المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المثال السابع: مع زوجة أبي لهب: - رحمة للعالمين

[سعيد بن وهف القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌المبحث الأولخيار من خيار "نسبه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثانينشأته صلى الله عليه وسلم

- ‌[خروجه صلى الله عليه وسلم للتجارة]

- ‌[حماية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية]

- ‌[تعبده صلى الله عليه وسلم بغار حراء]

- ‌[نزول الوحي]

- ‌[الدعوة إلى الإسلام]

- ‌[الإسراء والمعراج]

- ‌المبحث الثالثصفاته الخَلْقيَّة والخُلُقيَّة صلى الله عليه وسلم

- ‌[من صفاته الخَلْقيَّة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من صفاته الخَلْقيَّة صلى الله عليه وسلم]

- ‌[من سيرته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[كمال الأخلاق ومحاسن الشيم]

- ‌المبحث الرابعاجتهاده في عبادته وجهاده صلى الله عليه وسلم

- ‌[كان أسوة لكل مسلم]

- ‌[صلاته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صومه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صدقته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[جهاده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حسن معاملته صلى الله عليه وسلم]

- ‌[خلقه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[زهده صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ورعه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[توسطه صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الدروس والعبر]

- ‌المبحث الخامسالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين

- ‌ عموم رحمته صلى الله عليه وسلم للإنس والجن، والمؤمنين والكافرين والحيوان:

- ‌ الأمثلة التطبيقية وأنواعها

- ‌النوع الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه:

- ‌المثال الأول: رحمته صلى الله عليه وسلم لأعدائه في الجهاد:

- ‌المثال الثاني: وفاؤه بالعهد مع أعدائه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: دفعه صلى الله عليه وسلم نزول العذاب على أعدائه:

- ‌المثال الرابع: سلامة قلبه صلى الله عليه وسلم، وحُبُّه الخير لليهود وغيرهم:

- ‌النوع الثاني: رحمته للمؤمنين صلى الله عليه وسلم:

- ‌النوع الثالث: رحمته صلى الله عليه وسلم للناس جميعًا:

- ‌النوع الرابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للصبيان:

- ‌النوع الخامس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للبنات:

- ‌النوع السادس: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأيتام:

- ‌النوع السابع: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للمرأة والضعيف:

- ‌النوع الثامن: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للأرملة والمسكين:

- ‌النوع التاسع: رحمته صلى الله عليه وسلم لطلاب العلم والشفقة عليهم:

- ‌النوع العاشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى:

- ‌النوع الحادي عشر: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم للمرضى والشفقة عليهم:

- ‌النوع الثاني عشر: رحمتهُ صلى الله عليه وسلم للحيوان، والطير، والدواب:

- ‌النوع الثالث عشر: رقة قلبه صلى الله عليه وسلم وبُكاؤه في مواطن كثيرة:

- ‌المبحث السادستلطفه صلى الله عليه وسلم بالأطفال وإدخال السرور عليهم

- ‌المثال الأول: مداعبته صلى الله عليه وسلم محمود بن الرُّبيع:

- ‌المثال الثاني: ملاطفته ومداعبته صلى الله عليه وسلم لجملة من الأطفال:

- ‌المثال الثالث: ملاطفته صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين

- ‌المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد:

- ‌المثال الخامس: محبته صلى الله عليه وسلم لأُسامة:

- ‌المثال السادس: حَمْلُهُ صلى الله عليه وسلم بنت زينب وهو يصلي:

- ‌المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:

- ‌المثال الثامن: تخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة عند بكاء الصبي:

- ‌المثال التاسع: سلامه صلى الله عليه وسلم على الصبيان:

- ‌المثال العاشر: مداعبته صلى الله عليه وسلم لأبي عُميرٍ:

- ‌المثال الحادي عشر: إعطاؤه صلى الله عليه وسلم الصبي قبل الأشياخ؛ لأنه عن يمينه:

- ‌المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السابعحسن خلقه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم في حسن الخلق

- ‌ثانيًا: عمله بالأخلاق الحسنة صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامنجوده وكرمه صلى الله عليه وسلم

- ‌[مراتب الجود والكرم]

