الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَتَّبَّعُوْنَ مِنَ العُلُو
…
مِ بِكُلِّ أَرْضٍ كُلَّ شَارِدْ
وَهُمُ النُّجُوْمُ المُقْتَدَى
…
بِهِم إِلَى سُبُلِ المَقَاصِدْ (1)
142 - جَيَّاشٌ أَبُو فَاتِكٍ بنُ نَجَاحٍ الحَبَشِيُّ *
هُوَ صَاحِبُ اليَمَن وَأَبُو أَصْحَابه، الملكُ، أَبُو فَاتك جيَّاش بن نَجَاح الحَبَشِيّ، مَوْلَى حُسَيْن بن سَلَامَةَ النُّوبِي مَوْلَى آلِ زِيَادٍ مُلُوْكِ اليَمَنِ.
كَانَ أَبُوْهُ قَدِ اسْتَولَى عَلَى اليَمَنِ، وَأَبَادَ أَضدَادَه، وَتَمَكَّنَ إِلَى أَنْ ظَهرَ الصُّلَيْحِي (2) ، وَتَمَلَّك وَمَكَر بنجَاح، فَسمَّه، فَهَرَبَ أَوْلَادُه، وَلَحِقُوا بِالحَبَشَةِ، وَرَأسُهُم سَعِيْدُ بنُ نَجَاحٍ الأَحْوَل، وَتَكلَّمَ الكُهَّانُ بِأَنَّ هَذَا الأَحْوَلَ يَقتُلُ الصُّلَيحِيَّ، وَصُوِّرت لِلصُّلَيحِي صُوْرَةُ الأَحْوَلِ عَلَى جَمِيْعِ أَحْوَالِهِ، وَاسْتشعر مِنْهُ، فَترقَّت هِمتُهُ، وَجَاءَ مِنَ الحَبَشَة فِي خَمْسَة آلَافِ حَرْبَةٍ،
(1) ومن شعره وهو في مصارع العشاق: 1 / 103:
بان الخليط فأدمعي * وجدا عليهم تستهل
وحدا بهم حادي الفرا * ق عن المنازل فاستقلوا
قل للذين ترحلوا * عن ناظري والقلب حلوا
ودمي بلا جرم أتي * ت غداة بينهم استحلوا
ما ضرهم لو أنهلوا * من ماء وصلهم وعلوا
(*) تاريخ اليمن لعمارة: 295، طبقات فقهاء اليمن: 104، خريدة القصر: 3 / 223، المشتبه: 140، الوافي بالوفيات: 11 / 228، كشف الظنون: 1777، بلوغ المرام: 16 - 17، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة:181.
(2)
هو أبو الحسن علي بن محمد بن علي الصليحي، رأس الدولة الصليحية، وأحد من ملكوا اليمن عنوة، صحب عامر بن عبد الله الرواحي أحد دعاة العبيديين، فمال إلى مذهبهم، ويقول المقريزي: إنه صار إماما فيه، وجعل يحج دليلا بالناس، ويتألف منهم من يتوسم فيه الاقبال عليه حتى كان له ستون نصيرا من مختلف القبائل، حالفوه بمكة في سنة 429، وتكاثر جمعه، فلم تكن سنة 455 هـ حتى ملك اليمن كله
…
ثم قتله سعيد الاحول سنة 473 هـ بثأر أبيه تقدمت ترجمته في الثامن عشر رقم (173) .
