الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
287 - مسألة: في هدم المكان الذي أحدثه اليهود ـ لنعهم الله ـ كنيسة ببيت المقدس، استفتي عنه قبل جريان ما جرى
؟
فالجواب: أما اليهود، فهم لكونهم مع كفرهم بدينهم، زادوا، كما هو المعهود بمزيد الجمود والنقض للعهود، والاهتمام التام بالغدر ببنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، بحيث أنهم اتفقوا مرة فيما بينهم، حيثن كان جالسًا مع أصحابه بجانب جدار لهم، على أن شقيًا منهم يصعد إلى أعلى الجدار فيلقي عليه صخرة، ليقتل ويستريح كل منهم ـ زعم منه ـ دهره، فاه عن الله الخير بما به هموا، فانصرف راجعًا، وخابوا وذموا. ودسوا مرة عليه منهم شقية فسمته في شاةٍ أتته بها مصلية. واجتهدوا أيضًا في
سحره، فقوهروا بعلى قدره، فاجتمعوا بلبيد بن الأعصم، وكان منافقًا وجعلوا له جعلاً على أن يسحره سحرًا واثقًا، فانقبوا بعد أن تبعوا بخزي وامتهان، وذلك من سائر الأركان، وأنهم من أتباع الأعور الدجال، المستعدين للمسلمين بالسيوف والنبال، وسائر أنواع القتال مع النص المتيقن بأنهم أشد لنا في الحسد والعداوة، وأبد للتمكن من البلادة والغباوة حتى اشتهر أنه ما خلا بعضهم بمسلم، إلا وهم بقتل له معدم، ويروى في ذلك حديث مرفوع بينته في غير هذا المجموع، ومصداقه ما
حكاه له قاضي الحنابلة العز المرحوم، وحاله في الجلالة معلوم أنه كانمرة وحده مارًا بجانب بركة ومقابله من الجانب الآخر يهودي ممن له سعي وحركة، فشرع اللعين في حذفه بالحجارة وأسرع في تواليها بيقين، قاصدًا إقباره، فسلم الله من غدره، ورد كيد اللعين في نحره. بل حكى الفخر الرازي في تفسيره المتقن: أن مذهبهم وجوب الأذى لمسلمين مهما أمكن بقتل، أو قطع، أو أخذ مال، أو نحوها، مما ليس لهم عنه انتقال، كقولهم في التحية المقصود بها الإكرام: عليكم السام، بخلاف النصارى، زيدوا شقاء دهرهم، فإن الأذية حرام عندهم، وكونهم أكذب الخلق على الله، وأنبيائه ورسله، وأصفيائه. وفي كلام أبي حيان لهذا مزيد بيان، فإنه قال عند رأس الحزب الثاني في سورة المائدة من "بحره"
أنهم تربوا على تكذيب الأنبياء وقتلهم، وعلى العتو والمعاضي، واستشعار اللعنة، وضرب الذلة والمسكنة، فتجردت عداوتهم وكيدهم وحسدهم وخبثهم قال: وفي وصف الله إياهم بأنهم أشد عداوة إشعار بصعوبة إجابتهم إلى الحق، ولذلك قل إسلام اليهود، وقال: وإنما جعل النصارى أقرب ودًا وألين عريكة منهم، لأنهم أمة لهم الوفاء والخلال الأربع التي ذكر عمرو بن العاص رضي الله عنه في صحيح مسلم: ويعظمون من أهل الإسلام من استشعروا منه دينًا وأمانة، ويبغضون أهل الفسق، وإذا سالموا فسلمهم صافٍ، وإذا حاربوا فحربهم مدافعة، لأن شرعهم لا يأمرهم بذلك، قال: واليهود ليسوا على شيء من أخلاق النصارى، بل شأنهم الخبث واللي بالألسنة، وفي خلال إحسانك إلى اليهود يترقب ما يعبأ لك به، ألا ترى إلى ما حكى تعالى عنهم في قوله:(ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) انتهى. كانوا في كل قطر وزمان من الذل والامتهان بأوضع مكان، فرءوسهم منكسة، ونفوسهم بالمباهتة مؤسسة، لا كنيسة لهم تذكر، ولا نفيسة عنهم تعتبر، بل هم أقل، وأحقر وأذل وأفقر، وأنتن وأقذر، وأعفن وأدبر، إلى غير ذلك مما هو أشهر من أن ينقل ويؤثر، وانظر إلى قول ابن الناطور رئيس نصارى بيت المقدس فيهم لهرقل ملك الروم بعد أن عرفهم بالخزي واللوم، وتقرر لديه نبيتهم: لا يهمنك شأنهم، واكتب إلى أهل المدائن التي في مملكتك
وتحت سلطنتك وقبضتك فليقتلوا من بها منهم، ويزيلوا بذلك المكروه عنهم، تعرف أنهم لم يكن لهم قبل الإسلام شوكة ولا علو في دار ولا مملكة.
