الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
إذا كانت الحكمة من العبادات إقامة ذكر الله فلا عجب أن يكون للذكر المحل الكبير في دين الله عز وجل، ولا عجب أن تستغرق الأذكار حيزاً كبيراً من السنة النبوية، بل إنك لتجد للذكر ذكراً حيثما تلوث كتاب الله عز وجل أو قرأت في السنة النبوية، إنه لمن النادر أن نجد موضوعاً من موضوعات السنة النبوية الرئيسية إلا وللذكر فيه وجود، ومن ههنا فإننا سنقتصر في هذا الجزء على ما يعتبر ذكراً خالصاً مما لا يمر معنا بمناسبات هي ألصق به.
وإنك لتجد في هذا الجزء الذي هو في الأذكار والدعوات ما هو من معجزات الإسلام، إذ تعرفك الأذكار والدعوات على الله عز وجل، وهذا هو المقصود الأكبر من الذكر، كما تعرفك الدعوات والاستعاذات على كل ما يعتبر خيراً في حق الإنسان وعلى كل ما يعتبر شراً، ومن ههنا كان للأذكار والدعوات صلة كبيرة بموضوع تزكية النفس بالإسلام، بل إنه من المستحيل عادة أن تتم تزكية النفس إلا بذكر ودعاء، فإذا عرفت أن معرفة الله وتزكية النفس من أعظيم فرائض الإسلام عرفت محل الذكر والدعاء في الإسلام.
إنه لا طمأنينة قلب إلا بذكر {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1)، ولا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بذكر {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2) ويكفيك هذا لتعرف أهمية الذكر في دين الله عز وجل.
وإذا كانت الصلاة هي أرقى العبادات العملية في الإسلام وإذا كان المطلب الأعلى من الصلاة هو الذكر {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3) فإن الذكر خارج الصلاة استمرار للصلاة فهو يحقق مقاصدها، وتلاوة القرآن ذكر، والدعاء ذكر وزيادة، لذلك جعلنا كتاب تلاوة القرآن وكتاب الأذكار والدعوات بعد كتاب الصلاة مباشرة، وهناك أذكار أخرى غير الذي تضمن هذا الكتاب تذكر حيث المكان الألصق بها، لأن أعمال الإسلام كلها ذكر ويرافقها في الغالب ذكر، ولذلك فإن استقصاء الأذكار والدعوات في محل واحد قد لا يكون هو
(1) الرعد: من 28.
(2)
الأحزاب: 21.
(3)
طه: من 14.
الأحكم، لذلك أدخلنا أذكار الصلاة ودعواتها في الصلاة، وأدخلنا الكلام عن أسماء الله الحسنى واسمه الأعظم والدعاء بذلك في قسم العقائد كما أدخلنا موضوع الرقي وهي من الدعوات هناك، وسنجد أذكاراً ودعوات في مناسباتها في الصوم والزكاة والحج والجهاد والنكاح
…
وذلك أن هناك أمكنة ألصق بأذكار ودعوات، وجعلنا في هذا الكتاب ما سوى ذلك، وهذه معالك حول الذكر نتقدم بها بين يدي هذا الجزء:
1 -
قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (1) وقال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2) دلت هذه الآية على أن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم منوط بالذكر الكثير، وقال تعالى {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (3) أي انقطع إليه انقطاعاً، واسم الرب عز وجل الأول هو لفظ الجلالة (الله) فمن قال الله فقد ذكر الله عز وجل وذلك من ذكر الله في أي معرض فقد ذكر اسم الله سواء في ذلك بالاستغفار أو بالتسبيح أو بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيما سوى ذلك من الأذكار المأثورة وما وافقها.
2 -
هناك نصوص تحدثت عن ذكر محض ونصوص تحدثت عن دعاء محض ونصوص تحدثت عن ذكر ودعاء، والذكر في الحقيقة دعاء ولذلك ورد (أفضل الدعاء الحمد لله) أخرجه الترمذي (3280) وحسنه وقد رأينا قوله تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} فالدعاء ذكر ولذلك دمجنا الكلام عن الأذكار والأدعية في جزء واحد وجعلنا هذا الجزء بعد جزء القرآن وجلنا الكتابين بعد الصلاة لأن قراءة القرآن والذكر والدعاء ألصق شيء في الصلاة بل الصلاة هي المظهر الأعلى لذكر الله حالاً ومقالاً وهي بما فيها من أذكار وما تستتبعه وما يلزم لها من أذكار وأدعية تكاد تستقطب أكثر الأذكار الواردة في السنة بل هي تحقيق لكثير من الأوامر القرآنية بالذكر وما يدخل فيه، فالصلة واضحة بينها وبين ما ذكرناه بعدها أي هذا الكتاب والذي قبله.
(1) البقرة: من 152.
(2)
الأحزاب: 21.
(3)
المزمل: 8.
