الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
342 - مسألة: قال النووي رحمه الله: يجوز لبس العمامة بإرسال طرفه وبغير إرساله ولا كراهة في واحد منهما ولم يصح في النهي عن ترك إرسالها شيء
. وصح في الإرخاء حديث عمرو بن حريث قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه. رواه مسلم وفي لفظ: أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء خرقانية قد أخرى طرفها بين كتفيه.
قال ابن الأثير: هكذا يروى وجاء تفسيرها في الحديث: إنها السوداء، ولا يدري ما أصله. وفي قصة أنه صلى الله عليه وسلم انتزع برد حبرة وكان معتجزًا بها حين دخل مكة فدفعه إلى عمير بن وهب. وعن الحجاج أنه دخل مكة معتجرًا بعمامة سوداء. والاعتجاز بالعمامة وهو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئًا تحت ذقنه. ثم إن ما تقدم من حديث عمرو بن حريث هو المسمى بالعذبة وهي بالتحريك والإعجام: طرف الشيء وإصطلاحًا: ما هنا، وممن كان يرخيها على ظهره بين كتفيه ابن عمر رضي الله عنهما وقال كما في المعجم الكبير
للطبراني: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدير كور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرسلها بين كتفيه" قال شيخنا: وهذا يستفاد منه صفة التعميم ولا دلالة فيه على قدر العمامة. قاله حين سئل عن طولعمامة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لا يحضرني في ذلك قدر محرر. وقد سئل عنه الحافظ عبد الغني فلم يذكر عنه شيئًا. وعن ابن عمر وابن عباس وعبادة بن الصامت مرفوعًا كما سيأتي "عليكم بالعمائم" ويرون أنه صلى الله عليه وسلم كان يرخيها بين يديه ومن خلفه. وكذا يروى أنه صلى الله عليه وسلم أرسلها لعلي من خلفه زاد في روايته: وبين يديه عن على من فعله نفسه بالكيفيتين وكذا عن ابن عمر، فلا أدري أيهما أطول وكذا جاء عن ابن عباس وأنه شبر بين كتفيه ويديه، والأول أعني كونها بين كتفيه من كل من المرفوع والموقوف أكثر، بل هو المحكي عن عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وفضالة بن عبيد وغيرهم من الصحابة وسالم بن عمر والقاسم بن محمد والحسن البصري، وسعيد بن جبير وشريح وغيرهم من التابعين وجاء أن جبريل عليه الصلاة والسلام رئي كذلك
حين مجيئه في محاصرته صلى الله عليه وسلم بني قريظة أنه كان معتمًا مرخيًا من عمامته بين كتفيه وأما حين مجيئه بعد موت سعد بن عبادة وإن كان يطلق سيما وقد يجيء مع بعد بين الكتفين وسؤاله عنه صار متعجزًأ بعمامة من استبرق. ويوم بدر كان متعجرًا بعمامة صفراء كما في دلائل النبوة للبيهقي من حديث حكيم بن حزام. وعنده عن ابن عباس كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمر وإرخاءها بين الكتفين كان سيما الملائكة عليهم السلام يوم بدر. وقولهم بين كتفيه المراد به إرسالها من خلف لا من قدام أيضًا وتوقف بعض الحفاظ في جعلها من قدام لكونه سنة أهل الكتاب وهدينا مخالف لهديهم وكذا قولهم بين يديه ومن خلفه يحتمل أن يكون بالنظر لطرفيها حيث يجعل أحدهما خلفه والآخر بين يديه ويحتمل أنه أرسله أحدهما من بين يديه ثم رده من خلفه بحيث يكون الطرف الواحد بعضه بين يديه وبعضه خلفه كما يفعله
…
ويحتمل أن يكون كل واحد منها في مرة والله أعلم.
