الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
51/ 5/ 9 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس"(1).
وفي لفظ لمسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر. ثم صلاها بين المغرب والعشاء"(2).
الكلام عليه من جوه:
أحدها: في راويه وقد تقدم بيانه في باب الْمَذْيِ وغيرِه.
ثانيها: قوله: "يوم الخندق"، أي: في يوم من أيام حفر الخندق، وكان حضره في سنة خمس من الهجرة. وقيل: سنة أربع.
(1) البخاري (2931)(4111، 4533، 6396)، ومسلم (627)، وأبو داود (409)، وابن ماجه (684)، والترمذي (409)، والنسائي (1/ 236)، وأحمد في المسند (1/ 79، 113، 122، 126، 135)، والبيهقي في سنة (1/ 460)، وعبد الرزاق (2192)، والطيالسي (164)، وشرح السنة (387)، والدارمي (1/ 280)، والطبري في تفسيره (5423، 5424، 5426، 5428).
(2)
مسلم رقم (627).
ويسمى أيضًا يوم الأحزاب لتحزب الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين إجلاء بني النضير. فخرج نفر منهم إلى مكة شرفها الله -تعالى- فحرضوا قريشًا على قتاله، [ثم عادوا إلى غطفان وسليم فحرضوهم أيضًا، فاجمع الكل على قاله](1). فأولئك هم الأحزاب. فلما أقبلوا نحو المدينة أشار سلمان بحفر الخندق فحُفر.
قال ابن حبّان في ثقاته (2): [وهي](3) أول غزوة غزاها سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخندق على المدينة فيما بين المذاد إلى ناحية راتج، وأقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة في عشرة الآف رجل حتى نزلوا [بجنب](4) نقمى، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وذلك في شهر شوال حتى جعل سلعًا وراء ظهره، والخندق بينه وبين القوم وهو في ثلاثة آلاف من المسلمين، ثم ساق القصة بطولها.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
الثقات لابن حبان (1/ 266) وتفسير المواضع. -المذاد- قال في معجم البلدان (5/ 77): موضع بالمدينة حيث حفر الخندق النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: المذاد واد بين سلع وخندق المدينة راتج: أطم من إطام اليهود بالمدينة، وتسمى الناحية به له ذكر في كتب المغازي والأحاديث. رومة: أرض بالمدينة بن الجرف وزغابه، نزلها المشركون عام الخندق. نقمى: بالتحريك والقصر من النقمة موضع من أعراض المدينة كان لآل أبي طالب. معجم البلدان (5/ 300).
(3)
في ن ب (وهو).
(4)
في ن ب ساقطة.
ثالثها: قوله: "شغلونا" هذا هو الأفصح، وفيه لغة رديئة: أشغل والشغل.
قال الجوهري (1): فيه أربع لغات: شُغْل، وشُغُل، وَشَغْل، وَشَغَل. والجمع: أشغال.
رابعها: "الوسطى" فعلها مؤنث الأفعل وهو الأوسط، وكلاهما لا تستعمل إلَّا بالألف واللام والإِضافة أو من، فالوسطى على الرواية الأولى صفة، وعلى الثانية صلاة العصر بدل من الصلاة الوسطى، من باب بدل الكل من الكل والمعرفة من المعرفة. فائدة:"بين"[](2) عبارة عن أحد معنين إما عن الغاية في الجودة، وإما عن معنى يكون ذا طرفين نسبتهما إلى الطرفين من جهتهما سواء، وذلك يكون بالعدد والزمان والمكان.
خامسها: اختلف العلماء في تعيين الصلاة الوسطى من قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (3) على سبعة عشر قولًا:
أصحها: أنها العصر، كما هو صريح هذا الحديث وغيره. ومن الغريب قول ابن العربي (4) أن البخاري لم يخرج حديث الصلاة
(1) انظر: مختار الصحاح (146).
