الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم الوسطية
أ- الوسطيَّة في اللغة:
مشتقة من مادة (وَسَطَ)، قال ابن فارس عن أصلها:(الواو والسين والطاء بناءٌ صحيح يدلُّ على العدل والنِّصف، وأعدل الشيء: أوسطه ووسطه. . .، ويقولون: ضربتُ وَسَطَ رأسه؛ بفتح السين، وَوَسْطَ القوم بسكونها، وهو أوسَطُهم حَسَبًا، إذا كان في واسطة قومه وأَرفَعِهم محلًّا)(1)، والذي يعنيه ابن فارس من قوله:(وَسَط رأسه؛ بفتح السين، وَوَسْط القوم بسكونها)(2)، أنَّ ما كان متصل الأجزاء أطلق على وَسَطِه: لفظ (وَسَط) بفتح السين، وما كانت أجزاؤه منفصلة أطلق على وسطه: لفظ (وَسْط) بسكون السين، وهذا ما ذكره أكثر العلماء في هذين اللفظين (3)، مع أنَّه قد يحدث خلف ذلك، ولكنه المرجوح (4).
ذكر ذلك الفيروزآبادي، وذكر قياسًا آخر وهو أنَّ (كلَّ موضع صَلُحَ فيه بَيْنَ فهو وَسْط بالتسكين، وإلَّا فهو وَسَط بالتحريك، وقال ثعلب: الفرق بينهما أنَّ ما كان يبين جزءٌ من جزء، فهو مثل الحَلْقَة من الناس والسُّبْحَة والعِقْد، فهو وَسْطٌ بالتسكين، وما كان مصمتًا لا يبين جزءٌ من جزء فهو وسط بالتحريك. . . وقد تسكَّن السين من الوسط، وليس بجيد)(5)، هذا عن أصل الكلمة وتصريفها.
ب- أمَّا عن معانيها
فإنَّ لها معاني متقاربة غالبًا، منها: (العدل
(1) معجم مقاييس اللغة مادة (وسط)، (مرجع سابق).
(2)
المرجع السابق نفسه: مادة (وسط).
(3)
انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة (وسط)، (مرجع سابق). وانظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط، مادة (وسط)(مرجع سابق).
(4)
انظر: الفيروزآبادي: بصائر ذوي التمييز. . . مادة (وسط)، (مرجع سابق).
(5)
المرجع السابق نفسه مادة (وسط).
والخيار، والشرف في الحسب والنسب) (1)، ومنها:(العزَّة، والقوة، والمنعة، والظهور)(2).
ومن معاني الوسطيَّة: الموقع المتوسط بين طرفين، وقد يكون ذلك الوسط هو (القصد المصون عن الإفراط والتفريط، فيمدح به نحو السواء والعدل والنَّصفة)(3)، فهذا يلحق بالمعاني السابقة من جهة الأفضلية والخيريَّة، وفيه معنى الوسط من جهة البينيَّة، والمثال على ذلك (الجود الذي هو بين البخل والسرف)(4)، فهو وسط بين خلقين مذمومين أو هو (فضيلة بين رذيلتين)(5)، وقد يكون ذلك الوسط وسطًا بين طرفين أحدهما مذموم والآخر محمود، فيكون أقل من الأعلى، وأعلى من الأدنى، إمَّا أن يكون بين الجيد والرديء، أو بين الخير والشر، أو وسطًا حسيًّا كوسط العصا والطريق (6)، ومن المعاني القريبة من هذه المعاني -أيضًا- وسط الشيء بمعنى مركزه كمركز الدائرة ونحوها (7).
وأمَّا ما نَدَّ عن تلك المعاني، واسْتُعمِلَ لصفة مذمومة فهو كقولهم:
(1) انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة (وسط)، (مرجع سابق). وانظر: إبراهيم أنيس وآخرين: المعجم الوسيط، مادة (وسط)، (مرجع سابق).
(2)
انظر: يوسف القرضاوي: الخصائص العامة للإسلام: ص 131 - 134، (مرجع سابق).
(3)
محمد عبد الرؤوف المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف: مادة (وسط)، (مرجع سابق). وانظر: الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن: مادة (وسط)، (مرجع سابق).
(4)
الراغب الأصفهاني: المرجع السابق نفسه: مادة (وسط).
(5)
جميل صليبا: المعجم الفلسفي: مادة (الوسط، والأوسط)، طبعة دار الكتاب اللبناني، 1982 م - بيروت.
