المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المثال العاشر: مع أهل الأسواق والمواسم: - رحمة للعالمين

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌المبحث الأولخيار من خيار "نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانينشأته صلى الله عليه وسلم

- ‌[خروجه صلى الله عليه وسلم للتجارة]

- ‌[حماية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية]

- ‌[تعبده صلى الله عليه وسلم بغار حراء]

- ‌[نزول الوحي]

- ‌[الدعوة إلى الإسلام]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌المبحث الثالثصفاته الخَلْقيَّة والخُلُقيَّة صلى الله عليه وسلم

- ‌[من صفاته الخَلْقيَّة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من صفاته الخَلْقيَّة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من سيرته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[كمال الأخلاق ومحاسن الشيم]

- ‌المبحث الرابعاجتهاده في عبادته وجهاده صلى الله عليه وسلم

- ‌[كان أسوة لكل مسلم]

- ‌[صلاته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صومه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صدقته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[جهاده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حسن معاملته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[خلقه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[زهده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ورعه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[توسطه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الدروس والعبر]

- ‌المبحث الخامسالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين

- ‌ عموم رحمته صلى الله عليه وسلم للإنس والجن، والمؤمنين والكافرين والحيوان:

- ‌ الأمثلة التطبيقية وأنواعها

- ‌النوع الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه:

- ‌المثال الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد:

- ‌المثال الثاني: وفاؤه بالعهد مع أعدائه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: دفعه صلى الله عليه وسلم نزول العذاب على أعدائه:

- ‌المثال الرابع: سلامة قلبه صلى الله عليه وسلم، وحُبُّه الخير لليهود وغيرهم:

- ‌النوع الثاني: رحمته للمؤمنين صلى الله عليه وسلم:

- ‌النوع الثالث: رحمته صلى الله عليه وسلم للناس جميعًا:

- ‌النوع الرابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للصبيان:

- ‌النوع الخامس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للبنات:

- ‌النوع السادس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأيتام:

- ‌النوع السابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للمرأة والضعيف:

- ‌النوع الثامن: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأرملة والمسكين:

- ‌النوع التاسع: رحمته صلى الله عليه وسلم لطلاب العلم والشفقة عليهم:

- ‌النوع العاشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى:

- ‌النوع الحادي عشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى والشفقة عليهم:

- ‌النوع الثاني عشر: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للحيوان، والطير، والدواب:

- ‌النوع الثالث عشر: رقة قلبه صلى الله عليه وسلم وبُكاؤه في مواطن كثيرة:

- ‌المبحث السادستلطفه صلى الله عليه وسلم بالأطفال وإدخال السرور عليهم

- ‌المثال الأول: مداعبته صلى الله عليه وسلم محمود بن الرُّبيع:

- ‌المثال الثاني: ملاطفته ومداعبته صلى الله عليه وسلم لجملة من الأطفال:

- ‌المثال الثالث: ملاطفته صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين

- ‌المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد:

- ‌المثال الخامس: محبته صلى الله عليه وسلم لأُسامة:

- ‌المثال السادس: حَمْلُهُ صلى الله عليه وسلم بنت زينب وهو يصلي:

- ‌المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:

- ‌المثال الثامن: تخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي:

- ‌المثال التاسع: سلامه صلى الله عليه وسلم على الصبيان:

- ‌المثال العاشر: مداعبته صلى الله عليه وسلم لأبي عُميرٍ:

- ‌المثال الحادي عشر: إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الصبي قبل الأشياخ؛ لأنه عن يمينه:

- ‌المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السابعحسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم في حسن الخلق

- ‌ثانيًا: عمله بالأخلاق الحسنة صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامنجوده وكرمه صلى الله عليه وسلم

- ‌[مراتب الجود والكرم]

- ‌ومن الأمثلة العظيمة لتطبيق الجود والكرم

- ‌المثال الأول: وصف أنس رضي الله عنه لكرمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثاني: وصف صفوان رضي الله عنه لكرمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: ما فعله صلى الله عليه وسلم مع المرأة المشركة:

- ‌المبحث التاسععدله صلى الله عليه وسلم

- ‌[ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في العدل]

- ‌ومن الأمثلة العظيمة في تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم العدل

- ‌المثال الأول: مع المرأة المخزوميَّة التي سرقت:

- ‌المثال الثاني: مع النعمان بن بشير وابنه رضي الله عنهما:

- ‌المثال الثالث: عدله مع أهله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث العاشرتواضعه صلى الله عليه وسلم

- ‌[معنى التواضع وتكريم الله للمتواضعين]

- ‌[أمثلة تطبيقية لتواضع النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌المثال الأول: قصة الناقة العضباء:

