الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تباينًا كليًا ودون ما ليس فيه إلا مجرد قيام البنية وسد الرمق مما هو مندرج فيطريقة السلف. وبالله التوفيق.
312 - مسألة: الأحاديث الواردة فيمن قعد يذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين التي منها ما للترمذي عن أنس رفعه: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" وق
ال عقبة: حسن غريب.
وأخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة الباهلي مثله، لكن قال:"من صلى صلاة الغداة" وقال: "جلس" وقال: "انقلب بأجر حجة وعمرة" وعنده من حديث أبي أمامة وعتبة بن عبد السلمي بلفظ: "صلاة الصبح ثم لم يثب حتى يسبح سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمرتامًا له حجته وعمرته" فأفاد أن الصلاة المذكورة صلاة البح فأخرج النفل الملطق ما كان لسبب آخر.
وكذا لأحمد وأبي داود من حديث معاذ بن أنس الجهني بلفظ: "من قعد في مصلاة حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يصلي ركعتين الضحى لا يقول إلا خيرًا غُفرت له خطاياه ولو كانت أكثر من زبد البحر"
وفي رواية لأبي يعلى: "وجبت له الجنة" وفي أخرى لابن أبي الدنيا من حديث أبي أمامة: "لم تمس جلده النار".
ومثله عند البيهقي من حديث الحسن بن علي. وأفاد بقوله: "لا يقول إلا خيرًا" دخول من أمر بمعروف أو نهى عن منكرٍ. ويلتحق به من أجاب سائلاً عن حكم شرعي مثلاً، ومن شفع شفاعة حسنة ونو ذلك، ويمكن أن يدخل ذلك كله في ذكر الله، وشرطه أن تقتصر على الحاجة من ذلك لما لابد منه بلا مزيد.
وعند أبي يعلى من حديث عائشة بلفظ: "من صلى الفجر فقعد بمقعده فلم يلغ بشيء من أمر الدنيا ويذكر الله حين يصلي الضحى خرج كيوم ولدته أمه" وكذا من الوارد من فعله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما للطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم منمجلسه حتى تمكنه الصلاة. وعن جابر بن سمرة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس". أخرجه
مسلم وأصحاب السنن الثلاثة. وللطبراني في رواية له في المعجم الكبير: "جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس" إلى غيرها من الأحاديث في هذا المعنى قولاً وفعلاً لا نطيل بها لحصول الغرض بما ذكر، فهل يحصل هذا الثواب لمن قعد محدثًا أو تخلل زمان بين مقعده ووضوئه؟ وهل يناله من طاف بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وصلى ركعتي الطواف، وهل إذا كان يطرقه النعاس فقام يتردد في أرجاء المسجد أو غيره من مصلاه يحصل له أم القعود في مصلاه شرط في حصوله؟ وهل من شرط الخشوع وتدبر ما يقول وعدم الكلام أم لا؟
الجواب: قد وقفت لشيخنا رحمه الله على جواب فأثبته بنصه
فقال: أكمل الأحوال أن يستمر قاعدًا ذاكرًا إلى أن يرتفع وقت الكراهة فيصلي ركعتين، فإن تخلل بين ذلك قول غير الذكر ويدخل فيه تلاوة القرآن وفعل ما أو سكوت لم يحصل تمام الموعود، هذا ما يقضتيه ظاهر العبارة ويلتحق بذلك حكمًا اشتراط الخشوع، لأنه أجل ما يشترط في ذلك لأن المراد بالقعود على الهيئة المذكورة عدم التشاغل بشيء من أمور الدنيا. ويلتحق بذلك عدم التشاغل بعبادة أخرى كالطواف، والمقصود من الفراغ من الأقوال والأفعال جزمًا، ليس هو القعود لذاته ولا الذكر بلسانه مجردًا، لكن التوجه التام والإقبال على من يذكره في ذلك الوقت إلى أن تحرم بالصلاة حين يزول وقت الكراهة فيوجد من هذا المطلوب اشتراط الخشوع واستمرار في تلك المدة، لكني أقول: إن هذا يحصل كمال المطلوب في هذه العبادة ولا يلزم منه حرمان من أجل شيء من ذلك بالتشاغل بعبادة أخرى مقصودة أو وسيلة لمقصود، بل يحصل في الأقوال كمن أمر بمعروف مثلاً أو نهى عن منكرٍ مثلاً في تلك الحالة الثواب الجزيل. وفي الأفعال كمن طاف، وكذا من اتفق له حدث فتشاغل بالوضوء، وكذا من اشتغل عن الخشوع بفكر عرض له فلم يسترسل معه، وكذا من غلب النعاس فشأنه مع محافظة ما ذكر أن يستمر في مجلس يعوده، ويمكن بقعدته من الأرض على وضوئه، فإنه إن غلب عليه النوم فنام لا يعدم الثواب الموعود به لكونه لم يحصل منه تعمد لذلك، وعلى هذا فيقال: يشترط في هذا الأخير أن بداية النعاس أن يسعى في إذهابه بما يمكنه ولا يسترسل معه كما ورد في حديث النفس بلفظ: "لا يحدث فيها نفسه" لأنه لا يملك أن لا تحدثه نفسه بل يملك أن لا تحدثها فإنه متى حافظ على أنها إن فتحت له من ذلك بابًا سده لا يكون ممن حدثها، بل من إذا حدثته حدثها فإنها تسترسل في تحديثه فيخرج عن الشرط، فكذا هذا إذا بدره النعاس حافظ على دفعه بما يقدر عليه كما تقدم والله أعلم.