الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
39/ 1/ 7 - عن عمران بن حصين رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا معتزلًا، لم يصل في القوم، فقال: يا فلان! ما منعك أن تصلي في القوم؟ فقال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال: عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك"(1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: في التعريف براويه وهو: عمران بن حصين بن عبيد بن خلف بن عبدنهم بن سالم بن غاضرة أبو نجيد -بنون مضمونة ثم
جيم- الخزاعي أسلم هو وأبو هريرة أيام خيبر. روى عنه ابنه نجيد وغيره، وكان من علماء الصحابة، بعثه عمر إلى أهل البصرة ليفقههم.
وكان الحسن يحلف ما قدم عليهم رجل خير لهم منه، كان يلبس الخز، وكانت الملائكة تسلم [عليه](2)، فلما اكتوى تركته،
(1) رواه البخاري برقم (344، 348، 3571)، وأحمد في المسند (4/ 434)، وابن حبان (1298)، والدارقطني (1/ 202)، وابن خزيمة (1/ 137)، والنسائي (1/ 171).
(2)
في ن ب ساقطة.
فلما تركه عادوا (1).
ولي القضاء أيامًا لابن عامر وقضى على رجل بقضية، فقال: والله لقد قضيت علي بجَوْرٍ، فقال: وكيف ذلك؟ قال: شُهِدَ عليّ بزور، قال: ما قضيت عليك فهو في مالي، والله لا أجلس مجلسي هذا أبدًا (2).
وقال رضي الله عنه: ما مسست ذكري بيميني منذ [بايعت](3) رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)
وقال ابن سيرين: ما قدم البصرة أحد يفضل على عمران، وقال قتادة: بلغني عن عمران أنه قال: وَددتُ أني رماد [يذروني](5)
الريح (6).
وكان رضي الله عنه ممن اعتزل الفتنة وذمَّها.
قال ابن سبرين: سقى بطنه ثلاثين سنة، كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى، حتى [كان] (7) قبل موته بسنتين فاكتوى (8). قال مطرف عنه: فما أفلحن ولا أنجحن- يعني: المكاوي-.
(1) أخرجه مسلم (1226) في الحج، وابن سعد (4/ 290).
(2)
الطبقات (4/ 287)، وسير أعلام النبلاء (2/ 510).
(3)
في ن ب (ما بعث).
(4)
المسند (4/ 439)، وابن سعد والحاكم (3/ 472)، ووافقه الذهبي.
(5)
في ن ب (به روى).
(6)
ابن سعد (4/ 287).
(7)
زيادة من سير أعلام النبلاء (2/ 511).
(8)
ابن سعد (4/ 288).
وقال أبو مجلز: كان ينهى عن الكي، فابتلي فاكتوى، فكان يعج، قال الحسن: وأوصى لأمهات أولاده بوصايا، وقال: من
صرخ علّي منهن فلا وصيةَ لها.
كان نقثى خاتمه تمثال رجل [متقلد](1) بسيف، جملة أحاديثه مائة حديث وثمانون حديثًا، اتفقا منها على ثمانية، وانفرد البخاري بأربعة. ومسلم بتسعة: مات بالبصرة سنة اثنتين وخمسين، وكان أبيض الرأس واللحية، وبقي له عقب بالبصرة.
فائدة: والد عمران ذكره البخاري وغيره في الصحابة.
قال [ابن سعد](2): أسلم قديمًا عمران هو وأبوه وأخته. [وذكره](3) أبو الحسين المرادي في جملة العميان عن الصحابة،
وحسنن الترمذي (4) حديث إسلامه، وصححه ابن حبان والحاكم على شرط الشيخين، وحكى المزي في "تهذيبه" قولًا: إنه مات مشركًا.
(1) في ن ب (مقله).
(2)
في الأصل (ابن مسعود)، والتصحيح من ن ب.
(3)
في ن ب (ذكره).
(4)
الترمذي رقم (3483) وأشار ابن حجر رحمه الله إلى إسلامه، وأفرد له ترجمة في الإِصابة (2/ 19) وأخرج له النسائي حديثًا من رواية عمران بن حصين عن أبيه وفيه إثبات إسلامه. انظر: تحفة الأشراف (8/ 179). وكذا أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (993 مكرر)، وأحمد بن حنبل في المسند (4/ 444)، وأما في ابن حبان (2/ 128)، فالرجل مبهم من رواية عمران بن حصين وقال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل
…
). ثم قال: (فما أقول حين أسلمت
…
) الحديث.