- ‌المثال الثاني: وصف أبي مسعود لتواضعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: تفضيله صلى الله عليه وسلم للأنبياء على نفسه:

- ‌المبحث الحادي عشرحلمه وعفوه صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: مع من قال: هذه قسمة ما عُدِلَ فيها:

- ‌المثال الثاني: مع من قال: كُنَّا أَحَقَّ بهذا:

- ‌المثال الثالث: مع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه:

- ‌المثال الرابع: مع من أراد قتله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الخامس: مع زيد الحبر:

- ‌المثال السادس: مع زعيم المنافقين:

- ‌المثال السابع: مع ثمامة بن أثال:

- ‌المثال الثامن: مع من جبذه بردائه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال التاسع: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون:

- ‌المثال العاشر: عفوه صلى الله عليه وسلم عن اليهودي الذي سحره:

- ‌المبحث الثاني عشرأناته وتثبُّته صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: مع أسامة بن زيد رضي الله عنه:

- ‌المثال الثاني: قبل القتال:

- ‌المثال الثالث: في الصلاة:

- ‌المثال الرابع: في الغزو:

- ‌المبحث الثالث عشررفقه ولينه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الرفق:

- ‌ثانيًا: رفقه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الأول: مع شاب استأذن في الزنا:

- ‌المثال الثاني: مع اليهود:

- ‌المثال الثالث: مع من بال في المسجد:

- ‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:

- ‌المثال الخامس: مع من كانت يده تطيش:

- ‌المثال السادس: مع من أصاب من امرأته قبل الكفارة:

- ‌المثال السابع: مع من بكت عند القبر:

- ‌المبحث الرابع عشرصبره الجميل صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: صعوده على الصفا ونداؤه العام:

- ‌المثال الثاني: مع اضطهاد سادات قريش:

- ‌المثال الثالث: مع عتبة بن ربيعة:

- ‌المثال الرابع: مع أبي جهل:

- ‌المثال الخامس: وضع السَّلا على ظهره

- ‌المثال السادس: مع عقبة بن أبي معيط:

- ‌المثال السابع: مع زوجة أبي لهب:

- ‌المثال الثامن: حبسه صلى الله عليه وسلم في الشعب:

- ‌المثال التاسع: مع أهل الطائف:

- ‌المثال العاشر: مع أهل الأسواق والمواسم:

- ‌المثال الحادي عشر: جُرِحَ وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الخامس عشرشجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة بدر الكبرى:

- ‌المثال الثاني: شجاعته صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد:

- ‌المثال الثالث: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة حنين:

- ‌المثال الرابع: شجاعته صلى الله عليه وسلم في الحماية لأصحابه:

- ‌المثال الخامس: شجاعته العقلية صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السادس عشرحكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع القلوب

- ‌حكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس:

- ‌[أمثلة تطبيقية لحكمة النبي صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع شمل المسلمين]

- ‌ بناء المسجد والاجتماع فيه أول عمل وحَّد بين القلوب:

- ‌ دعوة اليهود إلى الإسلام بالقول الحكيم:

- ‌ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌ التربية الحكيمة:

- ‌ ميثاق المهاجرين والأنصار وموادعة اليهود:

- ‌المبحث السابع عشربلاغة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: قصة ضماد رضي الله عنه:

- ‌المثال الثاني: مع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه:

- ‌المبحث الثامن عشرمعجزاته ودلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: معجزات القرآن العظيم

- ‌الوجه الأول: الإعجاز البياني والبلاغي:

- ‌الوجه الثاني: الإخبار عن الغيوب:

- ‌الوجه الثالث: الإعجاز التشريعي:

- ‌الوجه الرابع: الإعجاز العلمي الحديث:

- ‌المطلب الثانيمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية

- ‌النوع الأول: المعجزات العلوية

- ‌النوع الثاني: آيات الجوِّ:

- ‌النوع الثالث: تصرفه في الحيوان: الإنس، والجنِّ والبهائم:

- ‌النوع الرابع: تأثيره في الأشجار والثمار والخشب:

- ‌النوع الخامس: تأثيره في الجبال والأحجار وتسخيرها له:

- ‌النوع السادس: تفجير الماء، وزيادة الطعام والشراب والثمار:

- ‌النوع السابع: تأييد الله له بالملائكة:

- ‌النوع الثامن: كفاية الله له أعداءه وعصمته من الناس:

- ‌النوع التاسع: إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع عشرعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس

- ‌المبحث العشروناعتراف المنصفين من علماء اليهود والنصارى برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: اعتراف المنصفين من علماء اليهود:

