المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الخامس والسادس - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌6 - باب الجنابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌7 - باب التيمم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌8 - باب الحيض

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌9 - باب المواقيت

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس والسادس

- ‌الحديث السابع

- ‌11 - باب الأذان

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌12 - باب استقبال القبلة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌13 - باب الصفوف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌14 - باب الإِمامة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

الفصل: ‌الحديث الخامس والسادس

‌الحديث الخامس والسادس

63، 64/ 5/ 10 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم[ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب] (1) وركعتين بعد العشاء"(2).

وفي لفظ: "فأما المغرب والعشاء والجمعة ففي بيته"(3).

وفي لفظ: "أن ابن عمر قال: حدثتني حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم. كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها"(4).

الكلام عليه من وجوه:

(1) هذا ساقط من الأصل.

(2)

البخاري (937، 1165، 1180)، ومسلم (729، 882) في الجمعة، ومالك في الموطأ (1/ 166)، والترمذي (433)، والنسائي (2/ 119)، وأبو داود (1252).

(3)

البخاري (1172)، ومسلم (729).

(4)

البخاري (1172).

ص: 394

أحدها: في راويهما وقد تقدم بيان حال ابن عمر في باب الاستطابة.

وأما حفصة: فهي أم المؤمنين.

قيل: إنها ولدت قبل المبعث بخمسة أعوام، تزوجها صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة.

وقيل: سنة اثنين، روت ستين حديثًا، اتفقا منها على ثلاثة.

وقال ابن الجوزي: على أربعة، وانفرد مسلم بستة، وقد بسطت ترجمتها فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب،

وحكيت ستة أقوال في وفاتها منها سنة خمسين.

ثانيها: هذا الحديث لا يظهر له مناسبة في هذا الباب، فإن كان [أراد] (1) أن قول ابن عمر:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" معناه: اجتمع معه في الصلاة [فليست الدلالة على ذلك قوية، فإن المعية مطلقًا أعم من المعية في الصلاة](2) وإن كان محتملًا، ومما يقتضي أنه لم يرد ذلك أنه أورد عقبه حديث عائشة الآتي إثر هذا، لا تعلق له بصلاة الجماعة، نبّه على ذلك الشيخ تقي الدين (3).

وقد يقال: الظاهر من فعل ابن عمر هذه السنن بحضرته - عليه أفضل الصلاة والسلام - أن يكون عقب فعل الفرض، ويبعد

منه وقوع صلاة الفرض وحده بحضوره، وحينئذ فقد ظهر وجه المناسبة.

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

إحكام الأحكام (2/ 165) مع الحاشية.

ص: 395

وقد يجاب أيضًا: بأن حكمة شرعية النوافل تكميل الفرائض، فإن عرض فيها نقص كما ثبت في سنن أبي داود (1) وغيره

[وارتاض](2) نفسه بتقديم النافلة، وينشط لها، ويتفرغ قلبه أكمل فراغ لها، ولهذا استحب أن تفتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين (3)، فلما ذكر المصنف المقارن للصلاة وهو الجماعة، ذكر السابق واللاحق، فالجميع مكملات الفريضة.

ثالثها: هذا الحديث يتعلق بالسنن الرواتب التي قبل الفرائض وبعدها، ويدل على هذا العدد منها.

وقد اختلفت الأحاديث في أعداد الركعات الرواتب قولًا وفعلًا.

وقد اختلفت مذاهب الففهاء في الاختيار لتلك الأعداد.

والمروي عن مالك أنه [قال](4): لا توقيت في ذلك.

(1) ولفظ من حديث تميم الداري مرفوعًا: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمها كتبت تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله تعالى للملائكة: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع تكملون به فريضته". أخرجه أحمد (4/ 65، 103، 5/ 377، 72)، من رواية تميم ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه (1426)، والنسائي (1/ 234، 7/ 83)، من رواية أبي هريرة.

(2)

في ن ب (ولا ترتاض).

(3)

أخرجه مسلم من حدث زيد بن خالد الجهني والترمذي والنسائي وابن ماجه، وأبو داود عون المعبود رقم (1353).

(4)

في ن ب ساقطة.

