المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[المقدمة] المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من - رحمة للعالمين

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌المبحث الأولخيار من خيار "نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانينشأته صلى الله عليه وسلم

- ‌[خروجه صلى الله عليه وسلم للتجارة]

- ‌[حماية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية]

- ‌[تعبده صلى الله عليه وسلم بغار حراء]

- ‌[نزول الوحي]

- ‌[الدعوة إلى الإسلام]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌المبحث الثالثصفاته الخَلْقيَّة والخُلُقيَّة صلى الله عليه وسلم

- ‌[من صفاته الخَلْقيَّة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من صفاته الخَلْقيَّة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من سيرته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[كمال الأخلاق ومحاسن الشيم]

- ‌المبحث الرابعاجتهاده في عبادته وجهاده صلى الله عليه وسلم

- ‌[كان أسوة لكل مسلم]

- ‌[صلاته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صومه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صدقته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[جهاده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حسن معاملته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[خلقه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[زهده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ورعه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[توسطه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الدروس والعبر]

- ‌المبحث الخامسالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين

- ‌ عموم رحمته صلى الله عليه وسلم للإنس والجن، والمؤمنين والكافرين والحيوان:

- ‌ الأمثلة التطبيقية وأنواعها

- ‌النوع الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه:

- ‌المثال الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد:

- ‌المثال الثاني: وفاؤه بالعهد مع أعدائه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: دفعه صلى الله عليه وسلم نزول العذاب على أعدائه:

- ‌المثال الرابع: سلامة قلبه صلى الله عليه وسلم، وحُبُّه الخير لليهود وغيرهم:

- ‌النوع الثاني: رحمته للمؤمنين صلى الله عليه وسلم:

- ‌النوع الثالث: رحمته صلى الله عليه وسلم للناس جميعًا:

- ‌النوع الرابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للصبيان:

- ‌النوع الخامس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للبنات:

- ‌النوع السادس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأيتام:

- ‌النوع السابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للمرأة والضعيف:

- ‌النوع الثامن: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأرملة والمسكين:

- ‌النوع التاسع: رحمته صلى الله عليه وسلم لطلاب العلم والشفقة عليهم:

- ‌النوع العاشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى:

- ‌النوع الحادي عشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى والشفقة عليهم:

- ‌النوع الثاني عشر: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للحيوان، والطير، والدواب:

- ‌النوع الثالث عشر: رقة قلبه صلى الله عليه وسلم وبُكاؤه في مواطن كثيرة:

- ‌المبحث السادستلطفه صلى الله عليه وسلم بالأطفال وإدخال السرور عليهم

- ‌المثال الأول: مداعبته صلى الله عليه وسلم محمود بن الرُّبيع:

- ‌المثال الثاني: ملاطفته ومداعبته صلى الله عليه وسلم لجملة من الأطفال:

- ‌المثال الثالث: ملاطفته صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين

- ‌المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد:

- ‌المثال الخامس: محبته صلى الله عليه وسلم لأُسامة:

- ‌المثال السادس: حَمْلُهُ صلى الله عليه وسلم بنت زينب وهو يصلي:

- ‌المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:

- ‌المثال الثامن: تخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي:

- ‌المثال التاسع: سلامه صلى الله عليه وسلم على الصبيان:

- ‌المثال العاشر: مداعبته صلى الله عليه وسلم لأبي عُميرٍ:

- ‌المثال الحادي عشر: إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الصبي قبل الأشياخ؛ لأنه عن يمينه:

- ‌المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السابعحسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم في حسن الخلق

- ‌ثانيًا: عمله بالأخلاق الحسنة صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامنجوده وكرمه صلى الله عليه وسلم

- ‌[مراتب الجود والكرم]

- ‌ومن الأمثلة العظيمة لتطبيق الجود والكرم

- ‌المثال الأول: وصف أنس رضي الله عنه لكرمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثاني: وصف صفوان رضي الله عنه لكرمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: ما فعله صلى الله عليه وسلم مع المرأة المشركة:

- ‌المبحث التاسععدله صلى الله عليه وسلم

- ‌[ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في العدل]

- ‌ومن الأمثلة العظيمة في تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم العدل

- ‌المثال الأول: مع المرأة المخزوميَّة التي سرقت:

- ‌المثال الثاني: مع النعمان بن بشير وابنه رضي الله عنهما:

- ‌المثال الثالث: عدله مع أهله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث العاشرتواضعه صلى الله عليه وسلم

