الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانية، وعندما وجد مكان الدعوة الذي يتخذ قاعدة لها، ووجد أنصار الدعوة أذن بالهجرة لأصحابه، وأخذ هو بالأسباب عندما تآمرت عليه قريش، وهذا لا يعتبر جبنًا، ولا فرارًا من الموت؛ ولكن يعتبر أخذًا بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، وهذه السياسة الحكيمة من أسباب نجاح الدعوة، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو قدوتهم وإمامهم (1).
المثال الحادي عشر: جُرِحَ وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم:
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه سُئلَ عن جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: «جُرِحَ وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكُسِرَت رباعيته، وهُشِمَتِ البيضة على رأسه، فكانت فاطمة عليها السلام تغسل الدم، وعليٌّ يمسك، فلما رأت أن الدم لا يرتد إلا كثرة أخذت حصيرًا فأحرقته حتى صار رمادًا،
(1) انظر: السيرة النبوية دروس وعبر ص68.
ثم ألزقته فاستمسك الدم» (1).
وقد حصل له هذا الأذى العظيم الذي ترتج لعظمته الجبال، هو نبي الله صلى الله عليه وسلم ولم يدع على قومه، بل دعا لهم بالمغفرة، لأنهم لا يعلمون.
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (2).
فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم قد كانوا (3) على جانب عظيم من الحلم والتصبر،
(1) البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد، باب لبس البيضة 6/ 96، برقم 2911، ومسلم، كتاب الجهاد، باب غزوة أحد 3/ 1416، برقم 1790.
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان 6/ 514، برقم 3477، 12/ 282، برقم 6929، وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب عزوة أحد 3/ 1417، برقم 1792، وانظر: شرحه في الفتح 6/ 521، وشرح النووي لصحيح مسلم 12/ 148.
(3)
انظر: شرح النووي لمسلم 12/ 148.
والعفو والشفقة على قومهم ودعائهم لهم بالهداية والغفران، وعذرهم في جناياتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون (1) قال صلى الله عليه وسلم:«اشتد غضب الله على قوم فعلوا هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حينئذ يشير إلى رباعيته، اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله عز وجل» (2).
وفي إصابة النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد عزاء للدعاة فيما ينالهم في سبيل الله من أذى في أجسامهم، أو اضطهاد لحرياتهم، أو قضاء على حياتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة قد أوذي وصبر (3).
(1) شرح النووي على مسلم 12/ 150 بتصرف.
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحد 7/ 372، برقم 4073، ومسلم، كتاب الجهاد، باب: اشتداد غضب الله على من قتله رسول الله 3/ 1417، 1793.
(3)
السيرة النبوية دروس وعبر ص116.