده إنّما يبلغ الغاية في الخضوع والتذلل، وينصب أشرف أعضائه على أذلِّ شيء في الوجود. . . الأرض. . .، ويهتف بأعظم كلمة يعلن بها عظمة اللَّه وعلوه، فيقول: "سبحان ربي الأعلى"، وهنا تتفق روعة الهيئة والمكان (1)، مع روعة البيان والإعلان. وإذا سجد فك سلاسل التقليد، السلاسل التي فرضها عليه المجتمع والأعراف والعادات والآداب، فخرَّ
(1) الأصل في الأرض: الطهارة، وقد جُعلت الأرض للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته مسجدًا وطهورًا، وهذا مِمَّا خصّ به الرسول صلى الله عليه وسلم (تقدم ذكر ذلك)، ولا يستثنى من ذلك إلَّا ما ورد النهي عن السجود فيه مثل أماكن النجاسة أو المقابر؛ انظر: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي: شرح منتهى الإرادات: ص 156، (حيث ذكر سبعة مواضع لا تصح الصلاة فيها، وفي ذلك تفصيل وخلاف)، نشر إدارة البحوث العلمية والإفتاء. . . - الرياض، (بدون تاريخ).
والشاهد من ذلك أنَّ مواضع السجود تشرف بالعبادة مع كونه مظهرًا من مظاهر الذل والخضوع؛ لأن ذلك الذل والخضوع مصروف لمستحقه وهو اللَّه عز وجل.
ومن هنا جاءت العناية بالمساجد من حيث التشريف والتعظيم، والمحافظة على نظافتها وطهارتها، وعمارتها بالصلاة والذكر والدعاء، إلى جانب عمارتها الحسيَّة بالتشييد، والبناء، ولكل ذلك أحكامه وآدابه وهديه من القرآن والسنة وإجماع الأُمَّة وسار عليه المسلمون في تاريخهم القديم والحديث. لمزيد الاطلاع؛ انظر: مجلة البحوث الإسلاميَّة، المجلد الأول، العدد الثاني: ص 433 - 601، الصادرة عن الرئاسة العامَّة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء. . .، الرياض.
ساجدًا للَّه تعالى، يمرغ وجهه، ويعفر جبينه، وأعطى القلب زمامه، وأرسل النفس على سجيتها، فلا حجر على الخشوع، ولا ملامة على الدموع) (1).
ج- ومن آثار الصلاة على المسلم أنها من أسباب استقامته، وصلاح أخلاقه، وسلامة قلبه وروحه وعقله، وقد جاء الأمر بها في القرآن الكريم مقرونًا بالبر، وبالمسلك الحسن، وبالإخلاص وبالشكر وبالأمن والرخاء، والفضل والرزق والطهارة، قال تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، وقال تعالى في حق نساء الرسول:{وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، وقال تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56]، وقال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36 - 38].
ولا غرو أن تبعث الصلاة على الاستقامة الشاملة، وهي تربط الإنسان بربه فيستشعر عظمته ومراقبته له واطلاعه عليه، وإحاطته بسره وجهره، ثُمَّ هو في موقف اختبار دائم من خلال هذه الصلاة التي هي الصلة بين العبد وربه، فلابُدَّ أن يحرص العبد على سلامتها وحسنها، وذلك يقتضي أن
(1) رفعت فوزي عبد المطلب: أركان الإسلام الخمسة (أحكامها وأثرها في بناء الفرد والمجتمع): ص 63، الطبعة الأولى 1407 هـ - 1986 م، عن دار السلام. . . . بيروت، والأصل في قول:"سبحان ربي الأعلى" حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فليقل: سبحان ربي الأعلى" رواه أبو داود في سننه 1/ 230، (مرجع سابق).
تأخذ أثرها في شأنه كله قلبًا وقالبًا، وبالتالي فإنَّ الصلاة تضفي على المسلم (من تهذيب للأخلاق، وتقويم للسلوك. . . وانقياد لإرادة اللَّه وخشيته ومحبته سبحانه)(1) ما يصلح حياته في علاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بمن حوله من الأهل والأقارب والمجتمع بعامَّة.
أمَّا آثار الصلاة على المجتمع فهي أكثر من أن تحصى، ويُمكن أن يذكر منها الآتي:
أ- بث روح الجماعة بين المسلمين وما تقتضيه من تعاون على البر والتقوى، والتراحم، والتناصر، والتواصل، ولذلك شرعت صلاة الجماعة لقوله تعالى:{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
قال ابن كثير: (استدل كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة)(2).
واستدلوا أيضًا بكون الصلاة في جماعة مأمور بها حتى في ساحة المعركة ومع الخوف لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 122]، فدلَّ ذلك على أن الجماعة في حال الأمن آكد، واستدل العلماء كذلك بقوله تعالى:{وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 29].
