الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
280 - مسألة: ذم إمرة الصغار
، مروي في أحاديث.
منها: عند أحمد وابن ماجه وغيرهما بسند حسن عن أنس رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله! متى نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم السابقة" وفي رواية: "في بني إسرائيل" قالوا: يا رسول الله! وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: "الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالتكم".وفي لفظ: "إذا ظهر الادهان في خياركم، والفاحشة في كباركم، وتحول الملك في صغاركم، والفقه في رذالكم".
ولكن ما المراد بالصغر، يظهر والله أعلم أنه ليس المراد به صغر السن، إذ رب صغيرٍ أفضل وأولى من كثير من الكبار، ويشير إليه قوله تعالى:(يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك) وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد، ومعاذ بن جبل، وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم للولايات، مع صغر أسنانهم، بل يورى أنه صلى الله عليه وسلم أرسل سرية فاستقرأهم فقرًا شيخ، ثم قرأ شاب، فاستعمله، فقال الشيخ: استعملته علي وأنا أكبر منه
سنًا فقال: "إنه أكثر منك قرآنًا".
وكان عمرو بن سلمة الجزمي، يؤم قومه وهو صغير، وفيهم من هو أكبر منه لكونه أفضلهم وأقرأهم. وكان عمر رضي الله عنه يدخل ابن عباس رضي الله عنهما من أشياخ بدرً فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله، فقال عمر: إنه ممن علمتم فدعاهم ذام يوم فأدخله معهم، قال ابن عباس: فما رأيت أنه دعاني يومئذِ إلا ليريهم قال: ما تقولون في قول الله (إذا جاء نصر الله والفتح)؟ فقال بعضهم شيئًا، وسكت بعضهم، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له قال: (غذا جاء نصر الله والفتح) فذلك علامة أجلك (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول.
وأشباه هذا كثيرة في أمراء العدل وغيرهم وإنما المراد بالصغر، النقص في الفهم والعقل والنظر في أمور الدين ومصالح المسلمين كما قال بمثله ابن المبارك رحمه الله في عده صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة: التماس العلم عند الأصاغر، حيث قال: هم أهل البدع، لا صغار الأسنان: ويستأنس له بقول بعض أهل العلم: الجاهل صغير وإن كان شيخًا، والعالم كبير وإن كان حدثًا. وما أحسن قول القائل:
تعلم فليس المرء يولد عالمًا
…
وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده
…
صغير إذا التفت عليه المحافل
ولا يخدش في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "البركة مع أكابركم" وما أشبهه من
قوله: "كبر كبر". وقوله: "وقر الكبير" فذاك محمول على كبير فيه أهلية لا العري عن الصفات الجميلة أو جلها، وقد جاء عن مالك بن دينار أنه قال: قرأت في بعض الكتب المنزلة أن الحكمة تزيد الشريف شرفًا وترفع المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك.
بل هذا يروى في حديث مرفوع بلفظ: "إن الحكمة ترفع العبد حتى تجلسه مجالس الملوك" ويجوز أن يكون الصغر بالنسبة لكونهم ليسوا من ذوي الأنساب، فهم عند كثير من الأغنياء صغار وإن كانوا علماء، وحينئذٍ فالمحذور فيهم كون السلطان يجد السبيل إلى احتقارهم، وعدم الانقياد لأوامرهم، سيما من ذوي الوجاهة في النسب على أنه يحتمل أن
يكون الصغر على ظاهره، ويكون المحذور في تقدمه عدم انقياد الكبير له، كما جاء مثله عن عمر رضي الله عنه فإنه قال:"قد علمت ما صلاح الناس ومتى فسادهم، إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا".
ونحوه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في كباركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير بل يروى عنه مرفوعًا، والآثار في هذا المعنى منتشرة.
وأما ما رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وآخرون عن عابس الغفاري رضي الله عنه "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف على أمته ست خصال: إمرة الصبيان وكثرة الشرط، والرشوة في الحكم، وقطيعة الرحم واستخفاف بالدم، ونشء يتخذون القرآن مزامير، يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أفضلهم، يغنيهم غناء" فلعله أشار به إلى أيام يزيد بن معاوية بدليل ما رواه أحمد بن منيع من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان" وفي رواية: قالوا: يا رسول الله وما إمارة الصبيان؟ قال: "إن أطعتموهم هلكتم وإن عصيتموهم أهلكوكم".
ولكن قوله فيها: "راس السبعين" غلط والصحيح رأس الستين كما صرحت به غيرها فقد كانت إمارة يزيد فيها وكان غالبًا ينزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها الأصاغر من أقاربه، ولذا كان أبو هريرة رضي الله عنه كما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي في الدلائل وغيرها ـ يمشي في السوق ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان واستجاب الله عز وجل دعاؤه فمات قبلها. وللبيهقي في الدلائل من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية: (فخلف من بعدهم خلف) فقال: (يكون خلف من بعد ستين سنة (أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا) " وذكر حديثًا.
وبالجملة فمن تأمر على قوم وهو يعلم فهيم من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله. والله المستعان.