وكذا ذكر أبو حيان في البحر عند قوله من تفسير آل عمران (ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين) نقلاً عن ابن إسحاق: إن اليهود غزوا الحواريين بعد رفع عيسى، فأخذوهم وعذبوهم فسمع بذلك ملك الروم وكان ملك الروم من رعيته فأنقذهم، ثم غزا بني إسرائيل، وصار نصرانيًا ولم يظهر ذلك ثم ولي آخر بعد وغزا بيت المقدس بعد رفع عيسى بنحو أربعين سنة، فلم يترك فيه حجرًا على آخر، وخرج عند ذلك قريظة والنضير إلى الحجاز، فكان من أمرهم ما ذكر في السؤال مما طويته، وقال شيخنا ـ أعلم أهل الأرض بالخبر ـ شيخ مشايخ الإسلام ابن حجر، تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه أعالي جنته ـ: إنهم كانوا مع كثرتهم بإيلياء من تحت الذلة مع الروم الأشقياء لم يكونوا ملوكًا برؤوسهم، لما علم الله من مزيد خبث نفوسهم. ونقل أبو حيان عند قوله في آل عمران أيضًا (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة) عن غيره: إن الآية تخبر عن إذلال اليهود وعقوبتهم بأن النصارى فوقهم في جميع أقطار الأرض إلى يوم القيامة فلا تكون لهم مملكة كما للنصارى، ثم حكى عن الجمهور في تفسير الآية سببًا آخر. ومن ذلهم المستمر أنه لما انتشر الإسلام واستتر كفر أهل الملة اللئام،
وعوهد النصارى الحياري امتنعوا من مساكنتهم واجتمعوا على اشتراط إبعادهم عن ساحتهم، ولم ينقل فيما استقريته الاستقراء التام أن لهم كنيسة بدار الإسلام حسبنما أشير إليه في مطوي السؤال وصير إلى تحريره فيه بأحسن مقال، ونحوه قول أبي حيان: إنه لم يكن فيهم قط أهل ديار ولا صوامع وانقطاع عن الدنيا، بل هم متطامعون متطاولون لتحصيلها حتى كأنهم لا يؤمنون بآخرة، ولذلك لا يرى فيهم زاهد. ويتأيد بما نقل لي عن شيخنا وأستاذنا أنه قال: كل ما بالقاهرة منها محدث، مستحق الاستهدام، حقيقة بالإزالة والإعدام وكذا قال التقي المقريزي أوحد بالمؤرخين بالاعتراف جميع كنائس القاهرة محدث في الإلام بلا خوف، وقد هدم جلها المسلمون في زمن الناصر محمد بن قلاوون بغير اختياره ومرسومه، بل بتأييد من الله تعالى، العالم بظاهر الأمر ومكتومة ولذلك سبب عجيب، وخبر غريب، وهو أنه بعد فراغ الناس من صلاة الجمعة بقلعة الجبل قام موله في وسط الجامع فصاح صياحًا مزعجًا خرج به عن الحد: اهدموا الكنيسة التي بالقلة وكرر ذلك ثم اضطرب، فتعجب السلطان والأمراء من قوله: ورسم بالفحص عنه فوجد بخرائب التتر من القلعة قد بنيت كنيسة فهدمت، ولم يفرغوا منها حتى جاء الجيران العوام والغوغاء اجتمعوا وقت صلاة الجمعة أيضًا وهدموا عدة كنائس بقناطر السباع ونواحيها ما بها وهو شيء يفوق الوصف حتى صارت كومًا، واتفق مثل ذلك في هذا اليوم أيضًا بالقاهرة حيث صاح شخص آخر من الفقراء بجامع الأزهر بين خروج الخطيب والأذان بقوله: اهدموا كنائس الكفر والطغيان. نعم، الله أكبر، فتح الله ونصر، وصار يزعج نفسه ويصرخ
