الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجراح قرية بالشرقية من قرى مصر كما ينسب زبيريا من هو من الزبيرية وقرشيًا من هو من القرشية ونحو ذلك حسبما بسطته في محله.
336 - سئلت عن المثل المشهور: كل الصيد في جوف الفرا. هل هو حدث وما معناه
؟
فأجبت: إن الحافظ أبا محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي أخرجه في الجزء السادس من أمثال الحديث له فقال: حدثنا محمد بن الحسين بن مكرم، حدثنا عمرو بن علي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن وائل بن داود عن نصر بن عاصم الليثي قال: أذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وأخر أبا سفيان ثم أذِن له فقال: ما كدت أن تأذن لي حتى كدت أن تأذن لحجارة الجهلمتين قبلي، فقال:"وما أنت وذاك يا أبا سفيان؟ إنما أنت كما قال الاول: كل الصيد في بطن الفرا".
وهو جيد الإسناد لكنه مرسل. وكذا أخرجه الإمام أبو أحمد الحسين بن عبد الله بن سعيد العسكري اللغوي في الأمثال أيضًا قال: حدثنا أبو بكر ابن الأنباري حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان به، ولفظه: أخر أبو سفيان في الإذن فقال: يا رسول الله كدت تأذن لحجارة الجلهمتين قبلي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنك وذاك يا أبا سفيان كما قال القائل: كل الصيد في جوف أو جنب الفرا".
واختلف في أبي سفيان هذا من هو؟ فقيل: ابن الحارث المعدود من
أخوال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: ابن حرب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم إذ يجتمعان في عبد مناف. وفي ابن الحارث ذكر أبو عمربن عبد البر الحافظ في كتاب الاستيعاب له الحديث ورجع أن المقول له إنما هو ابن حرب حيث نقل عن ابن دريد وغيره من أهل العلم بالخبر أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل الصيد في جوف الفرا" لأبي سفيان بن الحارث، قال: وقيل لابن حرب وهو الأكثر. انتهى مخلصًا.
وكذا حكى الخلاف السهيلي في الروض الأنف لكه رجع الأول فإنه قال في أثناء ترجمة ابن الحارث ما لفظه: ولأبي سفيان هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت يا أبا سفيان كما قيل: كل الصيد في جوف الفرا" وقيل: بل قالها لأبي سفيان ابن حرب، والأول أصح. وتعقبه الحافظ علاء الدين بن مغلطائي بما حاصله: أن الظاهر أنه نقل الترجمة من كتاب ابن عبد البر فكان ينبغي له تقليده فيما أشار إلى ترجيحه أو يوجه ترجيح قوله. انتهى. وممن حكى الخلاف أيضًا العسكري لكنه لم يرجح شيئًا وعبارته: وقيل: إن أبا سفيان هو ابن الحارث. وقال قوم: إنه هو أبو سفيان بن حرب. وأما ابن الأثير، فلم ينسب في النهاية أبا سفيان هذا حيث قال ما نصه فيه أي في الحديث: إنه قال لأبي سفيان: "كل الصيد في جوف الفرا" وكأنه لما علم الخلاف ترك ذلك عمدًا، خصوصًا وهو ليس من مقصوده.
والظاهر عندي أنه ابن حرب ـ ويستأنس له بسبب قوله صلى الله عليه وسلم له: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن" وكذا بقول أبي العباس المبرد أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا المثل لأبي سفيان يتألفه على الإسلام لما حجبه عن الدخول وأذن لغيره قبله والمعنى إذا حجبت قنع كل محجوب ورضي، فإنه رضي الله عنه تأخر إسلامه. ووجه العسكري أيضًا ضرب المثل له بقول: فاراد عليه السلام: إنك من أهلي، فإن من أذن لهم من الغرباء دونك. قال أبو عبيدة: كأنه أرضى أبا سفاين بهذا الكلام.
