المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثلاثونمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت - رحمة للعالمين

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌المبحث الأولخيار من خيار "نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانينشأته صلى الله عليه وسلم

- ‌[خروجه صلى الله عليه وسلم للتجارة]

- ‌[حماية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية]

- ‌[تعبده صلى الله عليه وسلم بغار حراء]

- ‌[نزول الوحي]

- ‌[الدعوة إلى الإسلام]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌المبحث الثالثصفاته الخَلْقيَّة والخُلُقيَّة صلى الله عليه وسلم

- ‌[من صفاته الخَلْقيَّة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من صفاته الخَلْقيَّة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من سيرته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[كمال الأخلاق ومحاسن الشيم]

- ‌المبحث الرابعاجتهاده في عبادته وجهاده صلى الله عليه وسلم

- ‌[كان أسوة لكل مسلم]

- ‌[صلاته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صومه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صدقته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[جهاده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حسن معاملته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[خلقه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[زهده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ورعه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[توسطه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الدروس والعبر]

- ‌المبحث الخامسالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين

- ‌ عموم رحمته صلى الله عليه وسلم للإنس والجن، والمؤمنين والكافرين والحيوان:

- ‌ الأمثلة التطبيقية وأنواعها

- ‌النوع الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه:

- ‌المثال الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد:

- ‌المثال الثاني: وفاؤه بالعهد مع أعدائه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: دفعه صلى الله عليه وسلم نزول العذاب على أعدائه:

- ‌المثال الرابع: سلامة قلبه صلى الله عليه وسلم، وحُبُّه الخير لليهود وغيرهم:

- ‌النوع الثاني: رحمته للمؤمنين صلى الله عليه وسلم:

- ‌النوع الثالث: رحمته صلى الله عليه وسلم للناس جميعًا:

- ‌النوع الرابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للصبيان:

- ‌النوع الخامس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للبنات:

- ‌النوع السادس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأيتام:

- ‌النوع السابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للمرأة والضعيف:

- ‌النوع الثامن: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأرملة والمسكين:

- ‌النوع التاسع: رحمته صلى الله عليه وسلم لطلاب العلم والشفقة عليهم:

- ‌النوع العاشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى:

- ‌النوع الحادي عشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى والشفقة عليهم:

- ‌النوع الثاني عشر: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للحيوان، والطير، والدواب:

- ‌النوع الثالث عشر: رقة قلبه صلى الله عليه وسلم وبُكاؤه في مواطن كثيرة:

- ‌المبحث السادستلطفه صلى الله عليه وسلم بالأطفال وإدخال السرور عليهم

- ‌المثال الأول: مداعبته صلى الله عليه وسلم محمود بن الرُّبيع:

- ‌المثال الثاني: ملاطفته ومداعبته صلى الله عليه وسلم لجملة من الأطفال:

- ‌المثال الثالث: ملاطفته صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين

- ‌المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد:

- ‌المثال الخامس: محبته صلى الله عليه وسلم لأُسامة:

- ‌المثال السادس: حَمْلُهُ صلى الله عليه وسلم بنت زينب وهو يصلي:

- ‌المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:

- ‌المثال الثامن: تخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي:

- ‌المثال التاسع: سلامه صلى الله عليه وسلم على الصبيان:

- ‌المثال العاشر: مداعبته صلى الله عليه وسلم لأبي عُميرٍ:

- ‌المثال الحادي عشر: إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الصبي قبل الأشياخ؛ لأنه عن يمينه:

- ‌المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السابعحسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم في حسن الخلق

- ‌ثانيًا: عمله بالأخلاق الحسنة صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامنجوده وكرمه صلى الله عليه وسلم

- ‌[مراتب الجود والكرم]

- ‌ومن الأمثلة العظيمة لتطبيق الجود والكرم

- ‌المثال الأول: وصف أنس رضي الله عنه لكرمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثاني: وصف صفوان رضي الله عنه لكرمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: ما فعله صلى الله عليه وسلم مع المرأة المشركة:

- ‌المبحث التاسععدله صلى الله عليه وسلم

- ‌[ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في العدل]

