الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
325 - المُسْترشد بِاللهِ الفَضْلُ بنُ المُسْتظهرِ بِاللهِ *
أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ، أَبُو مَنْصُوْرٍ الفَضْلُ (1) ابنُ المُسْتظهر بِاللهِ أَحْمَدَ ابنِ الْمُقْتَدِي بِأَمرِ الله عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ ابنِ القَائِم عَبْد اللهِ بن القَادِر القُرَشِيّ، الهَاشِمِيّ، العَبَّاسِيّ، البَغْدَادِيّ.
مَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ فِي أَيَّامِ جدِّه الْمُقْتَدِي، وَخُطِبَ لَهُ بِوِلَايَةِ العَهْدِ وَهُوَ يَرْضَعُ، وَضُرِبَتِ السِّكَّةُ باسمِهِ.
وَسَمِعَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ مِنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ العَلَاّف، وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ بنِ بيَان، وَمِنْ مُؤَدِّبه أَبِي البَرَكَات بن السِّيبِي.
رَوَى عَنْهُ: وَزِيْرُه عَلِيُّ بنُ طِرَاد، وَحَمْزَةُ بنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بن المُلَقَّب.
وَلَهُ خطٌّ بَدِيع، وَنثر صَنِيع، وَنظم جَيِّد، مَعَ دينٍ وَرَأْيٍ، وَشَهَامَةٍ وَشجَاعَة، وَكَانَ خليقاً لِلإِمَامَةِ، قَلِيْلَ النَّظَير.
(*) تاريخ دولة آل سلجوق: 178، المنتظم: 10 / 45 - 50 و53، 54، خريدة القصر: 1 / 29، الكامل في التاريخ: 11 / 27 - 28، النبراس: 145، مفرج الكروب: 1 / 50 - 60، الفخري: 302 - 303، تاريخ الإسلام: 4: 283 / 1 - 2، دول الإسلام: 2 / 50، العبر: 4 / 75 - 77، تتمة المختصر: 2 / 62، فوات الوفيات: 3 / 179 - 182، مرآة الزمان: 8 / 95 - 96، طبقات السبكي: 7 / 257، البداية والنهاية: 12 / 207، الاعلام لابن قاضي شهبة (خ) حوادث السنة 529، النجوم الزاهرة: 5 / 256، تاريخ الخلفاء: 431 - 435، تاريخ الخميس: 2 / 361، شذرات الذهب: 4 / 86 - 88، معجم الأنساب والاسرات الحاكمة:4.
(1)
وهو الذي صنف له أبو بكر الشاشي كتاب " العمدة " فيما ذكره ابن الصلاح في " طبقاته " والمؤلف في الصفحة 567 وباسمه اشتهر الكتاب، فإنه كان يلقب عمدة الدنيا والدين، وعدة الإسلام والمسلمين.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: ذكر قُثَم بن طَلْحَةَ الزَّيْنَبِيّ - وَمِنْ خطِّه نَقُلْتُ -:أَنَّ المُسْترشد كَانَ يَتنسَّكُ فِي أَوَّل زَمَنه، وَيَلْبَسُ الصُّوف، وَيَتعبَّدُ، وَختم القُرْآن، وَتَفَقَّهَ، لَمْ يَكُنْ فِي الخُلَفَاء مَنْ كَتَب أَحْسَنَ مِنْهُ، وَكَانَ يَسْتَدْرِكُ عَلَى كُتَّابه، وَيُصلِحُ أَغَاليطَ فِي كُتبهِم، وَكَانَ ابْنُ الأَنْبَارِيّ يَقُوْلُ: أَنَا وَرَّاق الإِنشَاء وَمَالِكُ الأَمْر يَتولَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ الشَّرِيْفَة.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: كَانَ ذَا شَهَامَةٍ وَهَيْبَة، وَشجَاعَةٍ وَإِقدَامٍ، وَلَمْ تَزَلْ أَيَّامُه مُكَدَّرَةً بِتَشْوِيشِ المخَالفِيْن، وَكَانَ يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ لدفع ذَلِكَ وَمبَاشرته إِلَى أَنْ خَرَجَ، فَكُسِرَ، وَأُسِرَ، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ عَلَى يَدِ الملَاحدَة، وَكَانَ قَدْ سَمِعَ الحَدِيْثَ.