بقوله: إلى الأساس، إلى الأساس، فأحدق الناس إليه النظر ولم يدروا ما هذا الخبر، بل ولم يجدوا شخصه مع إحكام كل منهم في ذلك فحصه فهدمت عدة كنائس منها، بل ومن مصر أيضًا، وجاء الخبر من كل من نائب إسكندرية، ووالي البحيرة ومدينة قوص أنه وقع بالأمكنة المذكورة في يوم الجمعة المشار إليه هدم كنائسها أيضًا وتوارد الخبر من الوجهين القبلي والبحري بكثرة ما هدم في اليوم المذكور، وعلل بعض الفقراء ذلك بكثرة ما زادوا في الطغيان والفساد والمهالك، وكذا أمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله بهدم بيع النصارى المستجدة، ورد على من كتب إليه من ملوك الروم يساله في إجراء أمرهم على ما وجدوه من الكنائس وغيرها، فإنهم زعموا أن من تقدمك فعل في كنائسهم ما منعتهم منه فإن كانوا مصيبين في اجتهادهم فاسلك سنتهم، وإن يكونوا مخالفين لها فافعل ما أدرت بقوله: أما بعد فإن مثلي ومثل من تقدمني كما قال الله تعالى في قصة داود وسليمان (إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكمًا وعلمًا). وحينئذٍ فلقد أجاد هذا السيد الإمام، السند الحبر الهمام، المؤيد لدين الإسلام، والمستعد بتنفيذ الأحكام، لا سيما وقد تأيد بما ذكر من مرسوم السلطان للذي تأيده به خذلان أولى الزيغ والطغيان، شد الله به عضد الدين وساعده، وأعلى به منار الإسلام، وثبت قواعده، ونصره لذلك نصرًا لا ينفك في ازدياد، ولا ينفك عن جلب المراد، ودفع العناد، وكيف لا يكون بهدم ما تأسيس على الفساد آمرًا وبذم من عليه لبس ودلس قاهرًا، وقد أبطل كثير من المكوس، وعطل ما يميل إلى إبقائه كل متخذل معكوس، وأحيا جملة من
مشاعر البلد الحرام وأعيا بتدبيره من يروم اللحاق به من الملوك العظام كما شرحته مع غيره مما يطول في سيرته، وأوضحته من سريرته، ثم كيف لا يكون ذلك على يد إمام تضلع من السنة النبوية بما لا يخفى، واطلع على سير كثير من ملوك العدل والخلفاء، وعرف بمزيد التعبد والزهادة، ووصف بأنه من أولي الكشف والإرادة وكنت ممن مثل خدمته وحصل على الغنيمة الكبرى، ففاز برؤيته، وأثبت من أحواله وأحوال سلفه ما لا يستكثر على صحيح نسبه وشرفه، وحقه أن يكون عن أمر الدين مسئولاً، إلا أن مثلي أو أعظم مني يرشده لما يكون مقبولاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إنما ثل أهل بيتي فيكم كمثل سينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق و"إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله
غفر له" وقال أيضًا: "النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض" وقال أيضًا: "لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه وتكون
عترتي أحب إليه من عترته ويكون أهلي أحب إليه من أهله ويكون ذاتي احب إليه من ذاته" إلى غير ذلك مما أودعته في مصنفي المسمى "ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف" لا سيما وقد صنف شيوخ المذهب كالنجم ابن الرفعة "النفائس في ترميم الكنائس" وجزءًا آخر بديعًا أودعه القاضي تاج الدين السبكي في فتاويه، ثم تلميذه السراج
البلقيني عدة تآليف. وأودع ولده شيخنا قاضي القضاة العلمي البلقيني رحمه الله منها في الفتاوي التي جمعها له واحد، استدل فيه على هدم كنائس اليهود بأحد عشر وجهًا، وجمع قبله الشيخ شمس الدين ابن القيم الحنبلي مجلدًا حافلاً في شروط أهل الذمة وأحكامهم ينتفع به وكذا لشيخه التقي ابن تيمية عدة تآليف وفتاوى في آخرين، اجتمع عندي منها جملة "كشروط أهل الذمة" للحافظ أبي الشيخ ابن حيان و"الإيضاح والبيان" للشيخ أبي عبد الله ابن النعمان المالكي و"استعمال أهل الذمة" لأبي أمامة ابن النقاش الشافعي، و"إلزام أهل الذمة بالشروط