وهو عجيب غريب (1)(2).
فائدة ثانية حديثية: في الرواة أربعة عمران بن حصين أحدهم هذا.
والثاني: ضَّبِّيّ، حدَّث عن ابن عباس.
والثالث: يقال: إنه أبو رؤبة القشيري بصري، روى عن عائشة.
والرابع: أصبهاني، روى عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة.
الوجه الثاني: [في فن](3) المهمات هذا الرجل المبهم هو: خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة [بن رافع](4) شهد
بدرًا.
قال ابن الكلبي: وقتل يومئذ.
وقال غيره: له رواية. وهذا يدل على أنه عاش بعد
(1) راجع تهذيب الكمال (6/ 525).
(2)
أشار الطبراني في المعجم الكبير قائلًا في ترجمته: وقد اختلف في إسلامه، وقيل: أنه أسلم، وبقال: مات على كفره. والصحيح أنه أسلم (4/ 32) ثم ساق ثلاثة أحاديث، وكلها تدل على أنه مات مشركًا، كما ذكر، والذي ترجح أنه أسلم كما صحح ابن حجر في الإِصابة طرق روايته.
(3)
في الأصل (من)، وما أثبت من ن ب.
(4)
زيادة من ن ب.
النبي صلى الله عليه وسلم (1)[قاله](2) أبو عمر: وللنظر فيه مجال.
الوجه الثالث: في ألفاظه ومعانيه.
الأول: "المعتزل" المنفرد عن القوم المتنحي عنهم، قال الجوهري (3): اعتزله، وتَعَزَّلَه، بمعنى، والاسم: العُزْلةُ.
الثاني: "فلان" كناية عن الأعلام، وكذا فلانة. ولذلك لا يثنيان، ولا يجمعان. والظاهر أنه [عليه السلام] (4) خاطب الرجل بلفظ: يا فلان! ويحتمل أن يكون خاطبه باسمه، ولكن الراوي كنَّى عنه، إما لأنه نسي اسمه، أو لأمر آخر.
(1) قال ابن حجر -رحمه الله تعالى- بعد أن نقل كلام ابن الملقن في فتح الباري (1/ 451): قلت: أما على قول ابن الكلبي فيستحيل أن يكون هو صاحب هذه القصة لتقدم وقعة بدر على هذه القصة بمدة طويلة بلا خلاف. فكيف يحضر هذه القصة بعد قتله؟ وأما على قول غير ابن الكلبي فيحتمل أن يكون هو لكن لا يلزم من كونه له رواية أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم لاحتمال أن تكون الرواية عنه منقطعة. أو متصلة لكن نقلها عنه صحابي آخر ونحوه. وعلى هذا فلا منافاة بين هذا وبين من قال إنه قتل ببدر إلَّا أن تجيء رواية عن تابعي غير مخضرم وصرح فيها بسماعه منه فحينئذ يلزم أن يكون عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم. لكن لا يلزم أن يكون هو صاحب هذه القصة. إلَّا إن وردت رواية مخصوصة بذلك. ولم أقف عليا إلى الآن. اهـ.
(2)
في ن ب (قال).
(3)
انظر: مختار الصحاح (184).
(4)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
الثالث: قوله: "في القوم" روى بدل "في"" [مع] (1) " ومعنى الحرفين: مختلف فإن "في" للظرفية، فكأنه [جعل](2) اجتماع القوم ظرفًا، فأخرج منه هذا الرجل، و"مع" المفتوحة العين وإن كانت ظرفًا، لكن فيها معنى المصاحبة فكأنه، قال: ما منعك أن تصحبهم في فعلهم.
الرابع: اعتزال هذا الرجل عن القوم فيه استعمال الأدب. والسنة في ترك جلوس الإِنسان عند المصلين إذا لم يصل معهم.
الخامس: "القوم" الرجال دون النساء، لا واحد له من لفظه، كما قاله الجوهري (3)، قال -تعالى-:{لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} ، ثم قال:{وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} (4).
وجمع القوم: الأقوام.
وجمع القوم: أقاويم. وقال ابن السكيت: يقال أقائم وأقاويم.
والقوم يذكر، ويؤنث، لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا [كانت](5) للآدميين يذكر ويؤنث [مثل](6)"رهط"
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
انظر: مختار الصحاح (234).
(4)
سورة الحجرات: آية 10.
