الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
290 - مسألة: في عمل المسلم للذمي
.
فالجواب: فيه أحاديث. فروى ابن ماجه عن ابن عباس قال: اصاب النبي صلى الله عليه وسلم خصاصة فبلغ ذلك عليًا عليه السلام فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئًا ليغيث به النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى بستانًا لرجل من اليهود استقى له سبعة عشرة دلوًا، كل دلو بتمرة فخيره اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة، فجاء بها إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم. وسنده ضعيف، ولكن له شاهد عن إسحاق بن راهويه وابي يعلى في مسنديهما عن علي نفسه والفظ لأولهما قال: خرجت في ليلة شاتية من بيتي جائعًا حرضًا قد أدلقني البرد فأخذت إهابًا قد كان عندنا فجبته ثم أخلته في عنقي ثم حزمته على صدري أستدفئ به، والله ما في بيتي شيء آكل منه ولو كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم لبلغني، فخرجت في بعض نواحي المدينة فاطلعت إلى يهودي في حائط من ثغرة جداره فقال: مالك يا أعرابي؟ هل لك في كل دلو بتمرة؟ فقلت: نعم، فافتح الحائط، ففتح لي فدخلت فجعلت أنزع دلوًا ويعطيني تمرة حتى إذا ملأت كفي قلت: حسبي منك الآن فأكلتهن ثم كرعت في الماء ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلست إليه في المسجد وهو في عصابة من أصحابه، فاطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ما فيه من النعيم، ورأى حالته التي هو فيها فذرفت عيناه فبكى ثم قال: "كيف أنتم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في أخرى وسترتم بيوتكم
كما تستر الكعبة؟ " قلنا: نحن يومئذٍ خير نكفي المؤنة ونتفرغ للعبادة قال: "أنتم اليوم خير منكم يومئذٍ".
والحرض بفتح: المهملة ثم راء مكسورة بعدها معجمة هو الذي فسد بدنه واشفى على الهلاك. وأدلقني: بالمهملة أي أخرجني وجبته: بجيم مضمومة ثم موحدة يعني قطعته وقورته. ورواه الترمذي في جامعه باختصار ولفظه: خرجت في يوم شات من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذت إهابًا معطوفًا فجوبت وسطه فأدخلته عنقي وشددت وسطي فحزمته النخل وإني لشديد الجوع ولو كان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام لطعمت منه فخرجت ألتمس شيئًا فمررت بيهودي في مال له وهو يسقي ببكرة له فاطلعت عليه من ثلمة في الحائط فقال: ما لك يا أعرابي هل لك في كل دلو بتمرة؟ قلت: نعم فافتح الباب حتى أدخل ففتح فدخلت فأعطاني دلوه فكلما نزعت دلوًا أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه وقلت: حسبي، فأكلتها ثم جرعت من الماء فشربت ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عقبه: إنه حسن غريب. قلت: هو كذلك لو سمى راوية عن علي. وقد رواه العدني في مسنده فأرسله بلفظه أصلاً ولفظه: إن أهل العراق أصابهم أزمة فقام بينهم علي بن أبي طالب فقال: أيها الناس أبشروا فوالله إني لأرجو أن لا يمر عليكم إلا يسير
حتى تروا ما يسركم من الرخاء واليسر، قد رأيتني مكثت ثلاثة ايام من الدهر ما أجد شيئًا آكله حتى خشيت أن يقتلني الجوع فأرسلت فاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستطعمه لي، فقال:"يا بنية والله ما في البيت طعام يأكله ذو كبد إلا ما ترين ـ لشيء قليل بين يديه ـ ولكن ارجعي فسيرزقكم الله" فلما جاءتني فأخبرتني انقلبت وذهبت حتى آتي بني قريظة فإذا يهودي على شفة بئر فقال: يا عربي هل لك أن تسقي لي نخلي وأطعمك؟ قلت: نعم، فبايعته على أن أنزع كل دلو بتمرة فجعلت أنزع فكلما نزعت دلوًا أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت يدي من التمر فعدت فأكلت وشربت من الماء ثم قلت: يا لك بطنًا لقد لقيت اليوم خيرًا، ثم نزعت مثل ذلك لابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضعت ثم انقلبت راجعًا حتى إذا كنت ببعض الطريق إذا أنا بدينار ملقي فملا رأيته وقفت أنظر إليه أؤامر نفسي أأخذه أم أذرة؟ فأبت نفسي إلا أخذه، وقلت: أستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته فلما جئتها أخبرتها الخبر قالت: هذا من رزق الله فانطلق فاشتر لنا دقيقًا، فانطلقت حتى جئت السوق فإذا بيهودي من يهود فدك يبيع دقيقًا من دقيق الشعير فاشتريت منه فلما اكتلت قال: ما أنت من أبي القاسم؟ قلت: ابن عمه وابنته امرأتي فأعطاني الدينار فجئتها فأخبرتها الخبر، فقالت: هذا رقز من الله عز وجل فاذهب به فارهنه بثمانية قراريط ذهب في لحم، ففعلت ثم جئتها به فقطعته لها ونصبت ثم عجنت وخبزت ثم صنعنا طعامًا وأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءنا فلما رأى الطعام قال:"ما هذا، الم تأتي آنفًا فتسألني؟ " فقلنا: بلى، اجلس يا رسول الله نخبرك الخبر فإن رأيته طيبًا أكلت، وأكلنا، فأخبرناه الخبر فقال:"هو طيب فكلوا بسم الله" ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فإذا هو بأعرابية تشتد كأنها نزع فؤادها فقالت: يا رسول الله إني أبضع معي بدينار فسقط مني، والله ما أدري أين سقط؟ فانظر بأبي وأمي
أن يذكر لك، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعي لي علي بن أبي طالب فجئته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب إلى الجزار فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قراريطك عليَّ فأرسل بالدينار" فأعطاه الأعرابية فذهبت.
