الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المثال الثاني: مع اضطهاد سادات قريش:
رأت قريش أن تجرب أسلوبًا آخر تجمع فيه بين الترغيب والترهيب، فلترسل إلى محمد صلى الله عليه وسلم تعرض عليه من الدنيا ما يشاء، ولترسل إلى عمه الذي يحميه تحذره مغبة هذا التأييد والنصر لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتطلب منه أن يكف عنها محمدًا ودينه (1).
جاءت سادات قريش إلى أبي طالب، فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنًا وشرفًا ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه، وإنا والله لا نصبر على هذا، مِنْ: شَتْم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى نكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين.
فعظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، وعظم عليه فراق قومه وعداوته لهم، ولم يطب نفسًا
(1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 3/ 41، وفقه السيرة لمحمد الغزالي ص112.
بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، ولا خذلانه، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي، إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك.
فثبت النبي صلى الله عليه وسلم على دعوته إلى الله، ولم تأخذه في الله لومة لائم؛ لأنه على الحق، ويعلم بأن الله سينصر دينه ويُعلي كلمته، وعندما رأى أبو طالب هذا الثبات ويئس من موافقة النبي صلى الله عليه وسلم لقريش على ترك دعوته إلى التوحيد قال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
…
حتى أُوسَّد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضةً
…
وأبشر وقر بذاك منك عيونا (1)
(1) انظر: سيرة ابن هشام 1/ 278، وانظر: البداية والنهاية 3/ 42، وفقه السيرة للغزالي ص114، والرحيق المختوم ص94.