الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا يسبب الشحناء بين الأولاد والعداوة، وللذكر مثل حظ الأنثيين كالميراث على الصحيح، ويعدل بين الطائعين والعصاة، ويُوجِّه العصاة وينصحون) (1).
المثال الثالث: عدله مع أهله صلى الله عليه وسلم:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملكُ فلا تلُمني فيما تَمْلِكُ ولا أَمْلِكُ» (2).
وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم فعدل بين نسائه، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: قوله: "فلا تلمني فيما تملك" يعني القلب، وما يتعلق به؛ فإن المحبة والمودة شيء في القلب، لا يستطيع الزوج أَنْ يسوِّيَ بينهنَّ فيه، وله أسباب تحبب المرأة إلى زوجها: من دينها، وشبابها، وغير
(1) سمعته أثناء تقريره على الحديث رقم 2586 من صحيح البخاري.
(2)
أبو داود، برقم 2134، والترمذي برقم 1140، والنسائي 7/ 64، وابن ماجه، برقم 1971، وسمعت ابن باز يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام:(إسناده جيد).
ذلك، وإنما يملك العبد القسم بينهن بالسوية في الليل والنهار، والنفقة وإحسان العشرة، وطيب الكلام، أما الشيء الذي يتعلق بالقلب والشهوة فهذا لا يملكه) (1).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من كانت له امرأتان فمال إلى إِحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّهُ مائل» (2).
وهذا الحديث يدل على تحريم الميل الذي يستطيعه الإنسان، أما الميل الذي لا يستطيعه فالله يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ
(1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 1084.
(2)
أحمد 2/ 347، وأبو داود برقم 2133، والترمذي برقم 1141، والنسائي، 7/ 63، وابن ماجه برقم 1969، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 593.
فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: 129]، وفي هذا الحديث الوعيد لمن تعمَّد الجور والظلم، وأنه يأتي يوم القيامة وشقه مائل، وهذه عقوبة ظاهرة (1).
ومن سنته صلى الله عليه وسلم أن من تزوَّج بكرًا أقام عندها سبع ليالٍ ثم قسم بين زوجاته إذا كان له أكثر من واحدة؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: «من السُّنَّة إذا تزوَّج الرجل البكر على الثيِّب أقام عندها سبعًا ثم قسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم» (2).
وعن أم سلمة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوَّجها أقام عندها ثلاثًا، وقال: "إنه ليس بك على أهلك هوان (3) إن شئت سبَّعتُ لَكِ، وإن سبَّعتُ لَكِ سبَّعْتُ لنسائي» (4).
(1) سمعته من شيخنا ابن باز أثناء تقريره على بلوغ المرام.
(2)
متفق عليه، واللفظ للبخاري: البخاري، برقم 5214، ومسلم، برقم 1461.
(3)
هوان: يعني ليس لكِ عندي هوان
(4)
مسلم، برقم 1460.
وعن عائشة رضي الله عنها: «أن سودة بنتُ زَمْعةَ وَهبت يومها لعائشة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة» (1).
(1) البخاري برقم 5212، ومسلم برقم 1413.
(2)
أسنت: كبرت في السن.
(3)
فرِقت: خافت.
(4)
أبو داود، برقم 2135، وقال الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 594: =
…
= ((حسن صحيح))، وأصل هبة سودة يومها لعائشة في صحيح مسلم برقم 1463 وصحيح البخاري برقم 5212.
وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم سودة بعد خديجة وَقَبْلَ عائشة وطالت حياتها معه فلما أسنت وخافت أن يطلقها قالت: «يا رسول الله: يومي لعائشة» . رواه أبو داود وإسناده جيد، وهذا يدل على أنه لا بأس أن تتنازل المرأة عن يومها لإحدى ضرَّاتها إذا رضي الزوج، فيكون للموهوبة يومان ولغيرها يوم (1).
وقد كان هذا الوقت المشترك بعد العصر؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى العصر دار على نسائه ثم يدنو منهن. . .» (2) وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: وهذا يدل على حسن عشرته صلى الله عليه وسلم، فقد كان خير الناس لأهله، فكان يطوف عليهن كل عصر يتفقد أحوالهنَّ وحاجاتهنَّ وذلك من
(1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 1089.
(2)
البخاري برقم 5268، ومسلم واللفظ له برقم 1474.
غير جماع، وربما طاف بهنَّ وجامعهن كما في حديث أنس، بغسل واحد، ولعل هذا نادر والجمع بين حديث عائشة هذا وحديث أنس أنه في الغالب من غير مسيس وربما جامع، فالمثبت مقدم على النافي (1).
ولفظ حديث أنس رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال الراوي لأنس: أَوَكان يُطيقه؟ قال: كُنَّا نتحدَّثُ أنه أُعطي قوَّة ثلاثين» ، وقال سعيد عن قتادة أن أنسًا حدثهم (تسع نسوة)(2) وقد حمل الحافظ ابن حجر أنه ضمَّ مارية، وريحانة: جاريتيه إلى زوجاته التسع، وأطلق عليهن (نسائه) تغليبًا (3) وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: (هذه قوة عظيمة عنده تسع نسوة،
(1) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام الحديث رقم 1089.
(2)
البخاري، برقم 268، 284، 5068، 5215.
(3)
فتح الباري، 1/ 389.
وجاريتان: ريحانة، ومارية) (1)(وهذا يدل على أن الرجل له أن يجامع زوجاته [في الوقت المشترك بينهن] تأسيًا به صلى الله عليه وسلم، وهذا من خلقه الكريم)، وفي حديث أنس قال:«كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع فَكُنَّ يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها. . .» (2). وسمعت شيخنا ابن باز يقول: (وهذا عِلاوة على طوافه عليهن كل عصر، وهذا يكسبهن تعارفًا وإبعادًا عن الوحشة؛ فإن بين الضرات وحشة، فاجتماعهن كل ليلة يسبب التآلف)(3).
ومن عدله صلى الله عليه وسلم بين نسائه أنه كان إذا أراد سفرًا أقرع بينهن، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها
(1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 268، بتاريخ 23/ 7/1418هـ.
(2)
مسلم، برقم 1462.
(3)
سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث 1089.
خرج بها معه» (1).
ومن عدله وكرم أخلاقه صلى الله عليه وسلم ما قاله أنس رضي الله عنه، قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين صحفةً فيها طعام، فضربت التي النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم فسقطت الصحفةُ فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: "غارت أُمُّكم" ثم حبس الخادم حتى أُتِيَ بصحفةٍ من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرَتْ صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كُسِرَت فيه» (2).
هذه الأحاديث تدل على عِظَمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعلى عدله مع نسائه، وحسن خلقه معهن، وملاطفتهن، والقيام بحقوقهن صلى الله عليه وسلم.
(1) البخاري، برقم 2593، ومسلم برقم 2770.
(2)
البخاري، برقم 5225 و2481.