(5)
في ن ب (كان).
(6)
في ن ب (مثله).
و "نفر" قال -تعالي-: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} (1)، فذكر وقال:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ} (2) فأنث، فإن صغرت لم تدخل فيها الهاء، وقلت: قويم، ورهيط، ونفير. وإنما يلحق التأنيث فعله، وتدخل الهاء فيما [يكون] (3) لغير الآدميين مثل: الإِبل والغنم، لأن التأنيث لازم له.
وأما جمع التكسير، مثل: جمال ومساجد. فإن ذكر وأُنث فإنما يريد الجمع إذا ذكرت والجماعة إذا [أُنثت](4).
السادس: قوله "ولا ماء" هو بفتح الهمزة اسم "لا" مبني معها، والخبر محذوف أي: لا ماء معي أو عندي أو موجود أو نحو ذلك.
السابع: "الصعيد" المراد به التراب، وهو مذهب الأكثرين، كما ستعلمه. وقيل: هو جميع ما صعد على الأرض.
الثامن: "يكفيك" بفتح أوله [فقط](5) كما مضى.
الوجه الرابع: في فوائده وهي خمس عشرة.
الأولى: المشهور الصحيح من مذهب الشافعية: أنه لا يصح التيمم إلَّا بتراب، فلا يصح بالمعادن وغيرها، وبه قال أحمد وداود وابن المنذر (6) وحكي عن مالك، قال الأزهري والقاضي
(1) سورة الأنعام: آية 66.
(2)
سورة الشعراء: آية 105.
(3)
في ن ب (فيكون).
(4)
في ن ب (أثنت).
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
انظر: الأوسط لابن المنذر للاطلاع على هذه الأقوال وأدلتهم (2/ 38، 40).
أبو الطيب: وهو قول أكثر الفقهاء.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز بكل أجزاء الأرض، حتى بصخرة مغسولة.
وقال بعض أصحاب مالك: يجوز بكل ما اتصل بالأرض كالخشب وغيره. وفي الملح ثلاثة أقوال لأصحابه، أشهرها: إن كان
مصبوغًا لم يجز التيمم به، وإلَّا جاز.
وخصص ابن حبيب الإِجزاء بعدم التراب.
وقال الأوزاعي والثوري: يجوز بالثلج وكل ما علا الأرض.
واحتجوا بقوله -تعالى-: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (1) والصعيد: ما علا الأرض وبالحديث المذكور أيضًا، وباقي أحاديث الباب، وبحديث تيممه [عليه السلام](2) على الجدار، كما أخرجه البخاري مسندًا (3) ومسلم تعليقًا (4)، وغير ذلك من الأحاديث.
قالوا: [وهذا](5) يدل على أنه لا يختص بتراب ذي غبار، يعلق بالعضو، كما قلتم.
قالوا: ولأنه طهارة بجامد، فلم يختص بجنس كالدباغ.
(1) سورة المائدة: آية 6.
(2)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(3)
البخاري برقم (337).
(4)
مسلم برقم (369).
(5)
في ن ب (فهذا).
واحتج الأكثرون: بقوله -تعالى-: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1). وهذا يقتضي أن يمسح بما له غبار، يعلق بعضه بالعضو، وبحديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت الأرض كلها لنا مسجدًا، وترابها (2) لنا طهورًا إذا لم نجد الماء" رواه الدارقطني (3) في سنة وأبو عوانة (4) في صحيحه وهو في مسلم (5) أيضًا لكن بلفظ "تربتها" بدل "ترابها".
وروى البيهقي (6) ء عن ابن عباس قال: "الصعيد: الحرث، حرث الأرض، ولأنه طهارة عن [حدث](7) فاختص بجنس واحد كالوضوء، وبهذا يقع الاحتراز عن الدباغ.
وأما قولهم: الصعيد: ما صعد على وجه الأرض، فلا نسلم اختصاصه به، بل هو مشترك يطلق على وجه الأرض، لأنه صعِدَ عليها، وعلى التراب، وعلى الطريق، وكذا نقله الأزهري (8) عن العرب، وإذا كان كذلك لم يختص بأحد الأنواع إلَّا بدليل. وحديث حذيفة وتفسير ابن عباس ترجمان القرآن قاضٍ بتخصيص التراب.
(1) سورة المائدة: آية 6.
(2)
وما في السنن "تربتها" كما في مسلم، وأما أبو عوانة "ترابها".