إذا علم هذا فالفرا عند العرب مقصور مهموز: الحمار الوحشي وجمعه فراء بالمد وكسر الفاء مثل جبل وجبال. وحكى الأصمعي الكسر في الواحد، فإنه قال: يمد ويقصر وربما كسر أوله. ولكن تعقبه الفراء وأنشدوا لمالك بن زغبه الباهلي:
بضرب كآذان الفراء فضوله
…
وطعن كإيزاغ المخاض تبورها
أي مختبرها.
وأنشد الفراء أيضًا:
إذا اجتمعوا علي وانتقدوني
…
فصرت كأني فرا شار
وقال الجوهري: وقد أبدلوا من الهمزة ألفًا فقالوا: أنكحنا الفرى فسزى.
وأصل هذا المثل فيما ذكر الميداني وغيره أن ثلاثة نفر خرجوا يتصيدون فاصطاد أحدهم أرنبًا والآخر ظبيًا والآخر حمارًا، فاستبشر صاحب الأرنب والظبي بما نالا وتطاولا عليه فقال الثالث: كل الصيد في جوف الفرا، أي إن الذي رزقت وظفرت به يشمل على ما عندكما وذلك أنه ليس فيما يصيده الناس أعظم من حمار الوحش ثم اشتهر هذا المثل واستعمل في كل حاو لغيره وجامع له. والجهلمتين، قال أبو عبيدة فيما نقله عنه صاحب الصحاح: أراد جانب الوادي والمرعوف الجلهمتان قال: ولم أسمع بالجلهة إلا في هذا الحديث وما جاءت إلا ولها أصل، ونحوه ما حكاه ابن الأثير عن أبي عبيد قال: إنما هو لحجارة الجهلتين والجلهة فم الوادي، وقيل: جانبه فزيدت فيها الميم كما زيدت في زرقم وستهم قال: وأبو عبيد يروي بفتح الجيم والهاء، وشمر يرويه بضمها والله
أعلم.
فائدة: صنف في الأمثال الرامهرمزي وأبو الشيخ وأبو أحمد العسكري وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو عبيد الزمخشري والميداني وهو أكثرها فيما أظن.
وشرح البكري الأمثال لأبي عبيد ورأيت بمكة للجمال الشيبي كتابًا حسنًا في ذلك مرتبًا على حروف المعجم. والله المستعان.
فوائد: فيمن ترك شعر رأسه إلى وحالته وهل هو سنة، وما كيفية فعله وما يلتحق بذلك إلى قوله: لا ينافي أصلية سنيته، ولكنه كما قال ابن عبد البر: أضرب عنه في عصرنا أهل الصلاح والسير والعلم، وكاد أن يكون علامة للسفهاء يعني لما اقترن به من المقاصد الفاسدة التي أشرت إليها. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسدل شعر رأسه أي يرجله ويرسله على هيئته إن لم يطل أو من ورائه يعني إن طال ليستقيم الجمع بين التفسيرين ثم صار صلى الله عليه وسلم يقسمه فرقتين يمينًا وشمالاً كاشفًا له عن جبينه وينتهي استرساله لها إلى منكبيه أو إلى شحمة أذنيه على اختلاف الروايتين اللتين جمع بينهما إلى قوله في الثالث وذلك هو المسمى بالفرق.
