الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِيْهَا مَاتَ: أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ البَاقِلَاّنِي، وَالمُقْرِئ أَحْمَد بن عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّرَّاج، وَالمُحَدِّثُ عَبْد اللهِ بن يُوْسُفَ الجُرْجَانِيّ (1) ، وَالمُحَدِّثُ عبدُ المُحسن بن مُحَمَّدٍ الشِّيحِي (2) ، وَأَبُو مَرْوَانَ عَبْد الْملك بن سِرَاج (3) لُغوِيُّ زَمَانِهِ بِالأَنْدَلُسِ، وَمُسْنِدُ الوَقْت القَاسِم بن الفَضْلِ الثَّقَفِيُّ (4) ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُمَيْرِيُّ (5) الزَّاهِدُ، وَأَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْر بن مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيّ.
62 - أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ *
الإِمَامُ، العَلَاّمَةُ، مُفْتِي خُرَاسَان، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ التَّمِيْمِيّ، السَّمْعَانِيُّ، المَرْوَزِيّ، الحَنَفِيُّ كَانَ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا غَانم أَحْمَد بن عَلِيٍّ الكُرَاعِي، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ
(1) ستأتي ترجمته برقم (86) .
(2)
ستأتي ترجمته برقم (79) .
(3)
ستأتي ترجمته برقم (70) .
(4)
تقدمت ترجمته برقم (5) .
(5)
تقدمت ترجمته برقم (38) .
(*) الأنساب: 7 / 139 - 140، المنتظم: 9 / 102، اللباب: 2 / 138 - 139، وفيات الأعيان: 3 / 211 في ترجمة حفيده، دول الإسلام: 2 / 18، العبر: 3 / 326، الوافي: م / 96، عيون التواريخ: 13 / الورقة: 54، مرآة الجنان: 3 / 151 - 152، طبقات السبكي: 5 / 335 - 346، طبقات الاسنوي: 2 / 29 - 30، البداية: 12 / 153 - 154، طبقات الشافعية لابن قاضي شبهة: 28 / ب، النجوم الزاهرة: 5 / 160، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 339 - 340، مفتاح السعادة: 2 / 332، كشف الظنون: 107، 151، شذرات الذهب: 3 / 393 - 394، هدية العارفين: 2 / 473، الرسالة المستطرفة:43.
التُّرَابِيَّ، وَطَائِفَةً بِمَرْوَ، وَعبدَ الصَّمد بنَ المَأْمُوْنِ، وَطَبَقَته بِبَغْدَادَ، وَأَبَا صَالِحٍ المُؤَذِّنَ، وَنَحْوَهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا عليٍّ الشَّافِعِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ الزنجَانِيَّ (1) بِمَكَّةَ، وَأَكْبَرُ شَيْخٍ لَهُ الكُرَاعِيُّ، وَبَرَعَ فِي مَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ عَلَى وَالِدِهِ العَلَاّمَة أَبِي مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَبَرَّزَ عَلَى الأَقرَان.
رَوَى عَنْهُ: أَوْلَادُهُ، وَعُمَر بن مُحَمَّدٍ السَّرْخَسيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَاشَانِي (2) ، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
حَجَّ عَلَى البرِيَّة أَيَّامَ انْقَطَع الرَّكْبُ، فَأُخِذَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ، فَصَبَرَ إِلَى أَنْ خلَّصَهُ الله مِنَ الأَعرَاب، وَحَجَّ وَصَحِبَ الزَّنْجَانِي.
كَانَ يَقُوْلُ: أَسَرونَا، فَكُنْتُ أَرْعَى جِمَالَهُم، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَمِيْرَهُم أَرَادَ أَنْ يُزَوِّج (3) بِنْته، فَقَالُوا: نَحتَاجُ أَن نَرحلَ إِلَى الحَضَر لأَجْل مَنْ يَعْقِدُ لَنَا.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: هَذَا الَّذِي يَرْعَى جِمَالَكُم فَقِيْهُ خُرَاسَان، فَسَأَلونِي عَنْ أَشيَاءَ، فَأَجبتُهُم، وَكلمتُهُم بِالعَرَبِيَّة، فَخَجِلُوا وَاعتَذَرُوا، فَعقدتُ لَهُم العَقْدَ، وَقُلْتُ الخُطبَةَ، فَفَرِحُوا، وَسَأَلونِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْهُم شَيْئاً، فَامتنعتُ، فَحملونِي إِلَى مَكَّةَ وَسَط العَام (4) .
