الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحربة من الحارث بن الصمة، فلما أخذها منه انتفض انتفاضة تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، ثم استقبله وأبصر ترقوته من فرجةٍ بين سابغة الدرع والبيضة، فطعنه فيها طعنة تدحرج منها عن فرسه مرارًا، فلما رجع عدو الله إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشًا غير كبير. . . قال: قتلني والله محمد، فقالوا له: ذهب والله فؤادك والله إن بك من بأس، قال: إنه قد قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق عليَّ لقتلني، فمات عدو الله بسرف، وهم قافلون إلى مكة (1).
المثال الثالث: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة حنين:
«بعد أن دارت معركة حنين والتقى المسلمون والكفار،
(1) انظر: زاد المعاد، لابن القيم 3/ 199، والرحيق المختوم ص263، وروى قصة قتل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن خلف: أبو الأسود عن عروة بن الزبير، والزهري عن سعيد ابن المسيب. انظر: البداية والنهاية لابن كثير 4/ 32، وكلاهما مرسل، والطبري 2/ 67، وانظر: فقه السيرة لمحمد الغزالي ص226.
ولَّى المسلمون مدبرين (1) فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَلَ الكفار. . . ثم قال: "أي عباس، ناد أصحاب السمرة" فقال عباس: - وكان رجلًا صيِّتًا - فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله لكأن عَطْفَتهم حين سمعوا صوتي عَطْفَة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار. . . فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "الآن حمي الوطيس» (2).
وظهرت شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي لا نظير لها في هذا الموقف الذي عجز عنه عظماء الرجال (3).
«وسئل البراء، فقال له رجل: يا أبا عمارة، أكنتم وليتم
(1) كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة ألفان من أهل مكة، مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه من المدينة ففتح بهم. انظر: زاد المعاد 3/ 468.
(2)
مسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب: غزوة حنين، وقد اختصرت ألفاظه 3/ 1398، برقم 1775.
(3)
انظر: الرحيق المختوم ص401، وهذا الحبيب يا محب ص408.
يوم حنين؟ قال: لا والله ما ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه (1) وأخفاؤهم (2) حسرًا (3) ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قومًا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن، وبني نَصْرٍ، فرشقوهم رشقًا (4) ما يكادون يخطئون، فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود بغلته، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
اللهم نزِّل نصرك» (5)
(1) جمع شباب. شرح النووي لمسلم 12/ 117.
(2)
جمع خفيف، وهم المسارعون المستعجلون. شرح النووي لمسلم 12/ 117.
(3)
حسراً: جمع حاسر، أي بغير دروع، وقد فسره بقوله: ليس عليهم سلاح. شرح النووي لمسلم 12/ 117.
(4)
رشقا: هو بفتح الراء، وهو مصدر، وأما الرشق بالكسر فهو اسم للسهام التي ترميها الجماعة دفعة واحدة. انظر: شرح النووي 12/ 118.
(5)
مسلم، في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين، مع التصرف في بعض الكلمات 3/ 1400، برقم 1776، والبخاري مع الفتح، كتاب الجهاد، باب من صف أصحابه عند الهزيمة ونزل عن دابته فاستنصر 6/ 150، 8/ 27، 28، برقم 2930.
قال البراء: «كنا والله إذا احمرَّ البأس (1) نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به، يعني النبي صلى الله عليه وسلم» (2).
(1) إذا احمر البأس: كناية عن شدة الحرب، واستعير ذلك لحمرة الدماء الحاصلة فيها في العادة. انظر: شرح النووي 12/ 121.
(2)
رواه مسلم في كتابا الجهاد والسير، باب غزوة حنين 3/ 1401، برقم 79 - (1776).
(3)
قال العلماء: قوله: ((منهزماً)) حال من ابن الأكوع، وليس النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: شرح النووي 12/ 122.
(4)
شاهت الوجوه، أي: قبحت. انظر: شرح النووي 12/ 122.
(5)
أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين 3/ 1402، برقم 1777.