ص: 396

قال ابن القاسم صاحبه: وإنما توقف في هذا أهل العراق. والمتفق عليه عند الشافعية أن الرواتب المؤكدة ما في هذا الحديث.

وفي البخاري (1) من حديث عائشة أيضًا: "كان لا يدع أربعًا قبل الظهر" وليس للعصر ذكر في الصحيحين وفي الترمذي (2) محَسِّنًا من حديث علي رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام: "كان يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم" وفيه أيضًا مصححًا من حديث أم حبيبة (3): "من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار" وفي صحيح البخاري (4)

(1) البخاري رقم (1182).

(2)

الترمذي (429). انظر: تلخيص الحبير (1/ 272)، وقد صححه أحمد شاكر رحمه الله برقم (598).

(3)

الترمذي (428). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك (1/ 312). قال أحمد شاكر رحمه الله: وهذا إسناد صحيح، والنعمان بن المنذر ثقة، فهذه أسانيد ثلاثة للحديث صحاح.

(4)

البخاري رقم (1183)، وأبو داود في الصلاة (1281)، باب: الصلاة قبل المغرب، والبيهقي في السنن (2/ 474)، والبغوي في شرح السنة (894)، وابن خزيمة (1289). قال شيخ الإِسلام رحمه الله في الفتاوى (22/ 281)، وقد ثبت عنه في الصحيح عن عبد الله بن مغفل:"بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة. وقال: في الثالثة لمن شاء" كراهية أن يخذها الناس سنة. وثبت في الصحيح أن أصحابه كانوا يصلون بين أذان المغرب وإقامتها ركعتين، وهو يراهم ولا ينهاهم. فإذا كان التطوع بين أذاني المغرب مشروعًا فلأن يكون مشروعًا =

ص: 397

من حديث ابن مغفل الأمر بالصلاة قبل المغرب، وهذه ليست مؤكدة بل مستحبة على الأصح بخلاف الأول، واختلاف الأحاديث في أعدادها محمول على التوسعة فيها، وأن لها أقل وأكمل، فيحصل [أصل](1) السنة [بالأقل](2) والأكمل بالأكثر، [وكذلك القول في الضحى والوتر يحصل أصل السنة بالأقل والأكمل بالأكثر](3)، وما بينهما أوفى الكمال هذا ما يتعلق بالنوافل المقيدة.

وأما النوافل المطلقةِ وتسمى: المرسلة، فقد بسط الشيخ تقي الدين (4) رحمه الله الكلام فيه أحسن بسط، فقال الحق والله أعلم في هذا الباب أعني ما ورد فيه أحاديث بالنسبة إلى التطوعات والنوافل المرسلة، أن [كل](5) حديث صحيح دل على استحباب عدد من هذه الأعداد، أو هيئة من الهيئات، أو نافلة من النوافل، يعمل به في استحبابه، لم تختلف مراتب ذلك المستحب، فما كان الدليل دالًا على تأكده،- إما بملازمته فعلًا، وإما بكثرة فعله، وإما بقوة دلالة

= بين أذاني العصر والعشاء بطريق الأولى. لأن النسبة تعجيل المغرب باتفاق العلماء. فدل على أن الصلاة قبل المغرب والعصر والعشاء من التطوع المشروع. وليس هو من السنن الراتبة التي قررها بقوله: ولا دوام عليها بفعله. ومن ظن أنه كان له سنة يصليها قبل العصر قضاها بعد العصر فقد غلط.

(1)

في ن ب ساقطة.

(2)

في الأصل (الأكمل)، والصحيح من ن ب.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

أحكام الأحكام (2/ 150) مع الحاشية.

(5)

في الأصل (كان)، والصحيح من ن ب.