- ‌ومن الأمثلة العظيمة في تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم العدل

- ‌المثال الأول: مع المرأة المخزوميَّة التي سرقت:

- ‌المثال الثاني: مع النعمان بن بشير وابنه رضي الله عنهما:

- ‌المثال الثالث: عدله مع أهله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث العاشرتواضعه صلى الله عليه وسلم

- ‌[معنى التواضع وتكريم الله للمتواضعين]

- ‌[أمثلة تطبيقية لتواضع النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌المثال الأول: قصة الناقة العضباء:

- ‌المثال الثاني: وصف أبي مسعود لتواضعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: تفضيله صلى الله عليه وسلم للأنبياء على نفسه:

- ‌المبحث الحادي عشرحلمه وعفوه صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: مع من قال: هذه قسمة ما عُدِلَ فيها:

- ‌المثال الثاني: مع من قال: كُنَّا أَحَقَّ بهذا:

- ‌المثال الثالث: مع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه:

- ‌المثال الرابع: مع من أراد قتله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الخامس: مع زيد الحبر:

- ‌المثال السادس: مع زعيم المنافقين:

- ‌المثال السابع: مع ثمامة بن أثال:

- ‌المثال الثامن: مع من جبذه بردائه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال التاسع: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون:

- ‌المثال العاشر: عفوه صلى الله عليه وسلم عن اليهودي الذي سحره:

- ‌المبحث الثاني عشرأناته وتثبُّته صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: مع أسامة بن زيد رضي الله عنه:

- ‌المثال الثاني: قبل القتال:

- ‌المثال الثالث: في الصلاة:

- ‌المثال الرابع: في الغزو:

- ‌المبحث الثالث عشررفقه ولينه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الرفق:

- ‌ثانيًا: رفقه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الأول: مع شاب استأذن في الزنا:

- ‌المثال الثاني: مع اليهود:

- ‌المثال الثالث: مع من بال في المسجد:

- ‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:

- ‌المثال الخامس: مع من كانت يده تطيش:

- ‌المثال السادس: مع من أصاب من امرأته قبل الكفارة:

- ‌المثال السابع: مع من بكت عند القبر:

- ‌المبحث الرابع عشرصبره الجميل صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: صعوده على الصفا ونداؤه العام:

- ‌المثال الثاني: مع اضطهاد سادات قريش:

- ‌المثال الثالث: مع عتبة بن ربيعة:

- ‌المثال الرابع: مع أبي جهل:

- ‌المثال الخامس: وضع السَّلا على ظهره

- ‌المثال السادس: مع عقبة بن أبي معيط:

- ‌المثال السابع: مع زوجة أبي لهب:

- ‌المثال الثامن: حبسه صلى الله عليه وسلم في الشعب:

- ‌المثال التاسع: مع أهل الطائف:

- ‌المثال العاشر: مع أهل الأسواق والمواسم:

- ‌المثال الحادي عشر: جُرِحَ وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الخامس عشرشجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة بدر الكبرى:

- ‌المثال الثاني: شجاعته صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد:

- ‌المثال الثالث: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة حنين:

- ‌المثال الرابع: شجاعته صلى الله عليه وسلم في الحماية لأصحابه:

- ‌المثال الخامس: شجاعته العقلية صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السادس عشرحكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع القلوب

- ‌حكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس:

- ‌[أمثلة تطبيقية لحكمة النبي صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع شمل المسلمين]

- ‌ بناء المسجد والاجتماع فيه أول عمل وحَّد بين القلوب:

- ‌ دعوة اليهود إلى الإسلام بالقول الحكيم:

- ‌ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌ التربية الحكيمة:

- ‌ ميثاق المهاجرين والأنصار وموادعة اليهود:

- ‌المبحث السابع عشربلاغة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: قصة ضماد رضي الله عنه:

- ‌المثال الثاني: مع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه:

- ‌المبحث الثامن عشرمعجزاته ودلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: معجزات القرآن العظيم

- ‌الوجه الأول: الإعجاز البياني والبلاغي:

- ‌الوجه الثاني: الإخبار عن الغيوب:

- ‌الوجه الثالث: الإعجاز التشريعي:

- ‌الوجه الرابع: الإعجاز العلمي الحديث:

- ‌المطلب الثانيمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية

- ‌النوع الأول: المعجزات العلوية

- ‌النوع الثاني: آيات الجوِّ:

- ‌النوع الثالث: تصرفه في الحيوان: الإنس، والجنِّ والبهائم:

- ‌النوع الرابع: تأثيره في الأشجار والثمار والخشب:

- ‌النوع الخامس: تأثيره في الجبال والأحجار وتسخيرها له:

- ‌النوع السادس: تفجير الماء، وزيادة الطعام والشراب والثمار:

- ‌النوع السابع: تأييد الله له بالملائكة:

- ‌النوع الثامن: كفاية الله له أعداءه وعصمته من الناس:

- ‌النوع التاسع: إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع عشرعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس

- ‌المبحث العشروناعتراف المنصفين من علماء اليهود والنصارى برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: اعتراف المنصفين من علماء اليهود:

- ‌ عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه:

- ‌ زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود رضي الله عنه:

- ‌ من أسلم عند الموت:

- ‌ثانيًا: اعتراف المنصفين من علماء النصارى:

- ‌ النجاشي ملك الحبشة رحمه الله ورضي عنه:

- ‌ سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه:

- ‌ هرقل عظيم الروم:

- ‌المبحث الحادي والعشرونخير أعماله خواتمها صلى الله عليه وسلم

- ‌[المداومة على الأعمال]

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثاني والعشرونوداعه لأمته ووصاياه صلى الله عليه وسلم

- ‌ أذانه في الناس بالحج:

- ‌ وداعه ووصيته لأمته في عرفات:

- ‌ وداعه ووصيته لأمته عند الجمرات:

- ‌ وصيته ووداعه لأمته يوم النحر:

- ‌ وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته في أوسط أيام التشريق:

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثالث والعشرونتوديعه للأحياء والأموات صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الرابع والعشرونبداية مرضه صلى الله عليه وسلم وأمره لأبي بكر أن يصلي بالناس

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الخامس والعشرونخطبته العظيمة ووصيته للناس صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث السادس والعشروناشتداد مرضه صلى الله عليه وسلم ووصيته في تلك الشدة

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث السابع والعشرونوصايا النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثامن والعشروناختياره صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث التاسع والعشرونموت النبي صلى الله عليه وسلم شهيدًا

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثلاثونمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الحادي والثلاثونمصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثاني والثلاثونميراثه صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثالث والثلاثونقوقه على أمته صلى الله عليه وسلم

- ‌ الإيمان الصادق به صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا وتصديقه في كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم

- ‌ وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم والحذر من معصيته:

- ‌ اتباعه صلى الله عليه وسلم واتخاذه قدوة في جميع الأمور والاقتداء بهديه:

- ‌ محبته صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين:

- ‌ احترامه وتوقيره:

- ‌ وجوب نصرته صلى الله عليه وسلم وحكم من سبَّه:

- ‌ وجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌ إنزاله مكانته صلى الله عليه وسلم بلا غلو ولا تقصير:

- ‌ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌المبحث الثلاثونمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

‌المبحث الثلاثون

من كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34]. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ - وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26 - 27].

مات محمد بن عبد الله أفضل الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم «وكان آخر كلمة تكلم بها عند الغرغرة كما قالت عائشة رضي الله عنها: أنه كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يديه صلى الله عليه وسلم في الماء فيمسح بها وجهه ويقول:

ص: 407

"لا إله إلا الله إن للموت سكرات" ثم نصب يده فجعل يقول: "في الرفيق الأعلى" حتى قبض ومالت يده» (1)«فكان آخر كلمة تكلم بها: "اللهم في الرفيق الأعلى» (2).

وعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسُّنح (3) فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وقال: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنَّه الله فليقطع أيدي رجال وأرجلهم (4) فجاء أبو بكر رضى الله عنه [على فرسه من مسكنه بالسُّنْح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها فتيمم (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) البخاري برقم 890 وما بعدها من المواضع، ومسلم 2444.

