الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
65/ 7/ 10 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر"(1).
وفي لفظ لمسلم (2): "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
[وفي لفظ: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما عليها"](3).
الكلام عليه من وجوه:
بعد أن تعلم أنه لا مناسبة لإِيراده في هذا الباب إلَّا ما أسلفناه في الحديث قبله.
أحدها: النوافل: جمع نافلة.
وأصلها في اللغة: عطية التطوع.
والنافلة: أيضًا ولد الولد (4).
(1) رواه البخاري (1169)، ومسلم برقم (724)، وأبو داود (1254)، والترمذي (416)، وابن خزيمة (2/ 160)، وابن حبان (4/ 80).
(2)
مسلم (725).
(3)
هذه الزيادة غير موجودة في كتب العمدة من الشروح والمتن.
(4)
انظر: مختار الصحاح (281).
[ثانيها](1): التعاهد: المحافظة على الشيء، وتجديد العهد به والتعهد مثله.
قال الجوهري: [وتعهدت فلانًا وتعهدت صنعتي](2)، وهو أفصح من قولك:[تعاهدته](3)، لأن التعاهد لا يكون إلَّا بين [شيئين](4).
قلت: وشدة تعاهده عليه الصلاة والسلام على صلاتها لعظم فضلها وجزيل ثوابها.
[ثالثها](5): في الحديث دليل على تأكد ركعتي الفجر، وهو إجماع فإن المراد [بها] (6) في هذا الحديث: السنة لا الفريضة.
ومن الغرائب ما حكاه في "المحصول" عن الفقهاء أنهم قالوا: إن أهل محلة لو اتفقوا على ترك سنة الفجر بالإِصرار فإنهم يقاتلون بالسلاح؛ وهذا لا نعرفه عنهم، ولا عن غيرهم، وإنما قالوه في الأذان والجماعة ونحوهما من الشعائر الظاهرة، ومع ذلك فالصحيح عندهم إذا قلنا بسنيتها أنهم لا يقاتلون على تركها.
رابعها: فيه أيضًا أنهما غير واجبتين لقول عائشة: من النوافل. وقد انفرد الحسن البصري بدعواه وجوبهما.
(1) في ن ب (الثاني).
(2)
في مختار الصحاح (ص 195)، "تعهد فلانًا وتعهد ضيعته".
(3)
في مختار الصحاح "تعاهد".
(4)
في مختار الصحاح "اثنين".
(5)
في ن ب (الثالث)
…
إلخ المسائل.
(6)
في ن ب (بما).
وفي مذهب مالك أنها من الرغائب، لأنها قالت: من النوافل. ولم تقل من السنن.
والمالكية فرقوا سنين السنة والرغيبة والنافلة. فقالوا: السنة آكدها، ثم الرغيبة، ثم النافلة.
فما واظب عليه في الجماعة مظهرًا له فهو سنته.
وما لم يواظب [عليه](1)[وحده](2)[وعده](3) من النوافل فهو فصيلة.
وما واظب عليه ولم يظهره كركعتي الفجر ففيه قولان:
أحدهما: سنته.
والثاني: فضيلة. وهذا اصطلاح لا أصل له (4)، وقد بينا السنة
(1) زيادة من ن ب.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في الأصل ساقطة.
(4)
الرغيبة، أي: مرغوب فيها، وهي ما فوق المندوب ودون السنة.
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (5/ 300).
وعلى ما ذكرت لك جمهور الفقهاء، إلَّا أن من أصحابنا من يأبى أن يسميها سنته، ويقول: هما من الرغائب وليستا سنته.
وهذا لا وجه له ومعلوم أن أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها سنه يحمد الاقتداء به فيها، إلَّا أن يقول صلى الله عليه وسلم: إن ذلك خصوص لي، وإنما يعرف من سنته المؤكدة منها من غير المؤكد بمواظبته عليها وندب أمته إليها؛ وهذا كله موجود محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر.
وتسميتها سنه هو قول الشافعي وإسحاق وأحمد بن حنبل، وأبي ثور وداود وجماعة أهل العلم. اهـ.
ومعناها في الحديث قبله لكن السنة تختلف رتبتها في الفضيلة، فبعضها آكد من بعض على حسب مقصود الشرع ومقتضاه وشرعية الجماعة فيها؛ نعم أكابر [الصحابة](1)(2) على أنهما من السنن، وعرف الشرع إطلاق النافلة على الكل لقوله عليه السلام للأعرابي:"إلَّا أن تطّوع"(3) والتطوع والنافلة بمعنى واحد. [وإذا](4) كان لفظ النافلة إسمًا جامعًا للثلاثة، فلا دلالة فيه على أحدها بعينه، ولأن لفظ الحديث شرح بأنها نافلة، والمستدل على أنها من الرغائب لا يقول بمرادفتها للنافلة.
