الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
71/ 2/ 12 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: [إن] (1) النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة"(2).
الكلام عليه من وجوه:
فقد جمع جملًا من اللغة والتاريخ والأصول والفروع.
أحدها: "بينما": معناه بين أوقات كذا، ويجوز بينا أيضًا بلا ميم.
ثانيها: "الناس": قد يكون من الإِنس والجن على ما قاله
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
البخاري (40، 399، 4486، 4492، 7252)، ومسلم (526)، والترمذي (3401)، وأحمد في المسند (2/ 16، 105، 113)، والموطأ (1/ 195)، والنسائي (1/ 244، 245، 2/ 61)، والبغوي (445)، والشافعي في المسند (1/ 164)، والأم (2/ 113)، والدارقطني (1/ 273).
الجوهري (1)، ولم يجعلوا الألف واللام فيه عوضًا من الجملة المحذوفة، وهذا خلاف مذهب سيبويه كما حكاه عنه أبو البقاء
وغيره، فإنه جعلها عوضًا منها.
واختلف في عينه، فقيل: ياء والصحيح واو، بدليل قولهم في التصغير نويس، وهو من الأسماء التي لا واحد له من لفظه: كالخيل والإِبل والغنم والأنام وما أشبه ذلك.
ثالثها: قباء: بالمد والقصر، ويذكر ويؤنث، ويصرف ولا يصرف، فهذه ست لغات أفصحها أولها وهو موضع معروف بقرب المدينة على ثلاثة أميال، كما قاله النووي (2)، إلَّا أنه يحتمل أن يكون المراد [هنا قباء نفسه، ويحتمل أن يكون المراد](3) المسجد وهو الظاهر، وهو المسجد الذي أسس على التقوى، وهو أول مسجد أسس في الإِسلام على ما حكاه البيهقي (4)، قال: وأول من وضع فيه حجرًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر، وفي حديث أخر أنه سئل عنه، فقال: هو مسجدي هذا.
قال السهيلي (5): [ويمكن](6) الجمع، فإن كل واحد منهما
(1) الصحاح (984).
(2)
انظر: شرح مسلم (5/ 10)، ومعجم البلدان (4/ 301، 302).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
دلائل النبوة (2/ 544، 545).
(5)
الروض الأنف (2/ 246).
(6)
في ن ب (ولكن).
أسس على التقوى غير أن قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} (1) يرجح الأول؛ لأن مسجد قباء أسس قبل مسجده عليه الصلاة والسلام، غير أن اليوم [قد](2) يراد به المدة والوقت، فيكون معنى قوله:"من أول يوم" أي من أول عام من الهجرة.
رابعها: قوله: "في صلاة الصبح" هو أحد أسمائها كما أوضحته في المواقيت، وفي رواية مسلم:"في صلاة الغداة" ففيه دليل على جواز تسميتها غداة ولا خلاف فيه، وإن كان الخلاف في الكراهة كما قدمته هناك.
خامسها: قوله: "إذ جاءهم آت" في اسمه ثلاثة أقوال:
أحدها: عباد بن نهيك الأنصاري.
ثانيها: عباد بن بشر الأشهلي، وبه جزم ابن طاهر في إيضاح الإِشكال (3).
ثالثها: عباد بن وهب.
سادسها: قوله: "فاستقبلوها" كسر الباء فيه أفصح (4)، وأشهر من فتحها، وهو الذي [يقتضيه](5) تمام الكلام بعده على الأمر، والفتح على الخبر.
(1) سورة التوبة: آية 108.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
ايضاح الأشكال (101).
(4)
انظر: شرح مسلم (5/ 10)، ويؤيده أيضًا رواية الدارقطني (1/ 273):"ألا فاستقبلوها".
(5)
في ن ب (يقتضي).
سابعها: حولت القبلة في السنة الثانية قطعًا، واختلفوا في الشهر الذي حولت فيه.
فقال محمد بن حبيب الهاشمي (1): في الظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان.
وقال غيره: في رجب قبل بدر بشهرين، وكان ذلك في ركوع الركعة الثانية من الظهر [في مسجد بني سلمة](2)، فاستدار
واستدارت الصفوت لما نزل قوله -تعالى-: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ)} (3) الآية.