ص: 398

اللفظ على تأكيد الحكم فيه، وإما [بمعاضدة](1) حديث آخر له أو أحاديث فيه حكم بعلو مرتبته في الاستحباب، وما نقص عن ذلك كان بعده في [الرتبة](2)، وما ورد فيه حديث لا ينتهي إلى الصحة، فإن كان حسنًا عمل به إن لم يعارضه صحيح أقوى منه، وكانت مرتبته ناقصة عن هذه المرتبة [الثانية] (3) أعني: الصحيح الذي لم يدم عليه أو لم يؤكد [اللفظ](4) في طلبه، وما كان ضعيفًا لا يدخل في حيز الموضوع، فإن أحدث شعارًا في الدين منع منه، وإلَّا فهو محل نظر يحتمل أن يقال: إنه مستحب لدخوله تحت العمومات المقتضية لفعل الخير واستحباب الصلاة، ويحتمل أن يقال: هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال أو الهيئة والفعل المخصوص يحتاج إلى دليل خاص يقضي استحبابه بخصوص وهذا أقرب. ثم نبه بعد ذلك على أمور:

أحدها: إنا حيث قلنا في الحديث الضعيف: إنه يحتمل أن بعمل به لدخوله تحت العمومات، فشرطه أن لا يقوم دليل على المنع منه أخص من تلك العمومات، مثال الصلاة المذكورة في ليلة أول جمعة من رجب (5) لم يصح فيها الحديث ولا حُسن، فمن أراد فعلها

(1) في ن ب (بمعاصرة)، وهو تصحيف. وانظر: إحكام الأحكام (2/ 151)، للاطلاع على اختلاف النسخ.

(2)

في ن ب (المرتبة)، وإحكام الأحكام.

(3)

في ن ب ساقطة، ومثبتة في إحكام الأحكام.

(4)

في الأصل ساقطة، والصحيح في ن ب.

(5)

انظر ت (5/ 402).

ص: 399

إدراجًا لها تحت العمومات الدالة على [فضل](1) الصلاة والتسبيحات لم يستقم، لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام، وهذا أخص من العمومات الدالة على فضيلة مطلق الصلاة.

الثاني: أن هذا إلاحتمال الذي قلناه [في](2) جواز إدراجه تحت العمومات يريد به في الفعل لا في الحكم باستحباب ذلك الشيء المخصوص بهيئته الخاصة؛ لأن الحكم باستحبابه على هيئته الخاصة يحتاج دليلًا شرعيًّا عليه ولا بد، بخلاف ما إذا فعل بناء على أنه من جملة الخيرات التي لا تختص بذلك الوقت ولا بتلك الهيئة، فهذا الذي قلنا باحتماله.

الثالث: قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين، ومثال ما أحدثه الروافض من عيد ثالث سموه: عيد الغدير، وكذلك الاجتماع وإقامة شعاره في وقت مخصوص على شيء لم يثبت شرعًا، وقريب من ذلك أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص، فيريد بعض الناس أن يحدث فيها أمرًا آخر لم يرد به الشرع، زاعمًا أنه يدرجه تحت عموم؛ فهذا لا يستقيم، لأن الغالب على العبادات التعبد، ومأخذها التوقيف، وهذه الصور حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه، فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول، ولعل مثال ذلك: ما ورد [في](3) رفع اليد [في

(1) في ن ب (فعل).

(2)

في ن ب (عن).

(3)

في ن ب (من).

ص: 400

القنوت، فإنه قد صح رفع اليد] (1) في الدعاء مطلقًا.

قال بعض الفقهاء: ترفع اليد في القنوت، لأنه دعاء فيندرج تحت الدليل الذي يقتضي استحباب رفع اليد في الدعاء.

وقال غيره: يكره لأن الغالب على هيئة العبادة والعبد التوقف، والصلاة تصان عن زيادة عمل غير المشروع فيها، فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليدين في القنوت كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن العمل الذي لم يشرع أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء.

قلت: قد روى البيهقي (2) الرفع فيه بإسناد جيد، كما ذكرته في "شرح المنهاج".

الرابع: ما ذكرنا من المنع تارة يكون منع تحريم، وتارة يكون منع كراهة، ولعل ذلك يختلف بحسب ما يفهم من نفس الشرع [من](3) التشديد في الابتداع بالنسبة إلى ذلك الجنس، [و](4) التخفيف؛ ألا ترى أنا إذا نظرنا إلى البدع المتعلقة بأمور الدنيا لم تساوِ الدع المتعلقة بأمور الأحكام الشرعية أو لعلها -أعني البدع

(1) زيادة من ن ب.

