الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
324 - سئلت: في تحرير الأفضل من فاطمة وخديجة وعائشة رضي الله عنهن وكذا مريم عليها السلام
؟
فأجبت: الخلاف في أيتهن أفضل منهن ولكن قال التقي السبكي: الذي ندين الله تعالى به أن فاطمة أفضلهن، ثم خديجة ثم عائشة، قال: والحق أحق أن يتبع انتهى.
وأقوى الأدلة لفاطمة الإجماع المحكمي على أفضليتها قوله صلى الله عليه وسلم: "إنها سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم" وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنها بضعة مني أي قطعة لحم" وإن اشترك أخواتها معها في هذا الوصف فامتيازها عنهن بتنصيصه عليه السلام به في حقها، وأن من أغضبها فقد أغضبه، وكونها تجرعت ألم فقد النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرها من بناته، فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته ومات هو صلى الله عليه وسلم في حياتها فكان في صحيفتها، واشتركت معهن في ثكل فقد أمهن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
ولخديجة قوله صلى الله عليه وسلم: "إنها خير نسائها" أي هذه الأمة، ويروى في
آخر ـ حسن السند رافع للإشكال ـ كما عند ابن عبد البر بسنده: "سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة" ولكن خدش فيه بمحبة ضمير صيغة ترتيب، وكيف لا تكون خديجة بهذه المرتبة وقد انفردت بخصوصيات جمة منها: تصديقها للنبي صلى الله عليه وسلم في أول وهلة، فكانت أول من أجاب إلى الإيمان به ودعا إليه فأعان بالنفس والمال والتوجه التام بحيث لم تسبق مطلقًا لذلك، وكل من آمن بعدها يكون لها مثل أجورهم لما ثبت أن "من سن سنة حسنة فله مثل أجر من يعمل بها" ولا يقدر قدر هذا إلا الله تعالى.
ولعائشة ما اختصت به من الأمور التي ارتفعت بها ومن ذلك: كونها حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا كثيرًا، وعاشت بعده قريبًا من خمسين سنة بحيث أكثر الناس الأخذ عنها ونقلوا عنها من الأحكام والآداب شيئًا كثيرًا حتى قيل: إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها، بل واستدركت على كثير من الصحابة رضي الله عنهم الكثير مما أفرد بالتأليف، وكان
اختصاصها مما منحت به لمكان أبيها رضي الله عنهما فإنه لم يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب أحواله، فسرى سره لابنته مع ما كان من مزيد حبه صلى الله عليه وسلم.
وبالجملة، فقد قال ابن القيم: إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك الأمر لا يطلع عليه، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح.
قلت: وكذا قال بكر المزني مما ذكره الغزالي في الإحياء ولم نجد مخرجه في المرفوع: "ما فضلكم أبو بكر بمزيد كذا وكذا ولكن بشيء وقر في قلبه".
ويروى أيضًا: "ما أنا قدمته ولكن الله قدمه".
وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة، وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة، وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت لها ولخديجة يعني بالنص، ولكن اختار بعضهم القول بالوقف بين خديجة وعائشة وبعضهم فضل خديجة وبعضهم فضل عائشة.
ومن الأقوال الساقطة الفاسدة ما ذهب إليه ابن حزم كما في المحلى من تفضيل نسائه صلى الله عليه وسلم على سائر الصحابة لأنهن في درجته في الجنة وهو غني عن الرد عقلاً ونقلاً، ووراء هذا أنه لا يلزم من ثبوت خصوصه بشيء من الفضائل لبعض ثبوت الفضل المطلق، لحديث:
"أقرؤكم أبي وأفرضكم زيد" ونحو ذلك، ومن هنا يقال: الأحبية لا تتحتم في الأفضلية مطلقًا وإن تضمنت محبة الرسول لمحبة الله عز وجل وبنحوه في الجملة ـ من غاير بين أخير وأفضل، قوله باب الخيرية غير باب الفضيلة كما أنك تقول: الحر الهاشمي أفضل من العبد الرومي أو الحبشي، وقد يكون العبد الحبشي خيرًا من هاشمي في معنى الطاعة والمنفعة للناس، فإن الخيرية متعد، وباب الفضيلة لازمة وقد يستشكل لمن يسوي بين أصح واثبت وأجود الآتي بصيغة أفعل دون الوصف بجيد، فإنه أنزل عند الجهد من صحيح ثم إن تقديم مريم كما في الرواية المتقدمة أعني في السؤال، وكذا في رواية:"خير نساء العالمين" لا يمتنع عند القائل بثبوتها إن الأنبياء لا يوازيهم غيرهم.
وأما من لم يقل به فيحمله على عالم زمانها أو غير ذلك من المحامل، والكلام في ذلك كله يحتمل البسط في محله.