وذكر القرطبي أن الآية نزلت في غير صلاة، وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب:"أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة العصر"، وفي أخرى:"صلاة الصبح" والأولى أثبت، ولذلك سمي المسجد الذي لبني سلمة مسجد القبلتين، ويجمع بينهما وبين رواية العصر: أن أول صلاة صلاها كاملة إلى الكعبة صلاة العصر بخلاف الظهر، ويحتاج إلى جواب عن رواية الصبح (4).
(1) هو محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغدادي أبو جعفر المتوفى سنة (245)، له مؤلفات منها:"المحبر"، و"الأمثال"، و"غريب الحديث"، وكشف الظنون (1/ 393، 2/ 128، 1/ 37، 436).
(2)
الزيادة من ب.
(3)
سورة البقرة: آية 144.
(4)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (1/ 97) بعد ذكر الروايات =
قلت: وكانت مدة صلاته لبيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا كما ثبت في الصحيحين من حديث البراء (1)[وفي رواية لمسلم "ستة عشر شهرًا"](2)[بخلاف الظهر وفي سنن أبي داود "ثمانية عشر شهرًا" وحكى مسلم ثلاثة عشر](3) وفي أخرى سنتين حكاه المحب الطبري.
وقال ابن حبان: صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيام سواء، قال: لأن قدومه - عليه الصلاة
= والتحقيق: إن أول صلاة صلاها في بني سلمة لما مات بشر بن معرور الظهر، وأول صلاة صلاها في المسجد النبوي العصر. وأما الصبح فهو من حديث ابن عمر بأهل قباء. وقال أيضًا في الفتح (1/ 506): وهذا فيه مغايرة لحديث البراء المتقدم، فإن فيه أنهم كانوا في صلاة العصر، والجواب أن لا منافاة بين الخبرين لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء، والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث ابن عمر. اهـ. محل المقصود منه، وهل كان ذلك في جمادي الآخرة أو رجب أو شعبان؟ أقوال.
(1)
البخاري (40)، ومسلم (525)، والترمذي (340)، وابن ماجه (1010)، والنسائي (2/ 60)، والبغوي (444)، والبيهقي في السنن (2/ 2)، وأبو عوانة (1/ 393)، وابن الجارود (165)، والدارقطني (1/ 273).
(2)
ما بين القوسين من ب.
(3)
في ن ب ساقطة.
والسلام - من مكة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، وحولت يوم الثلاثاء نصف شعبان (1).
وفي تفسير ابن الخطيب عن أنس: "إنها حولت بعد الهجرة بتسعة أشهر" وهو غريب، وعلى هذا القول يكون التحويل في ذي
القعدة، إن عد شهر الهجرة وهو ربيع الأول، أو ذي الحجة إن لم يعد (2).
(1) ابن حبان (4/ 620).
(2)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (1/ 96): والجمع بين الروايتين سهل بأن يكون من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهرًا، وألغى الزائد. ومن جزم بسبعة عشر عدهما معًا، ومن شك تردد في ذلك. وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول، بلا خلاف. وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح، وبه جزم الجمهور. ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس. وقال ابن حبان:"سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيام"، وهو مبني على أن القدوم كان في ثاني عشر ربيع الأول. وشذت أقوال أخرى، ففي ابن ماجه من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق في هذا الحديث:"ثمانية عشر شهرًا" وأبو بكر سيِّئ الحفظ وقد اضطرب فيه. فعند ابن جرير من طريقه في رواية سبعة عشر وفي رواية ستة عشر. وخرجه بعضهم على قول محمد بن حبيب أن التحويل كان في نصف شعبان، وهو الذي ذكره أن النووي في الروضة، مع كونه رجح في مسلم رواية ستة عشر لكونها مجزومًا بها عند مسلم ولا يستقيم أن يكون ذلك في شعبان إلَّا أن ألغى شهري القدوم والتحويل، وقد جزم موسى بن عقبة بأن التحويل كان في جمادى الآخرة، ومن الشذوذ رواية ثلاثة عشر، ورواية تسعة أشهر، أو عشرة ورواية شهرين، ورواية سنتين، وهذه الأخيرة يمكن حملها على =
واعلم أنه ينبغي أن يعرف كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل الكعبة في صلاته وهو بمكة، فذهب نفر من العلماء إلى أن صلاته صلى الله عليه وسلم وهو بمكة لم تكن إلى بيت المقدس، وإنما [كان](1) صلى إليه بعد مقدمه إلى المدينة، والذي عليه جمهورهم أنه كان يصلي إلى الشام.
