الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
274 - مسألة: في قول القاضي عياض بآخر "الشفاء": (ويخصنا بخصيصي زمرة نبينا وجماعته" بسكون الياء بصيغة التثنية المحذوفة النون أو بألف التأنيث المقصورة
؟.
فالجواب: قد ثبت بالتثنية بدون حكاية غيرها في الأصل المعتمد الذي كتب عليه التاج عبد الباقي اليماني مختصر الصحاح، ومؤلف "الاكتفاء في شرح ألفاظ الشفا" بالثناء البالغ الذي من جملته أعرب أي ناسخه تلك الألفاظ، وأخذها عن السادة الحفاظ، أبدع فيما رقم، وأتقن فيما حكم، وشهد له التاج السبكي بأنه الذي يروي فيروى كل ظمآن ويبدي فوائد تسحر لب الإنسان. انتهى. وكيف لا يكون كذلك ومحرره قد اجتهد في جميع أصول صحاح، منها أصل مغربي قديم مقابل مع حفيد المؤلف المذكور بالمشاركة في فنون من العلوم العقلية وغيرها وبالشعر والفصاحة ونحو ذلك على أصل جده القاضي عياض فما حصل الاتفاق عليه في الأصول المشار إليها أثبته بالأصل وما لا اقتصر على الأكثر أو الأضبط، وبين بالهامش المخالف، وهو في هذا اللفظ بخصوصه. لم يبين خلافًا فاقتضى الاتفاق، ومع ذلك كله لم يكتف محرره بهذا بل قرأه مقابلة، وتصحيحًا، على حافظ وقته المرجوع إليه في الحديث، ومتعلقاته مع تقدمه في التصريف واللغة أبي الحجاج المزي، وكذا قرأ فيه الحافظ الشمس ابن ايبك السروجي وكتب عليه خطه بذلك، بل وأفاد بهامشه إلى غيرهم من أئمة العلم والحديث، وتداوله الأكابر خلفًا عن سلف إلى هذا الوقت وكان ممن قرئ عليه فيه المجلس الأخير بخصوصه شيخنا وأستاذنا من لم تر عين من رآه في فنون الحديث النبوي مع ما اشتمل عليه من العلوم الجمة مثله وكنت بحمد الله ممن قرأ منه بحضرة الأئمة الأكابر من الشيوخ وغيرهم بل وقريء علي فيه أيضًا غير مرة، وحرر معي أصل
صار عمدة ولا أعلم إن شاء الله أصح منه.
وحينئذ فيقال: الرواية في هذا اللفظ بالتثنية اعتمادًا على ما بينته كما يقال رواية الأصيلي، والقابسي والجياني، وغيرهم بالنسبة لصحيح البخاري.
كذا مع كون لا مستند لذلك في هذه الأعصار المتأخرة إلا الأصول المعتمدة، ولا يخدش فيما تقدم أن ألف التأنيث المقصورة تكتب ياء، لأنا نقول، وإن وجد ذلك كذلك في الخط فالمتقن لا يسكن الياء إلا في المثنى خوفًا من حصول الالتباس، وإذا ثبت كذلك وعلم أن القاضي عياضًا قائل هذا اللفظ أعرف الناس في وقته بعلوم الحديث وبالنحو واللغة، وكلام العرب وأيامهم، وأنسابهم، وممن كان في الإتقان بمكان كان كافيًا في الرجوع إليه في هذا اللفظ إن لم يوجد صريحًا ما يخالفه هذا الحافظ الشرف أبو الحسين اليونيني مع كونه لم يجتمع فيه ما اجتمع في القاضي عياض قد عول الناس عليه في ضبط الروايات في صحيح البخاري لكثرة ممارسته له، واعتنائه بمقابلته حتى إن الحافظ الذهبي حكى أنه سمعه يقول: أنه قابله وأسمعه في سنة واحدة إحدى عشر مرة، ولكونه ممن وصف بالمعرفة لكثير من اللغة، والحفظ لكثير من المتون والمعرفة بالأسانيد بحيث أن سيبويه وقته الجمال ابن مالك حضر عنده سماع الصحيح المذكور فكان إذا مر من الألفاظ ما يتراءى مخالفته لقانين اللسان العربي سأل الشرف عن الرواية فيه، فإن أجاب بأنه كذلك شرع ابن مالك في توجيهه حسب إمكانه ومن ثم جمع كتابه المسمى "شواهد التوضيح" مع كونه لم يستوعب ذلك، ومن ذا ينهض بما نهض به ابن مالك أو يوازيه علمًا وعملاً، وإتقان وروعًا أو من أحاط علمًا بحفظ اللغة وجمع دواوينها حتى يسوغ له أن يقول: إنه لم يسمع خصيص فذلك كعلم
الحديث والفقه بحر لا ساحل له غاية الماهر منه مراجعة القاموس، ولسان العرب والاقتصار عليهما لا يسوغ إطلاق النفي بل كل حصر في باب متسع الانتشار منتقد في الغالب، ومن العجيب من استدل باقتصار الفارابي في ديوان الأدب على خمسة ألفاظ في باب فعيل، وثمانية في باب فعيلي وزعم صراحته في أ، هـ ليس لنا خصيص على وزن فعيل حتى يثنى علي خصيصي مع كون الفارابي لم يدع الحصر ولو ادعاه عليه في الوزن الأول بخريت، وخريج، وحديث وحريف، وفيسيق، ومسيك، وعريض لمن يتعرض للناس بالشر، وسجيل، وسجين وغيرها.
وفي الثاني بخصيصي، وربيبي وهجيري، وحجيزي، وحديثي، وخليفي وغيرها، بل من الوزن الأول صديق، وهو كل من صدق بكل ما أمر الله به على لسان أنبيائه بغير شك، ولا امتراء وهو دائم الصدق، وقد ثبت قطعًا جمعه بقوله تعالى:(والصديقين) وما ثبت جمعه جمع تصحيح ثبتت تثنيته.
وإذا تقرر هذا فالتثنية في كلام القاضي بالنظر لشيئين، وهما الزمرة الشاملة لجميع من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة وغيرهم إلى يوم القيامة، والجماعة الذين هم أصحابه رضي الله عنهم، وخصهم بعددخولهم في العموم لشرفهم فكأنه سأل الله أن يخصه باقتفاء طريق الخواص من أصحاب نبيه، ومن سائر أمته، وهو نحو قول القائل: هب لنا ما وهبته لأوليائك وأحبائك.
ويجوز أن يكون سأل أن يخص بخصيصي هذه الأمة وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما حسبما ورد في حديث سنده ضعيف عند الطبراني في الكبير من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن
لكل نبي خاصة من أصحابه، وإن خاصتي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما".
وكذا أخرجه البيهقي في الفضائل.
ولا يكون من خواصهما إلا بسلوك طريقهما واقتفاء سنتهما وعلى تقدير التنزيل في كون الزمرة، والجماعة واحدًا فليس يمتنع الإتيان بلفظ التثنية مع إضافته لفظًا بواحد.
وبالجملة فهذا ثالث سؤال ورد عليَّ في هذا اللفظ مع كونه لا يحتمل هذا الأمر كله وكأنه السائل وفقني الله وإياه ظن أنه ربما أميل إلى خلاف ما أثبته كما صنع غيري، ومعاذ الله أن أتحول إلا بما أعتمده، وثبت عندي ثبتنا الله على الحق بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة بمنه وكرمه.