الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
275 - مسألة: في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم
.
فالجواب: قد ثبت في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: "في النار" فلما قفا أي ذهب موليًا بقفاه، دعاه فقال:"إن أبي وأباك في النار" وهذا الرجل هو حصين بن عبيد والد عمران رضي الله عنهما.
وفي ابن خزيمة ما يشهد له وقيل أبو رزين لقيط بن عامر، فلعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والطبراني في الكبير وغيرهما في حديث طويل للقيط بن عامر في البعث قال: فيه: فقلت: يا رسول الله هل لأحد فيما مضى من خير في جاهليتهم فقال رجل من عرض قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار قال: فلكأنه وقع حر بين جلدي ووجهي مما قال
لأبي على رؤوس الناس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟ فإذا الأخرى أجم، فقلت: يا رسول الله وأهلك؟ قال: "وأهلي لعمر الله، ما أتيت على قبر عامري، أو قرشي، فقل: أرسلني إليك يا محمد صلى الله عليه وسلم فأخبرك بما يسؤك، تجر على وجهك وبطنك في النار فقلت: يا رسول الله بما فعل بهم ذلك وقد كانوا [على عمل] لا يحسنون إلا إياه، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون؟ قال: "ذاك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم ـ يعني نبيًا ـ فمن عصى الله كان من الضالين، ومن أطاع الله كان من المهتدين".
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بينما نحن نمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا بصر بامرأة لا نظن أنه عرفها فلما توسط الطريق وقف حتى انتهت إليه فإذا فاطمة ابننة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها فقال: "ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ " قالت: أتيت أهل هذا الميت فرحمت إليهم ميتهم، وعزيتهم قال:"لعلت بلغت معهم الكدى" أي القبور قالت: معاذ الله أن أكون بلغتها معهم وقد سمعتك تذكر في ذلك ما تذكر قال: "لو بلغتيها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك" قال النووي رحمه الله عقب أولها: فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين، مع ما فيه من حسن العشرة للتسلية بالاشتراك، وقال البيهقي عقبها من كتاب دلائل النبوة: وكيف لا يكون أبواه، وجده
عليه السلام بهذه المثابة في الآخرة، وكانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا ولم يدينوا دين عيسى ابن مريم عليه السلام قال: وكفرهم لا يقدح في نسبه صلى الله عليه وسلم، لأن أنكحة الكفار صحيحة، ألا تراهم يسلمون مع زوجاتهم فلا يلزمهم تجديد العقد، ولا مفارقتهن إذا كان مثله يجوز في الإسلام.
قال ابن كثير: وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أبويه وجده عبد المطلب بأنهم من أهل النار لا ينافي الحديث الوارد عنه صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة مبينة عند قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) إن أهل الفترة والأطفال والمجانين، والصم يمتحنون في العرصات يوم القيامة فيكون منهم من يجيب، ومنهم من لا يجيب، فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة انتهى. ولكن قد قال النووي: ليس كونهم من أهل النار مؤاخذة قبل بلغ الدعوى، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
ومن الأدلة للمسألة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ثم قال: "استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، واستأذننه في الاستغفار فلم يأذن لي، فزوروا القبور تذكركم الموت" وعن بريدة رضي الله عنه قال: انتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسم قبر،
فجلس وجلس الناس حوله كثيرًا، فجعل يحرك راسه كالمخاطب، ثم بكى فاستقبله عمر رضي الله عنه فقال: فذاك أبي وأمي يا رسول الله! ما يبكي:؟ قال: "هذا قبر آمنة بنت وهب، استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذننه في الاستغفار لها فأبى علي، فأدركتني رقتها فبكيت" قال: فما رايت ساعة أكثر باكيًا من تلك الساعة. ولغيره في حديث لابن مسعود رضي الله عنه: "ونزول علي (ما كان للنبي والذي آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم".
وأخرجه البيهقي من حديث ابن مسعود نحوه وكذا للبزار من حديث بريدة رضي الله عنه أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تستغفر لمن مات
مشركًا.