(2)

البيهقي (3/ 41). قال شيخ الإِسلام رحمه الله في الفتاوى (22/ 519)، وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء فقد جاء في أحاديث كثيرة صحيحة.

(3)

زيادة من ن ب.

(4)

في ن ب (أو).

ص: 401

المتعلقة بأمور الدنيا] (1) لا تكره أصلًا، بل يحرم في كثير منها [بعدم](2) الكراهة، وإذا [نظر](3) إلى البدع المتعلقة بالأحكام الفرعية لم تكن مساوية للبدع المتعلقة بأصول العقائد.

قال الشيخ: فهذا ما أمكن ذكره في هذه المواضع مع كونه من المشكلات القوية لعدم الضبط فيه بقوانين [تقدم](4) ذكرها

للتابعين، وقد تباين الناس في هذا الباب تباينًا شديدًا، حتى بلغني أن بعض المالكية مرّ في ليلة من إحدى ليلتي الرغائب، أعني في رجب أو التي في شعبان (5) بقوم يصلونها، وقوم عاكفين على محرم، فحسن حال العاكفين على المصلين لتلك الصلاة، وعلل ذلك بأن العاكفين عالمون بارتكاب المعصية فيرجى لهم الاستغفار والتوبة، والمصلون لتلك الصلاة في امتناعها عنده يعتقدون أنهم في طاعة فلا يتوبون ولا يستغفرون قال: والتباين في هذا يرجع إلى الحرف الذي

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب (بعد).

(3)

في ن ب (نظرنا).

(4)

زيادة من ن ب.

(5)

سئل شيخ الإِسلام رحمه الله عن الصلاة الرغائب هل هي مستحبة أم لا؟ فأجاب هذه الصلاة لم يصلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا الأئمة، ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها- والحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بذلك، ولهذا قال المحققون أنها مكروهة غير مستحبة، والله أعلم. للاستزادة انظر: الفتاوى (23/ 131، 132، 414، 23/ 132، 135، 24/ 201، 202) ومساجلة علمية بين ابن الصلاح والعز بن عبد السلام تحقيق الألباني.

ص: 402

ذكرنا، وهو إدراج الشيء المخصوص تحت العمومات أو طلب دليل خاص على ذلك الخاص، وميل المالكية إلى هذا الثاني، وورد عن السلف الصالح ما يؤيده في مواضع، ألا ترى أن ابن عمر قال في صلاة الضحى "إنها بدعة" لأنه لم يثبت عنده فيها دليل، ولم ير إدراجها تحت عمومات الصلاة لتخصيصها بالوقت المخصوص، وكذلك قال في القنوت الذي [كان] (1) يفعله الناس في عصره: إنه بدعة. ولم ير إدراجه تحت عمومات الدعاء.

وكذلك ما روى الترمذي (2) من قول عبد الله بن مغفل لابنه في الجهر بالبسملة: "إياك والحدث" ولم ير إدراجه تحت دليل

عام [وكذا](3) ما جاء عن ابن مسعود [النهي](4) فيما خرجه الطبراني (5) عن قيس بن أبي حازم قال: ذكر [لابن مسعود

[قاص](6)[يجلس](7) بالليل، ويقول للناس: قولوا كذا،

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

الترمذي (244)، وقال: حديث حسن. قال أحمد شاكر بعد أن ساق رواية مخرجة في المسند فيها التصريح باسم ابن عبد الله بن مغفل "يزيد بن عبد الله"(4/ 85): وهذا إسناد صحيح، لأن رواية الترمذي مبهم اسم ابن عبد الله بن مغفل.

(3)

في ن ب (ولذلك).

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

انظر الطبراني الكبير (9/ 125، 128)، وقد ورد عدة روايات عن ابن مسعود في النهي عن البدع والتشديد فيها.

(6)

في الأصل (قال)، وفي ن ب (قوم)، وما أثبت من إحكام الأحكام.

(7)

في الأصل (يجلسون)، وما أثبت من ن ب وإحكام الأحكام.

