الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
328 - مسألة: في رؤيته صلى الله عليه وسلم الأنبياء ليلة الإسراء مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم بالأرض
، فقيل: إن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم، وأنها مستقرة في الأماكن التي لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم أو أحضرت أجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفًا له وتكريمًا ويؤيد ثانيهما قوله في بعض الروايات: وبعث له آدم فمن دونه من الأنبياء فأمهم. واحتج بعض المتأخرين بحديث: "رأيت موسى عليه السلام ليلة أسري بي قائمًا يصلي في قبره". لأنه أسرى به لما مر به. قال شيخنا: وليس بلازم، بل يجوز أن يكون لروحه اتصال بجسده في الأرض فلذلك تمكن من الصلاة وروحه مستقرة في السماء. وعن بعضهم قال: رؤيته إياهم في السماء محمولة على رؤية أرواحهم إلا عيسى لما ثبت أنه رفع بجسده وقد قيل في إدريس أيضًا ذلك. وأما الذين صلوا معه في بيت المقدس، فيحتمل الأرواح خاصة ويحتمل الأجساد بأرواحها ووراء هذا أن في رواية: أنه صلى بالنبيين كلهم ولم ير معهم في السماء إلا من سمي. قال
عياض: ولا مانع منه وأن يكون صعد منهم من ذكر أنه صلى الله عليه وسلم رآه يعني ويكون هؤلاء تقدموا بين يديه تشريفًا له، وقد قال البيهقي في "حياة الأنبياء في قبورهم" له: لا مانع أنه يرى موسى قائمًا يصلي في قبره ثم أسري بموسى وغيره إلى بيت المقدس كما أسرى بنبينا فيراهم فيه ثم يعرج بهم إلى السماوات كما عرج بنبينا فيراهم فيها كما أخبر صلى الله عليه وسلم بحلولهم في أوقات بمواضع مختلفات، وكل هذا جائز ثابت في العقل فما ورد به خبر الصادق انتهى.
إذ قلنا: بقدم التعدد أما معه، فلا إشكال على أن بعضهم جمع بينهما مع الاتحاد بأنه لقي موسى في السادسة فأصعد معه إلى السابعة تفصيلاً له على غيره من أجل كلام الله تعالى. وظهرت فائدة ذلك في كلامه مع المصطفى فيما يتعلق بأمر أمته في الصلاة.
وأما تعيين أماكنهم، فاتفق الشيخان من حديث قتادة وثابت كلاهما عن أنس على كون في الأولى آدم وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس وفي الخامسة هارون وفي السادة موسى وفي السابعة إبراهيم، ووافقهما ثالث عن أنس لكن جعل هارون في الرابعة وإدريس في الخامسة، وكذا وافقهم رابع ولكن جعل يوسف
في الثانية وعيسى ويحيى في الثالثة، ووقع في رواية أخرى مع التصريح من راويها بأنه لم يثبت أسماءهم أن إبراهيم في السادسة، وفي أخرى لم يضبط راويها أيضًا منازلهم أن إدريس في الثالثة وهارون في الرابعة ومن ضبط أولى، وقد قال شيخنا: والأول أثبت، وكذا وصفه بذلك وأكد بأنه كان مسندًا ظهره إلى البيت المعمور. وقال ابن أبي جمرة: الحكمة في كون آدم في الأولى، لأنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل، فكان أول في الأول، ولأجل تأنيس البنوة بالأبوة، وعيسى في الثانية، لأنه أقرب الأنبياء عهدًا من محمد، ويليه يوسف، لأن أمة محمد تدخل الجنة على صورته، وإدريس الذي قيل إنه أول من قاتل للدين، فلعل المناسبة فيه للإذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالمقاتلة ورفعه بالمعراج لقوله:(ورفعناه مكانًا عليا) والرابع من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه موسى، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله، وإبراهيم لأنه الأب الآخر فناسب أن يتخذ للنبي صلى الله عليه وسلم بلقيه أنس لتوجهه بعده إلى عالم آخر وأيضًا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم إلى قاب قوسين أو أدنى. انتهى.