- ‌[معنى التواضع وتكريم الله للمتواضعين]

- ‌[أمثلة تطبيقية لتواضع النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌المثال الأول: قصة الناقة العضباء:

- ‌المثال الثاني: وصف أبي مسعود لتواضعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: تفضيله صلى الله عليه وسلم للأنبياء على نفسه:

- ‌المبحث الحادي عشرحلمه وعفوه صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: مع من قال: هذه قسمة ما عُدِلَ فيها:

- ‌المثال الثاني: مع من قال: كُنَّا أَحَقَّ بهذا:

- ‌المثال الثالث: مع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه:

- ‌المثال الرابع: مع من أراد قتله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الخامس: مع زيد الحبر:

- ‌المثال السادس: مع زعيم المنافقين:

- ‌المثال السابع: مع ثمامة بن أثال:

- ‌المثال الثامن: مع من جبذه بردائه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال التاسع: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون:

- ‌المثال العاشر: عفوه صلى الله عليه وسلم عن اليهودي الذي سحره:

- ‌المبحث الثاني عشرأناته وتثبُّته صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: مع أسامة بن زيد رضي الله عنه:

- ‌المثال الثاني: قبل القتال:

- ‌المثال الثالث: في الصلاة:

- ‌المثال الرابع: في الغزو:

- ‌المبحث الثالث عشررفقه ولينه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الرفق:

- ‌ثانيًا: رفقه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الأول: مع شاب استأذن في الزنا:

- ‌المثال الثاني: مع اليهود:

- ‌المثال الثالث: مع من بال في المسجد:

- ‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:

- ‌المثال الخامس: مع من كانت يده تطيش:

- ‌المثال السادس: مع من أصاب من امرأته قبل الكفارة:

- ‌المثال السابع: مع من بكت عند القبر:

- ‌المبحث الرابع عشرصبره الجميل صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: صعوده على الصفا ونداؤه العام:

- ‌المثال الثاني: مع اضطهاد سادات قريش:

- ‌المثال الثالث: مع عتبة بن ربيعة:

- ‌المثال الرابع: مع أبي جهل:

- ‌المثال الخامس: وضع السَّلا على ظهره

- ‌المثال السادس: مع عقبة بن أبي معيط:

- ‌المثال السابع: مع زوجة أبي لهب:

- ‌المثال الثامن: حبسه صلى الله عليه وسلم في الشعب:

- ‌المثال التاسع: مع أهل الطائف:

- ‌المثال العاشر: مع أهل الأسواق والمواسم:

- ‌المثال الحادي عشر: جُرِحَ وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الخامس عشرشجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة بدر الكبرى:

- ‌المثال الثاني: شجاعته صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد:

- ‌المثال الثالث: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة حنين:

- ‌المثال الرابع: شجاعته صلى الله عليه وسلم في الحماية لأصحابه:

- ‌المثال الخامس: شجاعته العقلية صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السادس عشرحكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع القلوب

- ‌حكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس:

- ‌[أمثلة تطبيقية لحكمة النبي صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع شمل المسلمين]

- ‌ بناء المسجد والاجتماع فيه أول عمل وحَّد بين القلوب:

- ‌ دعوة اليهود إلى الإسلام بالقول الحكيم:

- ‌ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌ التربية الحكيمة:

- ‌ ميثاق المهاجرين والأنصار وموادعة اليهود:

- ‌المبحث السابع عشربلاغة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: قصة ضماد رضي الله عنه:

- ‌المثال الثاني: مع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه:

- ‌المبحث الثامن عشرمعجزاته ودلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: معجزات القرآن العظيم

- ‌الوجه الأول: الإعجاز البياني والبلاغي:

- ‌الوجه الثاني: الإخبار عن الغيوب:

- ‌الوجه الثالث: الإعجاز التشريعي:

- ‌الوجه الرابع: الإعجاز العلمي الحديث:

- ‌المطلب الثانيمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية

- ‌النوع الأول: المعجزات العلوية

- ‌النوع الثاني: آيات الجوِّ:

- ‌النوع الثالث: تصرفه في الحيوان: الإنس، والجنِّ والبهائم:

- ‌النوع الرابع: تأثيره في الأشجار والثمار والخشب:

- ‌النوع الخامس: تأثيره في الجبال والأحجار وتسخيرها له:

- ‌النوع السادس: تفجير الماء، وزيادة الطعام والشراب والثمار:

- ‌النوع السابع: تأييد الله له بالملائكة:

- ‌النوع الثامن: كفاية الله له أعداءه وعصمته من الناس:

- ‌النوع التاسع: إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع عشرعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس

- ‌المبحث العشروناعتراف المنصفين من علماء اليهود والنصارى برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: اعتراف المنصفين من علماء اليهود:

- ‌ عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه:

- ‌ زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود رضي الله عنه:

- ‌ من أسلم عند الموت:

- ‌ثانيًا: اعتراف المنصفين من علماء النصارى:

- ‌ النجاشي ملك الحبشة رحمه الله ورضي عنه:

- ‌ سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه:

- ‌ هرقل عظيم الروم:

- ‌المبحث الحادي والعشرونخير أعماله خواتمها صلى الله عليه وسلم

- ‌[المداومة على الأعمال]

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثاني والعشرونوداعه لأمته ووصاياه صلى الله عليه وسلم

- ‌ أذانه في الناس بالحج:

- ‌ وداعه ووصيته لأمته في عرفات:

- ‌ وداعه ووصيته لأمته عند الجمرات:

- ‌ وصيته ووداعه لأمته يوم النحر:

- ‌ وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته في أوسط أيام التشريق:

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثالث والعشرونتوديعه للأحياء والأموات صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الرابع والعشرونبداية مرضه صلى الله عليه وسلم وأمره لأبي بكر أن يصلي بالناس

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الخامس والعشرونخطبته العظيمة ووصيته للناس صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث السادس والعشروناشتداد مرضه صلى الله عليه وسلم ووصيته في تلك الشدة

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث السابع والعشرونوصايا النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثامن والعشروناختياره صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث التاسع والعشرونموت النبي صلى الله عليه وسلم شهيدًا

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثلاثونمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الحادي والثلاثونمصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثاني والثلاثونميراثه صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثالث والثلاثونقوقه على أمته صلى الله عليه وسلم

- ‌ الإيمان الصادق به صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا وتصديقه في كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم

- ‌ وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم والحذر من معصيته:

- ‌ اتباعه صلى الله عليه وسلم واتخاذه قدوة في جميع الأمور والاقتداء بهديه:

- ‌ محبته صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين:

- ‌ احترامه وتوقيره:

- ‌ وجوب نصرته صلى الله عليه وسلم وحكم من سبَّه:

- ‌ وجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌ إنزاله مكانته صلى الله عليه وسلم بلا غلو ولا تقصير:

- ‌ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌ ‌[المقدمة] المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من

[المقدمة]

المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا، أَمَّا بعد:

فلقد أرسل الله عز وجل مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فهو رحمة للإنس، والجن، مؤمنهم وكافرهم؛ يدعوهم إلى الله؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور، قال الله تعالى له: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا

ص: 3

بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]، وقال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: 29]، فهو صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وحجة على خلقه أجمعين، وهو مِنَّةٌ من الله تعالى على المؤمنين، كما قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]، وعن أبي نضرة قال: «حدثني من سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وسط أيام التشريق فقال: يا أيها الناس إنَّ ربَّكُم واحد، وإنَّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود،

ص: 4

ولا لأسود على أحمر إلا بالتَّقوى» (1). وهذا فيه الدلالة الواضحة على أنه لا فرق بين الناس إلا بالتقوى، فكلما كان الإنسان لله أتقى فهو أفضل، من أي الأجناس أو الألوان كان.

وقد مَنَّ الله تعالى على هذا النبي الكريم بمكارم الأخلاق كلِّها؛ فإنه لا يُحصى من دخل في الإسلام بسبب خُلُقه الكريم صلى الله عليه وسلم سواء كان ذلك الخُلُق الحسن الكريم: من جوده، أو كرمِهِ، أو عفوهِ، أو صفحِهِ، أو حلمِهِ، أو أناتِهِ، أو رفقِهِ، أو صبرِهِ، أو تواضُعِهِ، أو عدلِهِ، أو رحمتِهِ، أو منِّهِ، أو شجاعته وقوَّتِهِ، أو غير ذلك من مكارم الأخلاق. ومن تتبَّع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أنه كان يلازم الخُلُق الحسن في سائر أحواله، فأقبل الناس ودخلوا في دين الله أفواجًا، بفضل الله ثم بفضل حُسْنِ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم، فكم دخل في الإسلام بسبب حُسْنِ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم.