(2)

البخاري برقم 4437، 463، ومسلم 2444.

(3)

السُّنح: العالية وهو مسكن زوجة أبي بكر رضي الله عنه وهو منازل بني الحارث من الخزرج بينه وبين المسجد النبوي ميل. الفتح 8/ 145 و7/ 19، 29.

(4)

أي يبعثه في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته. انظر: الفتح 7/ 29.

(5)

أي قصد. الفتح 3/ 115.

ص: 408

وهو مغشَّى بثوب حِبرة (1) فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبَّله (2)[ثم بكى] فقال: بأبي أنت وأمي [يا نبي الله][طبت حيًّا وميتًا والذي نفسي بيده][لا يجمع الله عليك موتتين](3)

[أبدًا][أما الموتة التي كُتبت عليك قد مُتَّها][ثم] خرج وعمر رضى الله عنه يكلم الناس فقال: [أيها الحالف على رسلك][اجلس][فأبى فقال: اجلس فأبى][فتشهد أبو بكر][فلما تكلم أبو بكر جلس عمر] [ومال

(1) وفي رواية للبخاري: وهو مسجَّى ببرد حبرة. البخاري برقم 1241، ومعنى مغشى ومسجى أي مغطى، وبرد حبرة: نوع من برود اليمن مخططة غالية الثمن. الفتح 3/ 115.

(2)

أي قبّله بين عينيه كما ترجم له النسائي. انظر: الفتح 3/ 115، وانظر: ما نقله ابن حجر من الروايات في أنه قبّل جبهته. الفتح 8/ 147.

(3)

قوله: لا يجمع الله عليك موتتين: فيه أقوال: قيل هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال .. ؛ لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى .. وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها، وقيل أراد لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسئل ثم يموت، وهذا أحسن من الذي قبله؛ لأن حياته صلى الله عليه وسلم لا يعقبها موت بل يستمر حيّاً والأنبياء حياتهم برزخية لا تأكل أجسادهم الأرض، ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين

أي المعروفتين المشهورتين الواقعتين لكل أحد غير الأنبياء. انظر: فتح الباري 3/ 114 و7/ 29 ..

ص: 409

إليه الناس وتركوا عمر] [فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه] وقال: [أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت، قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144][فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر رضى الله عنه فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها][وأخبر سعيد بن المسيب] [أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت (1) حتى ما تقلني رجلاي وحتى أهويت إلى

(1) عقِرت: دهشت وتحيرت، أما بضم العين فالمعنى هلكت. الفتح 8/ 146.

ص: 410

الأرض حين سمعته تلاها علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات] [قال: ونشج الناس (1) يبكون، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منَّا أمير ومنكم أمير (2) فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيَّأت كلامًا قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر.

ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل منَّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارًا وأعربهم

(1) نشج الناس: بكوا بغير انتحاب، والنشج ما يحصل للباكي من الغصة. انظر: الفتح 7/ 30.

(2)

إنما قالت الأنصار رضي الله عنهم: منا أمير ومنكم أمير على ما عرفوه من عادة العرب أنه لا يتأمر على القبيلة إلا من يكون منها فلما سمعوا حديث الأئمة من قريش رجعوا إلى ذلك وأذعنوا. الفتح 7/ 32.

ص: 411

أحسابًا (1) فبايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس، فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله «(2).

قالت عائشة رضي الله عنها: في شأن خطبة أبي بكر وعمر في يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم: فما كان من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها، فلقد خوَّف عمر الناس وإن فيهم لنفاقًا فردهم الله بذلك، ثم لقد بصَّر أبو بكر الناس الهُدى وعرَّفهم الحق الذي عليهم وخرجوا به يتلون {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. (3)

(1) أي قريش. انظر: الفتح 7/ 30.

(2)

البخاري برقم 1141، 142، 3/ 113، و3667، 3668، 7/ 19 و4452، 4453، 4454، 8/ 145. وقد جمعت هذه الألفاظ من هذه المواضع لتكتمل القصة وأسأل لله أن يجعل ذلك صواباً.

