الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إذا أردنا أن نصف النظام الرأسمالي بكلمة واحدة قلنا إنه نظام ربوي، وإذا أردنا أن نصف النظام الشيوعي بكلمة واحدة قلنا إنه نظام غير فطري، وإذا أردنا أن نصف النظام الاقتصادي الإسلامي بكلمتين قلنا: إنه نظام زكوي فطري، فبينما النظام الرأسمالي يعتبر أن من حق رأس المال أن يربح دائماً نجد النظام الاقتصادي الإسلامي يعتبر أن من واجب رأس المال أن ننفق منه الحقوق التي حددها الشارع فيه، وبينما يعالج النظام الشيوعي المشكلات الاقتصادية بما يزيدها تعقيداً فإن النظام الإسلامي يحلها من أقرب طريق.
ومن درس نظام الزكاة في الإسلام عرف من خلال ذلك خواص النظام الاقتصادي الإسلامي فهي الركن فيه والنموذج على طريقته.
ومبنى الإسلام كله على القرآن الكريم وقد جاءت السنة النبوية شارحة له ومبينة له، ولذلك كان بعض العلماء يرجع كل معنى في السنة إلى القرآن وهذا لا ينفي أن تكون السنة أصلاً في التشريع ولكن حتى وهي كذلك فإنها تكون شارحة لأصل أعظم أو لإجمال أو لإطلاق، وأهم شيء في بحث الزكاة: مواردها ومصارفها وقد جاء في الموارد آيات كثيرة منها: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (1){خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2){وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (3){الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (4)(وآتو حقه يوم حصاده)(5).
وإما المصارف فقد وردت فيها هذه الآية الجامعة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (6). وقد وردت نصوص كثيرة في السنة حول الزكاة، وفيما
(1) البقرة: من 3.
(2)
التوبة: من 103.
(3)
الذاريات: 19.
(4)
لقمان: من 4.
(5)
الأنعام: من 141.
(6)
التوبة: 60.
ليس قطعي الثبوت قطعي الدلالة من النصوص تعددت أنظار المجتهدين، والأحوط أن يدفع الإنسان زكاته على أشد ما ذهب إليه الأئمة وأن يأخذ الحد الأدنى مما ذهب إليه الأئمة وما دام على مذهب إمام مجتهد فإنه في سعة في الدفع والعطاء.
وها نحن نقدم لك عرضاً فقهياً إجمالي بين يدي نصوص السنة:
تعريف الزكاة: الزكاة لغة: النمو والزيادة، وقد تطلق بمعنى الطهارة فهي تطهر مؤديها من الإثم وتنمي أجره. وسمي المخرج في الشرع زكاة لأنه يزيد في المخرج منه ويقيه الآفات.
والزكاة شرعاً: حق يجب في المال، وعرفها الحنفية بأنها: تمليك جزء مال مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص عينه الشارع لوجه الله تعالى.
وتسمى الزكاة صدقة، لدلالتها على صدق العبد في العبودية وطاعة الله تعالى.
فرضية الزكاة: هي واجبة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون في جميع العصور على وجوب الزكاة، واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعيها فمن أنكر فرضيتها كفر وارتد إن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين أهل العلم، وتجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل، ومن أنكر وجوبها جهلاً به إما لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار، عرف بوجوبها ولا يحكم بكفره عند الشافعية قبل البيان. لأنه معذور وأما الحنفية فيحكمون بكفره لأن الجهل في دار الإسلام لا يعتبر عذراً عندهم.
عقاب مانع الزكاة: لمانع الزكاة عقاب في الآخرة وعقاب في الدنيا، أما عقاب الآخرة فهو العذاب الأليم كما جاءت بذلك النصوص. وأما العقاب الدنيوي للفرد بسبب التقصير والإهمال فهو أخذها منه والتعزير والتغريم المالي وأخذ الحاكم شطر المال قهراً عنه وعند بعضهم قال العلماء بالاتفاق: إذا منع واحد أو جمع الزكاة وامتنعوا بالقتال وجب على الإمام قتالهم.
سبب الزكاة: ملك مقدار النصاب النامي ولو تقديراً بالقدرة على الاستنماء بشرط حولان الحول القمري لا الشمسي في غير زكاة الزروع، وبشرط عدم الدين، وكونه زائداً
عن حاجته الأصلية فيما عدا زكاة الزروع، ولا زكاة عند الحنفية في مال مفقود لعدم النمو.
ولا زكاة بالاتفاق على سائر الجواهر واللآلئ ونحوها إذا لم تكن للتجارة، ولا زكاة عند الجمهور على المواشي المعلوفة والعوامل، وأوجب المالكية الزكاة على المعلوفة والعوامل إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول.
ركن الزكاة: هو إخراج جزء من النصاب بإنهاء يد المالك عنه وتمليكه إلى من تجوز إليه الزكاة وتسليمه إليه أو إلى من هو نائب عنه.
وقت وجوب الزكاة اتفق الفقهاء في المفتى به عند الحنفية على وجوب الزكاة فوراً بعد استيفاء شروطها من ملك النصاب وحولان الحول ونحوهما، فمن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها ويأثم بالتأخير بلا عذر.
وقت أداء الزكاة: تؤدي الزكاة بحسب نوع المال الذي تجب فيه، أما زكاة الأموال من النقدين وعروض التجارة والسوائم تدفع بعد تمام الحول مرة واحدة في كل عام وأما زكاة الزروع والثمار تدفع من غلاتها عند تكرر الإنتاج فلا يشترط حولان الحل ولا بلوغ النصاب عند أبي حنيفة، ويشترط النصاب عند الجمهور. وقال الشافعية: تجب الزكاة ببدو صلاح الثمر واشتداد الحب. والحنابلة كالشافعية، والحنفية يجيزون تعجيل الزكاة قبل الحول. وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب، لأنه لم يوجد سبب وجوبها، فلم يجز تقديمها كأداء الثمن قبل البيع، والدية قبل القتل.
أقوال الفقهاء في هلاك المال بعد وجوب الزكاة: للفقهاء رأيان في سقوط الزكاة بعد وجوبها وهلاك المال. قال الحنفية: إن هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت الزكاة، أما زكاة الفطر ومثلها مال الحج: فلا تسقط بهلاك المال بعد الوجوب كما لا يبطل الزواج بموت الشهود. وقال الجمهور: إن هلك المال بعد وجوب الزكاة لم تسقط الزكاة، وإنما يضمنها لأن من تقرر عليه الواجب لا يبرأ عنه بالعجز عن الأداء. واستثنى المالكية زكاة الماشية فإن تلفت فلا تضمن زكاتها.
انظر فيما مضى: (مراقي الفلاح 121)، (الدر المختار 2/ 2)، (البدائع 2/ 39)، (المغني 2/ 572 و 2/ 684)، (الفقه الإسلامي 2/ 730 فما بعدها).