الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
70/ 1/ 12 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن [النبي صلى الله عليه وسلم] (1):"كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه، يومئ برأسه، وكان ابن عمر يفعله"(2).
وفي رواية: "كان يوتر على بعيره"(3).
ولمسلم: "غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة"(4).
وللبخاري: "إلَّا الفرائض"(5).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: معنى يسبح: هنا يصلي النافلة، وأطلق التسبيح على مطلق الصلاة في قوله تعالى: {عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ
(1) ساقطة من ب.
(2)
البخاري (999، 1000، 1095، 1096، 1098، 1105)، ومسلم (700)، والدارمي (1/ 365)، وأحمد (2/ 132)، والنسائي (1/ 244).
(3)
البخاري (999، 1000).
(4)
مسلم (700).
(5)
البخاري (1097).
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)} (1) على صلاة الصبح والعصر عند أهل التفسير.
والتسبيح حقيقة قوله: سبحان الله، فإذا أُطلق على الصلاة كان من باب تسمية الشيء باسم جزئه تنبيهًا على فضل ذلك الجزء،
كما أن الصلاة الدعاء، ثم إنها سميت العبادة كلها به لاشتمالها عليه وكذلك [سميت](2) الصلاة بالركوع [أو](3) السجود أو القرآن أو القيام أو لأن المصلي منزه لله تعالى [بإخلاص العبادة له وحده، كالتسبيح فإنه تنزيه لله تعالى، فيكون من مجاز الملازمة، لأن التنزيه لازم للصلاة المخلصة لله تعالى](4). والتسبيحة التطوع من الذكر والصلاة، ومنه أن عمر جلد رجلين سبّحا بعد العصر أي صليا، ويطلق التسبيح أيضًا بمعنى النور، ومنه الحديث (5):"لأحرقت سبحات وجهه"، وقوله تعالى:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)} (6)، معناه: من المصلين، وقوله تعالى:{لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)} (7)، قيل: أراد باللسان، وقيل: أراد غيره.
(1) سورة ق: آية 39.
(2)
في ب (وتسمية).
(3)
في ب (و).
(4)
ساقطة من ب.
(5)
مسلم (293).
(6)
سورة الصافات: آية 143.
(7)
سورة القلم: آية 28.
الثاني: "الراحلة" الناقة التي تصلح لأن ترحل، وكذلك الرحول.
قال الجوهري (1): ويقال: الراحلة المركب من الإِبل ذكرًا كان أو أنثى. انتهى. فيكون كالبعير في وقوعه على الجمل والناقة على أحد القولين، وكالشاة، والإِنسان في وقوعه على الرجل والمرأة، وإن كان قد سمع إنسانة في المرأة كما حكاه بعض فضلاء المالكية سماعًا من شيوخه، ثم إنه كما يجوز التنفل على الراحلة يجوز أيضًا على الفرس والبغل والحمار قطعًا بشرط أن لا يكون الراكب مماسًا للنجاسة.
الثالث: في "حيث"(2) لغات بتثليث الثاء مع [الياء](3) والواو فهذه ست لغات، وفيها أكثر من ذلك قد ذكرته موضحًا في
"الإِشارات إلى ما وقع في المنهاج من الأسماء والمعاني واللغات" وهي مبنية لخروجها عن نظائرها من ظروف المكان.
[الرابع](4): "الإِيماء": الإِشارة أي يومئ برأسه في الركوع والسجود ليكون البدل على وفق الأصل، فيجعل السجود أخفض من الركوع، وليس في الحديث المذكور ما يدل على ذلك ولا ينفيه، لكن في اللفظ ما يدل على نفي حقيقة الركوع والسجود، نعم في
(1) انظر: مختار الصحاح (105).
(2)
انظر: مختار الصحاح (75).
(3)
في الأصل (الجاء)، والتصويب من ب.
(4)
في الأصل (الثالث)، وما أثبت من ن ب.
أبي داود (1) والترمذي (2) من حديث جابر [قال](3): "بعثني [رسول الله صلى الله عليه وسلم] (4) في حاجة فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، السجود أخفض من الركوع" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[الخامس](5): قوله (حيث كان [] (6) وجهه) يعني حيث ما توجه وجهه في السفر، وقد ثبت ذكر السفر في بعض الأحاديث أو معظمها، وهو مطلق في رواية الكتاب حتى تمسك بها الإِصطخري (7) من الشافعية في جواز النافلة في البلد وهو محكي عن أنس بن مالك وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة.