ويكون العذبة إما من طرف العمامة أو من غيرها ومقررها فيها وفي كليهما
…
إرخاءها للصلاة ويكره تركه
…
وقدرها أربع أصابع أو نحوها أو ذراع أو نحوه، أو شبرا أو أقل منه على اختلاف صنيعهم والأول أكثر
…
وهو في حديث عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم عمم عبد الرحمن بن عوف
وأفضل من عمامته موضع أربع أصابع أو نحوها وقال: هكذا فاعتم فإنه أحزم وأجمل. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وفيه ضعف، وكذا قال الحنفية: يستحب إرخاءها بين الكتفين فمنهم من قدر ذلك بشبر أو إلى وسط الظهر أو إلى موضع الجلوس انتهى. وعن ابن الحاج: أنهم لم يكونوا يرسلون منها إلا القليل نحو الذراع أو أكثر منهم قليلاً أو أقل منه قليلاً. ونقل عن المجد اللغوي في شرحه على البخاري: أنه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم عذبة طويلة نازلة بين كتفيه وتارة على كتفيه وأنه ما فارقها قط ويرد قوله الأخير عزو ابن القيم في الهدي فإنه كان تارة يعتم بعذبة وتارة بغيرها.
أما إرخاءها على الكتف والصوفية يخصون الأيسر بذلك وكأنهم تمسكوا بما روي عن عبد الله بن بشر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا إلى خبير فعممه بعمامة سوداء ثم أرسلها من ورائه وقال: على كتفه اليسرى. أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن بحيث أورده الضياء في المختارة ولكن فيه تردد راويه وربما جزم بالثاني مع ما روي عن أبي أمامة قال: كان صلى الله عليه وسلم لا يولي والياً حتى يعممه ويرخي لها من الجانب الأيمن نحو الأذن. أخرجه الطبراني أيضًا بسند ضعيف ومع ثبوت إرخائها بين الكتفين.
على أنه قد نقل عن شيخنا أنه لا حرج على الصوفية وصنيعهم ولابد في هذا من تأويل لما قدمناه وكذا قيل: إنه لم يرد في إدخال طرفها من العمامة إلا ما جاء عن الشعبي، وبالجملة فالأكثر كما قدمنا كونها بين كتفيه وهو الثابت في صحيح مسلم كما تقدم عن عمرو بن حريث. وفيه عن ابن عمر:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم أسدل عمامته بين كتفيه". أخرجه الترمذي. وله أيضًا حديث مرفوع لفظه: "عليكم بالعمائم فإنها سيما الملائكة وأرخوها خلف ظهوركم" ونحوه عن عبادة بن الصامت، أخرجهما الطبراني. ودعا النبي صلى الله عليه وسلم عليًا يوم غديرخم فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال:"هكذا فاعتموا فإن العمائم سيما الإسلام وهي حاجز بين المسلمين والمشركين" أخرجه أبو نعيم في المعرفة من حديث عبد الأعلى بن عدي البهراني ولا تصح صحبته، وبلغنا في ذلك عن الولي العراقي أنه سمع الحافظ أبا المعالي ابن عساكر يحكي عن جماعة من أكابر أصحاب التقي ابن تيمية أنه قال: أخرى النبي صلى الله عليه وسلم العذبة بين كتفيه يوم فتح مكة كان صبيحة رؤيته لربه عز وجل ووضعه كفه بين كتفيه حتى وجد بردها بين ثدييه فأكرم هذا المحل بالعذبة. قال ابن عساكر: ورأيتهم يتكاتمونه ويعدونه فائدة عظيمة وإن ثبت فهو رحله ولا يسمى تجسيمًا، بل هو مؤول بما قال أهل الحق في اليد وبين بعض أهل السنة
أنه يسدل طرفها إن شاء أمامه وإن شاء بين يديه وإن شاء من خلفه بين كتفيه ولكن قال مالك: إنه لم ير أحدًا ممن أدركه يرخيها بين كتفيه لا بين يديه. وعن بعضهم لابد من التحتك في الهيئتين.