قَالَ: وَلَهُ نَظْمٌ، وَنثرٌ مليح، وَنُبْلُ رَأْي.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ عبد المُنْعِم، أَنْبَأَنَا الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ السَّمَرْقَنْدي، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ طِرَاد، أَخْبَرَنَا المُسْترشِدُ بِاللهِ، أَخْبَرْنَا ابْنُ بيَان الرَّزَّاز، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَخْلَد، أَخْبَرَنَا الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ
…
، فَذَكَرَ حَدِيْثاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّار: أَنشدنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بنِ السِبْط حِفْظاً لِلمُسْترشد بِاللهِ:
قَالُوا: تُقِيْمُ وَقَدْ أَحَا
…
طَ بِكَ العَدُوُّ وَلَا تَفِرُّ
فَأَجَبْتُهُمْ: المَرْءُ مَا لَمْ
…
يَتَّعِظْ بِالوَعْظِ غِرُّ
لَا نِلْتُ خَيراً مَا حَيِيْتُ
…
وَلَا عَدَانِي الدَّهْرَ شَرُّ
إِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنْ غَيْـ
…
ـرَ اللهِ يَنْفَعُ أَوْ يَضِرُّ (1)
(1) الأبيات قالها لما كسر وأشير عليه بالهزيمة وهي في " فوات الوفيات ": 3 / 180، " طبقات السبكي ": 7 / 259، " تاريخ الخلفاء ": 433، " خريدة القصر ": 1 / 31.
وَلَهُ:
أَنَا الأَشْقَرُ المَوْعُوْدُ بِي فِي المَلَاحِمِ
…
وَمَنْ يَمْلِكُ الدُّنْيَا بِغَيْرِ مُزَاحِمِ
سَتَبْلُغُ أَرْضَ الرُّوْمِ خَيْلِي وَتُنْتَضَى
…
بِأَقْصَى بِلَادِ الصِّيْنِ بِيْضُ صَوَارِمِي (1)
وَقِيْلَ: إِنَّهُ قَالَ لَمَّا أُسِرَ مُسْتشهداً:
وَلَا عَجَباً لِلأُسْدِ إِنْ ظَفِرَتْ بِهَا
…
كِلَابُ الأَعَادِي مِنْ فَصِيْحٍ وَأَعْجَمِ
فَحَرْبَةُ وَحْشِيٍّ سَقَتْ حَمْزَةَ الرَّدَى
…
وَمَوْتُ عَلِيٍّ مِنْ حُسَامِ ابْنِ مُلْجَمِ (2)
قَالَ سَعْدُ الله بنُ نَجَا بن الوَادِي: حَكَى لِي صَدِيْقِي مَنْصُوْرُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ قَالَ:
لَمَّا عَادَ الحَيْصَ بَيْصَ (3) إِلَى بَغْدَادَ، وَكَانَ قَدْ هجَا الخَلِيْفَةَ المُسْترشِد طَالباً لِذِمَامِهِ، فَقَالَ فِيْهِ:
ثَنَيْتُ رِكَابِي عَنْ دُبَيْس بنِ مَزْيَدٍ
…
مَنَاسِمُهَا مِمَّا تُغِذُّ دَوَامِي
فِرَاراً مِنَ اللُّؤْمِ المُظَاهِرِ بِالخَنَا
…
وَسُوْءِ ارْتِحَالٍ بَعْدَ سُوْءِ مُقَامِ (4)
لِيُخْصِبَ رَبْعِي بَعْدَ طُوْلِ مَحِيْلِهِ
…
بِأَبْيَضَ وَضَّاحِ الجَبِيْنِ إِمَامِ
فَإِنْ يَشْتَمِلْ طُوْلُ العَمِيْمِ بِرَأْفَةٍ
…
بِلَفْظِ أَمَانٍ أَوْ بِعَقْدِ ذِمَامِ
(1)" فوات الوفيات ": 3 / 181، " طبقات السبكي ": 7 / 259، " تاريخ الخلفاء ": 433، " خريدة القصر ": 1 / 31.
(2)
" فوات الوفيات ": 3 / 180، طبقات السبكي: 7 / 259، وتاريخ الخلفاء:434.
(3)
هو الأمير شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي البغدادي المتوفى سنة 574 هـ، وإنما قيل له: حيص بيص، لأنه رأى الناس يوما في حركة مزعجة، وأمر شديد، فقال: ما للناس في حيص بيص فبقي عليه هذا اللقب، ومعنى هاتين الكلمتين الشدة والاختلاط، تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص، أي: في ضيق وشدة، وهما اسمان جعلا واحدا، وبنيا على الفتح مثل جاري بيت بيت.