السادس: السبب في التنفل على الراحلة لئلا ينقطع المتعبد عن السفر والمسافر عن التنفل.
(1) أبو داود عون (1215).
(2)
الترمذي (351)، وابن خزيمة (1270)، وأحمد (3/ 332، 379، 388، 389)، وعبد الرزاق (4521)، والبيهقي (2/ 5).
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
في ن ب (النبي صلى الله عليه وسلم).
(5)
في الأصل (الرابع)، وما أثبت من ن ب
…
إلخ المسائل.
(6)
في الأصل زيادة (من)، وهي غير مذكورة في الحديث وفي ن ب.
(7)
هو الحسن بن أحمد بن يزبد بن عيسى أبو سعيد الإِصطخري شيخ الشافعية ببغداد، توفي في ربيع الآخر، وقيل: في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة وقد جاوز الثمانين، ومولده في سنة أربع وأربعين. طبقات الشافعية للسبكي (2/ 193)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 109).
وقال الشيخ تقي الدين: كأن سببه تيسير تحصيل النوافل وتكثيرها، فإن ما ضيق طريقه قل، وما اتسع طريقه سهل، فاقتضت
رحمة الله للعباد أن يقلل الفرائض عليهم تسهيلًا للكلفة، وفتح لهم طريق التكثير للنوافل تعظيمًا للأجور.
السابع: قوله: (على ظهر راحلته) قد يتمسك به من لا يرى التنفل للماشي، وهو مالك وأبو حنيفة.
وعندنا وعند أحمد أنه يجوز قياسًا عليه ولأنه أشق.
وعن مالك قول أنه يجوز لراكب السفينة التنفل أيضًا حيث ما توجهت به لكل أحد، وقول آخر أنه لا يجوز لتمكنه إلَّا للملاح وهو مذهبنا.
الثامن: قوله (وكان ابن عمر يفعله) فيه تنبيه على أن رواية الحديث والعمل به أقوى في التمسك به من الرواية فقط لجواز أن
يكون الحديث عند الراوي إذا لم يعمل به مخصوصًا بحاله أو منسوخًا أو معللًا أو نحو ذلك.
التاسع: في هذه الرواية دلالة على جواز التنفل على الدابة في السفر حيث توجهت، ولا يشترط استقبال القبلة فيها، سواء كانت نافلة مطلقة أو راتبة، وفي وجه أنه لا يباح عيد، وكسوف، واستسقاء، وسجود شكر، ولا تلاوة خارج صلاة، وفيه قوة لأنه لم ينقل فعله.
العاشر: لا فرق في ذلك بين السفر القصير والطويل عند الشافعي وأبي حنيفة والجمهور، وكما نقله القاضي عياض.
وقال [مالك](1) في رواية عنه [أنه](2) لا يجوز التنفل على الدابة إلَّا في السفر الطويل وهو قول غريب محكى عندنا.
تنبيهات:
أحدها: شرط السفر أن لا يكون له معصية، وأن يكون له مقصد معلوم.
ثانيها: يحرم انحرافه عن طريقه إلَّا إلى القبلة، لأنه عليه الصلاة والسلام "كان يسبح حيث كان وجهه" اللهم إلَّا أن ينحرف إلى القبلة لأنها الأصل.
ثالثها: في استقباله [القبلة](3) عند الإِحرام خلاف، وتفصيله محله كتب الفقه، وقد بسطناه في "شرح المنهاج" وغيره.
وعند أبي حنيفة وأبي ثور أنه يفتتح أولًا إلى القبلة استحبابًا ثم يصلي كيف شاء.
الحادي عشر: قوله: "وكان ابن عمر يفعله" كيف يجمع بينه وبين ما رواه مالك في الموطأ عنه (4): "أنه لم يكن يصلي مع الفريضة في السفر شيئًا قبلها ولا بعدها إلَّا من جوف الليل، فإنه كان يصلي على الأرض وكان يقول: "لو كنت مسبحًا لأتممت" (5).
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
الموطأ (1/ 150)، وشرح الزرقاني (1/ 302).
(5)
الموطأ (24). قال الزرقاني -رحمنا الله وإياه- (1/ 302): وتعقب بأن =
والجواب: أنه إنما منع في [رواية](1) الموطأ النافلة الراتبة دون المطلقة، ومن تتمة حديث مالك في الموطأ: "يصلي على
الأرض، وعلى راحلته حيث توجهت به".
قال القاضي: ومنهم من تأول حديث ابن عمر بالمنع على أنه في النافلة التي تصلي على الأرض دون النافلة على الراحلة.