3 -
ويأتي الذكر في النصوص ويراد به أحياناً التطبيق الشامل لكتاب الله وسنة رسوله ويراد به أحياناً العلم، فالعلم بالكتاب والسنة ذكر والتعليم ذكر والالتزام بالأمر وترك النهي ذكر وهذا أوسع ما ترد فيه كلمة الذكر، ثم يأتي الذكر بمعنى أقل عموماً فيدخل فيه القرآن والعبادات التي فيها ذكر مباشر لله عز وجل، ويأتي الذكر بمعنى أخص من هذا وهو الذكر اللساني المباشر لله عز وجل وهذا هو مضمون هذا الكتاب، ويأتي الذكر ويراد به التذكر، وإذن فليس كل ذكر ورد في الكتاب والسنة ذكر في هذا الجزء.
4 -
ونلاحظ في هذا الكتاب أن بعض النصوص وضعت الذكر في مقام أرقى من بعض الأعمال كالجهاد مثلاً وعلينا أن ننبه في هذا الموضوع وغيره إلى ما يلي:
أ- أن الذكر في حق بعض الناس قد يكون أرقى من عمل آخر في حقهم، بينما يكون العمل الآخر في حق آخرين أرقى وذلك كأن يكون إنسان يفترض عليه عيناً أن يجاهد بينما الذكر في حقه مندوب فمثل هذا لا شك أن الجهاد في حقه أرقى.
ب- قد يكون الذكر في حق بعض الناس هو حق الوقت بينما هو في حق غيرهم ليس كذلك، فمن كان الذكر عندهم هو حق الوقت فهؤلاء الذكر في حقهم هو الأرقى.
ج- قد يكون الذكر في حق بعض الناس شرطاً للوصول إلى الإخلاص أو للتحرر من أمراض وبالتالي فلم يعد الذكر في حق هؤلاء من باب النوافل بل هو من باب الفرائض الكبرى لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبالتالي عندما يكون جهاد الإنسان غير مقبول بسبب أمراضه القلبية. فالذكر في حقه هو الأفضل لأنه وسيلة العمل المقبول. فإذا كان الجهاد في حقه فريضة فعليه في هذه الحالة فريضتان: فريضة الذكر الموصل إلى سلامة القلب وفريضة الجهاد.
وهذا نموذج على ما ينبغي أن تفهم فيه بعض النصوص، وعلى كل الأحوال فإن علينا أن نعرف أن الأحاديث التي تحض على الذكر مفضلة إياه على غيره هدفها تربية المسلم على العمل وأن يرافق الذكر العمل فلا يعرض عن الذكر في العمل ولا يعطل العمل المطلوب.
5 -
وعلينا أن ننتبه كثيراً في موضوع الأذكار والدعاء إلى قضيتين: القضية الأولى ما في
الأدعية والأذكار من تعريف لنا على الله عز وجل، وما في الأدعية المأثورة والأذكار من دلالة على أهم ما يطلبه الإنسان من الله، فإذا ما قرأنا الاستعاذات مثلاً عرفنا أهم الأشياء التي ينبغي أن يحرص المسلم على الفرار منها، وإذا قرأنا الأدعية المطلقة فهمنا أهم الأشياء التي ينبغي أن يحرص المسلم عليها، وأنه من خلال الأذكار والدعوات يكاد الإنسان أن يتعرف على أهم الأمور في الإسلام.
ملاحظة: مر معك في قسم العقائد بعض الأذكار والدعوات في أكثر من مناسبة كالكلام عن فضل لا إله إلا الله وكالكلام عن الرقي والتمائم، ومر معك في جزء الصلوات أدعية الصلاة وأذكارها وستمر معك في أجزاء الزكاة والصوم والحج والجهاد من هذا القسم الأذكار المتعلقة بها، وسيمر معك في قسم الحياتيات الأذكار المتعلقة بالسفر وبالطعام والشراب واللباس والمرض والموت وإنما أشرنا إلى هذا ههنا لأن العادة جرت أن تذكر هذه الدعوات والأذكار في كتب الأذكار، لكن رأينا أن نلحقها بمواضعها لأن ذكرها مع مواضيعها أليق بها.
وهذه أبواب هذا الجزء:
الباب الأول: في فضل الذكر وفضل مجالسه.
الباب الثاني: في فضل الدعاء وبعض أحكامه وآدابه.
الباب الثالث: في بعض أذكار الصباح والمساء ودعواتهما.
الباب الرابع: في أدعية عامة وفيه مقدمة وفصلان:
الفصل الأول: في أدعية مطلقة.
الفصل الثاني: في الاستعاذات.
الباب الخامس: في أذكار مطلقة وفيه مقدمة وفصول:
الفصل الأول: في التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة.
الفصل الثاني: في الاستغفار.
الفصل الثالث: في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
الباب السادس: في أذكار ودعوات مقيدة بمناسبة أو حال، وفيه الفصول التالية:
الفصل الأول: في بعض أدعية النوم والاستيقاظ وأذكارهما.
الفصل الثاني: في بعض أدعية الدخول إلى البيت والمسجد والخروج منهما.
الفصل الثالث: في بعض آداب المجالس ودعواتها.
الفصل الرابع: في أدعية الكرب والهم والفزع.
الفصل الخامس: في ما يقال عند مناسبة أو حال أو عمل سوى ما مر أو سيمر معنا في مناسبته.