المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 41/ 3/ 7 - عن جابر بن عبد الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌6 - باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌7 - باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌8 - باب الحيض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌9 - باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس والسادس

- ‌الحديث السابع

- ‌11 - باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌12 - باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌13 - باب الصفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌14 - باب الإِمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 41/ 3/ 7 - عن جابر بن عبد الله

‌الحديث الثالث

41/ 3/ 7 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسًا، لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبيُّ يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس [عامة] (1) ".

الكلام عليه من وجوه:

أحدها: في التعريف براويه وقد تقدم في الباب قبله.

ثانيها: في [ألفاظه](2) فيه مواضع.

الأول: "النصر"، قال ابن فارس (3): العون، وانتصر الإِنسان انتقم، والنصر: الإِتيان، يقال: نصرت [أرض](4) بني فلان أي أتيتها.

(1) في ن ب زيادة (واو).

(2)

البخاري (335، 438، 3122)، ومسلم برقم (521)، والنسائي (1/ 210، 211)، والدرامي (1/ 322).

(3)

مجمل اللغة (2/ 870).

(4)

في ن ب ساقطة.

ص: 153

والنصر: المطر، يقال: نصرت الأرض أي مطرت.

والنصر: العطاء وهو مصدر والاسم، النصرة.

الثاني: "الرعب" الخوف والوجل، لتوقع نزول محذور، وقرأ ابن عامر والكسائي بضم [العين](1)، والباقون بسكونها.

ويقال: رعبته فهو مرعوب إذا أفزعته ولا يقال أرعبته. نعم حكاه الليلي عن ابن طلحة.

الثالث: "الشفاعة" الدعاء. قاله المبرد وثعلب، كما حكاه عنهما الأزهري، وهي كلام الشفيع للمالك في حاجة يسألها لغيره،

وفي "جامع القزاز": الشفاعة الطلب من فعل الشفيع.

وهذا الرعب والله أعلم هو الذي ألقاه الله في قلوب الكفار في قوله تعالى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (2) وقوله: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} (3).

الرابع: "المسجد" بفتح الجيم وكسرها، كما تقدم في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد.

الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام "وطهورًا" اعلم أن فعولًا قد تكون للمبالغة، وهو أن يدل على زيادة في معنى فاعل مع مساواته له في التعدي كضرب، أو للزوم كصبور، وقد تكون اسمًا

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

سورة الأنفال: آية 12.

(3)

سورة الحشر: آية 2.

ص: 154

لما يفعل به الشيء كالسنون وهو ما يسنن به، وكالبرود وهو ما تبرد به العين. قاله ابن مالك كما نقله عنه النووي إملاءًا، وقد يكون أيضًا مصدرًا كما نقله الراغب (1) عن سيبويه: و "طهور" في هذا الحديث، يجوز أن تكون من القسم الأول، وأن تكون من الثاني.

قال القاضي عياض: [استدل](2) الشافعية والمالكية على الحنفية بهذا الحديث في أن المراد بالطهور في قوله تعالى: {مَاءً

طَهُورًا (48)} (3) أي مطهرًا [فإنه](4) متعد خلافًا لهم، فإنهم قالوا: إنه طاهر في نفسه، قاصر غير متعد.

قال الشيخ تقي الدين: ووجه الاستدلال [منه](5) أنه عليه الصلاة والسلام ذكر خصوصية لكونها طهورًا أي مطهرة [ولو](6) كان "الطهور" هو الطاهر لم تثبت الخصوصية، فإن طهارة الأرض عامة في [حق](7) كل الأمم.

(8)

السادس: قوله: "فأي ما"، "أي": اسم مبتدأ فيه معنى الشرط.

(1) مفردات القرآن (308).

(2)

في ن ب (استدلت).

(3)

سورة الفرقان: آية 48.

(4)

في ن ب (وإنه).

(5)

زيادة من ن ب.

(6)

في ن ب (فلو).

(7)

زيادة من ن ب.

(8)

في ن ب زيادة (واو).

ص: 155

"وما": زائدة لتوكيد معنى الشرط، والجملة التي هي "أدركته الصلاة" في موضع خفض صفة للرجل و"الفاء" في "فليصل" جواب الشرط، تقديره والله أعلم سيما نقصّ عليكم، أو سيما فرض عليكم، أيما رجل. الحديث وهو من باب قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} (1){الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} (2). وأشباه ذلك على مذهب سيبويه، فإنه قدره: فيما يتلى عليكم، أو فيما فرض عليكم. وقيل: الخبر ما بعده، كما تقول زيد [فاضرب] (3) وكأن الفاء زائدة وعلى هذا يكون "فليصل" الخبر لكن فيه بعد كما قال الفاكهي: من حيث [إنما](4) شرط صريح تقتضي الجواب، ولا جواب له هنا إلَّا الفاء بخلاف الاثنين، فإنهما صريحين في الشرط فيتعين الوجه الأول وهو حذف الخبر.

الوجه الثالث: في فوائده:

[الأولى](5): في هذا الحديث: "أعطيتُ خَمْسًا" وكون الأرض مسجدًا وطهورًا، خصلة واحدة وإلا كانت سادسة، وفي حديث أبي هريرة في مسلم (6):"فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، وختم بي النبيون" الحديث. وعنده أيضًا من حديث،

(1) سورة المائدة: آية 38.

(2)

سورة النور: آية 2.

(3)

في ن ب (فأضربه).

(4)

في ن ب (أن أي).

(5)

في الأصل (الأول)، وما أثبت من ن ب.

(6)

مسلم (523).

ص: 156

(1)

حذيفة (2): "فضلنا على الناس بثلاث. جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وتربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء" فاعلم أن ذكر الخمس والست والثلاث لا يظن أنه تعارض، وإنما هذا من توهم أَنَّ ذكر الأعداد يدل على الحصر وأنها دليل خطاب، وكل ذلك باطل كما قاله القرطبي، فإن القائل: عندي خمسة دنانير، مثلًا لا يدل [على](3) هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها، ويجوز له أن يقول مرة أُخرى: عندي عشرون وأُخرى ثلاثون، فإن من عنده الأكثر يصدق عليه أن عنده الأقل، فلا تعارض، ويجوز أن يكون الرب -سبحانه- أعلمه بثلاث، ثم بخمس، ثم بست.

الثانية: قال الداودي: في قوله: "لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي" يعني لم يجمع لأحد قبله [هذه](4) الخمس لأن نوحًا صلى الله عليه وسلم بعث إلى كافة الناس، وأما [الأربع](5) فلم يعط واحدة منهن قبله أحدًا، وأما كونها مسجدًا فلم يأت أن غيره منع منها، وقد كان عيسى عليه السلام يسيح في الأرض، ويصلي حيث أدركته الصلاة.

وقال القاضي عياض (6): من كان قبله من الأنبياء إنما أُبيح لهم

(1) في الأصل زيادة (أبي)، والتصحيح من مسلم ون ب.

(2)

مسلم (522).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

في ن ب (هذا).

(5)

في ن ب مكررة.

(6)

ذكره في مكمل إكمال إكمال المعلم (2/ 226).

ص: 157

الصلوات في مواضع مخصوصة: كالبيع والكنائس.

وقيل: في موضع يتيقنون طهارته، وخصت هذه الأمة بجواز الصلاة في جميع الأرض، إلَّا في المواضع المستثناة بالشرع أو في

موضع تيقنت نجاسته.

وزعم بعضهم: أن نوحًا عليه الصلاة والسلام بعد خروجه من السفينة كان مبعوثًا إلى كل من في الأرض [لأنه](1) لم يبق إلَّا من كان مؤمنًا وقد كان مرسلًا إليهم.

ويجاب: بأن هذا العموم الذي في رسالته لم يكن في أصل البعثة، وإنما وقع لأجل الحادث [الذي حدث](2) وهو انحصار الخلق في الموحدين، ونبينا صلى الله عليه وسلم عموم رسالته في أصل البعثة. وزعم ابن الجوزي: أنه كان في الزمان الأول إذا بعث نبي إلى قوم (3) بعث غيره إلى آخرين، وكان يجتمع في الزمن الواحد جماعة من الرسل، فأما نبينا (4) صلى الله عليه وسلم فإنه انفرد بالبعثة فصار نذيرًا للكل.

الثالثة: الخصوصية التي يقتضيها لفظ الحديث، أعني: الرعب مسيرة شهر. متقيدة بالقدر المذكور من الزمان، ويفهم منه أمران:

الأول: أنه لا ينفي وجود الرعب من غيره في أقل من هذه المسافة.

(1) في ن ب (إلَّا أنه).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

في ن ب زيادة (واو).

(4)

في ن ب زيادة (محمد).

ص: 158

الثاني: أنه لم يوجد لغيره في أكثر منها ولا في مثلها، فإنه مذكور في سياق الفضائل والخصائص، ومناسبته أن يذكر الغاية فيه، وأيضًا فإنه لو وجد أكثر من هذه المسافة لا تبقى الخصوصية فيه، والظاهر أن ذلك مختص به في نفسه، حتى لو لم يكن في معسكر يوم أرسلهم مثلًا لم يسبقهم الرعب إلى قلوب أعدائهم، ويحتمل أن ذلك له ولأمته على الإِطلاق، إذ ورد في مسند أحمد:"والرعب يسعى بين بدر أمتي شهرًا"(1) ورُوِّينا من حديث السائب بن أخت نمر: "فضلت على الأنبياء بخمس: فذكر منها: ونصرت بالرعب شهرًا أمامي وشهرًا خلفي"(2).

وفي مسند عبد بن حميد من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ومقسم [عن](3) ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسًا ولا أقول فخرًا: بعثت إلى الأسود والأحمر، ونصرت بالرعب، فهو يسير أمامي مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة، فأدخرتها لأمتي إلى يوم القيامة، وهي [أيضًا] (4) نائلة لمن لا يشرك بالله [شيئًا] (5) " وذكر باقي الحديث (6).

(1) مسند أحمد (5/ 393) عن حذيفة.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (7/ 184)، ومجمع الزوائد (8/ 259)، وقال: وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

في ن ب زيادة (إن شاء الله).

(5)

في ن ب ساقطة.

(6)

منتخب عبد بن حميد (1/ 551).

ص: 159

الرابعة: [الذي](1) ينبغي حمل المسجد عليه في هذا الحديث موضع السجود في أي مكان كان، وهو الموضوع اللغوي دون الاصطلاحي.

قال الشيخ تقي الدين (2): ويجوز أن يجعل مجازا. عن المكان المبني للصلاة، لأنه لما جازت الصلاة في جميعها. كانت كالمسجد في ذلك، فأطلق اسمه عليها من مجاز التشبيه. والذي يقرب هذا التأويل أن الظاهر أنه إنما أريد أنها موضع [الصلاة](3) بجملتها، لا السجود فقط منها. لأنه لم ينقل أن الأمم الماضية كانت تخص السجود وحده بموضع دون موضع.

قال غيره: ويحتمل أن يكون من باب تسمية البعض بالكل [من حيث كان موضع دون موضع:

قال غيره: ويحتمل أن يكون من باب تسمية البعض بالكل] (4) من حيث كان موضع السجود بعضًا للمسجد العرفي.

الخامسة: استدل بهذا الحديث على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض كما سلف في الحديث الأول، ويمكن أن يجاب عنه كما [قاله](5) الشيخ تقي الدين في الحديث قرينة زائدة على مجرد تعلق

(1) في الأصل (التي)، وما أثبت من ن ب.

(2)

إحكام الأحكام (1/ 450).

(3)

زيادة من ن ب. وفي إحكام الأحكام (مواضع للصلاة).

(4)

هذا السطر مكرر في الأصل.

(5)

في ن ب (قال).

ص: 160

الحكم بالتربة، وهي الاقتران [في اللفظ](1) بين جعلها مسجدًا وجعل تربتها طهورًا على ما في ذلك الحديث، وهذا الاقتران في هذا السياق قد يدل على الاقتران في الحكم [أو لا](2)، لعطف أحدهما على الآخر نسقا كما في الحديث الذي ذكره المصنف.

ومن اشترط التراب استدل بما في الحديث الآخر: "وجعلت تربتها [لنا] (3) طهورًا" كما أسلفته في الحديث الأول من الباب، وهو خاص فينبغي أن يحمل العام عليه كما يحمل المطلق على المقيد واعترض على ذلك بوجوه.

منها: منع كون التربة مرادفة للتراب وادعى أن التربة اسم لما كان [في المكان](4) من تراب أو غيره مما يقاربه.

ومنها: أنه مفهوم لقب أعني الاحتجاج بالتربة ومفهوم اللقب (5) ضعيف لم يقل به إلَّا الدقاق (6)، ويمكن أن يجاب عن هذا

(1) في ن ب (باللفظ).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

في ن ب (وإلَاّ).

(4)

زيادة من ن ب.

(5)

مفهوم اللقب: هو تعليق الحكم على مجرد أسماء الذوات نحو: "في الغنم الزكاة".

(6)

هو أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر بن الدقاق، له مؤلفات مفيدة في أصول الفقه، ولد عام (306 هـ) وتوفي عام (392 هـ)، وقد نسب الفتوحي في كتابه "شرح الكوكب المنير"(3/ 509)، القول بمفهوم اللقب: إلى الإِمام أحمد، ومالك، وداود، وابن فورك وابن القصار وغيرهم. انظر: البحر المحيط (4/ 24)، والبرهان لإِمام الحرمين (1/ 453).

ص: 161

بما أسلفناه أولًا واضحًا.

ومنها: أن حديث التربة لو سلم أن مفهومه معمول به لكان الحديث الآخر يدل على طهورية بقية [أجزاء](1) الأرض أعني قوله: "مسجدًا وطهورًا"[بمنطوقه](2)[ودلالة](3) المنطوق أقوى من دلالة المفهوم، وقد قالوا: إن المفهوم مخصص للعموم فيمتنع هذه الأولوية إذا سلم المفهوم ها هنا، وقد أشار بعضهم إلى خلاف هذه القاعدة، أعني: تخصيص [المفهوم](4) للعموم.

السادسة: أخذ بعض المالكية من هذا الحديث أن لفظة: "طهور" تستعمل لا بالنسبة إلى الحدث، ولا الخبث. وقال: إن "الصعيد" قد سمي طهورًا وليس بحدث، ولا خبث. لأن التيمم لا يرفع الحدث، وجعل ذلك جوابًا عن استدلال أصحابنا على نجاسة الكلب بقوله عليه الصلاة والسلام:"طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعًا" حيث قالوا: "طهور" يستعمل إما عن الحدث أو عن الخبث، ولا حدث على الإِناء. فتعين الخبث فمنع هذا الحصر، وقال: لفظة "طهور" تستعمل في إباحة الاستعمال، كما في التراب. إذ لا يرفع الحدث كما قلناه، فيكون قوله عليه الصلاة والسلام:"طهور إناء أحدكم" مستعملًا في إباحة استعماله، أعني الإِناء، كما في التيمم، وأجاب الشيخ

(1) مكررة في الأصل.

(2)

في ن ب (المنطوقة).

(3)

في الأصل (ولا)، وما أثبت من ن ب.

(4)

في ن ب (العموم).

ص: 162

تقي الدين (1) عن هذا، فقال: عندي فيه نظر، فإن التيمم -وإن كان لا يرفع الحدث- لكنه سبب عن الحدث، أي الموجب لفعله الحدث، وفرق بين قولنا:"أنه عن حديث" وبين قولنا: "إنه يرفع الحدث" وأيد بعض فضلاء المالكية الاعتراض المذكور بقول الشاعر:

*عِذَابُ الثنايا ريقهن طهور*

إذ لا حدث هنا أيضًا ولا خبث فلا حصر إذًا.

قلت: لا حجة في هذا على ما ذكره، فإنه وصفه بأعلى الصفات، وهي التطهير لأن قصد تفضيلهن على سائر النساء [فوصف](2) ريقهن بأنه مطهر [يتطهر](3) به لكمالهن، وطبب ريقهن، وامتيازه على غيره.

السابعة: قوله - عليه [الصلاة](4) والسلام -: "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" يستدل به أيضًا على عموم التيمم

بأجزاء الأرض، لأن صيغته صيغة عموم، فيدخل تحته من لم يجد ترابًا ووجد غيره من أجزاء الأرض، ومن خص التيمم بالتراب يحتاج إلى أن يقيم دليلًا يخص به هذا العموم، أو يقول: دل الحديث على أنه يصلي، وأنا أقول بذلك، فمن لم يجد ماءًا ولا ترابًا صلّى على

(1) إحكام الأحكام (1/ 456).

(2)

في ن ب (بوصف).

(3)

في الأصل (مطهر)، وما أثبت من ن ب.

(4)

أثبت من ب.

ص: 163

حسب حاله، فأقول بموجب الحديث إلَّا أنه قد جاء في رواية أخرى "فعنده طهوره ومسجده" والحديث إذا جمعت طرقه فسر بعضه بعضها.

وقال ابن المنذر: ثبت أن عليه الصلاة والسلام[أنه](1) قال: "جعلت لي كل أرض طيبة مسجدًا أو طهورًا"(2)[حكاه الخطابي](3).

الثامنة: هذا العموم مخصوص بما استثنى من [هذه](4) المواضع التي تحرم الصلاة فيها: كالأماكن المغصوبة ونحوها أو يكره كالحمام ونحوه مما هو مبسوط في الفروع، وتقدمت أيضًا الإِشارة إلى هذا التخصيص.

التاسعة: قد يؤخذ من قوله: "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل" أنه لا يجوز التيمم إلَّا بعد دخول الوقت، كما هو مذهب الجمهور (5) وأنه يضعف قول من يقول: إن التيمم يرفع

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

المنتقي لابن الجارود برقم (124)، وكذا رواه أحمد في مسنده عن أنس، والضياء في المختارة، وابن المنذر ورجاله رجال الصحيح.

(3)

زيادة من ن ب.

(4)

زيادة من ن ب.

(5)

قال شيخ الإِسلام - رحمنا الله تعالى وإياه - في الفتاوي (21/ 353)، بعد أن ذكر الخلاف في التيمم قبل دخول الوقت، قال:"ولنا أنه قد ثبت بالكتاب والسنة أن التراب طهور، كما أن الماء طهور". وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين، =

ص: 164

الحدث (1).

العاشرة: "الغنائم" جمع غنيمة وهو [المغنم](2) بمعنىً واحد،

= فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك، فإن ذلك خير" فجعله مطهرًا عند عدم الماء مطلقًا، فدل على أنه مطهر للتيمم، وإذا كان قد جعل المتيمم متطهرًا كما أن المتوضئ متطهرًا، ولم يقيد ذلك بوقت، ولم يقل: إن خروج الوقت يبطله. كما ذكر أنه يبطله القدرة على استعمال الماء، دل ذلك على أنه بمنزلة الماء عند عدم الماء، وهو موجب الأصول. وفي (21/ 360) وإذا دلت السنة الصحيحة على جواز أحد الطهورين قبل الوقت، فكذلك الآخر كلاهما تطهير فعل ما أمر الله به" .. إلخ كلامه.

(1)

قال شيخ الإِسلام - رحمنا الله تعالى وإياه - في الفتاوي (21/ 355، فإن قيل: الوضوء يرفع الحدث والتيمم لا يرفعه؟ قل: عن هذا جوابان: أحدهما: أنه سواء كان يرفع الحدث أو لا يرفعه، فإن الشارع جعله طهورًا عند عدم الماء يقوم مقامه، فالواجب أن يثبت له من أحكام الطهارة ما ثبت للماء، ما لم يقم دليل شرعي على خلاف ذلك.

الوجه الثاني: أن يقال: قول القائل يرفع الحدث، أو لا يرفعه ليس تحته نزاع عملي، وإنما هو نزاع اعتباري لفظي، وذلك أن الذين قالوا: لا يرفع الحدث، قالوا: لو رفعه لم يعد إذا قدر على استعمال الماء. وقد ثبت بالنص والإِجماع أنه يبطل بالقدرة على استعمال الماء. والذين قالوا: يرفع الحدث، إنما قالوا: يرفعه رفعًا مؤقتًا إلى حين القدرة على استعمال الماء. فلم يتنازعوا في حكم عملي شرعي. ولكن تنازعهم ينزع إلى قاعدة أصولية تتعلق بمسألة تخصيص العلة، وأنه المناسبة هل تتحرم بالمعارضة، وأن المانع المعارض للمقتضي هل يرفعه أم لا يرفعه اقتضاؤه ومع بقاء ذاته.

(2)

في ن ب (الغنم).

ص: 165

يقال: منه غنم [القوم غنمًا](1) بالضم لا غير، وهي ما يؤخذ من الكفار بإيجاف (2) خيل وركاب قال العلماء: كان الأمم قبلنا على ضربين منهم من لا يحل لأنبيائهم جهاد الكفار فلا غنائم لهم.

ومنهم: من أحله [لهم](3) إلَّا أنهم إذا غنموا مالًا جاءت نار فأحرقته، فلا يحل لهم أن يتملكوا منها شيئًا. وأباح الله -تعالى-

لهذه الأمة الغنائم وطيبها لها.

قال الشيخ تقي الدين (4): ويحتمل أن يراد بحلها له أن يتصرف فيها كيف شاء، ويقسمها كما أراد في قوله -تعالى-:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (5).

ويحتمل أن يراد لم يحل شيء منها لغيره صلى الله عليه وسلم وأمته، وفي بعض الأحاديث ما يشعر ظاهره بذلك.

ويحتمل أن يراد بالغنانم [بعض الغنائم](6) وفي بعض الأحاديث: "وأحل لنا الخمس" رواه ابن حبان (7).

قلت: قد يجاب عن هذا بأن الخمس خص منها لشرفه.

(1) زيادة من ن ب.

(2)

في ن ب زيادة (واو).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

إحكام الأحكام (1/ 457).

(5)

سورة الأنفال: آية 1.

(6)

زيادة من ن ب.

(7)

ابن حبان عن عوف بن مالك (8/ 104).

ص: 166

الحادية عشرة: قوله - عليه الصلاة السلام -: " [وأعطيت] (1) الشفاعة" الألف واللام قد ترد للعهد كما في قوله -تعالى-:

{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} (2).

وترد للعموم كما في قوله عليه الصلاة والسلام: " [المسلمون] (3) تتكافأ دماؤهم"(4).

وترد لتعريف الحقيقة كقولهم. الرجل خير من المرأة. إذا ثبت [هذا](5).

فقال الشيخ تقي الدين (6): الأقرب أنها هنا للعهد، وهو ما بينه عليه الصلاة والسلام من شفاعته العظمى المختصة به،

وهي الشفاعة في إراحة الناس من طول القيام بتعجيل حسابهم، كما جاء مبينًا في الصحيح، ولا خلاف في هذه، ولا تنكرها

المعتزله.

قال القاضي عياض (7): وقيل: المراد بالشفاعة شفاعة لا ترد.

(1) في ن ب (فأعطيت).

(2)

سورة المزمل: آية 16.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

صحيح أخرجه أحمد (2/ 191، 192، 211)، وأبو داود (2751، 4531)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. انظر: الإِرواء (7/ 265).

(5)

في ن ب زيادة (واو).

(6)

إحكام الأحكام (1/ 459).

(7)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (2/ 226).

ص: 167

قال: وقد تكون شفاعته المذكورة في الحديث بخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار، لأن الشفاعة لغيره إنما جاءت قبل هذا، وهذه مختصة به كشفاعة المحشر.

قلت: وقد ذكرت له صلى الله عليه وسلم ست شفاعات أخر في كتابنا: "غاية السول في خصائص الرسول"(1). فراجعها منه، فإنها من المهمات، فإن أكثر الناس لم يذكر له إلَّا خمسًا، ولا تنكر المعتزلة أيضًا الشفاعة بعد دخول الجنة في رفع الدرجات، فإنه كان صلى الله عليه وسلم قد تقدم منه إعلام الصحابة بالشفاعة العظمى المختصة به، فلتكن الألف واللام للعهد، وإن كان لم يتقدم ذلك على هذا الحديث فليكن لتعريف الحقيقة وتتنزل على تلك الشفاعات، لأنه كالمطلق حينئذ فيكفي تنزيله على فرد.

قال الشيخ تقي الدين: وليس لك أن تقول: لا حاجة إلى هذا التكلف، فإنه ليس في الحديث إلَّا إعطاء الشفاعة، فكل هذه الأقسام المذكورة قد أعطيها فليحمل اللفظ على العموم لأنا نقول: هذه الخصلة مذكورة في الخمس التي اختص بها، فلفظها وإن كان مطلقًا إلَّا أن ما سبق في صدر الكلام يدل على الخصوصية.

فائدة: كيفية شفاعته صلى الله عليه وسلم أنه يشفع أولًا في إراحة الخلق من الموقف والفصل بين العباد، وهذا هو المقام المحمود، الذي ادخره الله -تعالى- له وأعلمه أنه يبعثه فيه ثم بعد ذلك حلت الشفاعة في أمته صلى الله عليه وسلم وفي المذنبين، وحلت شفاعة الأنبياء والملائكة وغيرهم

(1) انظر: لوحة (51/ ب)(52/ أ)، ومخطوطته موجودة.

ص: 168

- صلوات الله وسلامه عليهم - ثم تميز المؤمنين من المنافقين، ثم حلول الشفاعة ووضع الصراط، وهذه شفاعة في المؤمنين المذنبين على الصراط، وهي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولغيره، ثم الشفاعة فيمن دخل النار، وهذا ما تقتضيه مجموع الأحاديث.

تنيه: قال بعض الناس: يكره أن يسأل الله إن يرزقه [شفاعته](1) صلى الله عليه وسلم[لأنها لا تكون](2) إلا للمذنبين وهذا لا يلتفت إليه قال القاضي عياض: قد عرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح شفاعته ورغبتهم فيها، ولا يلزم أن تكون شفاعته للمذنبين، فإنها قد تكون للتخفيف من الحساب وزيادة الدرجات، بل كل [عامل](3) معترف بالتقصير، محتاج إلى العفو، غير معتد بعمله، مشفق من أن يكون من الهالكين، ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة والرحمة لأنها لأصحاب الذنوب، وهذا كله خلاف ما عرف من [حال الخلف والسلف](4).

الثانية عشرة: قوله عليه الصلاة والسلام: "وبعثت إلى الناس عامة" قيل: لفظ الناس لا يندرج فيها الجن، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم أرسل للثقلين، ولعله من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه إذا أرسل إلى الإِنس [فأحرى](5) إلى الجن، لأن الإِنس أشرف،

(1) في ن ب (لشفاعته).

(2)

في ن ب (لكونها).

(3)

في ن ب (عاقل).

(4)

في ن ب (حالة السلف والخلف).

(5)

في ن ب (فأجرى).

ص: 169

فذكر ذلك صلى الله عليه وسلم في معرض إمتنان الله -تعالى-[عليه](1) ولا يبقى زيادة الامتنان ببعثته إلى غيرهم. وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "وبعثت إلى كل أحمر وأسود"(2) وفي الأحمر والأسود ثلاثة أقوال:

أحدها: أن المراد بالأحمر البيض من العجم وغيرهم، وبالأسود العرب لغلبة السمرة فيهم، وغيرهم من السودان.

ثانيها: أن المراد بالأسود السودان، وبالأحمر من عداهم من العرب وغيرهم.

ثالثها: أن الأحمر الانس، والأسود الجن.

الثالثة عشرة: المراد بالقوم هنا الرجال والنساء وإن كان أصل القوم [جماعة](3) الرجال دون النساء، كما أسلفناه في الحديث الأول من هذا الباب.