وقوله صلى الله عليه وسلم لخريم بن فاتك: إني لا أفعل مع كون الوفرة هي شعر الرأس إذا وصل إلى شحمتي الأذن لعله كان زائدًا لطول. ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم لوائل بن حجر حين رأى شعره طويلاً وقال: "ذباب ذباب" ورجع فجزه فقال: "لم أعنك وهذا حسن" وفرق صلى الله عليه وسلم مخالفة أهل الكتاب. قالت عائشة رضي الله عنها: كنت إذا أردت أن أفرق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم صدعت الفرق من يافوخه وأرسلت يناصيته يعني تفرق ما طال منه فرقتين يمينًا وشمالاً، كل فرقة ذؤابة فنظر من الناحيتين جمته التي هي من شعر الرأس ما سقط عن المنكبين وفي الحديث: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جمة جعدة،
وهي منهي عنها للنساء لما فيه من تشبههن بالرجال ففي الحديث: لعن الله المجمعات من النساء. وحينئذ فالفرق سنة كما صحر به الأئمة وهو أولى من السدل، لأنه آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمرين ذهب بعضهم إلى نسخ السدل به وأن السدل غير جائز، ولكن الصحيح المختار جوازه، ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم كانت له لمة فإن انفرقت فرقها، وإلا تركها واتخاذ جماعة من الصحابة اللمة وهي الشعر الذي يلم بالمنكبين ولكن الفرق أقلهما ولا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله، وكان شعره صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله إلى قرب منكبيه، وربا لبعد عهده يتعهد حين اشتغاله بالسفر ونحوه يطول عن المنكبين حتى تصير ذؤابة وهي ما يتدلى من شعر الرأس وتتخذ منه عقائص وضفار كما في حديث أم هانيء قالت: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة ـ يعني في فتحها ـ وله أربع غدائر. يعني عقائص. والعقيصة الشعر المعقوص وهو نحو من المضفور وحيث كان شعر المرء كذلك فلينشره عند الصلاة فقد ورد النهي عن لف الشعر، واتفق العلماء على النهي عن الصلاة ورأسه معقوص أو مردود شعره تحت عمامته. ثم اختلفوا هل هو حرام أو مكروه والصحيح كراهية تنزيه وأنه لو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته وسواء تعمد فعل ذلك للصلاة أم كان كذلك قبلها لمعنى آخر على الصحيح المختار، والحكمة في ذلك أنه إذا رفع شعره ويباشره الأرض أشبه المتكبر، ورأى عبد الله بن عباس عبد الله بن الحارث صلى ورأسه معقوص من رواءه فقام وراءه فجعل يحله فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف" قال ابن الأثير: إلى قوله في السجود. ومر أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن بن علي وهو يصلي قائمًا إلى قوله في الثاني: أرسله ليسجد معك. ونحوه حديث عمر: "من لبد أو
عقص فعليه الحلق"يعني في الحج قال: وإنما يجعل عليه الحلق، ولأن هذه اأشياءتقي الشعر من الشعث فلما أراد حفظ شعره وصونه ألزمه حلقه بالكلية مبالغة في عقوبته، ثم إنه قد أبدى الزين العراقي رحمه الله لكون الشيطان يعقد على الشعر المضفور أو المكفوف وقت الصلاة حكمة إى قوله وهو حسن في الثاني.
ووراء هذا أن ما تقدم من النهي عن عقص الشعر وكفه في الصلاة لا يحل للنساء، لأن شعورهن عورة فيجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها وأيضًا ففي نقضهن إياه للصلاة مشقة وقد رخص لهن النبي صلى الله عليه سلم إلى قوله بهذا الحكم في الثاني.
إذا علم هذا فلم يثبت لي في ملازمته صلى الله عليه سلم الإبراز شعره ولا في عدمها شيء ولكن الظاهر الأول لكثرة من نقل قدر طول شعره بالمشاهدة من الصحابة ولذا لم يحفظ كما قال ابن القيم: أنه صلى الله عليه سلم حلق رأسه إلا في نسك، وعلى هذا فحلقه صلى الله عليه سلم لها أربع مرار والمباشرون لذلك إلى قوله فأكثر في الثالث.
وكذا الشقيص عنده شعر من شعراته صلى الله عليه سلم في أماكن شتى فهي مما يستشفى بها ويتبرك بمماسة ما يجورها وذلك لا يصلنا شعره صلى الله عليه سلم إلى قوله مما يتعذر استصاؤه في الثالث ويستحب لمن اقتفى أثرهم في هذه السنة تعاهده بالتسريح والتطييب ونحوهما، فقد جاء في حديث حسن أنه صلى الله عليه سلم قال:"من كان له شعر فليكرمه" فإن قيل: قد ورد النهي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه سلم عن القزع إلى آخر الأول".