(1) مسند أحمد بترتيب البناء، 12/ 226، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/ 266:((رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)).

ص: 5

فهذا ثُمامةُ بن أُثال يُسلِمُ بسبب عفو النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول:(والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهِكَ، فقد أصبح وجهُك أحب الوجوه كلها إليَّ، والله ما كان على وجه الأرض دين أبغض إليَّ من دينك، وقد أصبحَ دينُك أحبَّ الأديانِ كلِّها إليَّ، والله ما كان على وجه الأرض بلادٌ أبغض إليَّ من بلادك، فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلِّها إليَّ)(1). وهذا أعرابي يقول: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا؛ لأنه تأثر بعفو النبي صلى الله عليه وسلم عندما بال هذا الأعرابي في المسجد، ولم يتركه على تحجيرهِ رحمة الله التي وسعت كل شيء؛ بل قال له ناصحًا ومُعلِّمًا صلى الله عليه وسلم:«لقد حجَّرتَ واسعًا» (2). وذاك معاوية بن الحكم يرفق به النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه، فيقول: (فبأبي هو وأمي ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن

(1) البخاري، برقم 4372، ومسلم 1764.

(2)

البخاري، برقم 6010.

ص: 6

تعليمًا منه، والله ما كهرني، ولا ضربني ولا شتمني) (1) «وأعطى صلى الله عليه وسلم رجلًا غنمًا بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قومي أسلموا؛ فإن محمدًا يُعطي عطاءً لا يخشى الفاقة» (2).

«وهذا صفوان ابن أمية من صناديد قريش الكفرة يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الغنم ثم مائة، ثم مائة، فيقول صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما بَرِحَ يُعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليَّ» . وهذا سبب إسلام صفوان (3). ومُشركٌ كافرٌ آخرُ يُريدُ قتل النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف فيعصم الله رسوله صلى الله عليه وسلم منه ويعفو عنه النبي صلى الله عليه وسلم (4) فيرجع إلى قومه ويُسلم، ويدعوهم إلى الإسلام فأسلم

(1) مسلم، برقم 537.

(2)

مسلم، برقم 2312.

(3)

مسلم، برقم 2313.

(4)

البخاري مع الفتح، 6/ 96، 97، برقم 2910، ومسلم، 4/ 1786، برقم 843.

ص: 7

من قومه على يديه خَلْقٌ كثير (1). «وهذا عبد الله بن سلام اليهودي الحبر العالم من علماء اليهود يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة يقول عبد الله رضي الله عنه: فجئتُ في الناس لأنظر، فلما تبيَّنْتُ وجهَهُ عَرفْتُ أن وجهه ليس بوجه كذَّاب، فكان أوَّل شيء سمعته يقول: يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعِمُوا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام» (2). وهذا زيد بن سعية اليهودي يختبر النبي صلى الله عليه وسلم فيعفو عنه النبي صلى الله عليه وسلم ويأمر عمر أن يعطيه عطاءً، فيقول زيد اليهودي الحبر: " ما من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرتُ إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمُهُ جهله، ولا تزيده شدَّةُ الجهل إلا حلمًا، وقد اختبرتهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا

(1) فتح الباري لابن حجر، 7/ 428، وشرح النووي، 15/ 44.

(2)

الترمذي، برقم 2485، وابن ماجه، برقم 3251، وانظر: صحيح الترمذي 2/ 303.

ص: 8

وبمحمد نبيًّا، وأشهدك أنَّ شطر مالي صدقة على أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم " (1). وهذا يهودي آخر يقول عند الموت: والذي أنزل التوراة إنَّا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسول الله (2).

وهذا ملك النصارى النجاشي في الحبشة عندما سمع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: إن عيسى عبد الله ورسوله فقال لوفد النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبًا بكم، وبمن جئتم من عنده، فأنا أشهد أنه رسول الله، وأنه الذي بَشَّرَ به عيسى، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أُقَبِّلَ نعله (3). وهذا هرقل عظيم الروم النصراني، يقول لأبي سفيان حينما قال له: «إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدر، وأنه يأمر بعبادة الله وحده، وعدم الشرك به، وينهى عن عبادة الأوثان، ويأمر بالصلاة، والصدق، والعفاف، قال هرقل لأبي سفيان: فإن

(1) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 1/ 566.

(2)

أحمد، 5/ 411، وقوَّاه ابن كثير في تفسيره، 2/ 252.

(3)

سير أعلام النبلاء، للذهبي، 1/ 438.

