الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
281 - مسألة: لا يثبت في دخول سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الجنة زحفًا، أو حبوًا حديث
، كما جزم به الحافظ أبو الحسن الهيثمي وأقره شيخه العراقي، وانتقد قول الحاكم في بعضها: صحيح الإسناد، بل سبقهما لذكره من بعض طرقه في الموضوعات ابن الجوزي ونقل عن إمامه المبجل أحمد بن حنبل أنه حديث منكر مع تخريجه له في مسنده وقال شيخنا رحمه الله في القول المسدد له: الذي أراه عدم التوسع في الكلام عليه فإنه يكفينا شهادة الإمام أحمد بأنه كذب.
قال: وأولى محامله أن نقول: هو من الأحاديث التي أمر الإمام أن يضرب عليها، فإما أن يكون الضرب ترك سهوًا وإما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث وأخل بالضرب قال: ثم رأيت بعد للحديث شاهدًا، قوي الإسناد. وساقه بغير الفظ المشار إليه مع اقتصاره على الحكم للإسناد، كأنه لنكارة المتن، ولكن الإجمال في هذا المقام خير من
تفصيل المقال، وإن كان التفضيل يشهد بلا ارتياب للتزلزل، والاضطراب حصول الغرض بدونه، وكيف لا يكون غير صحيح، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ثبت أنه غشي عليه ثم أفاق فأخبر أنه جاءه ملكان فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فقال لهما ملك آخر: ارجعا فإنه ممن كتبت لهم السعادة وهم في بطون أمهاتهم. وقال علي رضي الله عنه كما في صحيح الحاكم وغيره: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه أمين في أهل السماء أمين في أهل الأرض" ويروى أن رجلاً لين الصوت قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فما بقي من القوم إلا من فاضت عينه غير عبد الرحمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لم يكن عبد الرحمن فاضت عينه فقد فاض قلبه" إلى غير ذلك من مناقبه المستفيضة التي بقصر الوقت عن استيفائها، وقد شهد رضي الله عنه بدرًا، والحديبية، وشهد له صلى الله عليه وسلم بالجنة وصلى خلفه، وقال لخالد بن الوليد وقد بلغه عنه شيء في حقه:"يا خالد لم تؤذي رجلاً من أهل بدر لو أنفقت مثل أحد، أو مثل الجبال ذهبًا لم تدرك عمله" ومعلوم أن الله
عز وجل قال في أهل بدر: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فلو ارتكب امرء منهم شيئًا، وحاشاهم من ذلك، فهو مغفور. هذا مع أن كثرة ماله رضي الله عنه إنما كانت ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم له حيث قال له:"بارك الله لك" بحيث كان يقول: إنه لو رفع حجرًا لرجا أن يصيب تحته ذهبًا، وكون عامة ماله من التجارة بل ثبت عن عائشة رضي الله عنها وهي ممن أضيف إليها الحديث المسئول عنه أنها قالت: وقد بعث إليها عبد الرحمن بمال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة".
ونحوه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: "إن الذي يحنو عليكن بعدي هو الصادق البار اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة".
أخرجهما الحاكم في مستدركه وعنده أيضًا عن أبي هريرة رفعه: "خيركم خيركم لأهلي من بعدي".
وكذا مع ما كان يصل به أمهات المؤمنين، أوصى لهن بحديقة بيعت
بأربعمائة ألف. إلى غير ذلك من صدقاته الفاشية، وعوارفه العظيمة حتى أنه أعتق في يوم ثلاثين عبدًا، وفي عمره ثلاثين ألف نسمة، وتصدق مرة بعير فيها سبعمائة بعير وردت عليه تحمل من كل شيء فتصدق بها، وبمالها عليها وبأقتابها، وأحلاسها. وعن معمر الزهري قال: تصدق ابن عوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشطر ماله أربعة آلاف.
ثم تصدق بعد بأربعين ألف دينار ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة. وأوصى بعد موته بخمسين ألف دينار، وبألف فرس في سبيل الله، ولمن بقى من البدريين كل رجل بأربعمائة دينار وكانوا مائة فأخذوها وكان عثمان رضي الله عنه فيمن أخذ.
ومن تكون الدنيا في يديه ويؤدي الحقوق منها ويتطوع بالأمور المستحبة فيها ولم تكن عائقة له عن الوصول إلى الله تعالى، ولا لها في قلبه مزية، ولا يفخر بها خصوصًا على من دونه ولا يكون بما في يديه منها أوثق منه بما عند الله بحيث يحبسها عما شرع له صرفها فيه مع التقتير على نفسه، وعياله وعدم إظهار نعمة الله عز وجل، ولا ينفقها في وجوه الباطل التي لم تشرع ولا يبذر يكون ذلك زيادة له في الخير قال صلى الله عليه وسلم:"نعم المال الصالح للمرء الصالح".
وقيل فيما للطبراني في الأوسط عن ابن عباس: يا رسول الله! من
السيد؟ قال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قالوا: فما في أمتك من سيد؟ قال: "بلى رجل أعطي مالاً حلالاً ورزق سماحة وأدنى الفقير وقلت شكاته في الناس" وفي حديث مرفوع لأحمد وغيره: "لا بأس بالغني لمن اتقى". وفي آخر: "من رزق الدنياعلى الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة مات والله عنه راض" وقال ابن عمر رضي الله عنهما: لو كان عندي أحد ذهبًا أعلم عدده وأخرجه زكاته، ما كرهت ذلك وما خشيت أن يضرني. وقال صلى الله عليه وسلم:"أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك" وقال: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" إلى غيرهما مما بينته في "السر المكتوم" وكم في الصحابة ممن اتصف بجميع صفات الخير التي ترغب في الإكثار لها كعثمان بن عفان، وطلحة الفياض، والزبير بن العوام، وثلاثتهم من العشرة المشهود لهم بالجنة أيضًا، وسعد بن الربيع وغيرهم من سادات المسلمين، وترك ابن سمعود سبعين ألف درهم، فيتعين استثناء هؤلاء من عموم:"يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام" أو يخص بفقراء طبقتهم وهو أظهر، سيما والشاهد الذي صرح شيخنا بقوة وإسناده يمكن الاستشهاد به له. والله الموفق.