وفي شعب الإيمان للبيهقي عن طاوس أنه قال في الذي يلوي العمامة على رأسها ولا يجعلها تحت ذقنه: "هي عمة الشيطان". بل يعزى للمرفوع: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط" وفسر التلحي بجعل العمامة تحت الحنك، والآخر وهو بقاف ثم ثمناة مكسورة بعدها عين مهملة ثم ألف ثم طاء مهملة بالعمامة لا يجعل منها شيء تحت الذقن، ويقال للعمامة المقطعة. وقال الزمخشري: المقطعة فالمقطعة ما تعصب به رأسك. وكذا كان مالك إذا اعتم جعل منها تحت ذقنه وسدل طرفها بين كتفيه وكره عدم إدخار المعتم تحت ذقنه منهما شيء لمخالفته فعل السلف الصالح وقال: إنه م القبط إلا أن تكون العمامة قصيرة لا تبلغ. وقد نظر مجاهد إلى رجل قد اعتم ولم يحنك فقال: اقتعاط كاقتعاط الشيطان، تلك عمامة الشيطان وعمائم قوم لوط
والمؤتفكات ..
وكان الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة يرى الكراهة في العمائم التي لا تحتنك فيها ولا عذبة معًا وأن فعل إحداهما تخرج من الكراهة وفعلهما معًا هو الكمال في امتثال السنة. وقد قال ابن الأثير: وفي حديث: كان يمسح على الخف والخمار، أراد بالخمار العمامة لأن الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها وذلك إذا كان قد اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحنك لا يستطيع نزعها في كل وقت فتصير كالخفين غير أن يحتاج إلى مسح قليل من الرأس ثم يمسح على العمامة بدل الاستيعاب .. انتهى.
وفيه إشعار بعدم المداومة على إدارتها تحت الحنك، والتحنيك صنيع أكثر وكثير من المغاربة وربما ضُم إليه العذبة من الفريقين، نعم أكثر عرب أهل الحجاز سيما الأشراف على جمعهما. وأما العذبة، فهي شعار القضاء غالبًا، وربما يفعلها غيرهم سيما الصوفية، وهي كما ثبت سنة إلا أن يقصد التمشيخ ونحوه فإنها والحالة هذه حرام فإن علم استهزاء الناس بالسنة وهو مخلص ففي تجنبها نظر. وكذا عندي توقف في قول شيخنا ابن الهمام في المسايرة أن من استفتح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه كفر، والحق أنه مع كون كل من التحنك والعذبة سنة لا كراهة في تركها.
إذا علم هذا فيقع السؤار كثيرًا عن طول عمامته صلى الله عليه وسلم ومقدارها وقد قال لنا شيخنا: إنه لا يحضرني فيه قدر محدد. نعم الحديث الماضي في
كونه يدير كور عمامته على رأسه يستفاد منه صفة التعميم وإن لم يذكر الحافظ. وفي كلام ابن الحاج في المدخل: أن العمامة سبعة أذرع ونحوها. منها التلحية والعذبة والباقي عمامة على ما نقله الطبري، وعند القطب الحلبي مما أضافه لأبي هريرة:"ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمعة قط إلا وهو معتم، وإن كان في إزار ورداء وإن لم تكن عنده عمامة، وصل الخرقة بعضها ببعض ويرسلها بين كتفيه ويديرها ويغرزها وراءها" انتهى. ولابن عدي بسند ضعيف جدًا عن علي: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس العمامة يوم الجمعة". وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء. أخرجه الترمذي في الشمائل. وهو عند البخاري بلفظ: "صعد المنبر رأيته بعصابة دسماء". والعصابة العمامة والدسماء السوداء. وعن جابر: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعليه عمامة سوداء" أخرجه مسلم والأربعة. وعن ابن عمر مثله. أخرجه ابن ماجه.
وعن أنس رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة قطرية بكسر القاف ثم مهملة نسبة لقرية من قبل البحرين، أخرجه أبو داود وابن ماجه، وكذا كانت عليه عمامة تسمى السحاب. سميت بذلك تشبيهًا بسحاب المطر لا لسحابة في الهواء، كساها عليًا. ورأيت من نسب لعائشة أن عمامته صلى الله عليه وسلم كانت في السفر بيضاء، والحضر سوداء من صوف وكل منهما في سبعة أذرع، في عرض ذراع، وكانت العذبة في السفر من غيرها وفي الحضر منها. وهذا ما علمناه.
وفي كتاب «العمامة» للحافظ أبي موسى المديني والباب الأربعين من
…
من ذلك جملة وكذا في اللباس من شرح الترمذي للعراقي، وكذا لابن الحاج في «المدخل» .