قال أبو عمر: وأصح القولين عندي أنه [كان](2) يجعل مدة مقامه بمكة الكعبة بينه وبين بيت المقدس [فيقف](3) بين الركنين اليمانيين ويستقبل الكعبة وبيت المقدس (4)، فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه ذلك لأن المدينة عن يسار الكعبة، وكان تقلب وجهه في السماء.
وقال الحافظ أبو اليمن ابن عساكر: سبب الاختلاف في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى بمكة مستقبلًا بيت
= الصواب. وأسانيد الجميع ضعيفة، والاعتماد على القول الأول، وجملة ما حكاه تسع روايات. اهـ.
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (يقف). انظر: الاستذكار (1/ 180، 7/ 186، 216)، والتمهيد (8/ 53، 56).
(4)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (1/ 96): قال ابن عباس رضي الله عنه: كان يصلي إلى بيت المقدس، لكنه لا يستدبر الكعبة، بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس. وقد جزم به ابن حجر، فقال بعد ذكر الأقوال: والأول أصح - يعني ما ذكرناه - لأنه يجمع بين القولين وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس.
المقدس جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فتحرى القبلتين معًا، فلم يظهر استقباله بيت المقدس ولا توجهه إليه للناس حتى هاجر إلى المدينة وخرج من مكة، هكذا روي عن ابن عباس من [طرق](1) صحيحة، وقد روى ابن حبان في صحيحه (2) في هجرة البراء بن معرور، وكعب بن مالك ما يدل على ذلك، وهو أن البراء رأى أن لا يجعل الكعبة وراء ظهره في صلاته، وأنه شاور في ذلك كعبًا فلم يوافقه، وأنه بقي في نفسه من فعله، حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو وعمه العباس جالسين بمكة، فسلم هو وكعب عليه صلى الله عليه وسلم في قصة طويلة، قال البراء: يا رسول الله إني [قد](3) صنعت في سفري هذا شيئًا أحببت أن تخبرني عنه، فإنه قد وقع في نفسي منه شيء، إني قد رأيت أن لا أجعل هذه البنية مني بظهر، وصليت إليها ومنعني أصحابي، وخالفوني حتى وقع في نفسي من ذلك ما وقع. فقال عليه الصلاة والسلام:"أما إنك قد كنت على قبلة لو صبرت عليها". قال: ولم يزده على ذلك.
قال ابن حبان: أما تركه صلى الله عليه وسلم أمر البراء بإعادة الصلاة التي صلاها إلى الكعبة حيث [قال](4) كان الفرض عليهم استقبال بيت
(1) في الأصل (طريق)، والتصحيح من ن ب.
(2)
ابن حبان (9/ 74)، والسيرة لابن إسحاق (2/ 48)، ودلائل النبوة للبيهقي (2/ 444)، كما نقله ابن حجر في الفتح بكامله، وذكر تصحيح ابن حبان (7/ 221).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في ن ب ساقطة.
المقدس، لأن البراء أسلم لما شاهد النبي صلى الله عليه وسلم[فمن أجله] (1): لم يأمره بإعادة تلك الصلاة [من أجل ذلك](2)، واقتضى كلام أبي اليمن ابن عساكر أن البراء كان مسلمًا قبل هجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة هو ومن معه من الأنصار، ويحتمل أن تكون صلاة البراء إلى الكعبة اتباعًا لما علم [به من علماء](3) اليهود أن هذا النبي المبعوث في عصرهم هو على ملة إبراهيم وفيه وقبلته الكعبة مستصحبًا لأصل الحكم في ذلك ورجّحه على ما وجد فيه التردد عنده في ثبوته والاختلاف في صحته أو وجوده وهو وجه من وجوه التراجيح.