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي (تَارِيْخِهِ) :هُوَ وَحِيدُ عصره فِي وَقته فَضْلاً وَطرِيقَةً، وَزُهْداً وَوَرِعاً، مِنْ بَيْتِ العِلْم وَالزُّهْد، تَفَقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَصَارَ مِنْ
(1) هو سعد بن علي بن محمد الزنجاني شيخ الحرم في عصره، كان جليل القدر عالما زاهدا حافظا، توفي في سنة 471 هـ، تقدمت ترجمته في الجزء الثامن عشر برقم (189) .
(2)
في الأصل (القاشاني) وهو تصحيف، والتصويب من الأنساب، والمشتبه، وقد سبق التعريف بهذه النسبة في الترجمة رقم 11.
(3)
تحرفت في (طبقات السبكي) إلى (يتزوج) .
(4)
طبقات السبكي: 5 / 336 - 337.
فُحُوْل أَهْلِ النَّظَر، وَأَخَذَ يُطَالِعُ كتبَ الحَدِيْث، وَحَجَّ وَرَجَعَ، وَتركَ طرِيقَتَه الَّتِي نَاظَرَ عَلَيْهَا ثَلَاثِيْنَ سَنَةً، وَتَحَوَّلَ شَافِعيّاً، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ، فَاضْطَرَب أَهْلُ مَرْو، وَتَشَوَّشَ العَوَامُّ، حَتَّى وَردت الكُتُب مِنَ الأَمِيْرِ بِبَلْخَ، فِي شَأْنه وَالتَّشدِيْدِ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ مِنْ مَرْوَ، وَرَافقه ذُو المَجْدَيْنِ أَبُو القَاسِمِ المُوسَوِي، وَطَائِفَةٌ مِنَ الأَصْحَاب، وَفِي خِدمته عِدَّةٌ مِنَ الفُقَهَاء، فَصَارَ إِلَى طُوْس، وَقَصَدَ نَيْسَابُوْرَ، فَاسْتقبله الأَصْحَابُ اسْتِقبالاً عَظِيْماً أَيَّامَ نِظَام المُلك، وَعَمِيد الحضرَة أَبِي سَعْدٍ، فَأَكرمُوْهُ، وَأُنْزِلَ فِي عِزٍّ وَحِشْمَةٍ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسُ التَّذكير فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَّة، وَكَانَ بَحْراً فِي الوعظِ، حَافِظاً، فَظَهَرَ لَهُ القَبُولُ، وَاسْتَحكمَ أَمرُه فِي مَذْهَب الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَرْوَ، وَدَرَّس بِهَا فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَة، وَقَدَّمه النِّظَام عَلَى أَقرَانِهِ، وَظَهر لَهُ الأَصْحَابُ، وَخَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَهُوَ فِي ارْتقَاء (1) .
صَنَّفَ كِتَاب (الاصْطِلَام (2)) ، وَكِتَاب (البُرْهَان (3)) ، وَلَهُ (الأَمَالِي) فِي الحَدِيْثِ (4) ، تَعصب لأَهْل الحَدِيْث وَالسُّنَّة وَالجَمَاعَة، وَكَانَ شَوكاً فِي أَعْيُن المُخَالفِيْن، وَحُجَّةً لأَهْلِ السّنَّة.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ: صَنَّف جَدِّي التَّفْسِيْر، وَفِي الفِقْه وَالأُصُوْل
(1) طبقات السبكي: 5 / 344.
(2)
في الرد على أبي زيد الدبوسي الحنفي، ويسمى (المختصر)، انظر الأنساب: 7 / 139، وطبقات السبكي: 5 / 342، وطبقات المفسرين للداوودي: 2 / 340، والنجوم الزهرة: 160 / 5.
(3)
قالوا: إنه يشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية.
(4)
قال حفيده في الأنساب: 7 / 139، 140: وأملى المجالس في الحديث، وتكلم على كل حديث بكلام مفيد، وصنف التصانيف في الحديث مثل (منهاج أهل السنة) ، و (الانتصار) ، و (الرد على القدرية)، ثم قال:
…
وقد جمع الأحاديث الالف الحسان من مسموعاته عن مئة شيخ له، عن كل شيخ عشرة أحاديث.