خامسها: استدل بهذا الحديث لأحد القولين عندنا في ترجيح سنة الصبح على الوتر، لكن لا دلالة فيه، لأن الوتر كان واجبًا
عليه صلى الله عليه وسلم، فلا يتناوله هذا الحديث.
واستدل لهذا القول وهو قول قديم بأمور:
أحدها: أن الوتر تبع للعشاء، وركعتي الفجر تبع للصبح، والصبح أفضل من العشاء، فتابعها آكد.
ثانيها: أنه عليه السلام كان يصلي الوتر على الراحلة، وركعتي الفجر على الأرض.
ثالثها: أن [ركعتي](5) الفجر تتقدم على متبوعها، والوتر يتأخر.
(1) في الأصل (أصحاب)، وما أثبت من ن ب.
(2)
في الأصل بياض بمقدار كلمة ويغني عنه الضمير في كلمة الصحابة.
(3)
البخاري (46).
(4)
في ن ب (فإذا).
(5)
في ن ب (ركعتا).
رابعها: أنها محصورة بعدد متفق عليه بخلافه.
خامسها: شدة المحافظة [عليها وكونها](1) خير من الدنيا وما فيها، لكن المواظبة مشتركة [بينه](2) وبين الوتر، فإن كان واجبًا عليه على ما صححوه، ومعلوم أنه كان على الواجب أشد محافظة من المندوب، وإذا كان فعل المندوب خير من الدنيا وما فيها، فما ظنك بالواجب؟ والجدير أن الوتر أفضل، وعلل بكونه اختلف في وجوبه وهو منتقض بما قدمناه عن الحسن البصري، فإنه قال: بوجوب ركعتي الفجر، ومعلوم [أنه](3) من فضلاء التابعين وجلتهم فاستويا في ذلك.
سادسها: هذا الحديث يقتضي تفضيل ركعتي الفجر على جميع الصلوات فرضها ونفلها، خرج الفرض بالإِجماع، وبقي ما عداه على عمومه، قاله الماوردي (4).
سابعها: قوله عليه الصلاة والسلام: "خير من الدنيا وما فيها". قال النووي في شرح مسلم (5): أي خير من الدنيا ومتاعها.
(1) في ن ب (عليهما وكونهما).
(2)
في ن ب (بينهما).
(3)
في ن ب زيادة (كان). انظر: شرح النووي لمسلم (6/ 5)، وقد مر بنا هذا المبحث.
(4)
الحاوي الكبير (2/ 362).
(5)
شرح مسلم (6/ 5)، وكلامه فيه:"أي من متاع الدنيا".
وقال غيره المراد بالدنيا حياتها وما فيها، متاعها لا ذاتها [وكأنه] (1) قال: خير من متاع الدنيا.
وقال غيرهما: إنما قال: ذلك لأنه بشر أن حساب أمته يقدر بهما، فلهذا كانتا عنده خير من الدنيا وما فيها، لما يتذكر بها من
عظم رحمة الله بأمته من ذلك الموقف العظيم.
وقال بعض فضلاء المالكية في تفسير النووي السالف: نظر فإنه قد جاء في الحديث الآخر: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلَّا ذكر الله"(2) الحديث. وخير هنا أفعل تفضيل، وهو يقتضي المشاركة في الأصل وزيادة كما تقرر، ولا مشاركة بين فضيلة ركعتي الفجر ومتاع الدنيا المخبر عنه بأنه ملعون، ويبعد أن يحمل كلام الشارع على ما شذ من قولهم: العسل أحلى من الخل. إلَّا أن يقال: إن المعنى ما يحصل من نعيم ثواب ركعتي الفجر في الدار الآخرة خير مما يتنعم به في الدنيا فترجع (3) المفاضلة إلى ذات النعيم الحاصل بين الدارين، [لا](4) إلى نفس ركعتي الفجر ومتاع الدنيا.
(1) في ن ب (فكأنه).
(2)
أخرجه الترمذي (2323)، وابن ماجه (4112)، والبغوي في شرح السنة (14/ 230)، وله شاهد من حديث جابر عند أبي نعيم في الحلية (3/ 157، 7/ 90)، وصححه الضياء، وأيضًا من حديث ابن مسعود عند البزار.
(3)
في الأصل (ورفع)، وما أثبت من ن ب.
(4)
في ن ب ساقطة.