الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
40/ 2/ 7 - عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم (1) في حاجة فأجنبت، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما [تتمرغ] (2) الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا"، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه، ووجهه"(3).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف براويه وهو: عمار بن ياسر صحابي بن صحابي بن عامر بن مالك [العبسي](4) أبو اليقظان مولى بني مخزوم.
(1) في ن ب (رسول الله صلى الله عليه وسلم).
(2)
في ن ب (تمرغ).
(3)
رواه البخاري برقم (339، 340، 341، 342، 343، 345، 346، 347)، ومسلم (368)، والترمذي (144)، وأبو داود عون المعبود (317)، والنسائي (1/ 168، 170)، وابن ماجه (569)، والدارقطني (1/ 183)، وابن حبان (1301، 1302، 1303)، وأبو عوانة (1/ 303، 304).
(4)
في ن ب (العنسى).
وأمه سمية مولاة أبي حذيفة بن المغيرة صحابية أيضًا.
وكان [وأبواه](1) ممن عذب في الله ورد أنه [عليه السلام](2) مر بهم وهم يعذبون، فقال: "صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم
الجنة" (3).
ثم إن أبا جهل قتل سمية طعنها بحربة في قُبُلها، فكانت أول شهيدة في الإِسلام، ثم هاجر عمار الهجرتين كما سيأتي.
روى عنه ابنه محمد وابن عباس وغيرهما من الصحابة والتابعين.
له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم اثنان وستون حديثًا اتفقا على حديثين. وقال ابن الجوزي: على واحد، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بحديث.
وقال البرقي: جاء عنه من الحديث تسع وعشرون، وأكثرها لأهل الكوفة. وثلاثة لأهل المدينة. قال عبد الله: أول من أظهر
إسلامه سبعة منهم عمار، فعُذِبُوا في الله إلَّا [أبْا](4) بكر فمنعه قومه.
هاجر رضي الله عنه الهجرتين، وصلَّى إلى القبلتين.
وقيل: لم يهاجر إلى الحبشة.
(1) في ن ب (وأبوه).
(2)
في ن ب عليه الصلاة والسلام،
(3)
رجاله ثقات لكنه منقطع. مجمع الزوائد (9/ 293).
(4)
في الأصل (أبو)، والتصحيح من ن ب.
وفيه نزل قوله -تعالى-: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (1) قال أبو عمر: أجمع أهل التفسير عليه، وشهد بدرًا والمشاهد كلها وأبلى ببدر بلاءً حسنًا، وشهد اليمامة، وآخا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينه وبين حذيفة بن اليمان، وهو أول من بنى مسجدًا في الإِسلام. وهو مسجد قباء حكاه ابن الأثير. وعن أنس عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة تشتاق الجنة إليهم: علي، وسلمان، وعمار"(2) وقال عليه السلام في حقه: "مرحبًا بالطيب المطيب"(3)، وقال في حقه:"مليء إيمانًا إلى مشاشه"(4). وقال: "واهتدوا بهدي عمار"(5) وقال: "من أبغض عمارًا أبغضه الله، ومن عاداه عاداه الله"(6)،
(1) سورة النحل: آية 106.
(2)
أخرجه الترمذي (3798) في المناقب، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلَّا من حديث الحسن بن صالح. وصححه الحاكم (3/ 137) ووافقه الذهبي.
(3)
أخرجه الترمذي (3799) في المناقب، والحاكم (3/ 388)، وصححه ووافقه الذهبي.
(4)
أخرجه ابن ماجه (147)، وذكره الهيثمي في المجمع (9/ 395)، وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ في الفتح (7/ 29): إسناده صحيح.
(5)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 385، 402)، وصححه ابن حبان (21393)، والحاكم (3/ 75)، ووافقه الذهبي.
(6)
في ن ب زيادة لفظة (ورسوله) ليست موجودة في الحديث، والحديث أخرجه أحمد (1/ 89، 90)، والحاكم (3/ 389، 390)، وصححه ووافقه الذهبي.
