الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
325 - سئلت: هل ورد في توسيع الأكمام شيء
؟
فأجبت: لم أر فيه حديثًا، ولكن للمحاكم في مستدركه مما صحح إسناده، وابن حبان في صحيحه كلاهما عن ابن عباس رضي الله عنهما في قدر كمه صلى الله عليه وسلم فلفظ أولهما:"إن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قميصًا وكان فوق الكعبين وكان كمه إلى الأصابع" ولفظ الآخر: "كان يلبس قميصًا فوق الكعبين مستوى الكمين بأطراف أصابعه".
ولأولهما مما صحح سنده أيضًا، وكذا لأبي نعيم في الحلية من حديث ابن عمر رضي الله عنه [لبس عمر] قميصًا جديدًا ثم دعاني بشفرة فقال عمر: مد كمي يا بني والزق يدك بأطراف أصابعي واقطع ما فضل عنهما، فقطعت من الكمين من جانبيه جميعًا، فصار فم الكم بعضه فوق بعضه، فقلت: يا أبه! لو سويته بالمقص فقال: دعه يا بني هكذا رايت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، قال ابن عمر: فما زال القميص على أبي كذلك حتى تقطع وما نزعه حتى رأيت بعض الخيوط تساقط على قدميه. ولابن أبي شيبة في المصنف له من طريق جعفر قال: ابتاع علي رضي الله عنه قميصًا سنبلانيًا بأربعة دراهم ودعا الخياط فمد كم القميص وأمره أن يقطع ما خلف أصابعه.
ومن طريق أبي عثمان النهدي أن عمر رضي الله عنه دعا بشفرة ليقع كم قميص عتبة بن فرقد من أطراف أصابعه وكان عليه قميص سنبلاني فقال: أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين إني أتسحيي أن تقطعه عند الناس فتركه. ومن طريق عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عليًا عليه قميص رازي أو راقي إذا أرسله لم يجاوز نصف ساقيه وإذا مده لم يجاوز ظفريه. ومن طريق أبي البحتري قال: رأيت أنس بن مالك وكم قميصه إلى الرسغ. ومن طرق بديل العقيلي قال: كان كم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرصغ. بل في الترمذي وغيره عن أسماء ابنة يزيد رضي الله عنهما قالت: كان كم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرصغ. وهو بالسين، وكذا بالصاد المهملتين والغين والمعجمة مفصل ما بين الكتف والساعد. ولابن حيان عن أنس: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص قطن قصير الطول قصير الكمين.
قلت: وبهذه الأحاديث ينتقد نفي الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي مما ود بخط الحافظ الزكي المنذري مما وجده بخطه حين سئل عما فضل من الأصابع من الثوب هل صح فيه شيء أم لا؟ فإنه قال:
لم يصح فيه شيء وإنما صح فيما جاوز الكعبين ولكن يمكن أن يجاب بأن المنفي وروده الوعيد فيه كالكعبين لا مطلق المسألة فهذا كله تحديد طوله، وأما سعته، فقد ترجم البخاري في اللباس من صحيحه من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر، وأورد الحديث المتفق عليه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه وضأ النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة شامية ـ بتشديد الياء التحتانية ويجوز تخفيفها: ضيقة الكمين ـ فلم يستطيع أن يخرج ذراعيه وفي لفظ: يديه منها. وفي لفظ من كميه وفي آخر: "من بدنه" يعني بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون أي جبته لضيقها والبدن درع ضيقة الكمين حتى أخرجهما من أسفل الجبة. فكان البخاري رحمه الله يشير إلى أن ذلك إنما كان لحال السفر لاحتياج المسافر إلى ذلك وأن السفر يغتفر فيه لبس [غير] المعتاد في الحضر سيما وقد تواردت الأحاديث في وصف ووئه صلى الله عليه وسلم وليس في شيء منها أن كمية ضاقا عن إخراج يديه منها، أشار إلى هذا ابن بطال وهو حسن.