(3)
الدارقطني (1/ 175).
(4)
أبو عوانة (1/ 303).
(5)
ولفظه: "فضلنا على الناس بثلاث"، مسلم رقم (522).
(6)
السنن الكبرى (1/ 214).
(7)
في ن ب (طرث).
(8)
انظر: الزاهر (40).
وقال الشيخ تقي الدين في شرح الإِلمام: الألف واللام في قوله [عليه السلام](1): "عليك بالصعيد" يحتمل أن تكون للعهد، إذ هنا صعيد معهود، وهو المكان الذي هم فيه.
ويحتمل أن يكون للجنس، فإذا حمل على العهد دل على جواز التيمم بما هو سعيد حينئذٍ لذلك المكان، ولا دليل لنا على
تعيين ذلك الصعيد مما اختلف فيه من المسائل، ولا يمكن الاستدلال بهذا عليه.
وإن حمل على الجنس رجع الحال إلى معرفة ما يسمى صعيدًا، ويكون الحديث: كالآية في أخذ حكم التيمم منه، ولا شك
في تناول اللفظ لذلك الصعيد إما بخصوصه أو بعمومه.
وأما حديث: "جعلت لنا الأرض مسجدًا وطهورًا" فمختص محمول على ما قيده في حديث حذيفة.
وأما التيمم بالجدار: فمحمول على جدار عليه غبار، لأن جدرانهم من الطين، فالظاهر حصول الغبار منها، وحديث النفخ في اليدين من حديث عمار الثابت في الصحيحين محمول على أنه علق باليد غبار كثير فخففه، ونحن نقول: باستحباب تخفيفه. ورواية مسلم (2)[فيه](3) "إنما [كان](4) يكفيك أن تضرب بيديك الأرض،
(1) في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(2)
مسلم برقم (368)، والبخاري (338).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
زيادة في ن ب.
ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك" محمولة على ما إذا علق بها. [من](1) غبار كثير. ولا يصح أن يعتقد أنه أمره بإزالة جميع الغبار.
والفرق: بين التيمم والدباغ، أن المراد بالدباغ: تنشيف فضول الجلد، وذلك يحصل بأنواع فلم يختص، والتيمم: طهارة تعبدية،
فاختصت بما جاءت به السنة كالوضوء.
[الثانية](2): في الحديث دليل صريح على جواز تيمم الجنب، وسيأتي ما فيه في الحديث الآتي بعد.
الثالثة: فيه الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم، لأن هذا المعتزل عن الناس لأجل الجنابة لوجوه عديدة وتعيينه لبعضها طريقة اجتهادية، فإنه يحتمل أن يكون لأنه لا يعلم مشروعية التيمم، ويحتمل أن يكون لاعتقاده أن الجنب لا يتيمم، وإن تيمم المحدث كما نقل عن بعض الصحابة، ثم إذا لم يتيمم كان كمن عدم الماء والصعيد، فأحتمل أن يصلي ويقضي، ويصلي ولا يقضي، ولا يصلي ويقضي، ولا يصلي ولا يقضي، كما اختلف [الفقهاء](3) في ذلك. والذي يتعلق بالقضاء لا يعلم لما اعتقده فيه، لكنه رجح عدم الأداء، أو بقع احتماله التيمم مع احتماله القضاء، وتعيين المحتملات طريقة الاجتهاد. ولأنه عمل على كون التيمم ليس مشروعًا وأن ذلك قبل نزول الآية، لأن قوله
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (العلماء).
[عليه السلام](1): "عليك بالصعيد؛ فإنه يكفيك" دليل على تقدم مشروعية التيمم على هذا القول، لأن مشروعية التيمم لم تعلم إلَّا بالآية ونزولها، فالحكم بمقتضاها يقتضي تقديمها، وأخص من هذا الاجتهاد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إمكان من يفتيه، قاله كله الشيخ تقي الدين في "شرح الإِلمام".
الرابعة: قوله: "أصابتني جنابة ولا ماء". [لا](2) ينبغي أن يحمل على أنه اعتقد: أن المحدث لا يتيمم، لأن مشروعية التيمم كانت متقدمة على زمن إسلام عمران بن حصين راوي هذا الحديث، كما تقدم، فإنه أسلم عام خيبر، ومشروعية التيمم كانت قبل ذلك، كما سلف أول الباب.