ص: 403

قولوا] (1) فقال: إذا رأيتموه فأخبروني. قال: فأخبروه. فجاء عبد الله متقنعًا، فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا

عبد الله بن مسعود (2): إنكم لأهدى من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يعني وإنكم [المتعلقون] (3) بذنب ضلالةٍ" وفي رواية:"لقد جئتم ببدعة ظلماء، أو لقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علمًا" فهذا ابن مسعود أنكر هذا الفعل مع إمكان إدراجه تحت عموم فضيلة الذكر، على [أن](4) ما حكيناه في القنوت والجهر بالبسملة من باب

الزيادة في العبادات، هذا آخر كلام الشيخ تقي الدين (5) وهو من النفائس.

ويجاب على تقدير ثبوت ذلك عنهم أنه محمول على أنه لم تبلغهم الأحاديث الخاصة فيه، أو أنه إقترن به أمر من زيادة أو ترك واجب شرعي، أو استدراج بذلك إلى مفاسد علموها؛ وإلَّا فالأحاديث الصحيحة ثابتة [بالأمر](6) بالذكر فرادى ومجتمعين، والحث عليه وعلى صلاة الضحى والدعاء في الصلاة وكذا القنوت في الصبح.

واعترض عليه بعض المالكية فيما ذكره من الجهر بالبسملة،

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب زيادة (تعلمون).

(3)

في ن ب (متعلقون).

(4)

زيادة من ن ب.

(5)

إحكام الأحكام (1/ 173).

(6)

زيادة من ن ب.

ص: 404

فقال: ليس النهي عن مجرد [الجهر](1)، بل النهي عن زيادة البسملة في [أول](2) الفاتحة، لأنه عليه السلام وأبا بكر وعمر وعثمان وعليًا لم يكونوا يقرءون بها، كما جاء مصرحًا به في الصحيح (3) وهذا منه غلط، بل الحديث المذكور مؤول بل [معلول](4)، وقد ذكرت وجه تعليله في "تخريجي لأحاديث منهاج البيضاوي في الأصول" فراجعه منه [وسأذكره إن شاء الله عند وصولي إلى موضعه](5).

[وأما](6) إمامنا الشافعي رضي الله عنه كما نقله البيهقي في مدخله سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه.

أحدها: ما أنزل الله -تعالى- فيه نص بالكتاب [فسن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل نص الكتاب](7).

والثاني: ما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين عن الله معنى ما أراد بالجملة، وأوضح كيف فرضها أعامًّا أم خاصًّا، وكيف أراد أن

تأتي به العباد.

(1) في ن ب (النهي).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بـ"الحمد لله رب العالمين"، البخاري (743).

(4)

في ن ب (معلوم).

(5)

زيادة من ن ب.

(6)

في ن ب (وقال).

(7)

زيادة من ن ب.

ص: 405

والثالث: [ما سنه](1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه نص كتاب، فمنهم من قال: جعله -تعالى- له بما افترض من طاعته، وسبق في علمه من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب.

ومنهم من قال: لم يسن سنة قط إلَّا ولها أصل في الكتاب، كما كانت سنته ليبين عدد الصلاة وعملها عن أصل جملة فرض الصلاة، وكذلك ما سن من البيوع وغيرها من الشرائع لأن الله -تعالى- قال:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (2) وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (3) فما أحل وحرم فإنما بيّن فيه عن الله، كما بين الصلاة.

ومنهم من قال: جاءته رسالة الله -جلّ ثناؤه- فأثبتت به سنة بفرض الله عز وجل.

ومنهم من قال: أُلقي في روعه كل ما سن وسببه الحكمة التي ألقيت في روعه عن الله -جلّ ثناؤه- هذا آخر كلامه. وفيه بيان

لمعرفة وجوه السنة وما هي؟

وقال غيره: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله أو فعله أو حاله وتقريره كما اطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القول والفعل أو الحال بحضرته وسكت عليه [فالحاصل أن السنة في المعنى الشرعي أمر بين الغلو والإِهمال، أعاننا الله على القيام بها على أوفى حال](4).

(1) زيادة من ن ب.

(2)

سورة النساء: آية 29.

(3)

سورة البقرة: آية 275.