(4)
تحرف في الديوان: اللؤم إلى اللوم، والخنا إلى الحيا.
فَإِنَّ القَوَافِي بِالثَّنَاء فَصِيْحَةٌ
…
تُنَاضِلُ عَنْ أَنسَابِكُم وَتُحَامِي (1)
قَالَ: فَخَرَجَ لفظ الخَلِيْفَة: سُرْعَةُ العفوِ عَنْ كَبِيْر الجُرم اسْتحقَارٌ بِالمعفو عَنْهُ.
وَبِخَطِّ قَاضِي المَارستَان قَالَ: حُكِيَ أَنَّ الوَزِيْر عَلِيّ بن طِرَاد أَشَارَ عَلَى المُسْترشد أَنْ يَنْزِلَ فِي مَنْزِل اخْتَاره، وَقَالَ: هُوَ أَصْوَنُ.
قَالَ: كُفَّ يَا عَلِيّ، وَاللهِ لأَضربنَّ بسيفِي حَتَّى يَكِلَّ سَاعِدي، وَلأَلْقَيَنَّ الشَّمْسَ بِوَجْهِي حَتَّى يَشْحُبَ لونِي:
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ المَوْتِ بُدٌّ
…
فَمِنَ العَجْزِ أَنْ تَكُوْنَ جَبَانَا (2)
ابْنُ النَّجَّار: أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمنَاء، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ الإِسكَافِي إِمَامِ الوَزِيْرِ، قَالَ:
لَمَّا كُنَّا مَعَ المُسْترشد بِبَابِ هَمَذَان، كَانَ مَعَنَا إِنْسَان يُعْرَفُ بفَارِس الإِسْلَام، وَكَانَ يَقْرُبُ مِنْ خدمَةِ الخَلِيْفَة، فَدَخَلَ عَلَى الوَزِيْر ابْن طِرَاد، فَقَالَ: رَأَيْتُ السَّاعَةَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي هَذَا الجَيْش؟
قَالَ: مَكْسُور مَقْهُور، فَأُرِيْدُ أَنْ تُطَالِعَ الخَلِيْفَة بِهَذَا.
فَقَالَ: يَا فَارِسَ الإِسْلَام، أَنَا أَشرتُ عَلَى الخَلِيْفَة أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ، فَقَالَ: يَا عليّ، أَنْتَ عَاجز رُدَّ إِلَى بَيْتك، فَلَا أُبلِّغُه هَذَا، لَكِن قل لابْنِ طَلْحَةَ صَاحِبِ الْمخزن.
فَذَهَبَ إِلَى ابْنِ طَلْحَةَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: لَا أُنهِي إِلَيْهِ مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ، فَاكتب هَذَا إِلَيْهِ وَاعْرِضهَا، وَأَخلِ مَوْضِع مَقْهُور، فَكَتَبتُهَا، وَجِئْت إِلَى السُّرَادِق، فَوَجَدْتُ نَجَا فِي الدِّهليز، وَقَدْ
(1) الابيات في ديوانه: 3 / 36 عدا البيت الثالث.
(2)
البيت للمتنبي: ديوانه: 4 / 241، من قصيدة مطلعها: صحب الناس قبلنا ذا الزمانا * وعناهم من أمره ما عنانا
صَلَّى الخَلِيْفَة الفَجْر، وَبَيْنَ يَدَيْهِ مصحف، وَمقَابلهُ ابْنُ سُكَيْنَة إِمَامُه، فَدَخَلَ نَجَا الخَادِم، فَسَلَّمَ الرُّقعَة إِلَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُهُ، فَقرَأَهَا غَيْرَ مَرَّةٍ، وَقَالَ: مَنْ كَتَبَ هَذِهِ؟
فَقَالَ: فَارِسُ الإِسْلَام.
قَالَ: أَحضره.
فَجَاءَ، فَقَبَضَ عَلَى يَدي، فَأُرْعِدْتُ، وَقبلتُ الأَرْض، فَقَالَ: وَعليكُم السَّلَام.
ثُمَّ قرَأَ الرقعَة، مَرَّات ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَتَبَ هَذِهِ؟
قُلْتُ: أَنَا.
قَالَ: وَيْلَك، لَمْ أَخلَيت مَوْضِعَ الكَلِمَة الأُخْرَى؟
قُلْتُ: هُوَ مَا رَأَيْتَ يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ!