(6)
انظر: الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن: مادة (وسط)، (مرجع سابق)، وانظر: الفيروزآبادي: القاموس المحيط: مادة (وسط)، (مرجع سابق). وانظر: المعجم الوسيط: مادة (وسط)، (مرجع سابق). وانظر: لسان العرب: مادة (وسط)، (مرجع سابق).
(7)
انظر: يوسف القرضاوي: الخصائص العامَّة للإسلام: ص 134، (مرجع سابق).
(فلان وسط من الرجال تنبيهًا أنَّه قد خرج من حَدِّ الخير)(1)، حيث استعمل لفظ (وَسَط) للكناية عن صفة مرذولة (2).
وقد وردت هذه المعاني في لفظ (وَسَط) و (وَسْط) ومشتقاتها؛ في أشعار العرب وآدابها، وورد أكثرها في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية المطهرة (3)، ولا يتسع المقام هنا لذكرها مفصلة، وإنَّما يمكن القول بأنَّ وسطيَّة الأُمَّة الإسلاميَّة تعني من تلك المعاني المتعددة أن الأُمَّة الإسلاميَّة خيار الأمم في ذاتها، وأعدلها في حكمها، وأنصفها في شهادتها على الناس، وأقومها في السير على منهج اللَّه، وأحسنها رجعة إلى اللَّه وأنها الأظهر، والأمنع، والأقوى والأعز؛ إذا هي سارت على صراط اللَّه المستقيم، وتمسكت بالعروة الوثقى؛ لقوله تعالى:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].
كما أنَّ الأُمَّة الإسلاميَّة وسط بن الأمم من حيث الزمان والمكان (4).
(1) الراغب الأصفهاني: مفردات ألفاظ القرآن: مادة (وسط)، (مرجع سابق).
(2)
انظر: الراغب الأصفهاني: المرجع السابق نفسه: مادة (وسط).
(3)
انظر: السيد رزق الطويل: الوسطية ومواقعها في القرآن الكريم: ص 20 - 24، (مرجع سابق). وانظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث: مادة (وسط)، (مرجع سابق).
(4)
انظر: ابن تيمية: الجواب الصحيح. . 1/ 164، 165، (مرجع سابق). وانظر ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون: ص 84 - 87، (مرجع سابق). وفيهما تناول ابن تيمية وابن خلدون جانبًا من وسطيَّة الأمَّة الإسلامية من حيث التوسط في الناحية الجغرافية وأثره في وسطية الأمة وتميزها دون سائر الأمم؛ ومِمَّا قاله ابن تيمية في ذلك:(فبلغ ملك أمته [يعني الرسول صلى الله عليه وسلم]، طرفي العمارة شرقًا وغربًا، وانتشرت دعوته في وسط الأرض، كالإقليم الثالث والرابع والخامس؛ لأنهم أكمل عقولًا، وأخلاقًا، وأعدل أمزجة، بخلاف طرفي الجنوب والشمال، فإن هؤلاء نقصت عقولهم وأخلاقهم، وانحرفت أمزجتهم). الجواب الصحيح. . 1/ 164، وعلل ذلك بما يتفق مع ما ذكره ابن خلدون في مقدمته.=
وتبقى الإشارة إلى وسطيَّة الأُمَّة الإسلاميَّة من حيث التعريف الاصطلاحي فهو: ما اتصفت به الأُمَّة الإسلاميَّة من تسنمها موقع الوسط في العقائد والشرائع والمكان والزمان، وكون ذلك الموقع هو القمَّة السامقة، وتحيط بها الأطراف من كل جانب، وهذا الموقع يحقق لها العزَّة والمنعة والظهور، وهو في ذاته الأفضل والأحسن والأنصف والأعدل، وبعبارة موجزة:(الوسط: العدل الذي نسبة الجوانب إليه كلها على السواء، فهو خيارُ الشيء، ومتى زاغ عن الوسط حصل الجور الموقع في الضَّلال عن القصد)(1).
* * *
= أمَّا وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة من حيث الزمان؛ فإنَّ ذلك يعني أنها جاءت خاتمة الأُمم وعلى قمة تاريخها، وكانت أُمَّة وسطًا باعتبارها شاهدة على الأمم، ولا بُدَّ لذلك من أن يكونوا عدولًا، وعلى هذا فإنَّ وسطية الأُمَّة الإسلاميَّة من حيث الزمان يعني في المقام الأول العدل والإنصاف والخيريَّة.
(1)
محمد عبد الرؤوف المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف: مادة (وسط)، (مرجع سابق).