(3)

البخاري برقم 3669، 3671، والآية من سورة آل عمران، 144.

ص: 412

وخطب عمر ثم أبو بكر يوم الثلاثاء خطبة عظيمة مفيدة نفع الله بها والحمد لله.

قال أنس بن مالك رضى الله عنه: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر، وقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة (1) ما كانت وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهدًا عهدها إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا - يقول: يكون آخرنا - وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول الله، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه الله له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر رضى الله عنه البيعة العامة بعد بيعة السقيفة. ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله

(1) هي خطبته التي خطب يوم الاثنين حينما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت.

ص: 413

وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (أما بعد، أيها الناس فإني وليت عليكم ولست بخيركم (1) فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته (2) إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا يشيع قوم قط الفاحشة إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله) (3) ثم استمر الأمر لأبي بكر والحمد لله.

وقد بُعِثَ صلى الله عليه وسلم فبقي بمكة يدعو إلى التوحيد ثلاث

(1) وهذا من باب التواضع منه رضي الله عنه وإلا فهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي الله عنه. البداية والنهاية 5/ 248.

(2)

والمعنى: الضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له وأنصره وأعينه.

(3)

البداية والنهاية 5/ 248 وساق سند محمد بن إسحاق قال: حدثني الزهري، حدثني أنس بن مالك قال: لما بويع أبو بكر

الحديث. قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح 5/ 248.

ص: 414

عشرة سنة يُوحى إليه، ثم هاجر إلى المدينة وبقي بها عشر سنين، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة صلى الله عليه وآله وسلم (1).

ورجَّح الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى أن آخر صلاة صلاها صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم هي صلاة الظهر يوم الخميس، وقد انقطع عنهم عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة، والسبت، والأحد، وهذه ثلاثة أيام كوامل (2).

وبعد موته صلى الله عليه وسلم وخطبة أبي بكر رضى الله عنه دارت مشاورات - كما تقدم - وبايع الصحابة رضي الله عنهم أبا بكر في سقيفة بني ساعدة، وانشغل الصحابة ببيعة الصديق بقية يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ثم شرعوا في تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وغُسل من أعلى ثيابه، وكفن في ثلاثة أثواب بيض

(1) انظر: البخاري مع الفتح 8/ 15 برقم 4466، وفتح الباري 8/ 151 مختصر الشمائل للترمذي للألباني ص192.

(2)

انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 5/ 235.

(3)

انظر: المرجع السابق 5/ 245.

ص: 415

سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة، ثم صلى عليه الناس فرادى لم يؤمهم أحد، وهذا أمر مجمع عليه: صلى عليه الرجال، ثم الصبيان، ثم النساء، والعبيد والإماء، وتوفي يوم الاثنين على المشهور (1) ودفن ليلة الأربعاء، أُلحد لحدًا صلى الله عليه وسلم ونصب عليه اللبن نصبًا (2) ورُفع قبره من الأرض نحوًا من شبر (3) وكان قبره صلى الله عليه وسلم مسنمًا (4) وقد تواترت الأخبار أنه دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها شرقي مسجده صلى الله عليه وسلم في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة، ووسع المسجد النبوي الوليد بن عبد الملك عام 86هـ

(1) توفي صلى الله عليه وسلم سنة إحدى عشرة للهجرة في ربيع الأول يوم الاثنين، أما تاريخ اليوم فقد اختلف فيه: فقيل لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل لليلة خلت منه، وقيل غير ذلك، وقيل مرض في التاسع والعشرين من شهر صفر، وتوفي يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ، فكان مرضه ثلاثة عشر يوماً، وهذا قول الأكثر. انظر: البداية والنهاية لابن كثير 5/ 255 - 256، وتهذيب السيرة للنووي ص 25، وفتح الباري 8/ 129 - 130.

(2)

مسلم برقم 966.

(3)

ابن حبان في صحيحه 14/ 602، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.

(4)

كما قال سفيان التمار في البخاري مع الفتح 30/ 255.

ص: 416