(4)

في ن ب ساقطة.

ص: 406

الوجه الرابع: من الكلام على الحديث فيه فعل النافلة في البيت والمسجد، نعم اختلف العلماء هل التنفل إثر الفرائض في

المسجد أفضل أم في البيت على ثلاثة أقوال:

أحدها: وهو مذهب الشافعي وقاله النخعي وغيره: إن فعلها في البيت أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل صلاة المرء في بيته إلَّا المكتوبة"(1) وعلل بخشية اختلاطها بالفرائض، ولئلا تخلى البيوت من الصلاة.

وثانيها: إن فعلها أثر الصلاة في المسجد أجمع للخاطر، حكاها القاضي عياض عن قوم.

وثالثها: الفرق بين الليل والنهار، ففي النهار في المسجد أفضل، وفي الليل البيت أفضل، حكاه القاضي عن مالك والثوري.

واستدل مالك بقوله: "فأما المغرب والعشاء والجمعة، ففي بيته"، وهو دال على [أن](2) ما سوى ذلك كان في المسجد، وما سوى المغرب والعشاء هو راتب النهار.

قلت: هذه الرواية التي استدل بها قد ذكر فيها سنة الجمعة وهي نهارية فلا يحسن الاستدلال بها إذن؛ والحديث السالف عام في جميع النوافل الراتبة مع الفرائض، إلَّا في سنة الجمعة التي قبلها، وإلَّا في النوافل التي هي شعار الإِسلام: كالعيد والكسوف والاستسقاء وغير ذلك مما أوضحته في "شرح المنهاج"، فراجعه

(1) سبق تخريجه.

(2)

في ن ب ساقطة.

ص: 407

منه. وفي بعض الروايات التصريح بأنه عليه السلام صلّى سنة الصبح في بيته، وهي صلاة نهار، فهو مما يرد على من فصّل أيضًا.

ولو قيل: فعلها في البيت أفضل إلَّا أن يكسل عن فعلها فيه ففي المسجد أفضل لم يبعد.

واعلم أن ابن حبان (1) روى في صحيحه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد الجمعة في المسجد، [ولم يُرَ يصلي بعد الجمعة يوم الجمعة ركعتين في المسجد، وكان ينصرف إلى بيته قبل ذلك اليوم]. وهو محمول على بيان المشروعية منه صلى الله عليه وسلم وكذا حديث حذيفة أنه عليه السلام: "صلى المغرب فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الآخرة" أخرجه الترمذي (2) معلقًا قبيل أبواب الزكاة، وقال: فيه دلالة أنه عليه السلام صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد (3).

(1) ابن حبان (6/ 233)، وما بعده بين القوسين ساقط من الأصل، وأضيف من ابن حبان وابن خزيمة. وضعف الحديث الألباني في صحيح ابن خزيمة (3/ 183).

(2)

الترمذي (2/ 501). قال أحمد شاكر رحمه الله: وأخرجه أحمد في المسند (5/ 414)، ثم قال: وهذا إسناد جيد حسن أو صحيح.

(3)

قال أحمد شاكر رحمه الله: "يجمع بين الأحاديث بأن النهي للتنزيه، وأن صلاتهما في المنزل أفضل"، حيث إنه قال في التعليق على كلام الترمذي عند قوله:"والصحيح ما روي عن ابن عمر قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته". أخرجه البخاري والترمذي وغيرهم، قال أحمد شاكر: وتعليل الترمذي غير جيد، فإن الحديث الفعلي المؤيد للحديث القولي، لا يكون علة له. اهـ. (2/ 501).

ص: 408

الخامس: قول حفصة رضي الله عنها: "وكان يصلي سجدتين". المراد بهما: ركعتا الفجر، فهو من باب إطلاق الجزء

على الكل.

السادس: فيه أن سنة الصبح لا يدخل وقتها إلَّا بطلوع الفجر، ولا أعلم فيه خلافًا.

السابع: فيه أيضًا استحباب تخفيفهما وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور (1).

وقال بعض السلف (2): لا بأس بإطالتهما، ولعله أراد أن الإِطالة ليست محرمة ولا نزاع في ذلك.