وقال الغزالي في "وسيطه": كان [رسول الله صلى الله عليه وسلم](4) يستقبل الصخرة من بيت المقدس مدة مقامه بمكة وهي قبلة الأنبياء (5)،
(1) زيادة من ابن حبان (7011).
(2)
تغني عنها الجملة السابقة لأنه خلاف ما في ابن حبان.
(3)
في ن ب (على).
(4)
في ن ب (النبي صلى الله عليه وسلم).
(5)
قال شيخ الإِسلام -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى (27/ 11) بعد كلام سبق: "فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي إليها فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلَاّ قتل مع أنها كانت قبلة لكن نسخ ذلك. ثم قال: وأما الصخرة فلم يصل عندها عمر رضي الله عنه ولا الصحابة، ولا كان على عهد الخلفاء الراشدين عليها قبة.
فوائد تتعلق بالصخرة:
أولًا: قال شيخ الإِسلام في الفتاوي (15/ 153): وكانوا يكذِّبون -أي الصحابة رضوان الله عليهم-ما ينقله كعب- أن الله قال لها -أي الصخرة-: أنت عرشي الأدنى. ويقولون: من وسع كرسيه السموات =
[وكان](1) يقف بين الركنين اليمانيين كان لا يؤثر استدبار الكعبة، وعيرته (2) اليهود، وقالوا: يخالف ديننا، ويصلي إلى قبلتنا. فسأل الله أن يحوله إلى الكعبة، فنزل قوله -تعالى-:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} (3) الآية، هذا لفظه برمته، وقد غيرت بعضه، وأوضحت الكلام عليه فيما خرجته من أحاديثه المسمى بـ (تذكرة الأخيار بما في الوسيط من الأخبار)(4) فراجعه منه، ونقلت فيه عن المحاملي (5) في المجموع (6): أنه كان يقف ناحية الصفا، وأن رواية
= والأرض كيف تكون الصخرة عرشه الأدنى؟!.
ثانيًا: قال بعد كلام سبق: وإلَاّ فلا موجب في شريعتنا لتعظيم الصخرة. وبناء القبة عليها وسترها بالانطاع والجوخ. ولو كان هذا من شريعتنا لكان عمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم أحق بذلك ممن بعدهم.
ثالثًا: قال في (17/ 476) بعد كلام سبق: "فعلم أن سائر المقامات لا تقصد للصلاه فيها كما لا يحج إلى سائر المشاهد، ولا تمسح بها، ولا يقبل شيء من مقامات الأنبياء ولا المساجد ولا الصخرة، ولا غيرها، ولا يقبل ما على وجه الأرض إلَّا الحجر الأسود".
(1)
في ن ب (فكان).
(2)
في الأصل (وعرته)، والتصحيح من ن ب.
(3)
سورة البقرة: آية 144.
(4)
انظر: تحفة المحتاج (1/ 75).
(5)
هو أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم المعروف، باب: المحاملي، ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وتوفي سنة أربع عشرة -أو خمس عشرة وأربعمائة-. العبر (3/ 119)، وطبقات ابن الصلاح (366)، وابن قاضي شهبة (1/ 174).
(6)
انظر: كشف الظنون (1606).
إمامة جبريل [فيه](1) عليه السلام عند باب البيت (2) يقتضي بالقطع عدم استقبال ذلك.
ثامنها: في الحديث دليل على جواز النسخ (3) ووقوعه، ولا عبرة بمن أحاله (4)، قال ابن .......................
(1) زيادة من ن ب.
(2)
إمامة جبريل (عبد باب البيت) لم تذكر إلَّا في مسند الشافعي (26)، وشرح معاني الآثار (1/ 147)، أما جميع المسانيد والسنن فلم تذكر إلَّا الصلاة عند البيت. انظر: الدارقطني (1/ 158)، والبيهقي (1/ 364)، وعبد الرزاق (1/ 531)، والمسند (5/ 349)، والحاكم (1/ 193)، والمنتقى لابن الجارود وغيره.