وفي الباب عن أبي رزين العقيل وابني ملكية الجعفيين لا نطيل بهما. وحينئذ فالقصد بزيارته صلى الله عليه وسلم قبرها كما قال عياض، قوة الموعظة، والذكرى بمشاهدة قبرها، واستنبط منه غيره جواز زيارة المشركين في الحياة لأنه إذا جازت بعد الوفاة ففي الحياة الأولى، سيما وقد قال الله تعالى:(وصاحبهما في الدنيا معروفا).
وأما النهي عن الاستغفار للكفار، فلا يعارضه ما أخرجه البيهقي في البعث من حديث المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه:"يحشر الناس حفاة عراة" وذكر الحديث في قول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم حين يقوم عن يمين العرض: سل تعط واشفع تشفع قال: فقام رجل فقال: أترجو لوالديك شيئًا؟ فقال: "إني لشافع لهما أعطيت أو منعت، وما أرجو لهما شيئًا" لا صحبه ذاك على أن البيهقي قال: إنه يحتمل أن هذا كان قبل نزول الآية في النهي عن الاستغفار للمشركين،
والصلاة على المنافقين.
وقد يشير إليه قول الواحدي في الوسيط: وقرأ نافع: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم). أي النار بفتح التاء وجزم اللام على النهي للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه نقل جبريل عن قبر أبيه وأمه، فدله عليهما فذهب إلى القبرين، ودعا لهما، وتمنى أن يعرف حال أبويه في الآخرة فنزلت.
رواه ابن جرير في تفسيره من حديث محمد بن كعب القرظي رفعه مرسلاً: "ليت شعري ما فعل أبواي، ليت شعري ما فعل أبواي" فنزلت قال: فما ذكرهما حتى توفاه الله عز وجل. ومن حديث داود بن أبي عاصم رفعه مرسلاً أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "أين أبواي؟ " فنزلت. وأورد الواحدي في الأسباب له تعليقًا فقال: وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "ليت شعري ما فعل أبواي" فنزلت.
ووصله الثعلبي وغيره من رواية عطاء عنه وكلها ضعيفة، ورده جماعة من المفسرين باستحالة الشك من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه، منهم ابن عطية حيث قال: هذا خطأ ممن رواه، أو ظنه، لأن أبه مات وهو في بطن أمه وقيل: هو ابن شهر، وقيل: ابن شهرين، ومات أمه بعد ذلك
بخمس سنين، منصرفها به من المدينة من زيارة أخواله، فهذا مما لا يتوهم أنه خفي عليه صلى الله عليه وسلم، وكذا استبعده الفخر الرازي قال: لأنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم حال من مات كافرًا، ولكن دفع العماد ابن كثير هذا باحتمال أن هذا كان قبل علمه صلى الله عليه وسلم بأمرهما فلما علم تبرأ منهما، وأخبر أنهما في النار كما ثت يعني فيما تقدم.
هذا كله على قرأه من أهل المدينة بصيغة النهي، أما على القراءة المشهورة بالرفع على الخبر، وقال الطبري: إنها الصواب عندي، لأن سياق ما قبل هذه الآية يدل على أن المراد: من مضى من اليهود والنصارى وغيرهما. قال: ويؤيد ذلك أنها في قراءة أبي "وما تسال" وفي قراءة ابن مسعود "ولن تسأل". والله أعلم.
وأما حديث إحياء الله عز وجل لأبويه صلى الله عليه وسلم حتى آمنا به، فليس هو في شيء من الكتب المشهورة، ولا هو صحيح يحتج به.
وإنما قال السهيلي: إنه وجده بخط أبي عمر أحمد بن أبي الحسن القاضي بسند فيه مجهولون، ذكر أنه نقله من كتاب انتسخ من كتاب معوذ بن داود بن معوذ الزاهد، يرفعه إلى ابن أبي الزناد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يحيى أبويه، فأحياهما له وآمنا به، ثم أماتهما. وهو عند المحب الطبري في سيرته من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي
صلى الله عليه وسلم نزل الحجون كئيبًا حزينًا، فأقام به ما شاء الله ثم رجع مسرورًا، وقال:"سألت ربي عز وجل فأحيا لي أمي، فآمنت بي ثم ردها" وساقه من حديث المحب بسنده الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الحميد القرشي المصري في "المولد من جمعه" وقال: إنه غريب جدًا، ما كتبناه إلا من هذا الوجه، وهو من الأحاديث الغرائب الحسان. انتهى.