أخرجه النسائي، وتواترت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمار:"تقتلك الفئة الباغية"(1) وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته. وكان الذي قتله أبو غادية الجهني، وقيل: المزني طعنه برمح فسقط وهو ابن أربع. [أو](2) ثلاث وتسعين سنة، قتل في وقعة صفين بين علي ومعاوية في صفر، ربيع الأول سنة سبع وثلاثين.
قال ابن حبان في ثقاته: وقد قطعت أذنه يوم اليمامة. وكان عدد من قُتل في هذه الوقعة أعني وقعة صفين [سبعون](3) ألفًا: خمسة وعشرون ألفًا من أهل العراق منهم عمار، وخمسة وأربعون ألفا من أهل الشام. وصلّى عليه علي ولم يغسله، ومناقبه كثيرة جدًّا، ولاه عمر الكوفة، ورضي أهلها به.
[فائدة](4) ياسر: والد عمار يشتبه بباشر بالباء الموحدة بدل المثناة تحت وهو ابن حازم [روى](5) عنه المقدمي. وبناشر: بالنون والشين المعجمة وهو والد أبي ثعلبة الخشني (6).
الوجه الثاني: في ألفاظه: يقال: بعثه وابتعثه بمعنى أي أرسله فابتعث. وهو من المطاوع، ومنه بعثت الناقة أثرتها، وبعثه من منامه
(1) أخرجه مسلم (2195)، وأحمد (3/ 5) من عدة طرق.
(2)
في ب (وقيل).
(3)
في الأصل (سبعين)، وما أنت من ن ب.
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
ليوافق مشتبه النسبة للذهبي (664).
(6)
وقيل ناشب. مشتبه النسبة للذهبي (664).
أي [نبهته](1) وبعث الله الموتى أي: نشرهم ليوم البعث، وانبعث في السير [أي](2) أسرع فيه.
والحاجة: معروفة، قال الجوهري (3): والجمع: حَاجٌ، وحَاجَاتٌ، وحِوَجٌ، وحَوَائج، على غير قياس: كأنهم جمعوا حائجة، وكان الأصمعي ينكره، ويقول: هو مولد، وإنما أنكره لخروجه عن القياس، وإلَّا فهو كثير في كلام العرب.
والتمرغ في الشيء التمعك فيه. ويقال للموضع المتمرغ فيه، متمرغ، ومراغ، ومراغة.
وقوله كما " [تتمرغ] (4) الدابة" أصله تتمرغ فحذف إحدى التائين تحقيقًا وهو القياس في كل تاءين اجتمعتا في أول الفعل
المضارع بشرط اتحاد حركتهما، فإن اختلفتا وجب الإِثبات نحو: تتغافر الذنوب، وتتواضع الأمة وشبه ذلك.
والصعيد: تقدم الكلام عليه في [الحديث](5) قبله.
والدابة: في [أصل](6) اللغة كل ماش على وجه الأرض، وقد أخرجها العرف عن هذا الأصل فاستعملها أهل العراق في الفرس
(1) في ن ب (نبهه).
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
مختار الصحاح (74).
(4)
في ن ب (تمرغ)، وهو الذي يدل عليه كلام المؤلف.
(5)
في ن ب (الكلام).
(6)
في ن ب ساقطة.
خاصة، وأهل مصر في الحمار، قال الجوهري: وقولهم أكذب من دب ودرخ، أي: أكذب الأحياء والأموات (1).
وقوله: "أن يقول" أي: أن يفعل، فأطلق القول على الفعل مجازًا، وقد قيل: إن العرب أطلقت القول في كل فعل.
يكفيك: [هو](2) بفتح أوله فقط، كما مضى في الحديث قبله، واليد: مؤنثة لا غير وهي اسم للجارحة المعروفة من المنكب
إلى رؤوس الأصابع.
والكف: مؤنثة وقد تذكر سميت بذلك لأنها تكف عن [البدن](3) أي تدفع وقيل: لأن بها يضم ويجمع.
وفي الإِنسان عشرة أشياء أولها كاف: كوع، كرسوع، كف، كتف، وكتد -وهو طرف [عظم](4) لوح الكتف- كاهل، [كلية](5)
(1) انظر: مختار الصحاح (89). قال أبو حمزة الأصفهاني -رحمنا الله وإياه- في سوائر الأمثال على أفعل (314)، معناه: أكذب الصغار والكبار، دب لضعف الكبر، ودرج لضعف الصغر، ويقال: بل معناه: أكذب الأحياء والأموات. لأن الدبيب للحي. والدروج للميت، فيقال: من هذا: قد درج القوم، إذا انقرضوا، ويقال: في الأول درج الصبي لأول المشي منه. اهـ. انظر: الجمهرة (2/ 173)، المستقصى (1/ 292).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (اليداي).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
في لسان العرب (ركلَّة).
وهو ما بين الكتفين، كبد، كمرة وهي الحشفة، كعب.
والوجه: مأخوذ من المواجهة، ويقال: له المحيا [أيضًا](1).
الوجه الثالث: في فوائده:
الأولى: فيه مشروعية التيمم للجنب، وبه قال العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ إلَّا عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي، فإنهم منعوه. قاله ابن الصباغ وغيره.
وقيل: إن عمر وعبد الله رجعا.
واحتج من منعه: بأن الآية فيها إباحة للمحدث فقط.
وقال الشيخ تقي الدين (2): كأن سبب التردد ما أشرنا إليه من حمل الملامسة على غير الجماع مع عدم وجود دليل عندهم على جوازه.
واحتج الجمهور بالآية [أيضًا](3)، فإن قوله -تعالى-:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} (4) يعود إلى المحدث والجنب جميعًا، فإنه قال قبل ذلك أيضًا:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وقد ثبت في الصحيحين (5) من حديث أبي موسى الأشعري "قال عبد الله بن مسعود: لو أن جنبًا لم يجد الماء شهرًا لا يتيمم. فقال له
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
إحكام الأحكام (1/ 428).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
سورة المائدة: آية 6.
(5)
البخاري (347)، ومسلم (368).
أبو موسى: وكيف تصنع بهده الآية {فَلَمْ تَجِدُوا} . فقال عبد الله: لو رخص لهم لأوشكوا إذا أبرد عليهم الماء أن يتيمموا"، فهذا
دليل على أنهم كانوا متفقين على أن الآية تدل على جواز التيمم للجنب.
ودليل المسألة من السنة [أيضًا](1): حديث عمران بن حصين السالف أول الباب، وحديث أبي ذر أنه كان يغرب في الإِبل وتصيبه الجنابة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:"الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" رواه أبو داود (2) والترمذي (3) والنسائي (4) وصححه الترمذي وابن حبان (5) والحاكم.
وفي هذا الحديث دليل أيضًا على [أن](6) من تيمم ثم قدر على استعمال الماء أنه يلزمه الغسل، وهو قول العلماء كافة،
وخالف أبو سلمة بن عبد الرحمن التابعي فقال: لا يلزمه (7)، وهو متروك بإجماع من قبله.
الثانية: فيه أنه لو معك في التراب وجهه ويديه كفى، وهو
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
أبو داود عون المعبود (329).
(3)
الترمذي (124).
(4)
النسائي (1/ 171).
(5)
ابن حبان (1308).
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
انظر: المجموع (2/ 274)، والمغني (1/ 243)، والمحلى (2/ 167).
الصحيح عند أصحابنا، ونص عليه في "الأم". والوجه: القطع به لأن الأصل قصر التراب، وقد حصل، ولا خلاف في الاكتفاء عند العذر: كالأقطع وغيره.
الثالثة: فيه مشروعية الضرب باليدين على التراب، وهو محمول على ما إذا كان الغبار لا يصل إلَّا بالضرب، أما إذا كان يصل
بدونه فالوضع كافٍ.
الرابعة (1): فيه دلالة لمذهب من يقول: تكفي ضربة واحدة للوجه والكفين جميعًا، وهو ما صححه الرافعي، وعلى المنصوص
[وهو](2) وجوب ضربتين، وصححه النووي.
