الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
72/ 3/ 12 - عن أنس بن سيرين قال: "استقبلنا أنسًا حين قدم من الشام، فلقيناه بعين التمر، فرأينه يصلي على حمار، ووجهه من ذا الجانب -يعني عن يسار الكعبة- فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة؟ فقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله لم أفعله"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: كان ينبغي للمصنف رحمه الله أن يذكر هذا الحديث عقب الأول لأنه في معناه، ثم يذكر حديث التحويل بعدهما، فإنه أنسب.
ثانيها: أنس بن سيرين [والده](2) مولى أنس بن مالك رضي الله عنه، ولد أنس بن سيرين لسنة بقيت من خلافة عثمان، فيقال: إنه جيء به إلى مولاه أنس فسماه باسمه، وكناه أبا حمزة بكنيته، سمع أنسًا وابن عمر وغيرهما، مات سنة عشرين ومائة، قال ابن معين: أثبت ولد سيرين محمد يعني الإِمام المشهور، وأنس دونه ولا بأس
(1) رواه البخاري (1100)، ومسلم (702) في صلاة المسافرين، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة.
(2)
في الأصل (ولده)، والتصويب من ب.
به، ومعبد يعرف وينكر، ويحيى ضعيف [الحديث](1)[وكريمة](2) كذلك، وحفصة أثبت منها.
ثالثها: في ألفاظه: "الشام" تقدم [ذكرها](3) في الاستطابة.
و"عين التمر": موضع كانت به وقعة [زمن](4) عمر بن الخطاب في أول خلافته، استشهد بها جماعة من الصحابة.
و"الحمار": اسم للذكر من الحمر، والأنثى: أتان.
رابعها: وقع في رواية مسلم: "حين قدم الشام" بإسقاط لفظة "من".
قال القاضي: وقد قيل: إنه وهم وصوابه: "من الشام" كما هو في صحيح البخاري، وكذا قاله الشيخ تقي الدين (5) أيضًا، لأنهم خرجوا من البصرة للقائه حين قدم من الشام. وقال النووي: رواية مسلم صحيحة، ومعناه: تلقيناه في رجوعه حين قدم الشام، وإنما حذف ذكر رجوعه للعلم به.
خامسها: قوله: "رأيتك" إلى آخره، هذا السؤال لأنس بن مالك إنما هو عن عدم استقبال القبلة فقط، لا عن غير ذلك من هيئة ونحوها، فعلى هذا لا يؤخذ منه أنه عليه الصلاة والسلام صلى على الحمار، بل قد غلط الدارقطني وغيره [من
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في الأصل (وفهمه)، وما أثبت من ن ب.
(3)
ساقطة من الأصل.
(4)
في الأصل (رصى)، والتصويب من ب.
(5)
إحكام الأحكام (2/ 215).
نسبة] (1) ذلك إليه، وهو عمرو بن يحيى المازني قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار" وإنما المعروف في صلاته عليه الصلاة والسلام على راحلته أو على البعير، والصواب: أن ذكر الحمار في تنفل أنس كما حكاه [في](2) مسلم (3) بُعْد، وفي الموطأ (4) من حديث عمرو بن يحيى على "راحلته".
(1) في ن ب (نسب).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
مسلم (700) ذكر في هذا الحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، وذكر في الروايات بعدها على بعير وعلى راحلته.
(4)
الموطأ (1/ 150). قال النووي -رحمنا الله تعالى وإياه- في شرحه لمسلم (5/ 211): قال الدارقطني وغيره: هذا غلط من عمرو بن يحيى المازني، قالوا: وإنما المعروف في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته أو على البعير. والصواب: أن الصلاة على الحمار من فعل أنس، كما ذكره مسلم بعد هذا. ولهذا لم يذكر البخاري حديث عمرو، هذا كلام الدارقطني في الإِلزامات والتتبع (444). قال النووي: وفي الحكم بتغليط رواية عمرو نظر، لأنه ثقة، نقل شيئًا محتملًا فلعله كان الحمار مرة والبعير مرة ومرات، لكن قد يقال: إنه شاذ، فإنه مخالف لرواية الجمهور في البعير والراحلة، والشاذ مردود وهو المخالف للجماعة. وقد ذكر الإِمام الذهبي في الميزان هذا الحديث مما أنكر على عمرو بن يحيى.