فَكَبَسَ الصُّلَيحِي بِالمهْجم مُخيَّمَه، فَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ أَخَاهُ، وَعِدَّةً، وَأَخَذَ خَزَائِنه، وَكَانَتْ عَظِيْمَة، وَجَمَعَ بَعْضَ آلِ الصُّلَيحِي، فَقَتَلَهُم رَمْياً بِالحرَاب، وَتَملَّك زَبِيْدَ، وَعلَّق الرَّأْس، فَقَالَ العُثْمَانِيُّ شَاعِر:
نَكِرَتْ مِظَلَّتُهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَرُحْ
…
إِلَاّ عَلَى المَلِكِ الأَجَلِّ سَعِيْدِهَا
مَا كَانَ أَقْبَحَ وَجْهَهُ فِي خَالِهَا
…
مَا كَانَ أَحْسَنَ رَأْسَهُ فِي عُوْدِهَا
سُوْدُ الأَرَاقِمِ قَاتَلَتْ أُسْدَ الشَّرَى
…
يَا رَحْمَتَا لأُسُودِهَا مِنْ سُوْدِهَا (1)
ثُمَّ بَعْدَ سَنَةٍ، حشد مُكَرَّمُ بنُ الصُّليحِي (2) ، وَأَقْبَلَ مِنْ صَنْعَاء، فَالْتَقَوْا، فَانْكَسَرَ السُّودَانُ، وَانْهَزَمَ الأَحْوَلُ، وَنَزَلُوا السُّفُنَ، وَاسْتَرَدَّ مكرَّم زَبِيْدٍ، وَخَلَّصَ أُمَّهُ، ثُمَّ فُلِجَ، فَفَوَّضَ الأُمُوْرَ إِلَى زَوجَتِهِ الحُرَّةِ سَيِّدِهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى اللَّهْوِ مَعَ فَالِجِه إِلَى أَنْ هَلَكَ سَنَة (484) ، وَعهد بِالملك إِلَى ابْنِ عَمِّهِ السُّلْطَان سَبأِ بنِ أَحْمَدَ، وَكَانَ الحَرْب بَيْنَهُ وَبَيْنَ آل نَجَاح سِجَالاً، وَكَتَبَ خَلِيْفَةُ مِصْر إِلَى الحُرَّة: قَدْ زوَّجْتُكِ بِأَمِيْر الأُمَرَاء سَبَأ عَلَى مائَة أَلْف دِيْنَار، ثُمَّ لَمَّا مَاتَ سَبَأ (3) ، قَامت بِملكهَا، وَدبَّر دَوْلَتهَا المُفَضَّلُ، وَامتدت أَيَّامُ الحرّة خَمْسِيْنَ سَنَةً.
نعم، ثُمَّ تَوثَّبَ سَعِيْدٌ الأَحْوَل عَلَى صَنْعَاء، ثُمَّ هَلَكَ سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ، وَتَملَّك بَعْدَهُ أَخُوْهُ جَيَّاش، وَقَدْ تَنكَّر وَسَارَ مَعَ وَزِيْرِهِ قَسِيمِ الْملك إِلَى الهِنْد.
قَالَ جَيَّاش: دخلنَا الهِنْدَ سَنَة (481) ، فَأَقمنَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَرجعنَا،
(1) الاراقم: جمع أرقم: الحية التي على ظهرها رقم، أي: نقش، وسود الاراقم: الحيات التي فيها سواد، وهي من أخبث الحيات، وأعظمها وأنكاها، وليس شيء من الحيات أجرأ منه.
(2)
هو أحمد بن علي بن محمد الصليحي، المتوفى سنة 477 هـ، وله ذكر في ترجمة أبيه 18 / (137) .
(3)
سنة 492 هـ.