- ‌ عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه:

- ‌ زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود رضي الله عنه:

- ‌ من أسلم عند الموت:

- ‌ثانيًا: اعتراف المنصفين من علماء النصارى:

- ‌ النجاشي ملك الحبشة رحمه الله ورضي عنه:

- ‌ سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه:

- ‌ هرقل عظيم الروم:

- ‌المبحث الحادي والعشرونخير أعماله خواتمها صلى الله عليه وسلم

- ‌[المداومة على الأعمال]

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثاني والعشرونوداعه لأمته ووصاياه صلى الله عليه وسلم

- ‌ أذانه في الناس بالحج:

- ‌ وداعه ووصيته لأمته في عرفات:

- ‌ وداعه ووصيته لأمته عند الجمرات:

- ‌ وصيته ووداعه لأمته يوم النحر:

- ‌ وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته في أوسط أيام التشريق:

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثالث والعشرونتوديعه للأحياء والأموات صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الرابع والعشرونبداية مرضه صلى الله عليه وسلم وأمره لأبي بكر أن يصلي بالناس

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الخامس والعشرونخطبته العظيمة ووصيته للناس صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث السادس والعشروناشتداد مرضه صلى الله عليه وسلم ووصيته في تلك الشدة

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث السابع والعشرونوصايا النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثامن والعشروناختياره صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث التاسع والعشرونموت النبي صلى الله عليه وسلم شهيدًا

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثلاثونمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الحادي والثلاثونمصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثاني والثلاثونميراثه صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثالث والثلاثونقوقه على أمته صلى الله عليه وسلم

- ‌ الإيمان الصادق به صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا وتصديقه في كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم

- ‌ وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم والحذر من معصيته:

- ‌ اتباعه صلى الله عليه وسلم واتخاذه قدوة في جميع الأمور والاقتداء بهديه:

- ‌ محبته صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين:

- ‌ احترامه وتوقيره:

- ‌ وجوب نصرته صلى الله عليه وسلم وحكم من سبَّه:

- ‌ وجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌ إنزاله مكانته صلى الله عليه وسلم بلا غلو ولا تقصير:

- ‌ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌المثال العاشر: مع أهل الأسواق والمواسم:

وفي عدم دعائه على قومه، وعلى أهل الطائف، وعدم موافقة مَلَك الجبال في إطباق الأخْشَبيْن على أهل مكة أكبر مثل لما يتحمله الداعية في صبره على من رد دعوته، وعدم اليأس من هدايتهم، فربما يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا.

ومن حكمته صلى الله عليه وسلم أنه لم يدخل مكة إلا بعد أن دخل في جوار المُطْعم بن عدي، وهكذا ينبغي للداعية أن يبحث عمن يحميه من كيد أعدائه؛ ليقوم بدعوته على الوجه المطلوب (1).

‌المثال العاشر: مع أهل الأسواق والمواسم:

باشر النبي صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة بعد عودته من الطائف في شهر ذي القعدة سنة عشر من النبوة، فبدأ يذهب إلى المواسم التي تقام في الأسواق مثل: عكاظ، ومجنة، وذي مجاز، وغيرها، التي تحضرها القبائل العربية للتجارة

(1) انظر: السيرة النبوية دروس وعبر لمصطفى السباعي ص58، وهذا الحبيب يا محبّ ص134.

ص: 228

والاستماع لما يُلقى فيها من الشعر ويعرض نفسه على هذه القبائل يدعوها إلى الله - تعالى -، وجاء موسم الحج لهذه السنة فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام كما كان يدعوهم منذ السنة الرابعة من النبوة.

ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرض الإسلام على القبائل فحسب، بل كان يعرضه على الأفراد أيضًا.

وكان صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ جميع الناس بالفلاح، فعن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، قال: أخبرني رجل يقال له: ربيعة بن عباد، من بني الديل، وكان جاهليًا، قال:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضئ الوجه، أحول، ذو غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه، فذكروا لي نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا عمه أبو لهب» (1).

(1) أخرجه أحمد 4/ 341، 3/ 492، وسنده حسن، وله شاهد عند ابن حبان =

= برقم 1683 (موارد) من حديث طارق بن عبد الله المحاربي، والحاكم المستدرك بإسنادين، وقال عن الإسناد الأول: صحيح على شرط الشيخين، رواته كلهم ثقات أثبات 1/ 15.

ص: 229

وقد كانت الأوس والخزرج يحجُّون كما تحج العرب دون اليهود، فلما رأى الأنصار أحواله صلى الله عليه وسلم ودعوته، عرفوا أنه الذي تتوعدهم به اليهود، فأرادوا أن يسبقوهم؛ ولكنهم لم يبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السنة، ورجعوا إلى المدينة (1).