[الثاني عشر](2): قوله: "كان يوتر على بعيره" يعني النبي صلى الله عليه وسلم لا ابن عمر رضي الله عنه.
واستدل به على أن الوتر ليس بواجب، بل سنة، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور.
وقال أبو حنيفة: واجب لا يجوز على الراحلة بناء على مقدمة أخرى، وهي أن الفرض لا يقام على الراحلة، وهو إجماع، كما حكاه القاضي، وهو مرادف للواجب، فلا يقام عليها [وترك الفعل](3).
= مراد ابن عمر رضي الله عنه بقوله: لو كنت مسبحًا لأتممت، أنه لو كان مخيرًا بين الإِتمام وصلاة الراتبة لكان الإِتمام أحب إليه، لكنه فهم من القصر التخفيف، فلهذا كان لا يصلي الراتبة ولا يتم.
مسلم (689)، وأبو داود (1223) في الصلاة، باب: التطوع في السفر، والنسائي (3/ 123)، والترمذي (544)، وابن ماجه (1071)، وأحمد (2/ 100، 95، 56)، والبغوي (4/ 184)، والبيهقي (3/ 158).
(1)
زيادة من ب.
(2)
في الأصل (الحادي عشر)، وما أثبت من ن ب.
(3)
ساقطة من ب.
فإن قيل: مذهب الشافعي أن الوتر واجب على النبي صلى الله عليه وسلم.
قلنا: وإن كان واجبًا [عليه](1) فقد صح فعله على الراحلة، فدل على صحته منه على الراحلة، ولو كان واجبًا على العموم لم يصح على الراحلة: كالظهر.
فإن قيل: الظهر فرض والوتر واجب، وبينهما فوق.
قلنا: هذا الفرق اصطلاح منكم، لا يسلمه لكم الجمهور، ولا يقضيه شرع ولا لغة، ولو سلم لم يحصل به هنا غرضكم.
الثالث عشر: قوله: "غير أنه لا يصلي عليه" المكتوبة" هو نعت للصلاة، وحذفت لدلالته عليها، ونعتها بالمكتوبة دون المفروضة اتباعًا للفظ القرآن في قوله -تعالى-:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} (2).
وعبر في الرواية الأخرى بالفرائض، وأجمعت الأمة على أن المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة ولا على الدابة إلَّا في شدة الخوف، فلو أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود على الدابة واقفة، عليها هودج، أو نحوه، جازت الفريضة على الصحيح، ولو كانت سائرة لم يصح على الصحيح.
وقيل: يصح كالسفينة، فإنها تصح فيها الفريضة بالإِجماع. ولو كان في ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر، صلى عليها، وأعاد لندرته، كذا جزم به الأصحاب، وفيه نظر
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
سورة النساء: آية 103.
خصوصًا إذا خاف فوت الوقت، لأنه أتى بما أمر به على حسب الطاقة، والإِعادة إنما تغيب بأمر جديد.
واعلم أن الشيخ تقي الدين رحمه الله قال: هذا الحديث قد يتمسك به في أن صلاة الفرض لا تؤدى على الراحلة، وليس ذلك بالقوي في الاستدلال، لأنه ليس فيه إلَّا ترك الفعل، وليس التبرك دليلًا على الامتناع. وكذا الكلام على استثناء ابن عمر الفرائض من فعله عليه الصلاة والسلام فإنه يدل على ترك هذا الفعل وترك الفعل لا يدل على امتناعه (1).
لكن قد يقال: إن وقت الفريضة مما يكثر على المسافرين فترك الصلاة [لها دائمًا مع فعل النوافل على الراحلة، إشارة إلى الفرق بينهما في الجواز وعدمه مع تأييد المعنى له من كون الصلوات المفروضة قليلة محصورة؛ لا يؤدي النزول عن الراحلة لها إلى نقصان المطلوب. والنوافل المطلفة لا حصر لها، فيؤدي النزول إلى ترك المطلوب [من](2) تكثيرها مع اشتغاله بأمور سفره] (3).
قلت: ويحتمل أن يقال: إنما نزل عنها لأن فعلها في الأرض أفضل، فلا دلالة فيه، لكن صدنا عن هذا الإِجماع السابق (4).
(1) في إحكام الأحكام مع الحاشية (2/ 198) كما ذكرنا. بدون (لكن).
(2)
في ب (مع).
(3)
عبارة الأحكام فيها زيادة عما ذكر. انظر: (1/ 188).
(4)
انظر: حاشية الصنعاني (2/ 198)، حيث ساقه عنه بزيادة.