وبالجملة فقد استدل به على إباحة التشمير في السفر وليس الثياب الضيقة فيه لكونها أعون على ذلك، ولكن لم نقف على تحديد مقدار السعة والظاهر أنه بمقدار ما يتمكن معه من إخراج يديه فقد كان الإمام أبو داود صاحب السنن كما حكاه صاحبه أبو بكر بن داسة عنه: له مكان واسع وضيق، فقيل له: يرحمك الله ما هذا؟ فقال: الواسع للكتب والآخر
لا يحتاج إليه انتهى. وأرشد شيخ السنة الذي ألين له الحديث كما ألين لداود عليه السلام الحديد: المتقيد بالحاجة مع كون المبالغة في اتساعها عرف أهل الحجاز المتقدى بهم فيه في الجملة الفقهاء لا سيما القضاء بها التقي السبكي لوالده التاج في استعماله رفيع الثياب وطول الأكمام وسعتها والطيلسان وكبر العمامة ونحوها وأنه لا يجاوزها بل يتوقاها حين يكون في بيته وبين عشيرته، مع العلم بأنه كما بلغنا عن الولي ابن العراقي وشاهدناه من شيخنا والشرف المناوي وغيرهم من قضاة العدل لم يكونوا يتابعون لغيرهم ممن لم يبلغ مرتبتهم في العلم والتحري ولأجلهم صرح بعض الأئمة بالتحرز مما يفعله كثير ممن ينسب إلى العلم في تفصيل ثيابهم من طول الكم واتساعه وكثرة الخارق الخارج عن عادة الناس، أودرج ذلك في البدعة بخروجهم به عن حد السمت والوقار ويقعون بسببه في المحذور المنهي عنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال قال: ولا يخفى على ذي بصيرة أن كم بعض من ينسب إلى العلم اليوم قد يفصل منه ثوب لغيره على أن الأولين لا انفكاك فيهم فيما ترخصوا فيه عن ارتكاب البدعة ولكن الفرق بين المقامين ظاهر، وإذا ضاق الأمر اتسع والأعمال بالنيات، على أن الرافعي قال في الباب الثاني من القضاء: لا يجب على الأئمة الاكتفاء بما اكتفى به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون بعده قال: لأن الناس قد تغيروا وبعدوا عن العهد بزمان النبوة الذي كانت النصرة بمكة بإلقاء الرعب والهيبة في القلوب قال: ولو اقتصر الإمام على
مثل ذلك اليوم لم يطع وتعطلت الأمور فيأخذ لنسه مما يليق به من الخيل والغلمان والدار الواسعة انتهى. وتبعه النووي في الروضة ثم الأصفوني وابن القرئ في مختصريها مصرحين مما يقولها آخرهم بأن الإمام لا يلزمه الاقتصار كالصحابة فبعد العهد بزمن النبوة التي كانت سببًا للنصر بالرعب ويرزق منه كل من كان عمله مصلحة للمسلمين كالأمير والمفتي والمحتسب والمؤذن والإمام ومعلم القرآن والقاسم والمقوم والمترجم وكاتب الصحكوك ونحو ذلك ونحوه قول الحبيشي في كتابه نشرطي التصريف بفضائل حملة العلم الشريف وكذلك العالم والمفتي والقاضي ينبغي أن يتخذ كل واحد منهم ما يليق بحاله وحال أمثاله فيوسعوا الأكمام والقمص ويعظموا العمائم والطيلسان وتحسين المركوب، ويكثروا الخدم بحسب الحال الذي ينبغي من إشادة العلم وتحليله كما روي عن الإمام أي حنيفة رحمه الله أنه قال: عظموا عمائمكم ووسعوا أكماكم. قال أبو الليث: وإنما قال ذلك لئلا يستخف بالعلم وأهله، وروي عن مالك رحمه الله أنه كان إذا أراد أن يحدث بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يتطيب ويلبس ثيابًا جديدًا ويلبس ويتعمم ويضع رداءه على رأسه وتلقى منصة فيخرج ويجلس عليها ولا يزال ينجر بعود حتى يفرغ م حديثه إعزازًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال العز ابن عبد السلام ما نصه. الأولى بالإنسان أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في الاقتصاد في اللباس قال: وإفراط توسيع الأكمام واثياب بدعة وسوف وتضييع للمال ولا يجاوز بالثياب الأعقاب فما زاد
عن الأعقاب ففي النار قال: ولا بأس بلبس شعار العلماء من الدين ليعرفوا بذلك فيسألوا، فإني كنت محرمًا فأنكرت عن جماعة من المحرمين لا يعرفونني ما أخلوا من آداب الطواف فلم يقبلوا فلما لبست ثياب الفقهاء وأنكرت سمعوا وأطاعوا، فإذا لبس شعار الفقهاء لمثل هذا الغرض كان فيه أجر لأنه سبب إلى امتثال أمر الله تعالى والانتهاء عما نهى الله عنه قال: وأما المبالغة في تحسين الخياطة وغير ذلك ممن فعل أهل الدعوية والالتفات إلى الأغراض الخسيسة التي لا تليق بأولي الألقاب وهو كلام نفيس وبالله التوفيق.