- ‌ومن الأمثلة العظيمة لتطبيق الجود والكرم

- ‌المثال الأول: وصف أنس رضي الله عنه لكرمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثاني: وصف صفوان رضي الله عنه لكرمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: ما فعله صلى الله عليه وسلم مع المرأة المشركة:

- ‌المبحث التاسععدله صلى الله عليه وسلم

- ‌[ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في العدل]

- ‌ومن الأمثلة العظيمة في تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم العدل

- ‌المثال الأول: مع المرأة المخزوميَّة التي سرقت:

- ‌المثال الثاني: مع النعمان بن بشير وابنه رضي الله عنهما:

- ‌المثال الثالث: عدله مع أهله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث العاشرتواضعه صلى الله عليه وسلم

- ‌[معنى التواضع وتكريم الله للمتواضعين]

- ‌[أمثلة تطبيقية لتواضع النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌المثال الأول: قصة الناقة العضباء:

- ‌المثال الثاني: وصف أبي مسعود لتواضعه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الثالث: تفضيله صلى الله عليه وسلم للأنبياء على نفسه:

- ‌المبحث الحادي عشرحلمه وعفوه صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: مع من قال: هذه قسمة ما عُدِلَ فيها:

- ‌المثال الثاني: مع من قال: كُنَّا أَحَقَّ بهذا:

- ‌المثال الثالث: مع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه:

- ‌المثال الرابع: مع من أراد قتله صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الخامس: مع زيد الحبر:

- ‌المثال السادس: مع زعيم المنافقين:

- ‌المثال السابع: مع ثمامة بن أثال:

- ‌المثال الثامن: مع من جبذه بردائه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال التاسع: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون:

- ‌المثال العاشر: عفوه صلى الله عليه وسلم عن اليهودي الذي سحره:

- ‌المبحث الثاني عشرأناته وتثبُّته صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: مع أسامة بن زيد رضي الله عنه:

- ‌المثال الثاني: قبل القتال:

- ‌المثال الثالث: في الصلاة:

- ‌المثال الرابع: في الغزو:

- ‌المبحث الثالث عشررفقه ولينه صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الرفق:

- ‌ثانيًا: رفقه صلى الله عليه وسلم:

- ‌المثال الأول: مع شاب استأذن في الزنا:

- ‌المثال الثاني: مع اليهود:

- ‌المثال الثالث: مع من بال في المسجد:

- ‌المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:

- ‌المثال الخامس: مع من كانت يده تطيش:

- ‌المثال السادس: مع من أصاب من امرأته قبل الكفارة:

- ‌المثال السابع: مع من بكت عند القبر:

- ‌المبحث الرابع عشرصبره الجميل صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: صعوده على الصفا ونداؤه العام:

- ‌المثال الثاني: مع اضطهاد سادات قريش:

- ‌المثال الثالث: مع عتبة بن ربيعة:

- ‌المثال الرابع: مع أبي جهل:

- ‌المثال الخامس: وضع السَّلا على ظهره

- ‌المثال السادس: مع عقبة بن أبي معيط:

- ‌المثال السابع: مع زوجة أبي لهب:

- ‌المثال الثامن: حبسه صلى الله عليه وسلم في الشعب:

- ‌المثال التاسع: مع أهل الطائف:

- ‌المثال العاشر: مع أهل الأسواق والمواسم:

- ‌المثال الحادي عشر: جُرِحَ وجهه وكسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث الخامس عشرشجاعته صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة بدر الكبرى:

- ‌المثال الثاني: شجاعته صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد:

- ‌المثال الثالث: شجاعته صلى الله عليه وسلم في معركة حنين:

- ‌المثال الرابع: شجاعته صلى الله عليه وسلم في الحماية لأصحابه:

- ‌المثال الخامس: شجاعته العقلية صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث السادس عشرحكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع القلوب

- ‌حكمته صلى الله عليه وسلم في الإصلاح والتأسيس:

- ‌[أمثلة تطبيقية لحكمة النبي صلى الله عليه وسلم في الإصلاح وجمع شمل المسلمين]

- ‌ بناء المسجد والاجتماع فيه أول عمل وحَّد بين القلوب:

- ‌ دعوة اليهود إلى الإسلام بالقول الحكيم:

- ‌ المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

- ‌ التربية الحكيمة:

- ‌ ميثاق المهاجرين والأنصار وموادعة اليهود:

- ‌المبحث السابع عشربلاغة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المثال الأول: قصة ضماد رضي الله عنه:

- ‌المثال الثاني: مع الطفيل بن عمرو رضي الله عنه:

- ‌المبحث الثامن عشرمعجزاته ودلائل نبوَّته صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: معجزات القرآن العظيم

- ‌الوجه الأول: الإعجاز البياني والبلاغي:

- ‌الوجه الثاني: الإخبار عن الغيوب:

- ‌الوجه الثالث: الإعجاز التشريعي:

- ‌الوجه الرابع: الإعجاز العلمي الحديث:

- ‌المطلب الثانيمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الحسية

- ‌النوع الأول: المعجزات العلوية

- ‌النوع الثاني: آيات الجوِّ:

- ‌النوع الثالث: تصرفه في الحيوان: الإنس، والجنِّ والبهائم:

- ‌النوع الرابع: تأثيره في الأشجار والثمار والخشب:

- ‌النوع الخامس: تأثيره في الجبال والأحجار وتسخيرها له:

- ‌النوع السادس: تفجير الماء، وزيادة الطعام والشراب والثمار:

- ‌النوع السابع: تأييد الله له بالملائكة:

- ‌النوع الثامن: كفاية الله له أعداءه وعصمته من الناس:

- ‌النوع التاسع: إجابة دعواته صلى الله عليه وسلم:

- ‌المبحث التاسع عشرعموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الجن والإنس

- ‌المبحث العشروناعتراف المنصفين من علماء اليهود والنصارى برسالته صلى الله عليه وسلم

- ‌أولًا: اعتراف المنصفين من علماء اليهود:

- ‌ عبد الله بن سلام رضي الله عنه وأرضاه:

- ‌ زيد بن سعنة، أحد أحبار اليهود رضي الله عنه:

- ‌ من أسلم عند الموت:

- ‌ثانيًا: اعتراف المنصفين من علماء النصارى:

- ‌ النجاشي ملك الحبشة رحمه الله ورضي عنه:

- ‌ سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه:

- ‌ هرقل عظيم الروم:

- ‌المبحث الحادي والعشرونخير أعماله خواتمها صلى الله عليه وسلم

- ‌[المداومة على الأعمال]

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثاني والعشرونوداعه لأمته ووصاياه صلى الله عليه وسلم

- ‌ أذانه في الناس بالحج:

- ‌ وداعه ووصيته لأمته في عرفات:

- ‌ وداعه ووصيته لأمته عند الجمرات:

- ‌ وصيته ووداعه لأمته يوم النحر:

- ‌ وصيته صلى الله عليه وسلم لأمته في أوسط أيام التشريق:

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثالث والعشرونتوديعه للأحياء والأموات صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الرابع والعشرونبداية مرضه صلى الله عليه وسلم وأمره لأبي بكر أن يصلي بالناس

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الخامس والعشرونخطبته العظيمة ووصيته للناس صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث السادس والعشروناشتداد مرضه صلى الله عليه وسلم ووصيته في تلك الشدة

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث السابع والعشرونوصايا النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثامن والعشروناختياره صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث التاسع والعشرونموت النبي صلى الله عليه وسلم شهيدًا

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثلاثونمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الحادي والثلاثونمصيبة المسلمين بموته صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثاني والثلاثونميراثه صلى الله عليه وسلم

- ‌[الدروس والفوائد والعبر]

- ‌المبحث الثالث والثلاثونقوقه على أمته صلى الله عليه وسلم

- ‌ الإيمان الصادق به صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا وتصديقه في كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم

- ‌ وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم والحذر من معصيته:

- ‌ اتباعه صلى الله عليه وسلم واتخاذه قدوة في جميع الأمور والاقتداء بهديه:

- ‌ محبته صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين:

- ‌ احترامه وتوقيره:

- ‌ وجوب نصرته صلى الله عليه وسلم وحكم من سبَّه:

- ‌ وجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه صلى الله عليه وسلم:

- ‌ إنزاله مكانته صلى الله عليه وسلم بلا غلو ولا تقصير:

- ‌ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:

الفصل: ‌المثال السابع: مع زوجة أبي لهب:

أصحابه، وما ذلك كله إلا من أجل إعلاء كلمة الله، والصدع بالحق، والثبات عليه، والدعوة إلى التوحيد الخالص، ونبذ عادات الجاهلية وخرافاتها ووثنيتها.