ولكن فيه عدة من المجهولين، فكأنه أراد الحسن اللفظي، وللخطيب في السابق واللاحق عنها أيضًا قالت: حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فمر على عقبة الحجون وهو باك حزين، مغتم، فبكيت لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنه طفر فنزل فقال:"يا حميراء استمسكي" فاستندت إلى جنب البعير، فمكث عني طويلاً، ثم عاد إليَّ وهو فرح متبسم فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! نزلت من عندي، وأنت باك حزين مغتم، فبكيت لبكائك يا رسول الله! ثم عدم إلي وأنت فرح متبسم، فعمَّ ذاك يا رسول الله؟ فقال:"ذهبت لقبر أمي آمنة، فسألت الله ربي أن يحييها لي، فأحياها، وآمنت بي، أو قال: فآمنت، وردها الله عز وجل". ونحوه عند ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ عنها قالت: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل من البعير وهو حزين وذكره.
وهما واهيان جدًا. ولما ترجم الذهبي في ميزانه لعبد الوهاب بن موسى روى عن عبد الرحمن بن أبي الزناد حديث: "إن الله أحيا لي أمي فآمنت بي" الحديث.
وقال: لا يدري من ذا الحيوان الكذاب فإن هذا الحديث كذب،
مخالف لما صح من أنه صلى الله عليه وسلم استأذن ربه في الاستغفار لها، فلم يأذن له.
قال شيخنا عقب حكايته: تكلم الذهبي في هذا الموضوع بالظن، فإنه سكت عن المتهم بهذا الحديث، وجزم بجرح القوي وقد قال الدارقطني في غرائب مالك في روايته عن أبي الزناد بعد فراغ أحاديث مالك عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب في قصة.
ويروى عن مالك عن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة حديثان منكران باطلان، أحدهما: رواه علي بن أحمد الكعبي عن أبي غزية عن عبد الوهاب المذكور، عن مالك عن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حج مرَّ بقبر أمه آمنة، فسأل الله عز وجل فأحياها فآمنت به، فردها إلى حفرتها.
وذكر الحديث الآخر، ثم قال: والإسناد، والمتنان باطلان، ولا يصح لأبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة شيء.
وهذا كذب على مالك، والحمل فيه على ابي غزية، والمتهم بوضعه هو، أومَنْ حدث به عنه، وعبد الوهاب بن موسى، لا بأس به. انتهى كلام الدارقطني.
وأخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق عمر بن الربيع الزاهد حدثنا علي بن أيوب الكعبي حدثني محمد بن يحيى أبو غزية الزهري عن عبد الوهاب فذكر الحدث بطوله.
ثم ساقه من طريق آخر فيه محمد بن الحسن النقاش المفسر حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الوهاب ثم قال ابن
الجوزي النقاش ليس بثقة، وأحمد بن يحيى ومحمد بن يحيى مجهولان، فأما قوله في علي بن ايوب الكعبي، فوافقه ابن عساكر عليه لما أخرج هذا الحديث بطوله، فإنه أورده في غرائب مالك من طريق الحسين بن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي حدثنا أبو طالب عمر بن الربيع الخشاب عن علي بن أيوب الكعبي من ولد كعب بن مالك حدثني محمد بن يحيى الزهري أبو غزية حدثني عبد الوهاب بن موسى حدثني مالك عن أبي الزناد عن هشام بن عروة بلفظ: حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمر بي على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم، فبكيت لبكائه، ثم أنه طفر، فنزل وقال:"يا حميراء استمسكي إلى جنب البعير" فمكث عني طويلاً ثم عاد إليَّ وهو فرح متبسم فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! نزلت من عندي وأنت باك حزين مغتم، فبكيت لبكائك، ثم إنك عدت وأنت فرح، فبم ذا يا رسول الله؟ قال:"مررت بقبر أمي آمنة، فسال الله أن يحييها، فأحياها فآمنت بي، وردها الله". قال ابن عساكر: وهذا
حديث منكر. من حديث عبد الوهاب بن موسى الزهري المدني عن مالك، والكعبي مجهول والحلبي صاحب غرائب، ولا يعرف لابي الزناد رواية عن هشام، وهشام لم يدرك عائشة فلعله سقط من كتابي عن أبيه. انتهى.
