الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خويلد في تجارةٍ لها إلى الشام مع غلامها ميسرة، فربحت تجارة خديجة رضي الله عنها، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، فرجع فأخبر سيدته بما رأى، فرغبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، لِمَا رجَتْ في ذلك من الخير الذي جمعه الله لها، وفوق ما يخطر بِبَالِ بشر، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله من العمر خمس وعشرون سنة، وكان عمرُ خديجة أربعون سنة (1).
[حماية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية]
وقد حماه الله تعالى من صغره من دنس الجاهلية، ومن كلِّ عيب، فلم يُعظِّم لهم صنمًا في عمره قط، ولم يحضر مشهدا ًمن مشاهد كفرهم، وكانوا يطلبونه بذلك فيمتنع، ويعصمه الله من ذلك، وما شرب خمرًا قط، وما عمل فاحشة قط، وكان يعلم بأنهم على باطل، ولم يشرك بالله قطٌّ، ولم يحضر مجلس لهوٍ (2) ولم
(1) قاله ابن القيم في زاد المعاد، 1/ 105، وقال ابن كثير في البداية والنهاية 3/ 466:((وكان عمرها آنذاك خمساً وثلاثين وقيل: خمساً وعشرين)).
(2)
الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لابن كثير، ص91 - 95، والبداية والنهاية، 3/ 406 - 451، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي، 1/ 24.
يعمل شيئًا مما كان يعمله قومه من الفواحش والمنكرات، فقد نشأ في مجتمعٍ كَثُرت فيه المفاسد وعمت فيه الرذائل، فالشرك بالله تعالى، ودعاء غيره معه، وقتل الأنفس بغير حق، والظلم، والبغاء، والاستبضاع، والزنى الجماعي، والأفرادي، ونكاح أسبق الرجال ممن مات زوجها، والاعتداء على الأعراض، والأموال، والدماء، كل ذلك كان شائعًا في قومه قبل الإسلام، لا ينكره أحد، ولا تحاربه جماعة، بالإضافة إلى وَأْدِ البناتِ، وقتل الأولاد خشية الفقر، أو العار، ولعب الميسر، وشرب الخمر، أمور تعدُّ في الجاهلية من المفاخر، والتباهي، وليس من شرط أن يكون المجتمع كلُّه يرتكب هذه الجرائم، وإنما عدم إنكارها هو دليل على الرضى بها، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل أي عمل أو يباشر أيَّ خُلقٍ من هذه الأخلاق الرذيلة، وقد أدَّبه ربُّهُ فأحسن تأديبه (1) وهذه الأخلاق
(1) لم يثبت ((أدّبني ربي فأحسن تأديبي)) لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية في =
…
= مجموع الرسائل الكبرى، 2/ 336:((معناه صحيح ولكن لا يعرف له إسناد ثابت))، وأيده السخاوي والسيوطي، فراجع كشف الخفاء 1/ 70. انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني برقم 72.
التي اتصف بها قد عرفها قومه منه؛ ولهذا لُقِّب بين قومه " بمحمدٍ الأمين"(1).
وقد بنت قريش الكعبة في سنة خمس وثلاثين من عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما وصلوا إلى موضع الحجر الأسود اختلفوا، واشتجروا فيمن يضع الحجر الأسود موضعه، فقالت كلُّ قبيلةٍ: نحن نضعه، ثم اتفقوا على أن يضعه أَوَّلُ داخلٍ عليهم، فكان أول من دخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرِحوا به كثيرًا، فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به أن يكون حكمًا بينهم؛ ليحلَّ النزاع ويقف القتال الذي كاد أن يحصل، فأمر صلى الله عليه وسلم بثوبٍ فَوُضِعَ الحجر في وسطه، وأمر كلَّ قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذ
(1) أحمد في المسند، 3/ 425، وحسنه الألباني في تخريج فقه السيرة لمحمد الغزالي، ص84.