‌المثال السابع: مع زوجة أبي لهب:

لقي النبي صلى الله عليه وسلم أشد الأذى، ووصل الأمر إلى تغيير اسمه صلى الله عليه وسلم احتقارًا له ولدينه، وحسدًا وبغضًا له، فقد كان المشركون من قريش من شدة كراهتهم للنبي صلى الله عليه وسلم لا يُسمُّونه باسمه الدَّال على المدح فيعدلون إلى ضده، فيقولون: مُذمَّم، وإذا ذكروه بسوء قالوا: فعل الله بمذمم، ومذمم ليس هو اسمه ولا يُعرف به، فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفًا إلى غيره بحمد الله تعالى (1).

قال صلى الله عليه وسلم: «ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش، ولعنهم؟! يشتمون مذممًا، ويلعنون مذممًا، وأنا محمد» (2).

(1) انظر: فتح الباري 6/ 558.

(2)

البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 6/ 554، برقم 3533.

ص: 216

والنبي صلى الله عليه وسلم له خمسة أسماء ليس منها مُذَمَّمًا (1).

جاءت أم جميل زوجة أبي لهب - حين سمعت ما أنزل الله فيها وفي زوجها من القرآن - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق، وفي يدها ملء الكف من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر! أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أَمَا والله إني لشاعرة، ثم قالت:

مُذَمَّمًَا عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا (2)

استمر المشركون في إلحاق الأذى برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الذين أسلموا، وبعد أن زاد عدد المسلمين

(1) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 6/ 554، برقم 3532.

(2)

انظر: سيرة ابن هشام 1/ 378، ومعنى قولها: قلينا: أي أبغضنا. انظر: تفسير ابن كثير4/ 523.

ص: 217

وكثر عددهم ازداد حنق المشركين على المسلمين، وبسطوا إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء، ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ورأى أنه في حماية الله ثم عمه أبي طالب، وهو لا يستطيع أن يمنع المسلمين مما هم فيه من العذاب - فقد مات منهم من مات، وعُذِّب من عذب حتى عمي وهو تحت العذاب - فأذن رسول الله لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فكان أهل هذه الهجرة الأولى اثنى عشر رجلًا، وأربع نسوة، ورئيسهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، ذهبوا فوفَّقَ الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين، فحملوهم فيها إلى أرض الحبشة، وكان ذلك في رجب، في السنة الخامسة من البعثة، وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر فلم يدركوا منهم أحدًا، ثم بلغ هؤلاء المهاجرين أن قريشًا قد كفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى مكة من الحبشة، وقبل وصولهم مكة بساعة من نهار بلغهم أن الخبر كذب، وأن قريشًا أشد ما كانوا عداوة

ص: 218

لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل من دخل مكة بجوار، وكان من الداخلين ابن مسعود، ووجد أن ما بلغهم من إسلام أهل مكة كان باطلًا، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار - كابن مسعود - أو مستخفيًا، ثم اشتد البلاء من قريش على من دخل مكة من المهاجرين وغيرهم، ولقوا منهم أذىً شديدًا، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية، وكان عدد من خرج في هذه المرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلًا، إن كان فيهم عمار بن ياسر، ومن النساء تسعة عشرة امرأة، فكان المهاجرون في مملكة أصحمة النجاشي آمنين، فلما علمت قريش بذلك أرسلت للنجاشي بهدايا وتحف ليردهم عليهم، فمنع ذلك عليهم، ورد عليهم هداياهم، وبقي المهاجرون في الحبشة آمنين حتى قدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر (1).

(1) انظر: زاد المعاد لابن القيم 3/ 23، 36، 38، والرحيق المختوم ص89، وهذا الحبيب يا محب ص120، وسيرة ابن هشام 1/ 343، والبداية والنهاية 3/ 66، = = والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 2/ 98، 109، وتاريخ الإسلام للذهبي، قسم السيرة ص183.

ص: 219