يجاب عنه: بأن المراد هنا صورة الضرب للتعليم، وليس المراد بيان جميع ما يحصل به التيمم، كذا أجاب به النووي في "شرحه لمسلم"(3)، وليس بظاهر كما ستعلمه بعد، وحكى ابن المنذر هذا القول عن: علي، وابن عمر، والحسن [البصري](4)، وسالم، و [مالك](5)، والثوري، وأصحاب الرأي، وعبد العزيز بن سلمة.
قال أصحابنا: وهو قول أكثر العلماء،
(1) في ن ب (الرابع).
(2)
في ن ب (وهي).
(3)
شرح مسلم (4/ 61).
(4)
في ن ب زيادة (والشعبي).
(5)
في ن ب زيادة (والليث).
والمشهور [من](1) مذهب مالك أن من اقتصر على ضربة واحدة لا إعادة عليه في الوقت ولا غيره.
وقيل: يعيد في الوقت.
وأغرب يعض أصحابنا، فقال: يستحب ثلاث ضربات: ضربة للوجه، وضربتان لليدين.
وأغرب منه ما حكاها الماوردي وغيره عن ابن سيرين أنه لا يجزيه إلَّا بثلاث ضربات: ضربة لوجهه، وضربة لكفيه، وضربة
لذراعيه.
وأغرب من الكل طائفة قالوا بوجوب أربع ضربات: ثنتان للوجه، وثنتان لليدين. حكاه ابن بزيزة وقال: لا أصل [له](2). وفي "قواعد" ابن رشد روي عن مالك الاستحباب إلى ثلاث والفرض اثنتان.
فرع: الزيادة على مسحة للوجه ومسحة لليدين مكروهة، كما قاله الروياني والمحاملي.
وقيل: يستحب تكرار المسح كالوضوء، وليس بشيء، لأن السنة فرقت بينهما، ولأن في تكرار الغسل زيادة تنظيف بخلافه (3).
(1) في ن ب (في).
(2)
ساقطة من (الأصل)، وما أثبت من ن ب.
(3)
قال شيخ الإِسلام -رحمنا الله وإِياه- في الفتاوي (21/ 424): فإن التيمم لا يشرع فيه التكرار بخلاف الوضوء. وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (1/ 444): على قوله "ثم تنفخ ثم تمسح بهما =
فرع: إمرار التراب على العضو تطويلًا للتحجيل سنة مع الأصح للخروج من خلاف من أوجبه وهو أبو حنيفة رحمه الله
إذا قطع من فوق المرفق.
الخامسة: فيه [دلالة](1) على أنه يكفي المسح إلى الكوع، ولهذا خاطبه بلفظ "إنما" لينحصر القدر الواجب، وحكاه ابن
المنذر (2) عن عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد وإسحاق، قال ابن المنذر: وبه أقول، وبه قال داود.
وحكاه الخطابي: عن عامة أصحاب الحديث.
وحكاه أبو ثور وغيره: قولًا قديمًا للشافعي، وأنكر أبو حامد والماوردي وغيرهما عليه حكايته، ولا يقبل منهم لجلالته، وهو
قوي في الدليل، وأقرب إلى ظاهر السنة، كما قاله النووي في "شرح المهذب".
والمشهور من مذهبنا: أنه إلى المرفقين (3)، وبه قال مالك (4)، وأبو حنيفة (5) وأكثر العلماء.
= وجهك وكفيك" استدل بالنفخ على تخفيف التراب كما تقدم. وعلى سقوط استحباب التكرار في التيمم لأن التكرار يستلزم عدم التخفيف.
(1)
في ن ب زيادة (أيضًا).
(2)
الأوسط (2/ 50، 51).
(3)
الأم (1/ 49).
(4)
المدونة الكبرى (1/ 42).
(5)
المبسوط (1/ 106).
وحكى الماوردي وغيره: عن الزهري (1) أنه يجب مسحهما إلى الإِبطين قال النووي: وما أظن هذا يصح [عنه](2).
قال الخطابي (3): لم يختلف العلماء أنه لا يجب مسح ما وراء المرفقين.
وحكى ابن بزيزة في "شرح أحكام عبد الحق" عن طائفة: أن الجنب يتيمم إلى المنكب، وغيره إلى الكوع.
واحتج أصحابنا بأدلة أقربها أن الله -تعالى- أمر بغسل اليد إلى المرفق في الوضوء. وقال في آخر الآية {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} وظاهره أن المراد الموصوفة أولًا وهي المرفق، وهذا المطلق محمول على ذلك المقيد لا سيما وهي آية واحدة (4). وذكر الإِمام الشافعي هذا الدليل
(1) حكاه عنه ابن حزم في المحلى (2/ 208)، والأوسط لابن المنذر (2/ 47).
(2)
في ن ب زيادة (واو).
(3)
معالم السنن (1/ 199).
(4)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (1/ 446): وأما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء. فجوابه أنه قياس في مقابلة النص. فهو فاسد الاعتبار. وقد عارضه من لم يشترط ذلك بقياس آخر وهو الإِطلاق في آية السرقة، ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النص.
قال الترمذي -رحمنا الله وإياه- في السنن (1/ 272): عن ابن عباس "أنه سئل عن التيمم؟ فقال: إن الله قال في كتابه حسن ذكر الوضوء: =
[بعبارة](1) أخرى، فقال كلامًا معناه: إن الله -تعالى- أوجب طهارة الأعضاء الأربعة في الوضوء في أول الآية، ثم أسقط منها
عضوين في التيمم في آخر الآية، فيبقى العضوان في التيمم على ما ذكر في الوضوء إذ لو اختلفا لبينهما، وقد أجمع المسلمون على أن الوجه يستوعب في التيمم كالوضوء فكذا [اليدان] (2). قال البيهقي في "المعرفة": قال، الشافعي إنما [منعنا] (3) أن نأخذ برواية عمار في الوجه والكفين ثبوت حديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه مسح وجهه وذراعيه [ولأن] (4) هذا أشبه بالقرآن والقياس أن البدل من الشيء يكون مثله (5). قال البيهقي: حديث عمار أثبت من مسح الذراعين إلَّا أن
= {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} وقال في التيمم {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} . وقال {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فكانت السنة في القطع الكفين. إنما هو الوجه والكفان يعني التيمم". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. انظر المعرفة (2/ 23).
(1)
في ن ب (بعباده).
(2)
في ن ب زيادة (واو).
(3)
في ن ب (معنا).
(4)
في ن ب (لأن). انظر: معرفة السنن (2/ 22، 23).
(5)
قال الخطابي -رحمنا الله وإياه- في معالم السنن طبعة فقي (1/ 199): قلت: لم يختلف أحد من أهل العلم أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح بالتراب ما وراء المرفقين وإنما جرى في استيعاب اليد بالتيمم على ظاهر الاسم وعموم اللفظ. لأن ما بين مناط المنكب إلى أطراف الأصابع كله اسم لليد وقد يقسم بدن الإِنسان على سبعة آداب: اليدان، والرجلان، ورأسه، وظهره، وبطنه، ثم قد يفصّل كل عضو منها. فيقع تحت أسماء خاصة: =
حديث الذراعين جيد بشواهده. ورواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "التيمم ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين" قال: وقد صح عن ابن عمر أيضًا ذلك من قوله وفعله.
= كالعضد في اليد، والذراع في الكتف. واسم اليد يشتمل على هذه الأجزاء كلها، وإنما يترك العموم في الأسماء، ويصار إلى الخصوص بدليل يفهم أن المراد من الأسم بعضه لا كله. ومهما عدم دليل الخصوص كان الواجب إجراء الاسم على عمومه. واستيفاء مقتضاه برمته. [وقد ذهب بعض العلماء إلى إدخال الذراع في المرفقين في التيمم كابن عمر والثوري وأبو حنيفة] بتصرف- ووجه الاحتجاج له من صنيع عمار وأصحابه، أنهم رأوا إجراء الاسم على العموم فبلغوا في التيمم إلى الآباط. وقام دليل الإِجماع في إسقاط ما وراء المرفقين فسقط، وبقى ما دونهما على الأصل لاقتضاء الاسم إياه. ويؤيد هذا المذهب أن التيمم بدل من الطهارة بالماء، والبدل يسد مَسَدَّ الأصل ويحل محله، وإدخال المرفقين في الطهارة بالماء واجب، فليكن التيمم بالتراب كذلك، وقد يقول من يخالف في هذا لو كان حكم التيمم حكم الطهارة بالماء لكان التيمم على أربعة أعضاء. فيقال له: إن العضوين المحذوفين لا عبرة بهما، لأنهما إذا سقطا سقطت المقايسة عليهما، فأما العضوان الباقيان فالواجب أن يراعى فيهما حكم الأصول، ويستشهد لهما بالقياس، ويستوفي شرطه في أمرهما كصلاة السفر، قد اعتبر فيهما حكم الأصل، وإن كان الشطر الآخر ساقطًا، وذهب هؤلاء إلى حديث ابن عمر. [وحديث ابن عمر لا يصح، لأنه رواه عنه محمد بن ثابت العبدي، وهو ضعيف جدًا لا يحتج بحديثه، حيث ذكر فيه: "وضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه، وقد أنكر البخاري على محمد بن ثابت رفع الحديث. وقال البيهقي: ورفعه غير منكر. انظر: معالم السنن طبعة فقي (1/ 204، 205).
قلت: وقد أثنى الحاكم على رواية ابن عمر ذلك مرفوعًا من عليه [أفضل](1) الصلاة والسلام لما ذكره في مستدركه (2).
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
ذكر ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في تلخيص الحبير (1/ 152): هذه الروايات وبيّن درجتها. وقد جمع رحمنا الله وإياه بين الروايات في فتح الباري (1/ 444) قائلًا: "فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم بن الصمة، وعمار، وما عداهما، فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه -والراجح عدم الرفع- فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر الدين مجملًا. وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين. وبذكر المرفقين في السنن. وفي رواية: إلى نصف الذراعين. وفي رواية: إلى الآباط. فأما رواية: المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال. وأما رواية: الآباط فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له، وان كان وقع بغير أمره فالحجة سيما أمر به. ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين، كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابي المجتهد. وقال الترمذي -رحمنا الله وإياه- في السنن (1/ 270): قال إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي حديث عمار في التيمم للوجه والكفين، هو حديث حسن صحيح، وحديث عمار: "تيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب والآباط" ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين. لأن عمارًا لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بذلك، وإنما قال: "فعلنا كذا وكذا"، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوجه والكفين. والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم، أنه قال:" الوجه والكفين"، ففي هذا =
وقال الخطابي (1): الاقتصار على الكفين أصح في الرواية ووجوب الذراعين أشبه بالأصول الظاهرة وأصح في القياس.
السادسة: فيه إيصال التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه والشعر الظاهر عليه، وهو قول أكثر العلماء. كما حكاه
العبدري وعن أبي حنيفة روايات:
الأولى: كذلك وهي التي ذكرها الكرخي في "مختصره".
وثانيها: إن ترك قدر درهم منه لم [يجزئه](2).
والثالث: إن ترك دون ربع الوجه أجزأه، وإلَاّ فلا.
والرابعة: إن مسح [أكثره](3) وترك الأقل منه أو من الذراع أجزأه، وإلَاّ فلا.
وحكى ابن المنذر عن سليمان بن داود: أنه جعله كمسح الرأس.
السابعة: قال الشيخ تقي الدين: استعمال القياس لا بد في من تقدم العلم بمشروعية التيمم وكأن عمارًا لما رأى أن الوضوء
خاص ببعض الأعضاء، وكان بدله وهو التيمم خاصًّا وجب أن
= دلالة أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه إلى الوجه والكفين. وقد ذكر ابن المنذر -رحمنا الله وإياه- في اختصاره لأبي داود نحوًا من ذلك (1/ 201، 202).
(1)
معالم السنن (1/ 202).
(2)
في ن ب زيادة (ودونه يجزيه).
(3)
في ن ب (أكره).
يكون بدل الغسل الذي يعم جميع البدن عاما [لجميع](1) البدن.