قال ابن حجر في الفتح (1/ 97): وحكى الزهري خلافًا في أنه هل كان يجعل الكعبة ظهره أو يجعلها بينه وبين بيت المقدس؟ قلت وعلى الأول فكان يجعل الميزاب خلف وعلى الثاني كان يصلي بين الركنين اليمانيين، وزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة بمكة. فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ثم نسخ، وحمل ابن عبد البر هذا على القول الثاني. ويؤيد حمله على ظاهره إمامة جبريل ففي بعض طرقه أن ذلك كان عند باب البيت. اهـ.
(3)
النسخ لغة: الإِزالة، وشرعًا: رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي متراخ عنه.
(4)
النسخ جائز عقلًا، وواقع شرعًا، وأنكره. اليهود لعنهم الله وقالوا: يلزم منه البداء، وهو محال على الله. وقولهم باطل والدليل على بطلانه من ثلاثة أوجه:
الأول: ما اتفقت عليه الأمم من نكاح الأخوات غير التوأمة في زمان آدم، ثم تحريمه في جميع الملل. =
عباس (1): أول ما نسخ من القرآن: شأن القبلة والصيام، فأول من صلى إلى الكعبة (2) البراء بن معرور.
تاسعها (3): فيه قبول خبر الواحد وهو معمول به معتد به عند الصحابة، وهلم جرا، ومن منع قال: احتفت به قرائن ومقدمات
أفادت العلم، وخرج عن كونه خبر واحد.
وقيل: إن النسخ بالواحد كان جائزًا في زمنه عليه الصلاة والسلام وإنما منع بعده.
= الثاني: أن اليهود وافقوا على أن شريعتهم نسخت ما قبلها، فلما جاز ذلك يجوز أن ينسخها ما بعدها.
الثالث: الفرق بين النسخ والبداء هو أن يظهر له ما كان خفيًا عليه، والنسخ ليس كذلك إنما هو كتجديد مدة للحكم، مثل أن يأمر السيد عبده بعمل، فإذا بلغ منه المقدار الذي أراد السيد، رفع يده عنه، وأمره يعمل آخر. اهـ. تقريب الوصول إلى علم الأصول. للغرناطي (312، 314).
(1)
أخرجه أحمد (1/ 325)، والمستدرك (2/ 267)، والبيهقي في المعرفة (2874)، والحازمي في الاعتبار (193)، وصحح الحافظ في الفتح إسناده.
(2)
فائدة: قال ابن حزم -رحمنا الله وإياه-: أول من صلى إلى الكعبة بعد النسخ أبو سعيد بن المعلى الأنصاري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتحويل القبة فصلى ركعتين إلى الكعبة. اهـ، من جوامع السير (81). أما البراء فصلى إلى الكعبة قبل أن تصرف. انظر: ت (1)، (491)، وراجع ما ذكر.
(3)
ذكر هذه المسألة في إحكام الأحكام مع الحاشية (2/ 201).
هذا رأي الإِمام أحمد وابن حزم وغيرهم. انظر: الزركشي البحر المحيط (4/ 108)، والأحكام لابن حزم (4/ 617).
وقيل: إنما تلا عليهم الآيات التي فيها ذكر النسخ، فتحولوا عند سماع القرآن، فلم يقع النسخ إلَّا بما سمعوه.
قال القاضي: وأسد الجواب في هذا أن يقال: إن العمل بخبر الواحد مقطوع به.
[عاشرها](1): هل يجوز نسخ السنة بالكتاب وعكسه، فيه قولان: أصحهما عند الأكثرين. نعم كما سيأتي بعد أيضًا، ويشترط
في السنة إذا كانت ناسخة أن تكون متواترة.
الحادي عشر: جواز نسخ السنة بالكتاب (2)، ووجه تعلق ذلك بالحديث أن الآتي المخبر لهم ذكر أنه أنزل اليلة قرآن وأحال النسخ على الكتاب، وليس التوجه إلى بيت المقدس بالكتاب، إذ لا نص فيه عليه، فالتوجه إليه بالسنة، ويلزم من مجموع ذلك نسخ السنة بالكتاب، والأكثرون على الجواز (3).