ص: 9

كان ما تقول حقًّا فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كُنتُ أعلم أنه خارج لم أكن أظنُّ أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشَّمْتُ لقاءَهُ، ولو كُنتُ عنده لغسلت عن قدمه» (1). وصدق الله تعالى إذ يقول:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وصدق النبي الكريم إذ يقول: «إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّم مكارم الأخلاق» (2). «وسُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها عن خُلُق النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن» (3). ولأهمية معرفة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، التي هي الأصل الثاني من الأصول الثلاثة، التي يجب على كل مسلم ومسلمة تعلُّمها والعمل بها، ويُسأل عنها في قبره، كتبت هذا المختصر، وسَمَّيتُهُ: (رحمةٌ للعالمين: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيَّنت فيه: نسبه صلى الله عليه وسلم، ونشأته، وأخلاقه، وصفاته: الخَلْقِيَّة؛

(1) البخاري، برقم 7.

(2)

البيهقي، 10/ 192، وأحمد، 2/ 381، وانظر: الصحيحة للألباني برقم 45.

(3)

مسلم، برقم 746.

ص: 10

والخُلُقيَّة، ومُعجزاته، وعموم رسالته، ووصاياه لأمته، وحقوقه على أمته صلى الله عليه وسلم، وقد قسَّمت البحث إلى المباحث الآتية: المبحث الأول: خيار من خيار "نسبه صلى الله عليه وسلم". المبحث الثاني: نشأته صلى الله عليه وسلم. المبحث الثالث: صفاته: الخَلْقيَّة، والخُلُقيَّة صلى الله عليه وسلم. المبحث الرابع: اجتهاده في عبادته وجهاده صلى الله عليه وسلم.

المبحث الخامس: النبي الكريم صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين. المبحث السادس: تلطفه صلى الله عليه وسلم مع الأطفال ومداعبتهم وإدخال السرور عليهم. المبحث السابع: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم. المبحث الثامن: جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم. المبحث التاسع: عدله صلى الله عليه وسلم. المبحث العاشر: تواضعه صلى الله عليه وسلم. المبحث الحادي عشر: حلمه وعفوه صلى الله عليه وسلم. المبحث الثاني عشر: أناته وتثبته صلى الله عليه وسلم. المبحث الثالث عشر: رفقه ولينه صلى الله عليه وسلم. المبحث الرابع عشر: صبره الجميل صلى الله عليه وسلم.

ص: 11

المبحث الخامس عشر: شجاعته صلى الله عليه وسلم. المبحث السادس عشر: حكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع القلوب. المبحث السابع عشر: بلاغته صلى الله عليه وسلم. المبحث الثامن عشر: معجزاته ودلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم. المبحث التاسع عشر: عموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس. المبحث العشرون: اعتراف المنصفين من اليهود والنصارى برسالته صلى الله عليه وسلم. المبحث الحادي والعشرون: خير أعماله خواتمها صلى الله عليه وسلم. المبحث الثاني والعشرون: وداعه صلى الله عليه وسلم لأمته ووصاياه في حجة الوداع. المبحث الثالث والعشرون: توديعه صلى الله عليه وسلم للأحياء والأموات. المبحث الرابع والعشرون: بداية مرضه صلى الله عليه وسلم وأمره لأبي بكر أن يُصلي بالناس. المبحث الخامس والعشرون: خطبته العظيمة صلى الله عليه وسلم ووصاياه للناس. المبحث السادس والعشرون: اشتداد مرضه صلى الله عليه وسلم ووداعه ووصيته في تلك الشدة. المبحث السابع والعشرون: وصاياه صلى الله عليه وسلم عند وفاته. المبحث الثامن والعشرون: اختياره صلى الله عليه وسلم للرفيق الأعلى. المبحث التاسع والعشرون: موته صلى الله عليه وسلم شهيدًا. المبحث الثلاثون: مَن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت.

ص: 12

المبحث الحادي والثلاثون: مصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم. المبحث الثاني والثلاثون: ميراثه صلى الله عليه وسلم. المبحث الثالث والثلاثون: حقوقه صلى الله عليه وسلم على أمته.

واللهَ تعالى أسألُ أن يجعل هذا العمل القليل مُباركًا نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به من انتهى إليه؛ فإنه سبحانه أحسن مسؤول وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبد الرحمن حرر ضحى الثلاثاء الموافق 29/ 1 / 1427هـ

ص: 13