واستدلوا بأحاديث كثيرة؛ منها: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم فقَدَ ناسًا في بعض الصلوات فقال: "لقد هممتُ أن آمر رجلًا يصلي
(1) فهد بن عبد الرحمن الرومي: الصلاة في القرآن الكريم (مفهومها وفقهها): ص 38، الطبعة الثالثة 1409 هـ (لم يذكر الناشر). وانظر: ابن قيم الجوزية: الوابل الصيب: ص 21، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، الطبعة الثانية، عن مكتبة البيان، دمشق، (بدون تاريخ).
(2)
تفسير القرآن العظيم 1/ 86، (مرجع سابق). وانظر: فهد الرومي: الصلاة: ص 96، (المرجع السابق نفسه).
بالناس، ثُمَّ أخالف إلى رجال يتخلفون عنها، فآمر بهم فيُحَرَّقوا عليهم بحزم الحطب، بيوتهم" (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم "صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" (2).
والأدلة في ذلك كثيرة ناقشها الفقهاء في مظانها من كتبهم (3)، وليس القصد -هنا- بحث ذلك، وإنَّما الإشارة إلى أهميَّة أن تؤدى الصلاة في جماعة وفي المساجد والجوامع، سواء الصلوات الخمس المفروضة أو الجمعة أو صلاة العيد أو الاستسقاء أو الكسوف والخسوف، وفي ذلك كله بَثٌّ لروح الأُخُوَّة الإسلاميَّة، وما توجبه من التواصل والتواصي بالحق والتواصي بالصبر تحقيقًا لقوله تعالى:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].
ب- إظهار شعائر الإسلام وتعظيمها، وإشهار ذلك بصفة عامَّة وحيث إن الصلاة (أعظم العبادات وأشملها وأتمها فإنَّه من الواجب أن تشيع بين المسلمين، وأن يجتمعوا لها، وإذا كان في (الأُمَّة) العلماء الذين يقتدى بهم، وضعفاء يتهاونون في الصلاة لو لم يؤدوها في جماعات على رؤوس الأشهاد. فلا أنفع ولا أوفق بالمصلحة في حق هؤلاء جميعًا أن يكلفوا أن يطيعوا اللَّه على أعين الناس؛ ليتميز فاعلها من تاركها، وراغبها من الزاهد فيها، ويقتدى بعالمها، ويعلم جاهلها، وتكون طاعة اللَّه فيهم كسبيكة تعرض على طائف الناس، ينكر منها المنكر، ويعرف منها المعروف، ويرى غشَّها وخالصها، وأيضًا فلاجتماع المسلمين؛ راجين راهبين. . .
(1) أخرجه مسلم: صحيح مسلم 1/ 451، كتاب المساجد ومواقع الصلاة، باب [42]، الحديث رقم [651]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).
(2)
أخرجه مسلم: صحيح مسلم 1/ 450، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب [42]، رقم الحديث [650]، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (مرجع سابق).
(3)
انظر: منصور البهوتي: شرح منتهى الإرادات: ص 244 - 253، (مرجع سابق).
مُسَلِّمين، ووجوهم للَّه خاصية عجيبة في نزول البركات، وتدلي الرحمة. . . فمراد اللَّه من نصب هذه الأُمَّة أن تكون كلمة اللَّه هي العليا، وألا يكون في الأرض دينٌ أعلى من الإسلام، ولا يتصور ذلك إلَّا بأن تكون سنتهم أن يجتمع خاصتهم وعامتهم، وحاضرتهم وباديتهم، وصغيرهم وكبيرهم لما هو أعظم شعائره، وأشهر طاعاته، فلهذه المعاني انصرفت العناية التشريعية إلى شرع الجمع والجماعات، والترغيب فيها، وتغليظ النهي عن تركها) (1).
قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].
ومن شعائر الإسلام التي تميَّزت بها الأمَّة الإسلاميَّة الأذان، وهو الإعلان عن دخول وقت الصلاة والدعوة إلى أدائها، قال عنه أحد العلماء:(الأذان مقصوده الإعلام بأوقات الصلاة تنبيهًا على أن الدين قد ظهر، وانتشر علم لوائه في الخافقين، واشتهر، وسار في الآفاق على الرؤوس فبهر، وأذل الجبابرة وقهر)(2).
وقال أيضًا: (واعلم أن الأذان كلمة جامعة لعقيدة الإيمان مشتملة على نوعيَّة من العقليات، والسمعيات، فأوله إثبات الذات، وما يستحقه من الكمال، والتنزيه عن الأضداد، وذلك بقوله: (اللَّه أكبر)، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالَّة على ما ذكر، ثُمَّ صرح بإثبات الوحدانية، ونفي
(1) رفعت فوزي عبد المطلب: أركان الإسلام ص 81، (مرجع سابق).
(2)
إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعي: الإيذان بفتح أسرار التشهد والأذان: ص 53، تحقيق مجدي فتحي السيد، الطبعة الأولى 1416 هـ - 1995 م، عن مكتبة الرشد، الرياض، وانظر: إميل درمنغم: حياة محمد: ص 290، ترجمة: عادل زعيتر، (مرجع سابق).