قال شيخنا: ولم ينبه على عمر بن الربيع، ولا على محمد بن يحيى، وهما أولى أن يلصق بهما هذا الحديث من الكعبي وغيره، وما ظنه في سقوط "عن أبيه" هو مروي كما قدمناه بإثباته وفي عبد الوهاب بن موسى من اللسان ما يراجع أيضًا، وبالجملة فقد اتفق شيخنا والذهبي على وهاء هذا المتن جدًا، وسبقهما الدارقطني لبطلانه، والحكم بوضعه، وكذا حكم بوضعه ابن الجوزي ونقل ذلك أيضًا عن شيخه محمد بن ناصر، لأن قبر آمنة بالأبوء كما ثبت في الصحيح، وأبو غزية هذا زعم أنه بالحجون. وسبق ابن الجوزي إلى الحكم بوضعه ومعارضته بحديث بريدة، الجوزقاني في كتابه الأباطيل وبنكارته ابن عسكار إلى غيرهم ممن أشير إليهم، وقول السهيلي عقب الأول من هذه الروايات، ما نصه: وهو غريب تحسين للعبارة قال: ولعله أن يصح. فالله عز وجل قادر على كل شيء، ونبيه صلى الله عليه وسلم أهل أن يخصه الله بما شاء من كرامته صلى الله عليه وسلم،
ونحوه قول ابن كثير: إنه حديث منكر جدًا، وإن كان ممكنًا بالنظر إلى قدرةالله تعالى، لكن الذي ثبت في الصحيح كما تقدم يعارضه انتهى.
قال القرطبي في أوائل التذكرة: ولا تعارض والحمد لله، يعني بينه وبين ما في الصحيح، لأن إحيائهما متأخر عن الاستغفار لهم، بدليل حديث عائشة: إن ذلك كان في حجة الوداع، ولهذه جعله ابن شاهين ناسخًا لما ذكر من الأخبار، وكذا أجاب عن الآية بأنها كانت قبل إيمانهما ثم قال: وقد سمعت أن الله أحيا له عمه أبا طالب، وآمن به. فالله أعلم بما قال. ثم قال وقيل: إن ـ هذا يعني حديث الإحياء ـ موضوع، يرده القرآن والإجماع قال الله تعالى:(ولا الذين يموتون وهم كفار) وقال: (فيمت وهو كافر) فمن كان كافرًا لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع فكف بعد الإعادة؟
ونحوه تعقب غيره أيضًا المقالة، بأن القرآن دل على أن من مات كافرًا يخلد في النار، ورده القرطبي بقوله: وفيه نظر، وذلك أن فضائل النبي صلى الله عليه وسلم، وخصائصه، لم تزل تتوالى وتتابع إلى حين مماته، فيكون هذا مما فضله الله تعالى وأكرمه به، وليس إحياءها وإيمانهما به يمتنع شرعًا
وعقلاً، زيادة في كرامته صلى الله عليه وسلم وفضيلته مع ما ورد من الخير في ذلك فقد ورد في الكتاب إحياء قتيل بني إسرائيل، وإخباره بقاتله. وكان عيسى عليه السلام يحيى الموتى، وأحيى الله على يدي نبينا صلى الله عليه وسلم جماعة من الموتى، معجزة له، وإذا ثبت هذا، فما يمنع من إيمانهما بعد إحيائهما، زيادة في كرامته صلى الله عليه وسلم وفضيلته، مع ما ورد من الخبر في ذلك ويخص من عموم من مات كافرًا زاد غيره: أنه يروي في الخبر: أن الله رد الشمس على نبيه يعد مغيبها ذكره الطحاوي وقال: إنه حديث ثابت قال: فلو لم يكن رجوع الشمس نافعًا، وأنه لا يتحدد الوقت، لما ردها عليه، فكذلك يكون إحياء أوبي النبي صلى الله عليه وسلم نافعًا لإيمانهما، وتصديقهما بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قبل الله إيمان قوم يونس وتوبتهم مع تلبسهم بالعذاب، فيما ذكر في بعض الأقوال، وهو ظاهر القرآن، وما أحسن قول حافظ الشام في وقته الشمس ابن ناصر الدين عقب الثاني:
حبا الله النبي مزيد فضل
…
على فضل وكان به رؤوفا
فأحيا أمه وكذا أباه
…
لإيمان به فضلاً لطيفًا
فسلم فالقدير بذا قدير
…
وإن كان الحديث به ضعيفا
وقد قال الفخر الرازي في "أسرار التنزيل" له: إن آباء النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء ما كانوا كفارًا لقوله تعالى: (وتقلبك في الساجدين) فمعناه أنه تنقل روحه من ساجد إلى ساجد واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم: (لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أحارم الطاهرات) وقوله تعالى: (إنما المشركون نجس) قال: فوجب أن لا يكون أحد من أجداده صلى الله عليه وسلم مشركًا. انتهى.