لكن لهذا الحديث طريق أخرى رواه ابن ماجه باختصار جدًا من حديث أبي إسحاق عن أبي حية ـ بمهملة ومثناه تحتانية ولا يعرف اسمه ـ عن علي قال: كنت أدلو الدلو بتمرة وأشرط أنها جلدة. يعني يابسة اللحاء جيدة. وبعضها يؤكد بعضًا.
وفي المعنى أيضًا ما رويناه في الغيلانيات من حديث مجاهد ومحمد بن علي بن حسين الباقر كلاهما عن علي قال: أصابنا وأنا بالمدينة جوع شديد حتى مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فعرف جهد الجوع ي وجهي، فخرجت ألتمس العمل فإذا أنا بامرأة من اليهود قد جمعت ترابًا لها تريد أن تبله وقاطعتها على كل ذنوب بتمرة فمددت لها ثلاثة عشر ذنوبًا حتى تزلعت يداي فأتيتها فعدت ثلاثة عشر تمرة فاتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم وصببتها بين يديه فأكلناها وأصبنا من الماء" وهو عند أحمد من حديث مجاهد بلفظ: "جعت مرة بالمدينة جوعًا شديدًا فخرجت أطلب العمل في عواملي المدينة فإذا بامرأة قد جمعت مدرًا فظننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة
…
الحديث. وأخرجه أبو نعيم في الحلية ولفظه: "خرج علينا علي يومًا متعجزًا فقال: جعت بالمدينة جوعًا شديدًا فخرجت أطلب العمل
في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرًا فظننت تريد بله فأتيتها فقاطعتها على كل ذنوب بتمرة فمددت ستة عشر ذنوبًا حتى مجلت يداي ثم أتيت الماء فأصبت منها، ثم أتيتها فقلت: يكفي هكذا بين يديها ـ وبسط إسماعل يعني روايه يديه وجمعها ـ فعدت لي ستة عشر تمرة أو سبعة عشر ثم غسلت يدي فذهبت بالتمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي خيرًا ودعا لي. وفي آخر: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأكل معي منها، وفي لفظ: استقيت ستة عشر أو سبعة عشر جئت إلى حائط أو بستان فقال لي صاحب: دلوًا وتمرة فدلوت دلوًا بتمرة فملأت كفي ثم شربت من الماء ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بملء كفي فأكل بعضه وأكلت بعضه
…
وكذا وقع نحو هذا لغير علي، فعند ابن ماجه بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله ما لي أرى لونك منكفئًا؟ قال: "الخمص" فانطلق الأنصاري إلى رحله فلم يجد فيه شيئًا، فخرج يطلب فإذا هو بيهودي يسقي نخلاً له، فقال الأنصاري لليهودي: أسقي نخلك؟ قال: نعم، قال: كل دلو بتمرة واشترط الأنصاري أن لا يأخذ خدرة ـ يعني المعفنة ـ ولا تارزة ـ يعني اليابسة ـ ولا حشفة، ولا يأخذ إلا جلدة، فاستقى بنحو من صاعين، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وله شاهد عند الطبراني في الكبير بسند فيه مجاهيل عن محمد بن إبراهيم بن عنمة الجهني عن أبيه عن جده قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلقيه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله يأبى أنت وأمي إنه ليسوءني الذي ارى بوجهك وعما هو قال: فنظر النبي صلى الله عليه وسلم لوجه الرجل
ساعة ثم قال: "الجوع" فخرج الرجل يعدو أو شبيهًا بالعدو، حتى أتى بيته، فالتمس عندهم الطعام فلم يجد شيئًا فخرج إلى بني قريظة فآجر نفسه على كل دلو ينزعها بتمرة حتى جمع حفنة، أو كفًا من تمر ثم رجع بالتمر حتى وجد النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه لم يرم فوضعه بين يديه، قال، كل ـ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"من أين لك هذا التمر؟ " فأخبره الخبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إني لأظنك تحب الله ورسوله؟ " قال: أجل، والذي بعثك بالحق لأنت أحب إليَّ من نفسي وولدي وأهلي ومالي، فقال:"أما لا فاصطبر للفاقة وأعد للبلاء تجفافًا فوالذي بعثني بالحق لهما إلى من يحبني أسرع من هبوط الماء من رأس الجبل إلى أسفله"
…
وعنده أيضًا في الكبير بسند جيد عن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيرًا قال: فقلت: بأبي أنت [وأمي] مالي أراك متغيرًا؟ قال: "ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث" قال: فذهبت فإذا بيهودي يسقي إبلا له فسقيت له على كل دلو بتمرة، فجمعت تمرًا، وأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من أين لك يا كعب؟ " فأخبرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتحبني يا كعب" قلت: بأبي أنت نعم وذكر الحديث ويحتمل تفسير المبهم بهذه الرواية إن لم تتعدد الواقعة، وظهر بهذه الأدلة جواز العمل فيه وفيما يشبهه ما لم يقترن بامتهان، ومع ذلك فتركه أولى، والله الهادي.