وبالغ قوم فقالوا: لا قراءة فيها أصلًا، حكاه الطحاوي والقاضي، وهو غلط، والأحاديث الصحيحة ترده.

فقد صح أنه عليه السلام قال: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن"(3).

وصح أنه عليه السلام كان يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} . {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (4)[وقوله](5) تعالي:

(1) انظر: الاستذكار (5/ 299). وقد ساقه بمعناه من شرح النووي لمسلم (6/ 3، 4).

(2)

وهو مروي عن الثوري وأبي حنيفة. انظر: الاستذكار (5/ 299).

(3)

أخرجه البخاري في جزء القراءة، وأحمد، والترمذي (2/ 25). انظر: تلخيص الحبير (1/ 231) فقد حسنه.

(4)

أخرجه الترمذي (2/ 417)، وأبو داود عون المعبود (1243)، ومسلم في الصحيح.

(5)

في ن ب (وبقوله).

ص: 409

{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا

} (1) الآيتان.

واستحسن الغزالي في كتابه "وسائل الحاجات"(2) أن يقرأ في الأولى {أَلَمْ نَشْرَحْ} وفي الثانيه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} وقال: إن ذلك يردّ شر ذلك اليوم (3).

وفي "فضائل القرآن العظيم" لأبي العباس الغافقي (4) أنه عليه السلام "أمر رجلًا شكى إليه شيئًا أن يقرأ في الأولى والثانية بذلك".

وتوسط مالك وجمهور أصحابه (5)، فقال: لا يقرأ غير الفاتحة، وهو مخالف للسنة الصحيحة المذكورة التي لا معارض لها.

وفي مختصر ابن شعبان (6) عندهم يقرأ فيها بأم القرآن وسورة

(1) أبو داود (1247)، ومسلم في الصحيح.

(2)

ذكره ضمن كتب ابن الصلاح في هدية العارفين (1/ 654)، باسم:"تعليقه على شرح الوسائل للغزالي".

(3)

هذا ليس عليه دليل من كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4)

هو عبد الواحد بن محمد الغافقي الباهلي المقرىء المالكي المتوفي سنة (750)، له مؤلفات منها:"أصول الخمسة التي بنى عليها الإِسلام"، و"المنتخب في فضائل القرآن"، ومعجم المؤلفين (6/ 212)، وهدية العارفين (1/ 635).

(5)

انظر: الاستذكار (5/ 299).

(6)

هو العلامة أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيعة العمّاري، من ولد عمار بن ياسر له التصانيف البديعة، منها: "كتاب =

ص: 410

من قصار المفصل.

الثامن: قوله: "وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها" هذا بيان لعذره في عدوله عن المعاينة لفعله عليه السلام إلى إخبار حفصة رضي الله عنها وفيه تنبيه على أنه لا يعدل في تحصيل العلم إلى خبر الواحد إلَّا لعذر، وإن كان حجة [كما سيأتي](1).

التاسع: في الرواية الأخيرة دلالة على رواية الأخ عن أخيه ذكرًا كان أو أنثى.

العاشر: أخذ العلم عن المرأة خصوصًا إذا كانت أعلم بالواقعة والحالة.

الحادي عشر: قبول خبر الواحد، وهو مذهب العلماء من جميع الطوائف، خلافًا لبعضهم، وعمل [بخبر الواحد من الصحابة فمن بعدهم](2)[فيما لا يحصى من الأحكام](3).

الثاني عشر: عدم الدخول على الشخص في ذلك الوقت والاستئذان عليه.

= الزاهي"، و"مناقب مالك" و"كتاب المنسك"، و"مختصر ما ليس في المختصر". مات في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.

ترجمته: سير أعلام النبلاء (16/ 78)، والديباج المذهب (2/ 194).

(1)

زيادة من ن ب.

(2)

زيادة من ن ب.

(3)

ساقطة من ن ب.

ص: 411

الثالث عشر: فيه أيضًا الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في النوافل، وفعلها وتتبعها ونقلها؛ إن حملت المعية المذكورة في الحديث على المعية في الصلاة، وقد تقدم ما فيه في الوجه الثاني من الكلام على الحديث.

ص: 412