الثاني عشر: فيه أن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلف قبل بلوغ الخطاب له، وقد اختلف في ذلك ووجه استنباط هذا من
الحديث أنه لو ثبت الحكم في أهل قباء قبل بلوغ الخبر إليهم لبطل ما فعلوه من التوجه إلى بيت المقدس، فلم ينعقد، وتجب الإِعادة في بعضها فتبطل.
(1) في الأصل (العاشر)، وما أثبت من ن ب.
(2)
انظر: هذه المسألة والتي قبلها مفصلة بالتعليق على تقريب الوصول (318، 324) إلى علم الأصول.
(3)
ساق هذه المسألة وما قبلها مجموعًا من إحكام الأحكام مع الحاشية (2/ 205).
وتتعلق بذلك مسألة فقهية وهي أن الوكيل ينعزل من حين العزل على الصحيح بخلاف القاضي، والفرق تعلق المصالح الكلية
بالقاضي بخلافه (1).
ومسألة أخرى (2): وهي أن الأَمة لو صلت مكشوفة الرأس، ثم علمت بالعتق في أثنائه.
فقال أصبغ: تبطل.
وقال ابن قاسم: تصح، وكذا إذا أُعتقت في نفس الصلاة وهي مكشوفة الرأس وأمكنها الستر، ومذهب الشافعي ومالك والكوفيين أنها تبني، وقيل: تقطع.
الثالث عشر: قد يؤخذ منه جواز الاجتهاد في زمنه صلى الله عليه وسلم أو بالقرب منه، لأنه كان يمكن قطع الصلاة، وأن يبنوا على ما صلوا كما فعلوه، فرجحوا البناء، وهو محل اجتهاد. قاله الشيخ تقي الدين (3)، وفيه نظر.
وقد حكى الماوردي (4) خلافًا لأصحابنا: في أن استقبال بيت المقدس كان ثابتًا بالقرآن ثم باجتهاده صلى الله عليه وسلم.
وقال القاضي عياض: الذي شهبة إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن [فعلى](5) هذا فيه دليل لمن يقول إن القرآن ينسخ
(1) ساقه بمعناه من إحكام الأحكام مع الحاشية (2/ 207).
(2)
ساقه بمعناه من إحكام الأحكام مع الحاشية (2/ 209، 210).
(3)
انظر: إحكام الأحكام مع الحاشية (2/ 208).
(4)
الحاوي الكبير (2/ 86، 87).
(5)
في ن ب (وعلى).
السنة، وهو قول الأكثرين كما سلف، ووجه مقابله أن السنة مبينة، فكيف ينسخها؟ والقائل بهذا يقول: لم يكن استقبال بيت المقدس بسنة، بل بوحي من الله -تعالى- قال -تعالى-:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} (1) الآية، واختلفوا أيضًا في عكسه كما سلف.
الرابع عشر: فيه دليل على أن الليلة لا تطلق إلَّا على الماضية ولا يراد بها المستقبلية إلَّا بقرينة أو دليل.
الخامس عشر: [فيه](2) جواز الصلاة إلى جهتين، وهو الصحيح عندنا، بل إلى أربع جهات بأربع اجتهادات، وجه الدلالة أنهم استداروا ولم يستأنفوا.
السادس عشر: فيه تنبيه من لم يصل [المصلي](3) على أمر يتعلق بالصلاة واجب أو ممنوع والحديث دال على الواجب وفي
إلحاق غيره [به](4) نظر للشيخ تقي الدين (5) إذ لا مساواة.
السابع عشر: فيه مراعاة سمت القبلة بالاجتهاد لميلهم إلى جهة الكعبة عند بلوغهم الخبر بتحويل القبلة قبل قطعهم بالصلاة إلى عينها (6).
(1) سورة البقرة: آية 143.
(2)
في الأصل (في)، وما أثبت من ن ب.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
زيادة من ن ب.
(5)
انظر: إحكام الأحكام مع الحاشية (2/ 210).
(6)
انظر: إحكام الأحكام (2/ 211).