الرابعة عشرة: في الحديث (4) جواز ذكر ما امتن الله به على [عبده](5) وخصه به وعدم كتمانه. قال -تعالى-: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} (6).

(1) في ن ب (غيره).

(2)

مسلم (521).

(3)

في ن ب (لجماعة).

(4)

في الأصل (ذكر).

(5)

في ن ب (عباده).

(6)

سورة الضحى: آية 11.

ص: 170

الخامسة عشرة: فيه أيضًا دلالة على أن الأصل في الأرض الطهارة.

السادسة عشرة: فيه أيضًا جواز ذكر العلم من غير سؤال خصوصًا عند الاحتياج إليه، والتعريف [بنعم](1) الله -تعالى- وعدم الجهل.

السابعة عشرة: قد يستدل به على أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وأنه فضّل بأشياء على غيره منهم، وذلك دليل على أفضليته، ولا شك أنه يعرف فضل المتبوع بفضل التابعين أيضًا، فكما أنه عليه الصلاة والسلام أفضل الأنبياء، كذلك أُمته خير الأمم، وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال:"أهل الجنة عشرون ومائة صف، أنتم ثمانون"(2).

خاتمة: متعلقة بما سلف، قال ابن عقيل: خصيصة النبي صلى الله عليه وسلم حاصلة من جهة خصت عن كثير من العلماء، وذلك أن شريعته جاءت ناسخة لكل شريعة قبلها، فلم يبق دين من الأديان التي جاءت به الأنبياء - صلوات الله عليهم - إلَّا أمر بتركها ودُعِي إلى شريعته، ومعنى قوله:"كل نبي بعث إلى قومه" أنه كان يجتمع في العصر الواحد نبيان، يدعوان كل (3) منهما إلى شريعة تخصه ولا يدعو الأمة

(1) في ن ب (بنعمة).

(2)

ابن حبان (9/ 275)، والمستدرك (1/ 82)، وقال: على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(3)

في ن ب زيادة (واحد).

ص: 171

التي بعث فيها غيره إلى شريعته، ولا ينصرف عنه، ولا ينسخ ما جاء به الآخر، فهذه خصيصة له لم تكن لأحد قبله حتى أن نوحًا صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه كان معه نبي فدعا إلى ملته يعني ملة ذلك النبي، ولا نسخها، يوضح هذا قوله عليه الصلاة والسلام:"لو أدركني موسى لما وسعه إلَّا اتباعي"(1) فهذه الخصيصة التي امتاز بها عن جميع الأنبياء.

قلت: وخص صلى الله عليه وسلم بهذه الخمسة وبغيرها من: جوامع الكلم، وهو القرآن، وكلامه [عليه السلام](2) فإن كلًّا منهما ألفاظه يسيرة ومعانيه كثيرة، وخص أيضًا بمفاتيح خزائن الأرض، والآيات من خواتيم سورة البقرة، وله أيضًا خصائص كثيرة لا تحصى، ومآثر أكثر من أن يحاط بها فتستقصى، وقد جمعنا [ها هنا] (3) ما وصل علمنا إليه في كتابنا المسمى: بـ "غاية السول في خصائص الرسول" وفي الذهن أنه أجمع ما صنف فيه [والحمد لله](4) على ذلك وأمثاله.

(1) مسند أحمد (3/ 338، 387)، ودلائل النبوة لأبي نعيم (5/ 11)، وتفسير ابن كثير (4/ 296)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (5/ 162)، والبداية لابن كثير (2/ 133)، وسنن الدارمي (1/ 115)، والسنة لابن أبي عاصم (50).

(2)

في ن ب (أفضل الصلاة والسلام).

(3)

في ن ب (منها).

(4)

في ن ب (فالحمد لله).

ص: 172

فائدة: هذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع جابر، عوف بن مالك الأشجعي، وأبو هريرة، وعلي وأبو سعيد الخدري، وأبو ذر الغفاري، وأبو موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان، [وابن عمرو](1) وأبو أسامة والسائب بن يزيد كما أفاد ذلك ابن منده في مستخرجه.

(1) في ن ب (وابن عمر).

ص: 173