العمرية" أظنه للعماد ابن كثير الحافظ، ومصنف للحافظ ابن زبر، ولو أردت السط في هذه المسألة لكان مجلدًا حافلاً، لكن الوقت أضيق عن الاشتغال بما هو معلوم، مقرر، مفهوم، على أن لي جزءًا لطيفًا جمعته حين رام الظاهر حشقدم رحمه الله إلزام أهل الذمة بالشروط العمرية، سميته "القول المعهود فيما على أهل الذمة من العهود" ثم إن اليهود الكذبة الخونة زعموا في أيام الظاهر جقمق رحمه الله في مكان بحارة رويلة كان معدًا لتعليم أطفالهم، والسكنى به، يعرف بدار ابن شميخ أنه كنيسة، فقام المسلمون في صرفهم عن ذلك، واثبتوا على نائب القاضي الحنفي وغيره، أن الدار المشار إليه، مستحقة لبيت المال المعمور بحكم أن ابن سميح المذكور هلك، ولم يعقب، ولم يترك من يحجب بيت المال عن استحقاقها، سفلاً وعلوا وأن رؤساء اليهود القرابين، ومشايخهم يتداولون وضع أيديهم عليها خلفًا عن سلف بغير طريق شرعي، وسر المسلمون بذلك سرورًا كبيرًا، ويكفي القائمين بهدم هذه الكنيسة ومقدماته ما ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون" ومن
حديث عمير بن هانئ وحميد كلاهما عن معاوية رضي الله عنه بلفظ: "لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" زاد البخاري: قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ رضي الله عنه وهم بالشام. فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذًا يقول وهم بالشام. وهو عند الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي أمامة رضي الله عنه بلفظ: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك" قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" وللطبراني في حديث البهزي نحوه.
وكذا أخرجه أبو يعلى والطبراني في الأوسط من حديث أبي صالح الخولاني عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم خذلان من خذلهم". الحديث.
وعند مسلم من حديث أبي عثمان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بلفظ: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" وذكر يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني: إن المراد بالغرب الدلو، أي العرب بفتحتين، لأنهم أصحابها، لا يستقي بها أحد غيرهم، وقال غيره: المراد بالغرب أهل القوة والاجتهاد في الاجتهاد، يقال: في لسان غَرْب بفتح ثم سكون، أي حدة. قال شيخنا رحمه الله: ويمكن الجمع بين الأخبار، بأن المراد قوم يكونون ببيت المقدس وهي شامية ويستقون بالدلو، ويكون لهم قوة في جهاد العدو، وحدة وجد. انتهى.
وفسر البخاري الطائفة تبعًا لشيخه علي بن المديني بأهل العلم،
وعنه أيضًا: أنها هي المشار إليها بقوله (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا) وليس بمناف للأول. وعن أحمد: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟. قال النووي رحمه الله: ويجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب، وفقيه ومحدث، ومفسر، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهد وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد، بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعض دون بعض منه، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولا فأولاً إلى أن لا تبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد، فإذا انقرضوا جاء أمر الله. انتهى ملخصًا مع زيادة فيه.