الثامن عشر (1): فيه أن من صلَّى إلى غير القبلة بالاجتهاد ثم تبين له الخطأ لم تلزمه الإِعادة؛ لأنه فعل ما وجب عليه في ظنه، مع مخالفة الحكم في نفس الأمر، وهو قول عندنا، والأظهر وجوب الإِعادة، وترجم أبو داود (2) على هذا الحديث من طريق أنس:"من صلى لغير القبلة ثم علم". وترجم عليه البخاري (3): "من لم ير الإِعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة ثم علم". وفي أخذه منه نظر لأن السهو إنما يكون عن حكم (4) استقر.
التاسع عشر (5): فيه أن من لم يعلم بفرض الله عليه ولا بلغته الدعوة ولا أمكنه الاستعلام بذلك من غيره، فالفرض غير لازم له، والحجة غير قائمة عليه، فعلى هذا لو أسلم في دار الحرب، أو طرف بلاد الإِسلام، ولم يجد من يستعلمه عن شرائع الإِسلام، وأمكنه السير والبحث عما يجب عليه بالإِسلام.
قال الشافعي ومالك: يجب عليه أن يقضي ما مر من صلاة وصيام لم يعلم وجوبهما، لأنه يعد مقصرًا بإعراضه عما يجب عليه بالإِسلام مع تمكنه منه.
العشرون: قال القاضي: فيه دليل على أن المسافر إذا نوى
(1) ذكرها في إحكام الأحكام (2/ 212).
(2)
أبو داود عون المعبود (3/ 365).
(3)
البخاري (1/ 504).
(4)
في ب (شيء).
(5)
ساقه بمعناه من إحكام الأحكام (2/ 212).
الإِقامة في أثناء الصلاة أنه يتمادى ولا يقطع وهو قول الأكثرين، قال: واختلفوا في إمام الجمعة يعزل في أثناء الصلاة، وقد عقد
ركعة منها هل يتمادى وهو قول الأكثرين، قال: وهذا الحديث يدل عليه، أو يقطع، وهو قول البعض.
قال: واختلفوا في المتيمم إذا طلع عليه رجل بماء وهو في الصلاة، أو نزل المطر عليه وهو في الصلاة، هل يتمادى أو يقطع؟
ولا يقال في هذا: إنه يستعمل الماء ويتمادى، لأنه عمل كثير في الصلاة، فلا يجوز التمادي معه، وهو مذهب الشافعي ومالك
والجمهور.
وقال الكوفيون والأوزاعي: يستعمل ويتمادى، وهذا الحديث حجة عليهم.
الحادي والعشرون: استدل به أيضًا على أن المرأة إذا زوجها أحد ولييها زيدًا، والآخر عمرًا، فدخل بها زيد ولم يعلم بعقد عمرو، أن العقد للأول ووطء الثاني شبهة، والمشهور [في](1) مذهب مالك أنها للداخل بها، واحتجوا بأن أهل قباء لم يثبت في حقهم النسخ إلَّا بعد بلوغه إليهم، ولذلك صح ما مضى من صلاتهم، قالوا: فكذلك الناكح الثاني لا يثبت المنع في حقه إلَّا بعد علمه بعقد الأول، قالوا: وكذلك القول في السلعة يبيعها وكيلان: المشهور أنها للثاني إذا قبضها.
الثاني والعشرون: فيه دليل على أن الحظر بعد الوجوب
(1) في ن ب (من).
للتحريم، فإن الصلاة لبيت المقدس كانت واجبة، ثم منع من استقباله بهذا الحديث، لأن الأمر بالشيء نهى عن ضده لقوله:
(فاستقبلوها) على رواية الكسر وهي المشهورة كما سلف، وفيه خلاف حكاه في المحصول (1).
(1) المحصول للرازي، الجزء الأول القسم الثاني (334، 339)، يعني أن الأمر بالشيء المعين يقتضي النهي تصريحًا عن أضداد المأمور به الموجودة وهو قول الأشعري، والباقلاني، والجصاص.
وقيل: الأمر بالشيء يستلزم النهي عن أضداده. وبه قال الآمدي.
وقيل: أمر الوجوب يقتضي النهي عن ضده بخلاف أمر الندب.
وقيل: الأمر بالشيء يقتضي كراهة ضده.
وقيل: الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده مطلقًا. اهـ. من تقريب الوصول إلى علم الأصول للغرناطي، تحقيق: الشنقيطي (189).