قَالَ: وَيْلَك، هَذَا المَنَام أُرِيتُه أَنَا فِي هَذِهِ السَّاعَة.
فَقُلْتُ: يَا مَوْلَانَا، لَا يَكُوْن أَصدق مِنْ رُؤيَاك، تَرْجِعُ مِنْ حَيْثُ جِئْت.
قَالَ: وَيْلَك، وَيُكَذَّبُ رَسُوْل اللهِ صلى الله عليه وسلم؟! لَا وَاللهِ مَا بَقِيَ لَنَا رَجْعَة، وَيَقضِي الله مَا يَشَاء.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِث، وَقَعَ المَصَافُّ، وَتَم مَا تَمّ، وَكُسِرَ وَأُسِرَ وَقُتِلَ رحمه الله (1) .
قَالَ ابْنُ نَاصر: خَرَجَ المُسْترشد بِاللهِ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ إِلَى هَمَذَان لِلإِصْلَاح بَيْنَ السّلَاطين، وَاخْتِلَاف الجُنْد، وَكَانَ مَعَهُ جمعٌ كَثِيْر مِنَ الأَترَاك، فَغَدَرَ بِهِ أَكْثَرهُم، وَلَحِقُوا بِمَسْعُوْد بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَلِكْشَاه، ثُمَّ التَقَى الجمعَانِ، فَانْهَزَم جَمعُ المُسْترشد بِاللهِ فِي رَمَضَانَ، وَقُبِضَ عَلَيْهِ، وَعَلَى خوَاصِّه، وَحُمِلُوا إِلَى قَلْعَةٍ هُنَاكَ، فَحُبِسُوا بِهَا، وَبَقِيَ الخَلِيْفَةُ مَعَ السُّلْطَان مَسْعُوْد إِلَى نِصْف ذِي القَعْدَةِ، وَحُمِلَ مَعَهُم إِلَى مرَاغَة، ثُمَّ إِنَّ البَاطِنِيَّة أَلَّفُوا عَلَيْهِ جَمَاعَةً مِنَ الملَاحدَة، وَكَانَ قَدْ أُنْزَل نَاحِيَة مِنَ المعَسْكَر، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَفَتكُوا بِهِ، وَبجَمَاعَةٍ كَانُوا عَلَى بَاب خَرَكَاهِه (2) ، وَقُتِلُوا، وَنُقِلَ، فَدُفِنَ بِمرَاغَة، وَكَانَ مصرعُه يَوْم
(1)" طبقات السبكي ": 7 / 261 وما بين حاصرتين منه.
(2)
الخركاه بالفارسية: الخيمة الكبيرة.
الخَمِيْس، سَادس عشر ذِي القَعْدَةِ (1) .
وَجَاءَ الخَبَرُ يَوْمَ التَّاسع مِنْ مَقْتَله إِلَى بَغْدَادَ، فَكَثُرَ النَّوحُ وَالبُكَاءُ بِهَا، وَعُمِلَ العَزَاءُ.
وَقَالَ صَدَقَةُ بنُ الحُسَيْنِ الحَدَّاد: كَانَ قَدْ صَلَّى الظُّهْر، وَهُوَ يَقرَأ فِي المُصْحَف، وَهُوَ صَائِمٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ شَرْجِ الخَيْمَةِ جَمَاعَةٌ بِالسَّكَاكين، فَقتلُوْهُ، وَوقعت الصيحَةُ، فَقُتِلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُم: أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ سُكَيْنَة، وَابْن الخَزرِي، وَخرجُوا مُنْهَزِمِين، فَأُخِذُوا وَقُتِلُوا ثُمَّ أُحْرِقُوا، فَبقيت يَدُ أَحَدِهِم خَارِجَة مِنَ النَّارِ مَضْمُوْمَةً لَمْ تَحْترِقْ، فَفُتِحَتْ، وَإِذَا فِيْهَا شعرَاتٌ مِنْ لِحْيَتِهِ - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ - فَأَخَذَهَا السُّلْطَان مَسْعُوْد، وَجَعَلهَا فِي تَعويذ ذهب، وَجَلَسَ لِلْعَزَاء، وَجَاءَ الخَادِمُ وَمَعَهُ المُصْحَف، وَعَلَيْهِ الدَّمُ إِلَى السُّلْطَان، وَخَرَجَ أَهْلُ مرَاغَة فِي المُسُوح وَعَلَى وُجُوْهِهِم الرَّمَاد، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَسِتَّة أَشْهُرٍ (2) .