ولكن قد روي البزار وابن أبي حاتم من طريقين عن ابن عباس أنه قال في هذه، الآية يعني بنقله من صلب نبي إلى صلب نبي حتى أخرجه نبيًا. وفي لفظ: مازال ينقل في أصلاب الأنبياء عليهم السلام حتى ولدته أمه صلى الله عليه وسلم.
وحكى الفخر في تأويل (وتقلبك) غير ذلك، مما أودعته في مؤلف آخر قال: وكلها محتملة، والروايات وردت بالكل، ولا منافاة بينها، فوجب حملها على الكل ثم رجح أولها، وهو الذي اقتصرنا على حكايته بالحديث، والآية.
قلت: لكن تخصيص ابن عباس بما تقدم يخدش في عمومه مع شواهده الصحيحة ومحبتنا لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه.
ولقد بلغنا عن بعض أئمة المغاربة المعاصرين لنا، أنه كان إذا ذكر أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، واستحضر قيامه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومزيد شفقته عليه، وحنوه يقول: إنه سيد، ويكثر البكاء والنحيب، ويقول: يا رب أسألك من فضلك، وجزيل عطائك أن تمن علي بأن أكون فداء له، أو نحو هذا مما الحامل له عليه حبه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله عز وجل أعلم وأرأف، وأرحم، والوقوف مع النصوص الصريحة أحكم، وترك الخوض فيما لا يضطر إليه أسلم. ولذا كان الأولى عندي عدم إشاعة الكلام في ذلك، وترك الخوض فيه، إلا إن دعت الضرورة إليه، كما اتفق في سبب الاستفتاء لاستلزامه أحد أمرين، تصحيح البطال أو رد الصحيح الصريح، ولسنا مكلفين لزائد على هذا، ولذا لم يتكلم المنذري في حاشية السنن، ولا الخطابي في معالمه فيه.
وأما أبو داود صاحب السنن، فعنده بدل "ما دخلت الجنة حتى يراها جد أبيك" فذكر تشديدًا عظيمًا وقال السهيلي عقب الحديث الأول: وليس لا أننقول نحن هذا في أبويه صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تؤذوا
الأحياء بسبب الأموات" قال: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل هذه المقالة لأنه وجد في نفسه قال: وقد قيل: إنه قال له: أين أبوك أنت؟ فحينئذٍ قال ذلك. انتهى.
والحديث الذي اشار إليه يروى بلفظ: "لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا" قاله حين قيل للعباس رضي الله عنه: أبا الفضل! أرأيت عبد المطلب بن هاشم والغيطلة كاهنة بني سهم جمعهما الله معًا في النار، وأن العباس صفح عنه إلى أن كرر مقاله، ثم إنه لم يملك نفسه أن رفع يده فوجًا أنفه، فكفاه مع قوله: والله لقد علمت أن عبد المطلب كذلك، لكونه ما إياه أراد، وإنما أرادني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الأمر وإن كان حقًا".