الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس والعشرون
اشتداد مرضه صلى الله عليه وسلم ووصيته في تلك الشدة
عن عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات (1) وينفث فلما اشتد وجعه [الذي توفي فيه] كنت أقرأ [وفي رواية أنفث] عليه بهن وأمسح بيده نفسه رجاء بركتها. قال ابن شهاب: ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه» (2). وفي صحيح مسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه؛ لأنها كانت أعظم بركة من يدي» (3). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم يغادر منهن امرأة فجاءت
(1) المراد بالمعوذات: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. انظر: الفتح 8/ 131 و9/ 62.
(2)
البخاري برقم 4439، 5016، 5735، 5751، ومسلم برقم 2192 وكان يفعل ذلك صلى الله عليه وسلم أيضاً إذا أوى إلى فراشه "فيقرأ بقل هو الله أحد، وبالمعوذتين جميعاً ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات" البخاري برقم 5748.
(3)
مسلم برقم 2192.
فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "مرحبًا بابنتي" فأجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم إنه أسرَّ إليها حديثًا فبكت فاطمة. ثم إنه سارَّها فضحكت أيضًا، فقلتُ لها ما يبكيك؟ فقالت: ما كنتُ لِأُفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حُزْنٍ، فقلت حين بكت: أخصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثه دوننا ثم تبكين؟ وسألتها عما قال: فقالت: ما كنت لِأُفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: عزمتُ عليك بما لي من الحق لما حدثتيني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: أمَّا الآن فنعم: أمَّا حين سارَّني في المرة الأولى "فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن كل عام مرة وإنه عارضه به في العام مرتين ولا أُراني (1)
إلا قد حضر أجلي فاتقي الله واصبري فإنه نعم السلف أنا لك"، قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي
(1) أي لا أظن ..
سارني الثانية فقال: "يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة؟ " قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت» (1) وفي رواية: «فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت» (2).
فكان سبب ضحكها رضي الله عنها أنها سيدة نساء المؤمنين، وأول من يلحق به من أهله، وسبب البكاء أنه أخبرها بموته صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر رحمه الله تعالى:(وروى النسائي في سبب الضحك الأمرين)(3) أي بشارتها بأنها سيدة نساء هذه الأمة، وكونها أول من يلحق به من أهله. وقد اتفقوا على أن فاطمة رضي الله عنها أول من مات من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى من أزواجه (4).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيتُ أحدًا أشدَّ
(1) البخاري برقم 4433، 4434، ومسلم برقم 2450، واللفظ لمسلم.
(2)
البخاري برقم 4433، 4434، ومسلم 2450.
(3)
انظر: فتح الباري 8/ 138.
(4)
انظر: فتح الباري 8/ 136.
عليه الوجع (1) من رسول الله صلى الله عليه وسلم» (2).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك (3) فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكًا شديدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجلْ إني أُوعك كما يوعك رَجُلان منكم، قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه [شوكة فما فوقها] إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» (4).
وعن عائشة وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قالا:
(1) المراد بالوجع: المرض، والعرب تسمي كل مرض وجعاً. انظر: الفتح 10/ 111، وشرح النووي 16/ 363.
(2)
البخاري برقم 5646، ومسلم برقم 2570.
(3)
يوعك: قيل الحمى، وقيل ألمها ، وقيل إرعادها الموعوك وتحريكها إياه. الفتح 10/ 111.
(4)
البخاري مع الفتح 10/ 111 برقم 5647، 5648، 5660، 5661، 5667، ومسلم 4/ 1991 برقم 2571 واللفظ له إلا ما بين المعكوفين.
وعن عائشة رضي الله عنها «أنهم تذاكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فذكرت أمُّ سلمة وأمُّ حبيبة كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولئِكِ إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوَّروا فيه تلك الصور، أولئِكِ شرار الخلق عند الله
(1) نُزِل: أي لما حضرت المنية والوفاة. انظر: شرح السنوسي على صحيح مسلم بهامش الأبي 2/ 425، وفتح الباري 1/ 532.
(2)
طفق: أي شرع وجعل، انظر: شرح النووي 5/ 16، وشرح الأبي 2/ 425، حاشية السنوسي، وفتح الباري 1/ 532.
(3)
خميصة: كساء له أعلام.
(4)
اغتم: تسخن بالخميصة وأخذ بنفسه من شدة الحرارة.
(5)
البخاري مع الفتح 8/ 140 برقم 4443، 4444، ومسلم برقم 531.
يوم القيامة» (1).
وعن عائشة رضي الله عنها أيضًا قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: فلولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أني أخشى أن يُتخذ مسجدًا» (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» (3).
وعن أنس رضي الله عنه قال: «لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه (4)
(1) البخاري برقم 427 و434، 1341، 3878، ومسلم برقم 528.
(2)
البخاري برقم 435، 1330، 1390، 3453، 4441، 4443، 5815، ومسلم برقم 529 ولفظ مسلم ((غير أنه خُشِيَ)) ، وعند البخاري برقم 1390 ((غير أنه خَشِيَ أو خُشِيَ)).
(3)
أبو داود 2/ 218، برقم 2042، وأحمد 2/ 367، وانظر صحيح أبي داود 1/ 383.
(4)
يتغشاه: يغطيه ما اشتدّ به من مرض فيأخذ بنفسه ويغمه.