قَالَ قُثَمُ بنُ طَلْحَةَ: كَانَ أَشقرَ أَعْطرَ أَشهلَ، خفِيفَ العَارِضَيْنِ، وَخلَّف مِنَ الذُّكور: مَنْصُوْراً الرَّاشدَ بِاللهِ، وَأَحْمَدَ، وَعَبْدَ اللهِ، وَإِسْحَاقَ - تُوُفِّيَ قَبْلَهُ - وَبِنتَانِ، وَوَزَرَ لَهُ مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ صَدَقَة، وَعَلِيّ بن طِرَاد، وَأَنو شروَان.
وَقضَاتُهُ: عَلِيُّ بنُ الدَّامغَانِي، وَعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ الزَّيْنَبِيّ.
(1) طبقات السبكي: 7 / 256، 260.
(2)
المنتظم: 10 / 54، و" فوات الوفيات ": 3 / 180، وجاء في " طبقات السبكي ": 7 / 260: ثمان عشرة سنة، وفي الأصل: ثمان عشرة، وقد كتب فوق ثمان: كذا، وأثبت في الهامش بإزائها " سبع " وفي " البداية ": 12 / 208 سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يوما.
قُلْتُ: بُوْيِع عِنْدَ مَوْتِ أَبِيْهِ فِي رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْسِ مائَة، فَكَانَتْ دَوْلَتُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَسَبْعَة أَشهر، وَعَاشَ سِتّاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَقِيْلَ: إِنَّ الَّذِيْنَ فَتكُوا بِهِ جَهَّزَهُم مَسْعُوْد، وَكَانُوا سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْساً، فَأُمْسِكُوا، وَقَتَلَهُم السُّلْطَان، وَأَظهر الحزنَ وَالجزعَ.
وَقِيْلَ: بَعَثَ السُّلْطَان سَنجر بن مَلِكْشَاه إِلَى ابْنِ أَخِيْهِ مَسْعُوْد يُوَبِّخُهُ عَلَى انتهَاك حُرمَةِ المُسْترشد، وَيَأْمُرُهُ بِرَدِّهِ إِلَى مقرِّ عزِّهِ، وَأَنْ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ بِالغَاشيَة، وَيَخضَعَ، فَفَعَل ذَلِكَ ظَاهِراً، وَعَمِلَ عَلَى قتلِهِ، وَقِيْلَ: بَلِ الَّذِي جهَّزَ البَاطِنِيَّة عَلَيْهِ السُّلْطَان سَنجر مِنْ خُرَاسَان، وَفِيْهِ بُعْد.
وَقِيْلَ: إِنَّ الشَّاشِيّ عَمِلَ (العُمدَة) فِي الفِقْه لِلمُسْترشد.
وَفِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ: كَانَ المَصَافُّ بَيْنَ المُسْترشد وَبَيْنَ دُبيس الأَسَدِيّ، وَجذب يَوْمَئِذٍ المُسْترشد سَيْفَه، فَانْهَزَم دُبيس وَتَمَزَّقَ جمعُه (1) ، ثُمَّ كَانَتْ بَيْنهُمَا وَقْعَةٌ سَنَة (519) ، فَذلَّ دُبيس، وَجَاءَ وَقبَّل الأَرْض، فَلَمْ يُعْطَ أَمَاناً، فَفَرَّ إِلَى السُّلْطَان سَنجر، وَاسْتجَار بِهِ، فَحَبَسَهُ خِدمَةً لِلمُسْترشد، وَصَلَّى المُسْترشدُ بِالنَّاسِ يَوْم الأَضحَى وَخطبهُم، وَنَزَلَ، فَنحر بدنَة بِيَدِهِ (2) .
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ (3) :وَصل السُّلْطَانُ مَحْمُوْد، وَحَاصَرَ بَغْدَاد، وَاسْتظهر الخَلِيْفَة.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ (4) :سَارَ المُسْترشد فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلف
(1) الكامل في التاريخ: 10 / 607، 608، والمنتظم: 9 / 242، 243.
(2)
الكامل في التاريخ: 10 / 626، 628، والمنتظم: 9 / 252، 253.
(3)
في المنتظم: 9 / 255، والكامل: 10 / 635: سنة عشرين.
(4)
المنتظم: 10 / 30، والكامل: 11 / 5، 6.