وإنما ينبغي أن يحمل على أنه اعتقد: أن الجنب لا يتيمم، كما سيأتي عن عمر وغيره. وتكون الملامسة المذكورة في قوله
-تعالى-: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} عندهم أعني عند من شك في تيمم الجنب محمولة على غير الجماع؛ لأنهم لو حملوه على الجماع لكان تيمم الجنب مأخوذ من الآية، فلم يقع لهم شك في تيمم الجنب، إلَّا أن يكون هذا الرجل لم يبلغه نزول الآية، فيحمل على أنه لم يعلم مشروعية التيمم، وفيه بعد.
فائدة: لا خلاف أنه يجب عليه تحصيل الماء بثمن مثله، وأبعد من قال بالمنع، كما حكاه صاحب "الحلل" الزناتي من المالكية،
(1) في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(2)
في ن ب ساقطة.
عمن لا يعتد بخلافه، إنّ دفع الثمن في شراء الماء للطهارة من: إضاعة المال، والنفقة التي لا يؤجر عليها، فإن الله -تعالى- جعل منه بدلًا، وهو: التراب الذي لا يتصور فيه غرم.
الخامسة: في حديثه بسط لعذره لما فيه من عموم النفي: كأنه نفى وجود الماء بالكلية، بحيث لا يوجد بسبب أو سعي أو غير ذلك يحصله، فإذا نفى وجوده مطلقًا كان أبلغ في النفي وأعذر له،
قال الشيخ تقي الدين: وقد أنكر بعض المتكلمين على النحاة في تقديرهم في قوله: "لا إله إلَّا الله لنا أو في الوجود"(1).
(1) قال الزركشي في معنى: لا إله إلَّا الله (ص 80): ما نصه الخامس: قول لا إله إلَّا الله. قدر فيه الأكثرون خبر "لا" محذوفًا. فقدر بعضهم الوجود. وبعضهم "لنا" وبعضهم "بحق". قال: لأن آلهة الباطل موجودة في الوجود كالوثن. والمقصود. نفي ما عدا إله الحق. اهـ. قال في الدرر السنية المجلد الثاني (159) وقد غلط بعض الأغبياء، وقدر الخبر (موجود)، وبعضهم قدّره "ممكن" ومعناه أنه لا يوجد. ولا يمكن وجود إله آخر. وهذا أجهل بمعنى الإِله. ولو أريد بهذا الاسم الإِله الحق وحده لما صح النفي من أول وهلة، والصواب: أن يقدر الخبر (حق) لأن النزاع بن الرسل وقومهم في كون آلهتم حقًّا أو باطلًا قال -تعالى-: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)} وأما إلهية الله فلا نزاع فيها، ولم ينفها أحد ممن يعترف بالربوية. لكن زعموا أن إلهية أصنامهم وأندادهم حق أيضًا. ولذلك قالت لهم رسلهم {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} وبادر منهم من جحد ذلك بقوله:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} إلى أن قال فيكون النفي هذا منصبًا على الخبر. وهو (حق) المقدر، وتقديره موجودًا، أو ممكن لا يفيد ما تقدم إلَّا إذا وصف الاسم بحق، وقيل: =
وقال: إن نفى الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة، فإنها إذا [نفيت](1) مقيدة كان ذلك دليلًا على سلب الماهية مع القيد، وإذا نفيت غير مقيدة كان نفيًا للحقيقة، وإذا انتفت الحقيقة انتفت مع كل قيد، أما [إن](2) نفيت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر هذا أو معناه.
قال غيره: وفي هذا الإِنكار نظر.
فإن قولنا: "لا إله في الوجود إلَّا الله"، يستلزم نفي كل إله غير الله قطعًا؛ فهو في الحقيقة نفي [الحقيقة](3) مطلقة لا مقيدة، وقد قدره ابن عطية:"لا إله [إلَّا الله] (4) معبود أو موجود" وهو قريب مما تقدم، أو هو من حيث المعنى فلا معنى لهذا الإِنكار. وليت شعري ما يقدر هذا المنكر فيه إذ لا بد من تقدير الخبر، وإلَّا أدّى ذلك إلى خرم قاعدة [عربية](5) مجمع عليها (6).
= لا إله حق موجود، فحينئذ يستقيم الكلام، ويرجع إلى ما قلنا.
ملاحظة: رجح الزركشي أن يكون الخبر المقدر (حق)(ص 81) قال المعلق: حتى تكون الكلمة جامعة لثبوت ما يستحيل نفيه وهو الله -تعالى-: وجامعة أيضًا لنفي ما يستحيل ثبوت وهو الإِله غير الله تعالى.