ويجب على ولي الأمر ـ جمع الله به كلمة الدين وقمع به المفسدين وأدام بهجته وحفظ على العالم مهجته ـ إكرامهم واحترامهم وإرفادهم، وإمدادهم، وتقوية يدهم، والتسوية في شد عضدهم، لا سيما وهم بأمره بذلك أيضًا قائمون، وبذكره بالجميل جاهرون، وأن لا يصغى لمن يموه ويزخرف وينوه بالتخذيل، ويحرف حيث يقول مما ليس بمقبول، وإن راح على ضعفاء العقول، أن لنا عندهم ببلادهم أسرى ومساجد يخاف عليها من المفاسد، فذاك بالنصارى مخصوص دون اليهود، البهت اللصوص، فليست لهم سلطنة ولا مملكة مزلزلة، فضلاً عن متمكنة، بل هم في
الجاهلية والإسلام كما قدمنا نقله عن الأعلام في غاية من الذل والهوان بكل مكان، فالأخذ على يدهم في هذا محض ضرر، لكونه يؤدي إلى القوة لهم والظفر، فيظهروا من العدواة لأهل الإسلام ما عجزهم يمنع عن إبدائه ويشهروا سيف الانتقام الذي ربما يكون توطئة لقوة الدجال في أعوانه، إذ هم أعظم جنده، وأعلم بأسباب وده، ولله در المأمون، إذ خرج توقعه الميمون: بأن أخبث الأمم اليهود، وأخبث اليهود السامرة من ذوي الحجود، وأخبث السامرة بنو فلان، الزائد ما يصدر عنهم من الطغيان، فليقطع ما بأسمائهم من ديوان الجيش والخراج، ليحصل لأهل هذا الدين القيم تمام التأييد، والابنتهاج، على أن هذا التعلل الذي اشتهر، فهو مع كونه في خصوص النصارى أيضًا غير معتبر وقد ورد في زمن الظاهر جقمق قاصد ملك الحبشة الذي في نصر الدين القيم قد صدق، فقيل له: إنا نكرم من عندنا من النصارى رعاية له، خوفًا على مملكته لقلة عدد المسلمين هناك، وكثرة القائمين بالاشراك فقال: لا تتكلفوا لذلك، وافعلوا ما أمرتم به من عز الدين وذل من للكفر سالك، فحزب الله هو المنصور وحزب أعدائه كل منا به مأمور، وكم من ملك وأمير وخليل ووزير، قد تصدى لهدم كثير مما للنصارى الأبالس من الديورات والكنائس فلم ينطق أهل الزيغ والسفه ببنت شفة، وكانت عاقبته محمودة، وعائدته بالنفع موجودة، منهم نورور العلي الهمة والمقدار، مع كونه في مملكة التتار ثم منكلي بغا نائب الشام المحروس، بالغ في ذل النصارى والتبارك والقسوس، بالحبس والغل والإشهار، والرفس والذل، والإقبار، بل لما فتح باب كيسان في الشام وجد هناك مسجدًا كان قبل
الخمسمائة كنيسة لليهود اللئام، قد تمادى عليه الزمان وهجر من الصلاة والإعلان بالأذان، فوسعه وصيره جامعًا ثابت الأركان، وأحدث فيه خطبة مع كونه داخل سور دمشق ولم يتفق منذ فتحت إحداثها إلى الآن فارتغم اليهود أيضًا لا سيما وقد صارت حارتهم هناك للدواب وغيرها موطئًا وأرضًا.
وكذا اتفق حين كان البلقيني بالشام قاضيًا أخذ كنيسة لليهود وجعلت مسجدًا شاميًا، وفي رمضان سنة ثمانين وسبعمائة مضبوطة عدا، توجه الجمال أبو الثناء محمود القيصري المحتسب إلى الجيزة فهدم كنيسة أبي النمرس وعملها مسجدًا، ووقع في زمن الظاهر أبي سعيد نحو هذا التأييد، فمولانا السلطان حماه الله عن الإصغاء للزور والبهتان يستخير الله في عمل هذه البقعة مسجدًا ويستشير من يتقي الله في جعلها للمسلمين معبدًا، لتذكر بذلك مملكته إلى الأبد، ويشتهر بين سائر ملوك الآفاق بقوة العدد والمدد، فذاك الغاية في إرضاء الله ورسوله، وإمضاء ما بلغه من صحيح المقال ومقبوله، يسر الله له ذلك بمنه وكرمه، وقهر بوجوده كل سالك للمخالفة بلسانه وقلمه، فقد قال تعالى في كتابه:(ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) وقال: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز)
وأما ما ذكر ـ أعني مما طوى من السؤال ـ من تمرد اليهود، فقد استفيض
على الألسنة عنهم ي هذه الحادثة، ما هو أبلغ مما ذكر في السؤال، مما لا يشك في انتقاض عهدهم الملتزمين به ببعضه فضلاً عن مجموعه، ومعلوم أن مولانا السلطان نصره الله قد تكلف في التجاريد التي تكررت في أيامه وبذل الأموال التي تفوق الوصف، ففي عمله بمقتضى نقض العهد ما تحصل له به إن شاء الله الخلف عن ذلك كله، لا سيما وليست لهم شوكة ورواية في هذا بخصوصه أعلى وأولى، والله المستعان وعليه التكلان، ونسأله إلهام رشدنا، وإعاذتنا من شرور أنفسنا وكفايتنا أمر الأعداء المعتدين، وإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين.