الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني عشر
58/ 12/ 9 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله، ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها. قال: فقمنا إلى بطحان، فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها، فصلى العصر بعدما غربت الشمس. ثم صلى المغرب بعدها"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف براويه وقد سبق في آخر الجنابة وعمر رضي الله عنه تقدم في أول الكتاب.
ثانيها: يوم الخندق تقدم بيانه في الحديث الخامس.
ثالثها: فيه دليل جواز سبّ المشركين للتقرير عليه، والمراد به: ما ليس بفحش إذ هو اللائق [هنا](2) بمنصب عمر رضي الله عنه.
(1) أخرجه البخاري (596، 598، 641، 945، 4117)، ومسلم (631)، والنسائي (3/ 84، 85)، والترمذي (180).
(2)
في ن ب ساقطة.
رابعها: مقتضاه أن عمر صلى العصر قبل الغروب [لأن النفي](1) إذا دخل علي "كاد" اقتضى وقوع الفعل في الأكثر كما في
قوله تعالى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)} (2) نبه عليه الشيخ تقي الدين (3).
قال القرافي: والمشهور في "كاد" أنها إذا كانت في سياق النفي أوجبت، وإن كانت في سياق الإِيجاب نفت. وقيل: النفي
نفي، والإِيجاب إيجاب، انتهى.
وكلاهما وقع في كلام عمر رضي الله عنه.
فالأول: قوله: "ما كدت أصلي العصر".
والثاني: "حتى كادت الشمس تغرب".
وقال غيرهما: اختلف في "كاد" إذا دخل عليها حرف النفي كما في هذا الحديث هل يكون نفيها نفيًا كسائر الأفعال أو يكون نفيها إيجابًا أو التفرقة بين كون الفعل ماضيًا ويكون للإثبات أو مضارعًا فيكون كسائر الأفعال، وتوجيه ذلك وتحريره في كتب النحو فيخرّج قول عمر "ما كدت أصليها" على هذا الخلاف.
فإن قلنا: إن نفيها إيجاب، فيكون صلى العصر قبل المغرب وإلَّا فبعدها.
(1) في ن ب (لا النفي).
(2)
سورة البقرة: الآية 60.
(3)
إحكام الأحكام مع الحاشية (2/ 96).
خامسها: ورد في رواية أخرى في مسلم "حتى كادت الشمس أن تغرب" بإثبات "أن" فاستدل به على إثبات "أن" في خبر "كاد" والكثير حذفها [كما](1) في رواية الكتاب (2).
سادسها: فيه جواز الحلف من غير استحلاف إذا ترتب على ذلك مصلحة دينية وهو كثير في القرآن [وقد](3) قيل: إنه- عليه السلام إنما حلف تطيبًا لقلب - عمر رضي الله عنه لأنه [لما](4) شق عليه تأخيرها أخبره عليه الصلاة والسلام بأنه لم يصلها هو أيضًا، ليتأسى ويتسلى به عليه الصلاة والسلام[ثم](5) إنه أكد ذلك [باليمين](6) ليكون أبلغ في هذا المعنى.
وقيل: [في](7) قسمه صلى الله عليه وسلم إشفاق منه في تركها، وتحقيق هذا أن القسم تأكيد للمقسم عليه، وفي هذا القسم إشعار ببعد وقوع هذا المقسم عليه حتى كأنه لا يعتقد وقوعه، فأقسم على وقوعه، وذلك يقتضي تعظيم هذا الترك وهو مقتضى الإِشفاق منه أو ما يقارب هذا المعنى، ففيه الاعتناء بأمر الصلاة وشدة المحافظة عليها.
وقيل: يحتمل أنه تركها نسيانًا لاشتغاله بالقتال، فلما قال له
(1) زيادة من ن ب.
(2)
انظر: شرح ابن عقيل، لألفية ابن مالك (1/ 304).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
زيادة من ن ب.
(5)
زيادة من ن ب.
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
زيادة من ن ب.
عمر ذلك تذكر فقال: "والله ما صليتها" والنسيان عذر واضح شرعي في تأخير الصلاة، ويكون في هذا النسيان فائدة يقتضي بيان حكم شرعي، كما ورد في ذلك الحديث المنقطع في الموطأ (1)"إني لأَنسى أو أُنسَّي لأسُنَّ" كما وقع بنومه عليه الصلاة والسلام في حديث الوادي بيان حكم من نام عن الصلاة بالفعل حتى يتظافر [على](2) ذلك بالدليل الفعلي والقولي.
سابعها: "بَطحَان" -بضم الباء الموحدة وإسكان الطاء وبالحاء المهملتين-.
قال صاحب المطالع: كذا يرويه المحدثون أجمعون.
وحكى أهل اللغة: فيه "بطحان" بفتح أوله وكسر الطاء وهو واد بالمدينة.
(1) قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الموطأ (1/ 100): لا أعلم هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندًا ولا مقطوعًا. من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديت الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسنده ولا مرسلة، ومعناه صحيح في الأصول.
تنبيه: وصل هذه الأحاديث ابن الصلاح رحمه الله. وقد قال ابن حجر رحمه الله إنه لا أصل له قال الزرقاني رحمه الله بعد هذا الكلام: فمعناه يحتج به، لأن البلاغ من أقام الضعيف، وليس معناه أنه موضوع إذ ليس البلاغ من أقسام الموضوع عند أهل الفن لا سيما مالك
…
إلخ، وقد ضبطت: "إني لأَنْسَى أو أُنسَّى لأَسُنَّ، وروى: إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن)، أي: بلا النافية عوض عن لام التأكيد، وروى: لست أنسى ولكن أنسى لأسن.
(2)
في ن ب ساقطة.
قال البكري: هو على وزن فَعِلَان لا يجوز غيره (1).
قلت: ويجوز فيه [الصَّرْفُ](2) وعدمه على تأويل المكان أو البقعة.
ثامنها: قوله: "فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها" لله المراد: صلاة العصر وفيه إشعار بأنه توضأ لها على التعيين، وقد صحيح أصحابنا
أن من توضأ لصلاة دون غيرها صح لكل شيء.
وقيل: لا مطلقًا.
وقيل: لها فقط.
تاسعها: ظاهره أنه صلاهما في جماعة فيكون [فيه](3) دليل للجماعة في الفائتة، وهو إجماع إلَّا ما حكاه القاضي عياض عن الليث بن سعد، فإنه منع ذلك، وهذا إن صح عنه فمردود بهذا الحديث وبحديث [الوادي](4) وقد تقدمت المسألة في آخر الحديث الخامس من هذا الباب (5) أيضًا بزيادة فراجعها وما ذكرته من أن الظاهر أنه عليه السلام صلاهما في جماعة هو ما ذكره النووي في [شرحه لمسلم](6) أيضًا،
(1) معجم ما استعجم (1/ 258).
(2)
في ن ب (الظرف).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في الأصل (المادي)، والتصويب من ن ب.
(5)
في الوجه التاسع.
(6)
في ن ب (شرح مسلم). وهي مثبتة بكاملها فيه (5/ 132).
وقال الشيخ تقي الدين: إنه قد [يشعر](1) به.
وقال بعضهم: الظاهر أنه صلاها وحده لاشتغالهم بالقتال، ولهذا صلى عمر العصر وحده لأنه لو صلاها جماعة لقال فصلينا
العصر وإنما قال: فصلى، وفيما ذكره بعد فليتأمل.
عاشرها: فيه دليل على أن [من](2) فاتته صلاة وذكرها في وقت آخر ينبغي له أن يبدأ بالفائته ثم بالحاضرة، وهذا إجماع
لكنه عند الشافعي وطائفة وابن القاسم وسحنون على سبيل الاستحباب.
وعند مالك وأبي حنيفة وآخرين: على الإِيجاب.
واتفق مالك وأصحابه على أن حكم الأربع فما دونها حكم صلاة واحدة، يبدأ بهن وإن خرج الوقت.
واختلفوا في خمس وعند أبي حنيفة الكثير ستًّا وفي قول محمد خمس.
وقال زفر: من ترك صلاة شهر بعد المتروكة لا تجوز الحاضرة.
وقال ابن أبي ليلى: من ترك صلاة لا تجوز صلاته سنة بعدها.
(1) في ن ب (أشعر)، وما أثبت من إحكام الأحكام (2/ 99) مع الحاشية.
والمراد: صلاتهم جماعة.
(2)
في الأصل (ما)، والتصويب من ن ب.
قال الشيخ تقي الدين (1): وإذا ضم إلى هذا الحديث الدليل على اتساع وقت المغرب إلى مغيب الشفق لم يكن فيه دليل على
وجوب الترتيب في قضاء الفوائت، لأن الفعل بمجرده لا يدل على الوجوب (2) على المختار عند الأصوليين، وإن ضم إليه الدليل على تضييق وقت المغرب، كان فيه دليل على وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة عند ضيق الوقت، لأنه لو لم يجب لم تخرج الحاضرة عن وقتها لفعل ما ليس بواجب، فالدلالة من هذا الحديث على حكم الترتيب ينبني على ترجيح أحد الدليلين على الآخر من امتداد وقت المغرب.
قلت: وأما حديث: "لا صلاة لمن عليه صلاة"(3) فلا يعرف وحديث: "من نسي صلاة فلم يذكرها إلَّا مع الإِمام فليصل مع الإِمام فإذا فرغ من صلاته فليصل التي نسي، ثم ليعيد صلاته التي صلى مع
(1) إحكام الأحكام (2/ 100)، وقد ساقه بمعناه من شرح مسلم (5/ 132).
(2)
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح (2/ 72) بعد ما ذكر هذا: اللَّهم إلَّا أن يستدل له بعموم قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فيقوى، وقد اعتبر ذلك الشافعي في أشياء غير هذه. اهـ.
(3)
قال ابن الجوزي -رحمنا الله وإياه- في العلل المتناهية (1/ 443): هذا حديث نسمعه على ألسنة الناس وما عرفنا له أصلًا، ثم ساق بإسناده إلى الإِمام أحمد رحمه الله، قال: قيل لأحمد: ما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن عليه صلاة"؟ فقال: لا أعرف هذا البتة قال إبراهيم: ولا سمعت أنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الإمام"، الصحيح وقفه على ابن عمر (1).
قال القاضي عياض: واتفق العلماء على الاستدلال بهذا الحديث فيمن فاتته صلاة وأيقن أنه يصليها، ويدرك وقت الحاضرة
أنه يبدأ بالمنسية، قال: واختلفوا [فيها](2) إذا خشي فوات وقت الحاضرة بتقديم المنسيات عليها.
فقال مالك: يبدأ بالمنسية.
وقال الشافعي: يبدأ بالحاضرة وما ذكره القاضي من الاستدلال بهذا الحديث على ما ذكره إنما يأتي إذا قلنا: إن وقت المغرب إلى غروب الشفق فتأمله.
الحادي عشر: قد يحتج به من يقول: إن وقت المغرب يتسع إلى غروب الشفق، لأنه قدم العصر عليها، ولو كان ضيقًا لبدأ بالمغرب لئلا يفوت وقتها أيضًا، كما قدمته في الحديث الخامس أيضًا.
(1) ذكره ابن الجوزي -رحمنا الله وإياه- في العلل (1/ 443)، قال الدارقطني: وهم في رفعه، والصحيح أنه موقوف من قول ابن عمر، كذلك رواه مالك عن نافع، عن ابن عمر قوله. انظر: الموطأ (1/ 168)، كذا قال في العلل لابن أبي حاتم (1/ 108)، وساق إسناده. ثم ذكر بعده وأخبرت أن يحيى بن معين انتخب على إسماعيل بن إبراهيم الترجماني، فلما بلغ هذا الحديث جاوزه، فقيل له: كيف لا تكتب هذا الحديث، فقال يحيى: فعل الله بي إن كتبت هذا الحديث.
(2)
في ن ب ساقطة.
لكن قال النووي في شرحه لمسلم (1): لا دلالة فيه لهذا القائل، لأن هذا كان بعد غروب الشمس بزمن بحيث خرج وقت
المغرب عند من يقول إنه ضيق
…
الثاني عشر: فيه دليل على عدم كراهة قول القائل [ما صليت](2) خلاف ما يتوهمه بعضهم. وفي البخاري أن ابن سيرين كره أن يقول فاتتنا وليقل لم ندرك، قال البخاري (3): وقول النبي صلى الله عليه وسلم[أصح](4).
الثالث عشر: هذا الحديث قبل نزول صلاة الخوف كما قدمته في الحديث السادس فلا يحسن تمسك بعض المتقدمين به في تأخير الصلاة في حالة الخوف إلى حالة الأمن ولا تمسك الفقهاء على إقامة الصلاة في حالة الخوف (5).
قال الشيخ تقي الدين (6): ومن الناس من سلك طريقًا أخر، وهو أن الشغل عنها بالقتال إن أوجب النسيان فالترك للنسيان وربما ادُعِي الظهور في الدلالة على النسيان، وليس كذلك، بل الظاهر تعليق الحكم بالمذكور لفظًا وهو الشغل.