قال ابن حجر -رحمه الله تعالى- في الفتح (2/ 576): وقد روى السراج من طريق يحيى بن سعيد، عن أنس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار، وهو ذاهب إلى خيبر، إسناده حسن، وله شاهد عند مسلم من طريق عمرو بن يحيى عن سعيد بن يسار، عن ابن عمر، ثم ذكر الحديث. وقال: فهذا يرجع الاحتمال الذي أشار إليه البخاري، لأنه =
سادسها: فيه الصلاة على الدابة إلى غير القبلة إذا كانت نافلة كما تقدم في حديث ابن عمر.
سابعها: فيه جواز النافلة في السفر على الحمار، ولم يبين في هذا الحديث كيفية الصلاة [على الحمار](1)، وقد وقع مفسرًا في الموطأ من فعل أنس فقال:"يركع ويسجد إيماءًا من غير أن يضع جبهته على شيء"(2). قال مالك: وتلك سنة الصلاة على الدابة.
ثامنها: قد يؤخذ منه طهارة الحمار، لأن ملامسته مع [التحري](3) منه متعذر، لا فيما إذا طال الزمان في ركوبه، فاحتمل العرق، وإن كان يحمل أن يكون على حائل بينه وبينه، وقد يؤخذ منه أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشرها بشيء منه تصح صلاته؛ لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها.
تاسعها: فيه الرجوع إلى أفعاله صلى الله عليه وسلم كأقواله والوقوف عندها، وهكذا كانت عادة الصحابة غالبًا يجيبوا باتباعه عليه الصلاة والسلام من غير إبداء [معنى، إذ أبدأ](4) المعنى عرضة
= قال: "باب صلاة التطوع على حمار".
أقول: وبالله التوفيق ومنه أستمد العون والتسديد: الذي في الموطأ (1/ 150) من رواية عمرو بن يحيى، وسيد بن يسار، عن ابن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو على حمار متوجه إلى خيبر.
(1)
في ن ب (عليه).
(2)
الموطأ (1/ 151).
(3)
في ب (التحرز).
(4)
ساقطة من ب.
للاعتراض، كما تقدم في قول عائشة حين [سألتها معاذة] (1):"كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"(2) فأجابتها بالنص دون المعنى.
عاشرها: فيه تلقى المسافر.
الحادي عشر: فيه سؤاله عن مستند عمله المخالف للعادة.
الثاني عشر: فيه أن التابع إذا رأى من متبوعه ما يجهله يسأله عنه.
الثالث عشر: فيه الجواب عن السؤال بالدليل، و [نص](3) الصحابي وقوله حجة [فيما يخالف](4).
الرابع عشر: فيه التلطف في إنكار ما خفي على المنكر حتى أخرى في مخرج الخبر المحض.
الخامس عشر: قوله: "من ذا الجانب" فيه العمل بالإِشارة، وكأنه والله أعلم متفق عليه في مسائل شتى منها: طلاق الأخرس، وبيعه، وشراؤه، وغير ذلك. وكذا غيره إذا قال: أنت طالق، وأشار بأصبعين أو ثلاثة كما هو مبسوط في الفروع.
وبالله التوفيق.
(1) في الأصل (سألها معاذ).
(2)
البخاري (321) سبق تخريجه.
(3)
في ب (فعل).
(4)
كذا في الأصل وفي ب (لمن يخالف)، ولعل الصواب (ما لم يخالف)، والله أعلم بالصواب.