الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث السابع والعشرونوصايا النبي صلى الله عليه وسلمعند موته]
[وصايا النبي صلى الله عليه وسلم]
المبحث السابع والعشرون
وصايا النبي صلى الله عليه وسلم عند موته
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يوم الخميس وما يوم الخميس (1) «اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي التنازع [فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله،] [فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[قوموا] وفي رواية: دعوني فالذي أنا فيه خير (2) مما
(1) يوم الخميس وما يوم الخميس؛ معناه: تفخيم أمره في الشدة والمكروه، والتعجب منه ، وفي رواية في أواخر كتاب الجهاد عند البخاري:((ثم بكى حتى خضب دمعه الحصى)). وفي رواية لمسلم: ((ثم جعلت تسيل دموعه حتى رأيتها على خديه
…
)) انظر: فتح الباري 8/ 132، وشرح النووي على صحيح مسلم.
(2)
المعنى: دعوني من النزاع والاختلاف الذي شرعتم فيه فالذي أنا فيه من مراقبة الله تعالى والتأهب للقائه، والفكر في ذلك خير مما أنتم فيه، أو فالذي أعانيه من كرامة= = الله تعالى الذي أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه من الحياة .. وقيل غير ذلك. انظر: فتح الباري 8/ 134، وشرح النووي.
تدعونني إليه، أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به، (1) وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها» (2)
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: "وأوصاهم بثلاث" أي في تلك الحالة، وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه صلى الله عليه وسلم لم يكن أمرًا متحتمًا؛ لأنه لو كان مما أُمر بتبليغه لم يتركه لوقوع اختلافهم ولعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه، ولبلَّغه لهم لفظًا كما أوصاهم بإخراج المشركين (3) وغير ذلك، وقد عاش بعد هذه المقالة أيامًا وحفظوا عنه أشياء لفظًا فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه والله أعلم (4).
(1) وأجيزوا الوفد: أي أعطوهم، والجائزة العطية، وهذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بإجازة الوفود وضيافتهم وإكرامهم تطييباً لنفوسهم وترغيباً لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم، وإعانة لهم على سفرهم. انظر: فتح الباري 7/ 135 وشرح النووي.
(2)
البخاري برقم 4431، 4432، ومسلم برقم 1637 ..
(3)
وهذه الوصية وإن كانت لعموم الأمة، فليس لكل أحد أن يقوم بإخراج المشركين بنفسه من جزيرة العرب، إنما الأمر راجع لولي أمر المسلمين، وهو الذي يقوم به عندما يرى مناسبته.
(4)
فتح الباري 8.
والوصية الثالثة في هذا الحديث يحتمل أن تكون الوصية بالقرآن، أو الوصية بتنفيذ جيش أسامة رضي الله عنه. أو الوصية بالصلاة وما ملكت الأيمان، أو الوصية بأن لا يتخذ قبره صلى الله عليه وسلم وثنًا يُعبد من دون الله، وقد ثبتت هذه الوصايا عنه صلى الله عليه وسلم (1).
وعن عبد الله بن أبي أوْفَى رضي الله عنه «أنه سُئِلَ هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. . . قال: أوصى بكتاب الله عز وجل» (2). والمراد بالوصية بكتاب الله: حفظه حسًّا ومعنى، فيكرم ويصان، ويتبع ما فيه: فيعمل بأوامره، ويجتنب نواهيه، ويداوم على تلاوته وتعلمه وتعليمه ونحو ذلك (3).
وقد أوصى صلى الله عليه وسلم بكتاب الله تعالى في مناسبات كثيرة: منها أنه صلى الله عليه وسلم أوصى به في خطبته في عرفات (4) وفي خطبته
(1) فتح الباري 8.
(2)
مسلم برقم 1634، البخاري برقم 2740، 4460، 5022.
(3)
الفتح 9.
(4)
مسلم، برقم 1218.
في منى (1) وعندما رجع من مكة في غدير خم قال: «. . . وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، [هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة] فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. . .» ثلاث مرات (2) وأوصى بكتاب الله تعالى عند موته صلى الله عليه وسلم (3).
وأمر صلى الله عليه وسلم وأوصى بإنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه، وقد ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى أنه كان تجهيز جيش أسامة يوم السبت قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بيومين، وكان ابتداء ذلك قبل مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فندب الناس لغزو الروم في آخر صفر، ودعا أسامة وقال:" سِرْ إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش. . . " فبدأ برسول
(1) مسند أحمد، 2/ 368.
(2)
صحيح مسلم برقم 2408.
(3)
البخاري، برقم 2740، ومسلم، برقم 1634، ورقم 2408.
الله صلى الله عليه وسلم وجعه في اليوم الثالث فعقد لأسامة لواء بيده فأخذه أسامة، وكان ممن انتدب مع أسامة كبار المهاجرين والأنصار، ثم اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال:"أنفذوا جيش أسامة " فجهزه أبو بكر بعد أن استخلف فسار عشرين ليلة إلى الجهة التي أمر بها، وقتل قاتل أبيه ورجع الجيش سالمًا وقد غنموا. . " (1).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثًا وأمَّر عليهم أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمارته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقًا للإمارة (2) وإن كان لمن أحبِّ الناس إليَّ، وإنَّ هذا لمن أحبِّ الناس إليَّ بعده» (3). وقد كان عُمْرُ أسامة رضي الله عنه حين
(1) انظر: فتح الباري 8/ 152، وسيرة ابن هشام 4/ 328.
(2)
خليقاً: حقيقاً بها. النووي 15/ 205.
(3)
البخاري 7/ 86، برقم 3730، 4250، 4468، 4469، 6627، 7187، ومسلم برقم 2426.