وقال ابن حزم الظاهري (2): في هذا الحديث إبطال القياس، لأن عمارًا قدر أن المسكوت عنه من التيمم للجنابة حكمه حكم
الغسل للجنابة؛ إذ هو بدل منه، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وأعلمه أن لكل شيء حكم المنصوص عليه فقط.
والجواب عما قال: إن الحديث دل على بطلان هذا القياس الخاص، ولا يلزم من بطلان الخاص بطلان العام، والقائسون
لا يعتقدون صحة كل قياس، ثم في هذا القياس شيء آخر: وهو أن الأصل الذي هو الوضوء قد ألغي فيه مساواة المبدل له، فإن التيمم لا يعم جميع أعضاء الوضوء، [وصار](3) مساواة [البدل](4) للأصل ملغى في محل النص، وذلك لا يقتضي المساواة في الفرع.
بل لقائل أن يقول: قد يكون الحديث دليلًا على صحة أصل القياس، فإن قوله عليه السلام:"إنما كان يكفيك كذا وكذا"
يدل [عليه](5) أنه لو [كان](6) فعله لكفاه، وذلك دليل على صحة
(1) في ن ب (بجميع)، وما أثبت يوافق إحكام الأحكام (1/ 431).
(2)
المحلى (2/ 155).
(3)
في ن ب (فصار).
(4)
في ن ب (المبدل).
(5)
في ن ب (على).
(6)
في ن ب ساقطة.
قولنا لو كان فعله [لكان](1)[مصيبًا](2)، ولو كان فعله لكان قايسًا التيمم على الجنابة للتيمم على الوضوء، على تقدير أن يكون اللمس المذكور في الآية [ليس](3) هو الجماع؛ لأنه لو كان عند عمار هو الجماع لكان حكم التيمم مبينًا في الآية، فلم يكن يحتاج إلى أن يتمرغ، فإذن فعله ذلك يتضمن اعتقاد كونه ليس عاملًا للنص، بل بالقياس وحُكْمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنه كان يكفيه التيمم مع الصورة المذكورة مع ما بيناه من كونه لو فعل ذلك لفعله بالقياس عنده لا بالنص.
الثامنة: فيه أن من أرسل [في](4) أمر عظيم، ينبغي أن يتحفظ ويثبت، ولا يشهر ما أرسل فيه إذا رأى ذلك مصلحة، ويفعل كما فعل عمار حيث لم يصرح بالحاجة ما هي.
التاسعة: فيه أن المتأول المجتهد لا إعادة عليه لأنه عليه السلام لم يأمر بالإِعادة وإن كان قد أخطأ في اجتهاده، لأنه إنما
ترك هيئة الطهارة.
وفيه جواز الاجتهاد للغائب في حياته [وفي هذه المسألة مذاهب: أصحها: جواز الاجتهاد للغائب في حياته](5).
(1) في ن ب زيادة (فعله).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في ن ب (من).
(5)
هذا السطر مكرر في الأصل مع اختلاف كلمة في حياته أو في زمنه، وهذا =
وفي هذه المسألة مذاهب:
أصحها: جواز الاجتهاد في زمنه لقصة عمار هذه والقائلون بذلك جوزوه بحضرته أيضًا.
والثاني: لا يجوز بحال.
والثالث: يجوز في غير حضرته، ولا يجوز فيها.
العاشرة: قدم في اللفظ مسح اليدين على الوجه، لأن الواو لا تقتضي ترتيبًا، لكن جاء في صحيح البخاري أنه [عليه السلام] (1) قال له:"إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا. وضرب بكفيه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بها وجهه" وهذا يقتضي عدم الترتيب، ولا أعلم من قال به من أصحابنا.
وقال الشيخ تقي الدين (2): استدل بهذه الرواية على عدم الترتيب لأنه إذا ثبت ذلك في التيمم ثبت في الوضوء، إذ لا قائل بالفرق.
واعلم أن هذه الرواية التي ذكرناها تقتضي أيضًا إجزاء التيمم بالمستعمل، وهو وجه عندنا والأصح المنع.
