الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
82/ 6/ 14 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: المراد بالتخفيف: تخفيف لا يخل بمقاصد الصلاة وأركانها وسننها، والضابط: في التطويل وعدمه إذا لم يكن [المأمومون](2) يؤثرونه [فإذا](3) آثروه [طوّل](4).
وحدّ التطويل مقدر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفعله فيها غالبًا، وقد كان صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة ويريد إطالتها، فيسمع بكاء الصبي،
(1) البخاري (703)، ومسلم (467)، وأبو داود (794، 795)، والترمذي (236)، والشافي (2/ 94)، والمسند (2/ 317، 486، 502)، والبيهقي (3/ 115)، والأم (1/ 161)، وعبد الرزاق (3712)، وابن أبي شيبة (2/ 54).
(2)
في ن ب (المأمون).
(3)
في ن ب (فإن).
(4)
في ن ب ساقطة.
فيتجوز فيها، ولا بد مع الإِيثار من حصرهم بأن اجتمعوا لصلاة الليل أو كان المسجد صغيرًا في الفرائض وإلَّا فيخفف بهم مطلقًا، بحيث لا يخل بالفرائض والسنن، وهذا الحكم مذكور في هذا الحديث والذي بعده مع علته، وهي المشقة اللاحقة للمأمومين إن طوّل عليهم، ثم المشقة في التطويل أمر إضافي، [فليس](1) المعتبر فيه عادة بعض المصلين الجاهلين المقصرين ولا الغالين المتنطعين، بل هو معتبر بما قاله العلماء، فلا يزيد في القيام بالقراءة الطويلة المؤدية المملة إلى كراهة الصلاة ولا في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات، ونحوها من دعاء في السجود وتعظيم في الركوع، كما كان - عليه أفضل الصلاة والسلام - يفعله مع أمره بالتخفيف، وشدة غضبه في الموعظة في إطالة الإِمام الصلاة بهم، كما سيأتي في الحديث بعد هذا، فهذا لا يعد تطويلًا ومشقة شرعًا، بل التخفيف عنه مكروه، وعن الواجب حرام.
ثانيها: "الضعيف": يعم السقيم، فذكره بعده من باب: ذكر الخاص بعد العام، أو من باب: تعداد الصفات الموجبة للعذر في
ترك الإِمام التطويل عليهم في الصلاة، ويحتمل أن يراد بالضعيف هنا النحيف البدن الذي يشق عليه طول القيام والركوع والسجود،
ويحتمل أن يراد به الشيخ الكبير والصغير كما [هو](2) مفسر في الحديث الآتي بعد.
(1) في ن ب (وليس).
(2)
في ن ب ساقطة.
وأما السقيم: فهو المريض ليس إلَّا.
وأما ذو الحاجة: فالحاجة أعم من أن توصف، وينص عليها، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ذوي: حرف، وأعمال، ومعايش، وزروع يعملون فيها، كما ورد أنهم كانوا أصحاب نواضح [وعمال](1) أنفسهم رضي الله عنهم، وقد تقدم الكلام على لفظ [الحاجة](2) في التيمم في حديث عمار، فأغنى عن إعادته.
[ثالثها](3): قوله عليه السلام: "فليطول ما شاء" قد يؤخذ منه أنه لو مد الصلاة بتطويل القراءة حتى خرج وقتها جاز، وهو كذلك على الصحيح عند الشافعية، بل في "عمد" الفوراني (4) حكاية وجهين في استحباب المسند، وفي "الإِحياء" للغزالي: إن مد الصلاة بتطويل السورة إلى ما بعد أول الوقت وهو وقت الفضيلة خلاف الأفضل؛ وهو غريب.
رابعها: فيه الرد على من قال: لا تجوز صلاة الجماعة إلَّا خلف معصوم.
(1) في الأصل (وأعمال)، وما أثبت من ن ب.
(2)
في ن ب (الدحة).
(3)
في ن ب (الثالث)
…
إلخ السابع.
(4)
عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن فُوران -بضم الفاء- الفُوراني أبو القاسم له مصنفات منها: (الإِبانة)، و "العمد". توفي في شهر رمضان سنة إحدى وستين وأربعمائة عن ثلاث وسبعين سنة. ترجمته: مرآة الجنان (3/ 84)، وطبقات ابن قاضي شهبة (1/ 248)، ووفيات الأعيان (2/ 314).
خامسها: فيه أن الإِمام يخفف الصلاة، على الشرط والتفصيل الذي أسلفناه.
سادسها: فيه ذكر الأحكام للناس بعللها.
سابعها: جواز حضور الضعيف والسقيم وسائر من به ضعف الجماعة، وفي الصحيح (1):"إني لأسمع بكاء الصبي فأتجوز فيها" وقد سلف، ومذهب مالك أنه لا ينبغي أن يدخل الصبى المسجد، إلَّا أن يكون مميزًا يعقل الصلاة.
ثامنها: فيه مراعاة الضعفاء في أمور الآخرة وكذلك في أمور الدنيا ومنه الحديث (2): "سيروا لسير أضعفكم".
تاسعها: فيه دليل واضح على أن الجماعة ليست شرطًا للصحة لقوله: "فليطول ما شاء" وقد أسلفنا الخلاف في ذلك في موضعه.
عاشرها: قوله: "فليطول ما شاء" ظاهر في تطويل كل في ذلك الأركان، واستثنى بعض أصحابنا الاعتدال والجلوس بين السجدتين
لقصرهما، والحق تطويلهما.
(1) البخاري (709)، ومسلم (470)، والترمذي (376)، وابن ماجه (989)، والبغوي (845)، والبيهقي (2/ 393، 3/ 109)، وابن خزيمة (1610).
(2)
انظر: كشف الخفاء (1/ 563)، والأسرار (221)، ولفظه:"سيروا على سير أضعفكم".