وفي موسم الحج من السنة الحادية عشرة من النبوة، عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل، وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه، مر بعقبة مِنَى فوجد بها ستة نفر من شباب يثرب، فعرض عليهم الإسلام، فأجابوا دعوته، ورجعوا إلى قومهم وقد حملوا معهم رسالة الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

(1) انظر: زاد المعاد 3/ 43، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 2/ 136، والرحيق المختوم ص129، والبداية والنهاية 3/ 149، وابن هشام 2/ 31.

(2)

انظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 2/ 137، وهذا الحبيب يا محبّ 2/ 145، = = والرحيق المختوم ص132، وزاد المعاد 3/ 45، وسيرة ابن هشام 2/ 38، والبداية والنهاية 3/ 149.

ص: 230

ثم استدار العام وأقبل الناس إلى الحج سنة اثنتي عشرة من النبوة، وكان من بين حجاج يثرب اثنا عشر رجلًا، فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد اتصلوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في العام السابق، والتقوا حسب الموعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة بمنى، وأسلموا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء (1).

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: «تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتانٍِ تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروفٍ، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فَعُوقِب به في الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره

(1) انظر: زاد المعاد 3/ 46، والرحيق المختوم ص139، والتاريخ الإسلامي 2/ 139، وهذا الحبيب يا محبّ ص145، وسيرة ابن هشام 2/ 38.

ص: 231

الله عليه فأمره إلى الله: إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه" فبايعناه على ذلك» (1).

وبعد أن انتهت المبايعة، وانتهى الموسم بعث النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء مصعب بن عمير رضي الله عنه ليعلم المسلمين شرائع الإسلام؛ وليقوم بنشر الإسلام، وقد قام بذلك رضي الله عنه أتم قيام، وفي موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من النبوة حضر لأداء الحج من يثرب ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان، وكلهم قد أسلموا.

فلما قدموا مكة واعدوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة، وجاءهم على موعدهم، ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا: يا رسول الله، على ما نبايعك؟ فقال: «تبايعوني على: السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في

(1) البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة 7/ 219، برقم 3892، وكتاب الإيمان، باب حدثنا أبو اليمان 1/ 64، برقم 18.

ص: 232

الله لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة» (1) فقاموا إليه فبايعوه.

وبعد عقد هذه البيعة جعل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى عشر زعيمًا، يكونون نقباء على قومهم، وكانوا تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس، ثم رجعوا إلى يثرب، وعندما وصلوا أظهروا الإسلام فيها، ونفع الله بهم في الدعوة إلى الله تعالى (2).

وبعد أن تمت بيعة العقبة الثانية ونجح النبي صلى الله عليه وسلم في تأسيس وطنٍ للإسلام، انتشر الخبر في مكة كثيرًا، وثبت لقريش أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بايع أهل يثرب، فاشتد أذاهم على من أسلم في مكة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة،

(1) أحمد في المسند 3/ 322، والبيهقي 9/ 9، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/ 624، وحسَّن إسناده الحافظ في الفتح 7/ 117.

(2)

انظر: سيرة ابن هشام 2/ 49، والبداية والنهاية 3/ 158، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 2/ 142، والرحيق المختوم ص143.

ص: 233

فهاجر المسلمون، فاجتمع قريش في 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة، وأجمعوا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ ولحسن سياسته وحكمته أمر عليًا أن يبيت في فراشه تلك الليلة، فبقي المشركون ينظرون إلى عليٍّ من صِير الباب (1) وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر بأبي بكر، وهاجر إلى المدينة (2).

وهذه المواقف العظيمة التي وقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل واضح على حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى صبره، وشجاعته، وأنه صلى الله عليه وسلم حينما علم بأن قريشًا قد طغت، ورفضت الدعوة بحث عن مكان يتخذ فيه قاعدة للدعوة الإسلامية، ولم يكتف بذلك، بل أخذ منهم البيعة والمعاهدة على نصرة الإسلام، وتم ذلك في مؤتمرين: بيعة العقبة الأولى، ثم

(1) صير الباب: هو شق الباب. انظر: المعجم الوسيط، مادة "صار" 1/ 531.

(2)

انظر: سيرة ابن هشام 2/ 95، والبداية والنهاية 3/ 175، وزاد المعاد 3/ 54، والسيرة النبوية دروس وعبر لمصطفى السباعي ص61، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 2/ 148، وهذا الحبيب يا محبّ ص156.

ص: 234