فَقَدِمَ إِنْسَان مِنْ سَرَنْدِيب يَتَكَلَّم عَلَى المُسْتَقْبِلَات، فَسَأَلنَا عَنْ حَالِنَا، وَبشَّرنَا بِأُمُوْرٍ لَمْ تَخْرِم، وَاشْتَرَيتُ جَارِيَة هِنديَة، وَجِئنَا عَدَن، فَقُلْتُ لِوَزِيْرِي: امضِ إِلَى زَبِيْدٍ، فَأَشِعْ مَوْتِي، وَاكشِفِ الأُمُوْرَ، وَصعدت جِبْلَةَ (1) ، وَكشفتُ أَحْوَالَ المُكَرَّم، ثُمَّ أَتيتُ زَبِيْد، فَخبرنِي الوَزِيْرُ بِمَا يَسُرُّ عَنْ أَوليَائِنَا، وَأَنَّهُم كَثِيْرٌ، فَأَخَذتُ مِنْ لِحيَتِي، وَسَتَرتُ عَيْنِي بِخرقَة، وَطَوَّلت أَظفَارِي، وَقصدتُ دَارَ ابْن القُم الوَزِيْر فَأَسمَعُهُ يَقُوْلُ: لَوْ وَجَدْتُ كلباً مِنْ آلِ نَجَاح لَملَّكته، وَذَلِكَ لِشَرٍّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ شِهَابٍ رَفِيقِهِ، فَخَرَجَ وَلدُ ابْن القُم، فَقَالَ: يَا هنديُّ، تُحْسِنُ الشطْرَنْج؟
قُلْتُ: نَعم.
قَالَ: فَغَلَبتُهُ، فَثَارَ، وَكَانَ طَبَقَةَ أَهْلِ زَبِيْدٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُوْهُ: مَا لَنَا مَنْ يَغْلِبُك إِلَاّ جَيَّاشٌ، وَقَدْ مَاتَ، ثُمَّ لَعِبتُ مَعَ الأَب، فَمَنَّعْتُ الدَّسْتَ، فَأَحَبَّنِي وَخَلَطَنِي بِنَفْسِهِ، وَهُوَ يَقُوْلُ كُلَّ وَقتٍ: عجَّل الله عَلَيْنَا بكُم يَا آل نَجَاح، فَأَخَذْتُ أُكَاتِبُ الحُبُوشَ حَتَّى حصل حَوْلَ زَبيْد خَمْسَةُ آلَاف حَرْبَةً، وَأَمرتُ وَزِيْرِي، فَأَخَذَ لِي عَشْرَة آلَاف دِيْنَار مُودَعَة، فَأَنفقتُهَا فِيهِم، وَضرب وَلد ابْن القُم عَبداً لَهُ، فَنَالنِي طرفُ سَوْطه، فَقُلْتُ: أَنَا أَبُو الطَّامِي، فَقَالَ أَبُوْهُ: مَا اسْمُكَ؟
قُلْتُ: بَحرٌ.
قَالَ: كُنْيَة مُنَاسبَة.
وَقَالَ مرَّة لابْنِهِ: إِن غلبتُ الْهِنْدِيّ، أَوفدتُك بِارتِفَاعِ السّنَة عَلَى المُكَرَّم.
قَالَ: فَترَاخيتُ لَهُ، فَغلبنِي، فَطَاش فَرحاً، وَمَدَّ يَده إِلَى وَجْهِي، فَأَحْفَظنِي، وَقُمْت، فَعثرتُ، فَاعْتَزَيْتُ (2)، وَقُلْتُ: أَنَا جيَاش بنُ نَجَاح،
(1) بكسر الجيم وسكون الباء: مدينة باليمن تحت جبل صبر، وتسمى ذات النهرين، وهي من أحسن مدن اليمن وأنزهها وأطيبها.
(2)
أي: انتسبت، يقال: عزا فلان نفسه إلى بني فلان يعزوها عزوا، وعزا واعتزى وتعزى كله: انتسب صدقا كان أو كذبا، وانتمى إليهم، وفي الحديث الصحيح المخرج في " المسند ": 5 / 136: " من تعزى بعزاء الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا " أي: انتسب وانتمى، فقد كانوا في الجاهلية يقولون في الاستغاثة: يا لفلان، وينادي: أنا فلان ابن فلان ينتمي إلى أبيه وجده لشرفه وعزه ونحو ذلك، فمعنى الحديث: قبحوا عليه فعله، وقولوا: اعضض بهن أبيك، فإن من القبح مثل هذه الدعوى.