(2)
بياض في الأصل بمقدار كلمة بدون سقط. انظر: مختار الصحاح (37)، والمصباح المنير (70).
(3)
سورة البقرة: آية 238.
(4)
في عارضة الأحوذي (1/ 295).
الوسطى، وقد خرجه في تفسير القرآن وغزوة الخندق من صحيحه، وهذا القول هو مذهب الإِمام [أحمد](1). والصحيح من مذهب أبي حنيفة (2)، وحكى عن الشافعي أيضًا وهو مذهبه، كما قال الماوردي (3) لاتباع الحديث (4)، وهو قول الجمهور أيضًا (5).
ثانيها: أنها الصبح ونص عليه الشافعي في الأم (6)، وهو مذهب مالك (7) وجماعات (8).
(1) في ن ب ساقطة. انظر: المقنع (1/ 106)، وكشف المخدرات (1/ 56)، والمغني (1/ 378).
(2)
انظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/ 226).
(3)
وذكره في شرح مسلم (5/ 128)، والحاوي الكبير (2/ 9، 10)، والروضة (1/ 182)، والمجموع (3/ 61).
(4)
انظر: المجموع، وشرح المهذب (1/ 11).
(5)
حكاه ابن المنذر في الأوسط (2/ 366) عن علي، وأبي هريرة، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وأبي سعيد، وابن عمر، وابن عباس، وعبيدة السلماني. وحكاه البغوي في شرح السنة (2/ 236) عن عائشة، وحفصة. وحكاه النووي في شرح مسلم (5/ 128)، والمجموع (3/ 61) عن ابن مسعود، وإبراهيم النخعي، وقتادة بن دعامة السدوسي، والكلبي ومقاتل، وحكاه البيهقي في سننه (1/ 461) عن أبي بن كعب، وعبد الله بن عمرو.
(6)
الأم (1/ 94).
(7)
في الموطأ (71).
(8)
للاطلاع على من قال به من الصحابة. انظر: ابن النذر في الأوسط (1/ 367). فقد حكاه عن ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وعكرمة، وطاووس، وعطاء، ومجاهد. وحكاه البغوي في شرح السنة (2/ 235) =
ثالثها: أنها الظهر (1) وهو رواية عن أبي حنيفة (2).
رابعها: أنها المغرب (3).
خامسها: أنها العشاء الآخرة (4).
سادسها: أنها واحدة من الصلوات الخمس غير معينة (5).
سابعها: أنها الخمس (6).
= عن أبي موسى، وجابر، والمكيين. وحكاه النووي في المجموع (3/ 60)، وشرح مسلم (1/ 128) عن عمر، ومعاذ والربيع بن أنس وقال به أبو أمامة، وأبو العالية وعبيد بن عمير، وهو قول لعلي. وحكاه البيهقي في السنن (3/ 462) عن أنس بن مالك.
(1)
لرواية مخرجة في سنن أبي داود (1/ 288) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، فنزلت:"حافظوا على الصلاة والصلاة الوسطى"، وقال:"إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين".
(2)
حكاه ابن المنذر في الأوسط (2/ 367) عن ابن عمر، وعائشة، وعبد الله بن شداد، ونقله البيهقي في سنة (1/ 458) عن أسامة بن زيد، وأبي سعيد، وابن عمر. وذكره عن أبي حنيفة العيني في عمدة القارئ (18/ 24).
(3)
انظر: تفسير ابن كثير (1/ 293)، والدر المنثور (10/ 729) حيث نسباه إلى ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
حكاه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (3/ 210).
(5)
حكاه ابن العربي وقواه في أحكام القرآن (1/ 226)، وعارضة الاحوذي (1/ 295).
(6)
حكاه في المفهم عن معاذ بن جبل (2/ 1092)، واختاره ابن عبد البر في التمهيد (4/ 294)، وهذا أضعف الأقوال كما قاله في المفهم.