واختلف في الحكمة في اختصاص كل منهم بالسماء التي التقاه بها ليظهر تفاضلهم في الدرجات والخوض في هذا تنشأ عنه المفاضلة بين الأنبياء كما فعله ابن المنير، ولكن مجرد الإشارة في هذا المقام كما عند شيخنا أولى من تطويل العبارة والإمعان فيها، سيما وقد ورد النهي عن
التفضيل بين أنبياء الله مع العلم بأن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله، وقيل: إنا نهي عنه من يقول برأيه لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو المراد: لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يترك المفضول فضيلة كالإمام مثلاً إذا قلنا إنه أفضل من المؤذن لا يستلزم نقص فضيلة المؤذن بالنسبة إلى الأذان، وقيل: النهي عن التفضيل إنما هو في حق النبوة نفسها لقوله تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله) ولم ينه عن تفضيل بعض الذوات على بعض لقوله: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بضع) الآية، وبالجملة فالكلام في هذا المقام يفتقر لعمل كثير ولا يخلو من خطر وزلل.
وقيل: لمناسبة تتعلق بالحكمة في الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم من الأنبياء ما أشير به إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه من نظير ماوقع لكل منهم.
فأما آدم، فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم من الهجرة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن ثم كان عاقبة كل منهما أن يرجع إلى وطنه الذي أخرج منه وبعيسى ويحيى على ما وقع له أول الهجرة من عداوة اليهود وتماليهم على البغي عليه وإرادتهم وصول السوء إليه وبيوسف على ما وقع له مع إخوته بما وقع له من قريش في نصبهم الحرب وإرادتهمم هلاكه وكانت العاقبة له وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح: أقول كما قال يوسف: لا تثريب عليكم. وبإدريس على رفع منزلته عند الله تعالى، وبهارون على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن
آذوه، وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه وقد أشار إلى ذلك بقوله: لقد أوذي موسى أكثر من هذا فصبر، وبإبراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وسلم في آخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت وهذه مناسبات لطيفة أبداها السهيلي فأوردها شيخنا منقحة ملخصة مع زيادة غيره في مناسبة لقاء إبراهيم في السابعة معنى لطيفًا وهو ما اتفق له صلى الله عليه وسلم من دخول مكة في السنة السابعة وطوافه بالبيت ولم يتفق له الوصول إليها بعد الهجرة قبل هذه بل قصدها في السنة السادسة فصدوه عن ذلك كما علم من محله وأضرب شيخنا عما زاده ابن المنير لما قدمناه.
وأما السؤال عما كان مفروضًا قبل ليلة الإسراء من الصلوات، فذهب جماعة إلى أنه لم تكن قبلها صلاة مفروضة إلا ما كان الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وذكر الشافعي عن بعض أهل العلم أن صلاة الليل كانت مفروضة ثم نسخت بقوله تعالى:(فاقرءوا ما تيسر منه) فصار الفرض بعض قيام الليل ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس. والله أعلم.
وأما البيت المعمور الوارد أنه يدخل سبعون ألف ملك كل يوم ولا يعود فيه. وفي رواية: إنه مسجد في السماء بحذاء الكعبة لو خرَّ لخرَّ
عليها. وقال علي رضي الله عنه: السقف المرفوع: هو السماء. والبيت المعمور بيت في السماء حيال البيت حرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض.
وعن ابن عباس نحوه وزاد: في السماء نهر يُقال له: الحيوان يدخله جبريل كل يوم فينغمس فيه ثم يخرج فينتفض فيخرج منه سبعون ألف قطرة يخلق الله تعالى من كل قطرة ملكًا فهم الذين يصلون فيه ثم لا يعودون إليه، وأوردها شيخنا مبينة معللة في بدء الخلق من فتح الباري قال: وجاء عن الحسن ومحمد بن عباد بن جعفر أنه هو الكعبة. والأول أكثر وأشهر، وأكثر الروايات أنه في السماء السابعة، ويروى أنه في الرابعة وبه جزم في القاموس وقيل: في السادسة وقيل: هو