الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستئلاف والرحمة والرفق الأثر الكبير في حياة هذا الأعرابي وغيره، فقد قال بعد أن فقه - كما تقدم - وفي رواية الإمام أحمد: فقام النبي صلى الله عليه وسلم إليَّ بأبي وأمي، فلم يسبَّ، ولم يؤنِّبْ، ولم يضرب (1).
فقد أثَّر هذا الخلق العظيم في حياة الرجل (2).
المثال الرابع: مع معاوية بن الحكم:
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: «بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني، لكني
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب الأرض يصيبها البول كيف تغسل 1/ 175، برقم 529، وتقدم تخريجه عند أحمد.
(2)
انظر: فتح الباري 1/ 325، وشرح النووي 3/ 191، وعون المعبود شرح سنن أبي داود 2/ 39، وتحفة الأحوذي، شرح سنن الترمذي 1/ 457.
سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كهرني (1) ولا ضربني ولا شتمني، قال:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإنَّ منَّا رجالًا يأتون الكهان، قال:"فلا تأتهم".
قال: ومنَّا رجال يتطيرون، قال:"ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم"(2)(قال ابن الصلاح: فلا يصدنكم)، قال: قلت: ومنا رجال يخطُّون. قال: "كان نبي من الأنبياء يخطُّ، فما وافق خطه فذاك» (3).
(1) ما كهرني: أي ما قهرني ولا نهرني. انظر: شرح النووي 5/ 20.
(2)
قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة، ولا عتب عليكم في ذلك، ولكن لا تمتنعوا بسببه من التصرف في أموركم. انظر: المرجع السابق 5/ 22.
(3)
اختلف العلماء في معناه، والصحيح أن معناه: من وافق خطه فهو مباح له؛ =
…
= ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يُباح، والمقصود أنه حرام؛ لأنه لا يُباح إلا بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها، وقيل: إنه نُسِخَ في شرعنا. فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن فهو محرم. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 23.
وهذا الموقف من أعظم الحكم البارزة السامية التي
(1) الجوانية: موضع في شمال المدينة بقرب جبل أحد. انظر: المرجع السابق 5/ 23.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته 1/ 381، برقم 537، وانظر شرحه في شرح مسلم للنووي 5/ 20.