وَالحَدِيْث، وَ (تَفْسِيْرُهُ) ثَلَاثُ مُجلَّدَات (1) ، وَلَهُ (الاِصطِلامُ) الَّذِي شَاع فِي الأَقطَار، وَكِتَاب (القَوَاطع (2)) فِي أُصُوْل الفِقْه، وَلَهُ كِتَاب (الانتصَار بِالأَثر (3)) فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالفِيْن، وَكِتَاب (المِنْهَاج لأَهْل السُّنَّة) ، وَكِتَاب (القَدَر) ، وَأَملَى تِسْعِيْنَ مَجْلِساً.
سَمِعْتُ مَنْ يَحكِي عَنْ رفِيق جَدِّي فِي الحَجِّ حُسَيْن بن حَسَنٍ، قَالَ:
اكتَرَينَا حِمَاراً، رَكبه الإِمَامُ أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى خَرَق، وَبَينهَا وَبَيْنَ مَرْو ثَلَاثَةُ فَرَاسخ، فَنَزَلنَا، وَقُلْتُ: مَا مَعَنَا إِلَاّ إِبرِيق خَزف، فَلَو اشتَرَينَا آخرَ؟ فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: يَا حُسَيْن، لَيْسَ مَعِي إِلَاّ هَذِهِ، خُذْ وَاشتَرِ، وَلَا تَطْلُبْ بَعْدهَا مِنِّي شَيْئاً.
قَالَ: فَخَرَجْنَا عَلَى التَّجرِيْد، وَفتح اللهُ لَنَا (4) .
وَسَمِعْتُ شَهْردَار بنَ شِيْرَوَيْه: سَمِعْتُ مَنْصُوْرَ بن أَحْمَدَ، وَسَأَلَهُ أَبِي، فَقَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ حَنفِيّاً، فَبدَا لِي، وَحججتُ، فَلَمَّا بلغتُ سَمِيْرَاء (5) ، رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقَالَ لِي: عُدْ إِلَيْنَا يَا أَبَا المُظَفَّر، فَانْتبهتُ، وَعلمتُ أَنَّهُ يُرِيْد مَذْهَبَ الشَّافِعِيّ، فَرَجَعتُ إِلَيْهِ (6) .
(1) علمت أن طلبة قسم الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة يقومون بتحقيقه، وستتولى الجامعة طبعه فيما بعد.
(2)
ذكره ابن الجوزي: 9 / 102، والسبكي: 5 / 342، وحفيده، وقال: وهو يغني عما صنف في ذلك الفن.
وقد حققه، وأعده للطبع د.
محمد حسن هيتو.
(3)
ذكره في المنتظم: 9 / 102، والسبكي: 5 / 342، والأنساب: 7 / 139، والنجوم الزاهرة: 5 / 160، وكشف الظنون: 1 / 173، وقال: هو مختصر على ثلاثة أبواب، الأول: في الحث على السنة والجماعة، والثاني: في فضل الحديث، والثالث: في شجرة العلم.
(4)
طبقات السبكي: 5 / 337.
(5)
منزل بطريق مكة بعد توز مصعدا وقبل الحاجز، انظر معجم البلدان: 3 / 255.
(6)
طبقات السبكي: 5 / 338.
وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الحَاجِي: خَرَجتُ مَعَ أَبِي المُظَفَّر إِلَى الحَجِّ، فَكُلَّمَا دخلنَا بَلَدَةً، نَزل عَلَى الصُّوْفِيَّة، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ، وَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِيَ الحَقَّ، فَلَمَّا دَخلنَا مَكَّةَ، نَزلَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بن أَسَدٍ، وَصَحِبَ سَعْداً الزَّنْجَانِي حَتَّى صَارَ مُحَدِّثاً (1) .