ثامنها: أنها الجمعة وادعى القاضي حسين في باب صلاة الخوف أنه الصحيح (1).
تاسعها: أنها الجمعة في يوم [الجمعة](2) وفي سائر الأيام الظهر (3).
عاشرها: أنها صلاتا (4) العشاء والصبح (5).
الحادي عشر: أنها صلاتان الصبح والعصر (6).
الثاني عشر: أنها الجماعة في جميع الصلوات (7).
(1) حكاه المازري في المعلم (1/ 432) وضعفه. والماوردي في النكت والعيون (1/ 258)، وذكره ابن حجر عن القاضي حسين في فتح الباري (8/ 197)، وضعفه وأيضًا ضعفه النووي في شرح مسلم (5/ 129).
(2)
في ن ب (الجمع).
(3)
ذكره في طرح التثريب (2/ 175)، وفي المجموع (3/ 61)، وشرح مسلم (5/ 129)، وعمدة القاري (18/ 124)، وقد جاء محكيًا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زاد المنير (1/ 249).
(4)
للاطلاع، انظر: حاشية الصنعاني مع إحكام الأحكام (2/ 52).
(5)
انظر: طرح التثريب (2/ 175)، وممن قال به أبو الدرداء رضي الله عنه. انظر: الجامع لأحكام القرآن (3/ 212).
(6)
انظر: فتح الباري (8/ 197)، فقد نسبه للأبهري من المالكية. وفيه قول آخر: أنها الصبح أو العصر على الترديد وهو غير القول المتقدم. انظر: اللفظ الموطأ (99).
(7)
ذكره ابن كثير في تفسيره (1/ 294)، والنكت والعيون (1/ 258)، وفتح الباري (8/ 197).
الثالث عشر: أنها الوتر (1) واختاره السخاوي (2).
الرابع عشر: أنها صلاة الخوف (3).
الخامس عشر: أنها صلاة عيد الأضحى (4).
السادس عشر: أنها صلاة عيد الفطر (5).
السابع عشر: أنها الضحى [حكاه](6) الحافظ شرف الدين الدمياطي (7) في مصنفه في ذلك (8)، وقد لخصه في أوراق مع عزوها إلى قائلها، وذكر نبذ من أدلتها.
(1) ذكره في تفسير ابن كثير (1/ 294)، وروح المعاني (2/ 156).
(2)
هو الحافظ علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني له مؤلفات منها: "هداية المرتاب"، و"جمال القراء"، مات بدمشق سنة (643)، وهدية العارفين (1/ 708)، وبغية الوعاة (2/ 192).
(3)
ذكره الدمياطي في كشف المغطي (144)، وعزاه إليه في اللفظ الموطأ (101).
(4)
انظر البحر المحيط (2/ 241)، وتفسير ابن كثير (1/ 294).
(5)
انظر المراجع السابقة.
(6)
(حكاهن) في ن ب.
(7)
هو الإِمام العلامة الحافظ شرف الدين: عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي ولد بدمياط في أواخر سنة ثلاث عشرة وستمائة، توفي وهو في درس الإِملاء يوم الأحد مغشيًا عليه عاشر ذي القعدة سنة خمس وسبعمائة، ترجمته في الديباج المذهب (3/ 164)، حسن المحاضرة (1/ 357).
(8)
كشف المغطي في تبيين الصلاة الوسطى (150)، وزاد صاحب اللفظ الموطأ ثلاثة. أقول: إنها صلاة الليل، التوقف، والثالت مضى عند الحادي عشر (102).
وفي تفسير ابن أبي حاتم بإسناد عن مسروق: الوسطى هي المحافظة على وقتها يعني الصلوات.
وقال مقاتل بن حيان: مواتيتها ووضوؤها وتلاوة القرآن فيها والتكبير والركوع والسجود والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فقد أتمها وحافظ عليها. وذكر أبو الليث السمرقندي في تفسيره عن ابن عباس نحوه (1).
قلت: وأصح الأقوال فيها الصبح والعصر، وأصحها العصر كما قدمته أولًا (2).
سادسها: هذا التأخير كان قبل نزول صلاة الخوف، ورفع لشغل العدوّ [لهم](3) عنها وترجم عليه ابن حبان (4) جواز تأخير
الصلاة عن وقتها إذا شغله الخوف المباح.
وأجاب جماعة عنه: بأنه كان قبل أن تنزل صلاة الخوف، وهو ماش على من يقول الخندق سنة أربع، وذات الرقاع التي صلاها فيها سنة خمس.
(1) انظر: اللفظ الموطأ والتعليق عليه (47، 102) للاطلاع على حجج كل قول مما ذكر وما لم يذكر، فإنه قد توسع في ذلك. وأيضًا كشف المغطي (15، 150)، فإنهما ذكرا أشياء يطول ذكرنا لها وتثقل على القارئ.
(2)
انظر: شرح مسلم (5/ 129)، وتفسير الطبري (2/ 566)، والمغنى (1/ 378)، والبحر المحيط (2/ 241)، وفتح الباري (8/ 198)، وفتح القدير (1/ 256)، ونيل الأوطار (1/ 312) جميعها صححت على أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى.
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
في صحيحه (7/ 148) وساقه من رواية حذيفة.
وقال النووي (1): إنه الصحيح بل ذكر البخاري أنها بعد خيبر لأن أبا موسى الأشعري جاء بعدها.
سابعها: وقع هنا أن المؤخر صلاة العصر، وظاهره أنه لم يفته [غيرها](2) ووقع في غيره أكثر من ذلك، وسيأتي الجمع بين ذلك في الحديث الثاني عشر [إن شاء الله](3).
ثامنها: قوله: "ثم صلاها بين المغرب والعشاء" فيه حجة لمالك وأبي حنيفة وآخرين في تقديم المنسية على الحاضرة وإن خرج وقتها؛ لا سيما من قال: وقت المغرب مضيق لا يسع غيرها، وقد أخرها لفعل العصر، وقد وافق على ذلك.
واحتج الشيخ تقي الدين (4) لمذهب الشافعي فقال: يحتمل أن يريد فصلى العصر بين صلاة المغرب وصلاة العشاء، ويحتمل أن يريد فصلى العصر بين وقت صلاة المغرب ووقت صلاة العشاء، فلا بد من ترجيح أحدهما، وإلَاّ تعين الاحتمال المسقط للاستدلال، هذا كلامه، لكن حديث جابر المذكور في آخر الباب رافع لهذا الاحتمال: إن كانت القصة واحدة، وهو الظاهر، فإنه قال: فصلى بعدما غربت الشمس ثم صلى المغرب بعدها.
(1) شرح مسلم (6/ 128).
(2)
للاستزادة، انظر: حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام (2/ 43، 52) ففيه بحث مهم.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في إحكام الأحكام (2/ 52) مع الحاشية.
تاسعها: قال القاضي عياض: ظاهره أنه صلى العصر في جماعة ففيه صلاة الفوائت في جماعة، ولم يخالف فيه إلَّا الليث،
فإنه قال: لا يجّمع لها.
وقال بعضهم: إن كانت من يوم واحد جاز اتفاقًا، وإن كانت من أيام مختلفة ففيه قولان.
قلت: وأطلق الرافعي [القول](1) تبعًا للقاضي حسين من أصحابنا أن الفائتة لا تشرع لها الجماعة، وهذا الحديث يرد عليهم.
عاشرها: قد يحتج بفعله عليه الصلاة والسلام العصر مقدمة على المغرب من يرى أن وقت المغرب متسع إلى غروب الشفق؛ لأنه لو كان ضيقًا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها، فدل على أنه متسع وهو المختار.
(1) في ن ب ساقطة.