(1)
في ن ب (انتفيت).
(2)
في ن ب (إذا).
(3)
في ن ب (للحقيقة).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
في ن ب (غريبه).
(6)
أي لا بد من تقدير الخبر أنظر الزركشي معنى لا إله إلَّا الله.
السادسة. فيه أن العالم إذا رأى من فعل فعلًا يحتمل أن يسوغ، ويحتمل أن لا يسوغ أن يسأله ليتبين حاله.
السابعة: فيه أن انفراد الإِنسان بحضرة المصلين أمر منفي على صاحبه.
الثامنة: فيه حسن الملاطفة والرفق في إنكار ما ينكر، ويحتمل لما هو منكر لإِخراجه [عليه السلام](1)[كلامه](2) في معرض السؤال عن السب المقتضي للترك.
فإن قلت: لما قال [عليه السلام](3) لذلك الرجل الذي وجده جالسًا: "ما منعك أن تصلي بالناس! ألست برجل مسلم؟! "(4) ولم ينكر علي [هذا](5):
فالجواب: أن ذلك كان في الحضر في المسجد، وهذا كان في السفر، لأن هذا حديث الراوي، ولم يورده المصنف بكماله، والسفر مظنة الإِعذار من إعواز الماء وغيره؛ فهو أقرب إلى احتمال ما هو عذر من حالة الحضر ومن هذا يظهر رد ما قاله ابن
[العطار](6) في شرحه: إن الظاهر أنه كان في المسجد، ثم بني عليه
(1) في ن ب عليه الصلاة والسلام،
(2)
في ن ب (كلام).
(3)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(4)
ابن حبان (4/ 60).
(5)
في ن ب (ذلك).
(6)
في ن ب (القطان).
لبث الجنب في المسجد، وأن جمهور العلماء على المنع منه خلافًا لأحمد والمزني وطَوَّلَ في ذلك.
التاسعة: فيه أمرٌ بالصلاة جماعة.
العاشرة: فيه ذكر إبداء العذر لنفي اللوم.
الحادية [عشر](1): هذه اللفظة قد تدل على أن الذي عرض للمفعول هو اعتقاد أن التيمم ليس سائغًا للجنب؛ لأنه [عليه السلام](2) أحاله على الصعيد من غير بيان [للتعبد](3) بما يفعله، فيه وصفة تيممه به، ولم يرد على قوله "عليك بالصعيد" هذا هو الظاهر من اللفظ، ولو كان غير عالم بكيفية التيمم وصفة العمل فيه، لوجب بيانه، واحتمال بيانه من غير أن ينفك البيان. خلاف ما دل عليه ظاهر اللفظ.
الثانية عشر: فيه الاكتفاء في البيان للأحكام الشرعية بما يحصل به المقصود من الأفهام، دون نفي ما هو صريح غير محتمل
لشيء آخر، لقوله [عليه السلام] (4):"عليك بالصعيد".
الثالثة عشر: فيه دليل على اعتبار ما دلت عليه القرائن من فهم المقصود في العام والمطلق إذا اقتضت القرائن تخصيصًا أو تقييدًا؛ فإن قوله [عليه السلام](5): "فإنه يكفيك" لا بد أن يفهم منه "فإنه
(1) في ن ب (عشرة)
…
إلخ.
(2)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(3)
في ن ب (التعبد).
(4)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(5)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
يكفيك في هذه الحالة أو في مثل هذه الحالة". [ولا](1) يؤخذ منه إطلاق الكفاية، بل يتقيد بما يؤخذ منه الشرط والركن في التيمم.
الرابعة عشر: قد يؤخذ من الاكتفاء عدم القضاء للمسافر المتيمم، لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهو متأخر
أيضًا عن الأمر بالتيمم كما سلف.
الخامسة عشر: فيه الجريان على تنبيه العادة التي أجراها الله في خلقه، وعدم التوقف لأجل انحرافها، وأن ذلك غير منفي [ولا
يناقض] (2) في التوكل والتوحيد يحرك نظرًا كثيرًا في مسائل التوكل والانتصاب، وما ينافي التوكل في المباشرات للأسباب، وما
لا ينافيه، وله موضع آخر إلَّا أن الذي يحتاج إليه هنا هو أن مثل هذا السبب غير مناف.
(1) في ن ب (ولأنه).
(2)
في ن ب (ولا ناقض).