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيِّ الحَافِظ: سَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ:
كُنْتُ فِي الطَّوَاف، فَوصلتُ إِلَى المُلْتَزَمِ، وَإِذَا بِرَجُل قَدْ أَخَذَ بردَائِي، فَإِذَا الإِمَامُ سَعْدٌ، فَتبسَّمتُ، فَقَالَ: أَمَّا تَرَى أَيْنَ أَنْتَ؟! هَذَا مقَامُ الأَنْبِيَاء وَالأَوليَاء، ثُمَّ رفع طَرْفَه إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا سُقْتَهُ إِلَى أَعزِّ مَكَان، فَأَعْطِهِ أَشْرَف عِزٍّ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، ثُمَّ ضَحِكَ إِلَيَّ، وَقَالَ: لَا تُخَالِفْنِي فِي سِرِّكَ، وَارفَعْ يَديك مَعِي إِلَى رَبِّك، وَلَا تَقُوْلنَّ البَتَّةَ شَيْئاً، وَاجمعْ لِي هِمَّتَك حَتَّى أَدعُوَ لَكَ، وَأَمِّنْ أَنْتَ، وَلَا يُخَالِفْنِي عَهدُكَ القَدِيْمُ، فَبَكَيْتُ، وَرفعتُ مَعَهُ يَديَّ، وَحرَّك شَفَتَيْه، وَأَمَّنتُ، ثُمَّ قَالَ: مُرَّ فِي حِفْظِ الله، فَقَدْ أُجيبَ فِيك صَالِحُ دُعَاءِ الأُمَّة، فَمضيتُ وَمَا شَيْءٌ أَبغضَ إِلَيَّ مِنْ مَذْهَب المخَالفِيْن (2) .
وَبِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ إِمَام الحَرَمَيْنِ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ الفِقْه ثَوْباً طَاوياً، لَكَانَ أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ طِرَازَهُ (3) .
وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّفَّارُ: إِذا نَاظرتُ أَبَا المُظفَّر، فَكَأَنِّي أُنَاظِرُ رَجُلاً مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ (4) ، مِمَّا أَرَى عَلَيْهِ مِنْ آثَارِ الصَّالِحِيْنَ.
(1) طبقات السبكي: 5 / 338.
(2)
طبقات السبكي: 5 / 338.
(3)
طبقات السبكي: 5 / 342.
(4)
طبقات السبكي: 5 / 342.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَفَاءِ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُوْك أَبُو بَكْرٍ يَقُوْلُ:
سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا حَفِظتُ شَيْئاً فَنسيتُه (1) .
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ: سَمِعْتُ أَبَا الأَسَعْد بن القُشَيْرِيِّ يَقُوْلُ:
سُئِلَ جَدُّك بِحُضُوْر وَالِدي عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَات، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِدِيْنِ العَجَائِزِ (2)
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
وُلِدَ جَدِّي سَنَة (426) ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، الثَّالِثَ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الأَوّل، سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ (3) ، عَاشَ ثَلَاثاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً رحمه الله.
(1) طبقات السبكي: 5 / 344، والمنتظم: 9 / 102، والداوودي: 2 / 340، والبداية 12 / 140.
(2)
المنتظم: 9 / 102، والبداية: 12 / 154، وزاد الأخير: وصبيان الكتاتيب.
ويستبعد صدور مثل هذا عن مثل هذا الامام الذي ألف التآليف المتعددة في العقائد والعبادات والمعاملات، وكلها مقرونة بالادلة والحجج والبينات، اللهم إلا إذا قالها في حالة ضعف وذهول، وفي مثل هذه الحالة لا يعتد بما يقوله صاحبها المتلبس بها، وكيف ينصح مسائليه بأن يلزموا دين العجائز، والله سبحانه يحثنا في غير ما آية من كتابه على النظر والاستدلال، والائمة المجتهدون اتفقوا على وجوب الاهتداء بالقرآن، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وعلى المنع من التقليد الذي يصد عنهما، ويقتضي هجرانهما، ولم يجعلوا أنفسهم شارعين يطاعون، وإنما كانوا أدلاء للناس لعلهم يهتدون، والذي يعرفه كل واقف على تاريخ الصدر الأول من المسلمين، هو أن أهل القرنين الأول والثاني لم يكونوا يقلدون أحدا، أي لم يكونوا يأخذون بآراء الناس وأقوال العلماء، بل كان العامي منهم على بينة من دينه يعرف من أين جاءت كل مسألة يعمل بها من مسائله، إذ كان علماء الصدر الأول يلقنون الناس الإسلام ببيان كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكان الجاهل بالشيء يسأل عن حكم الله فيه، فيجاب بأن الله تعالى قال كذا، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، أو فعل كذا، أو أقر على كذا، فإن لم يكن عند المسؤول فيه هدي من كتاب أو سنة ذكر ما جرى عليه الصالحون، وما يراه أشبه بما جاء في هذا الهدي، أو أحال على غيره ممن هو أعلم منه، وأقر الناس إلى معرفة الحق في المطالب العالية هو الباحث المستقل الذي يسترشد بالطريقة التي وردت في القرآن، وجاءت على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
(3)
في الأنساب: 7 / 140.