(1)(5/ 132).
(2)
في ن ب (صليت). قال البخاري -رحمنا الله وإياه- (باب: قول الرجل ما صلينا) رقم الحديث (641).
(3)
قال البخاري -رحمنا الله وإياه- (باب: قول الرجل فاتتنا الصلاة)، تابع الحديث رقم (635).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
ساقه بمعناه من شرح مسلم (5/ 130).
(6)
إحكام الأحكام (2/ 99).
الرابع عشر: جاء في هذا الحديث أنه أخر صلاة العصر فقط، وكذا في حديث علي وابن مسعود السالفين في الباب، وجاء في
الموطأ (1) وصحيح ابن حبان (2) أنها الظهر والعصر، وفي الترمذي (3) بإسناد منقطع أنه فاته أكثر من ذلك، والجمع ممكن، فإن الخندق كان أيامًا، فكان هذا في بعض الأيام وهذا في بعضها.
(1) الموطأ (1/ 185).
(2)
ابن حبان (4/ 241)، قال الألباني في الإِرواء:"إسناده صحيح"، وأخرجه ابن خزيمة، والنسائي، والبيهقي (1/ 402)، والطيالسي (2231)، وأحمد (3/ 25، 49، 67). انظر: تلخيص الحبير (1/ 182)، وإرواء الغليل (1/ 257).
(3)
الترمذي (179)، قال أبو عيسى: حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلَّا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله. قال الألباني: فهو منقطع أفيصح نفي الباس عنه؟ وقد ضعفه في الإِرواء (1/ 256).
10 -
باب فضل [الصلاة في](1) الجماعة ووجوبها
حديث ابن عمر وأبي هريرة دالٌ على فضلها، وحديث أبي هريرة الذي أوله:"أثقل الصلاة على المنافقين" كأنه ساقه لوجوبها وهو ماضٍ على ما ذكره القاضي عياض إن الحديث في المؤمنين دون المنافقين، لأنه كان يعلم طويتهم، ولم يتعرض لهم، لكن فيه نظر كما أبداه الشيخ تقي الدين لتصريح الحديث في أوله بالمنافقين، فالظاهر أنه في المنافقين كما قيل، وإذا كان كذلك
فالتحريق إنما هو لمن ترك الصلاة في جماعة نفاقًا لا غيره، وترك تعرضه لهم للتأليف.
نعم رواية أبي داود الآتية في الوجه الرابع عشر من الكلام على الحديث الثالث يؤيد ما قاله القاضي [عياض](2) ولفظ الجماعة يحتمل أن يراد به [لعموم المجتمعون في الصلاة ويحتمل أن يراد
(1) زيادة من ن ب.
(2)
في ن ب ساقطة.
به] (1) الاجتماع نفسه، ويكون المعنى صلاة الاجتماع فعلى الأول تكون الجماعة صفة موصوف محذوف أي القوم ونحو ذلك وعلى الثاني لا حذف لوقوعه على المعنى الذي هو الاجتماع والحكمة في مشروعية الجماعة، وجوه ذكرها ابن القسطلاني في مقاصد الصلاة.
أحدها: قيام نظام الألفة بين المصلين، ولهذه العلة شرعت المساجد في المحال [ليحصل التعاهد](2) باللقاء في أوقات
الصلوات [بين](3) الجيران.
ثانيها: حصر النفس أن تستقل بهذه العبادة وحدها فإنها ربما لم تف بالقيام بها وحدها، فإذا علمت انتظار جماعة بوقعها فيها
[نشطها](4) ذلك على المبادرة إلى فعلها، فإن النفوس تحب البطالة، وتركن إليها، فإذا وجدت محركًا من خارج أذعنت وأجابت.
ثالثها: أن الناس بين عالم بأفعال الصلاة وأحكامها وجاهل بها، فإذا حصل إقامتها في الجماعة تعلم الجاهل من العالم فزال جهله.
رابعها: أن الدرجات والمثوبات متقاربة في العمال لأجل قبول الأعمال، فإذا كانت الجماعة حصل فيها الكامل والناقص بحسب الحضور والغفلة، فيعود من بركة الكامل على الناقص فتكمل صلاته وذكر المصنف رحمه الله في الباب سبعة أحاديث:
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
في ن ب (من).
(4)
في الأصل (بشرطها)، وما أثبت من ن ب.