= يوافق ن ب. انظر: مبحث هذه المسألة البحر المحيط (6/ 220، 221)، وشرح الكوكب المنير (4/ 482)، والمحصول (2/ 3/ 26)، وتيسير التحرير (4/ 193)، والبرهان (2/ 1356).
(1)
إحكام الأحكام (1/ 436).
(2)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
الحادية [عشر](1): فيه دليل على طلب الماء، وإن نفي الوجود يستلزم الطلب.
الثانية عشر: فيه دليل على أن من فعل ما أمر به بزيادة أنه يصح لاندراج أعضاء التيمم في التمرغ، وله نظائر منها من اغتسل بدل الوضوء.
الثالثة عشر: ظاهر الحديث أنه لا يمسح باطن كفيه.
قال ابن عطية: وظاهر كلام "المدونة" أنه يستغني عن مسح الكف بالاخرى، ووجهه أنها في الإِمرار على الذراع ماسحة ممسوحة.
وقال ابن حبيب (2): يمر بعد ذلك كفه مع الكف الأخرى.
وقال اللخمي في كتاب "المدونة": يريد ثم يمسح كفه بالأخرى، فيجيء على تأويل كلام اللخمي كلام ابن حبيب تفسيرًا
وليس بخلاف،
قال غيره: وتبع صاحب "الرسالة"(3) ابن حبيب، وكثيرًا ما يختار رأيه فإنه كان يحفظ "واضحته"(4).
(1) في ن ب (عشرة)
…
إلخ.
(2)
انظر: المنتقى (1/ 114).
(3)
تنوير المقالة بحل ألفاظ الرسالة (1/ 575).
(4)
قال شيخ الإِسلام -رحمنا الله تعالى وإياه- في الفتاوى (21/ 422): بعد كلام سبق في الصحيحين من حديث عمار بن باسر من طريق أبي موسى رضي الله عنهما: قال، إنما يكفيك أن نقول بيديك =
الرابعة عشر: يستفاد من الحديث أيضًا مراجعة العلماء في العلم والاجتهاد فإن عمارًا راجع فيما اجتهد فيه.
الخامسة عشر: يستفاد منه أيضًا ذكر العلماء لمن راجعهم وجه الصواب وتبيينه.
= هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه". لفظ البخاري:"وضرب بكفيه ضربة على الأرض ثم نفضهما، ثم مسع بهما ظهر كفه بشماله -أو ظهر شماله بكفه- ثم مسح بهما وجهه"، وهذا صريح في أنه لم يمسح الراحتين بعد الوجه، ولا يختلف مذهب أحمد: أن ذلك لا يجب، وأما ظهور الكفين، فرواية البخاري صريحة في:"أنه مر على ظهر الكف قبل الوجه"، وقوله في الرواية الأخرى:"وظاهر كفيه"، يدل على أنه مسح ظاهر كل منهما براحة اليد الأخرى. وقال فيها:"ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه قبل الوجه"، ثم قال: وعلى كل حال فباطن اليدين يصيبهما التراب حين يضرب بهما الأرض، وحين يمسح بهما الوجه، وظهر الكفين، وإن مسح إحداهما بالأخرى فهو ثلاث مرات: وقد فصل في هذه المسألة تفصيلًا جيدًا، فجزاه الله خيرًا.
فائدة: من كلامه -رحمنا الله وإِياه- في هذا الموضوع: "قال في الفتاوى (21/ 425): وما ذكر بعض الأصحاب -من أنه يجعل الأصابع للوجه وبطون الراحتين لظهور الكفين- خلاف ما جاءت به الأحاديث، وليس في كلام أحمد ما يدل عليه، وهو متعسر أو متعذر وهو بدعة، لا أصل لها في الشرع، وبطون الأصابع لا تكاد تستوعب الوجه، وإنما احتاجوا إلى هذا ليجعلوا بعض التراب لظاهر الكفين بعد الوجه.
السادسه عشر: فيه أيضًا البيان بالفعل، وأنه أبلغ في التفهم من القول.
خاتمة: في الصحيح (1) إنكار عمر على عمار حيث قال: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به. وذلك لا يوهن الحديث.
(1) مسلم (368).