الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
68/ 3/ 11 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى [تسمعوا] (1) أذان ابن أم مكتوم"(2).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف براويه وبما وقع فيه من الأسماء أما ابن عمر وبلال فتقدما وأما ابن أم مكتوم فالأكثرون على أن اسمه [عمر](3) بن قيس، وقيل: كان اسمه الحصين، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبد الله.
أمه: عاتكة بنت عبد الله كان قديم الإِسلام بمكة وهاجر إلى المدينة [و](4) قدمها بعد بدر بيسير، قاله الواقدي.
(1) الذي في متن العمدة (يؤذن ابن أم مكتوم)، وما أثبت يوافق ما في إحكام الأحكام.
(2)
البخاري (617، 620، 623، 1918، 2656، 7248)، ومسلم (1092)، والترمذي (203)، وأحمد (2/ 9، 57، 73، 79، 107، 123)، والدارمي (1/ 270)، والنسائي (2/ 10).
(3)
في ن ب (عمرو).
(4)
في الأصل ساقطة.
وقيل: قدمها مع مصعب بن عمير قبل قدومه [عليه السلام](1) حكاه أبو عمر، وكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بلال، واستخلفه على المدينة ثلاث عشرة مرة، كما جزم به أبو عمر، شهد فتح القادسية ومعه راية سوداء، وعليه درع، وقتل شهيدًا بها. وقال الواقدي: رجع منها إلى المدينة فمات ولم يسمع له بذكر بعد عمر بن الخطاب.
قلت: وكان رجلًا أعمى، ذهب بصره بعد بدر بسنتين (2)، وذكر أبو القاسم البغوي: أنه عليه السلام استعمله يوم الخندق.
ثانيها: في الحديث ما كان [عليه السلام](3) من المحافظة على أمر ربه سبحانه وتعالى في بيان الشرائع والأحكام دقها وجلها؛ فإن الله جعل البيان إليه فقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (4).
ثالثها: فيه جواز الأذان للصبح قبل طلوع الفجر الصادق في الصوم وغيره، وهو حجة على أبي حنيفة والثوري (5) من أنه
(1) في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(2)
قال ابن باز -غفر الله لنا وله- في تعليقه على الفتح (2/ 100): هذا فيه نظر، لأن ظاهر القرآن يدل على أنه عمي قبل الهجرة، لأن سورة عبس النازلة فيه مكية. وقد وصفه الله فيها بأنه أعمى، فتنبه.
(3)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(4)
سورة النحل: آية 44.
(5)
حيث منعوا الأذان قبل دخول الوقت وذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور واستدلوا بهذا الحديث واحتج المانعون بحديث ابن عمر إن =
لا يؤذن لها إلَّا بعد طلوع الفجر، ومن جهة المعنى إنباه النائم وتأهبه لإِدراك فضيلة أول الوقت، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في حديث ابن مسعود:"لا يمنعن [أحدكم] (1) أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي [بليل] (2) ليرجع قائمكم [ولينبه] (3) نائمكم"(4).
وفي "شرح التنبيه" لابن الحلي عن أحمد: أنه كره الأذان للصبح قبل الوقت في رمضان خاصة.
قال صاحب "الإِقليد": وتقديمه على سبيل الاستحباب لا على سبيل الجواز، كما أطلقه الأكثرون وذلك في عبارة الشافعي.
[رابعها](5): فيه وجوب البيان عند الاشتباه، فإنه لما كان الأكل والشرب جائز إلى طلوع الفجر الثاني للصائم، والأذان في
= بلالًا أذن في الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فينادي الآ إن العبد نام فرجع فنادى"، رواه أبو داود في سننه وصحح وقفه على ابن عمر في أذان مؤذن له يقال له مسعود؛ وأجاب الجمهور بضعفه. ضعفه الشافعي وعلي بن المديني والذهبي وغيره. وعارضه على تقدير صحته ما هو أصح منه. قال البيهقي: والأحاديث الصحاح مع فعل أهل الحرمين أولى بالصواب. انظر: الفتح (2/ 103)، وسيأتي تخريجه في ت (25).
(1)
في ن ب (أحد منكم).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (فلينبه).
(4)
أخرجه البخاري برقم (621)، وأيضًا أبو داود في المختصر (2246)، وأيضًا أحمد في المسند (3654، 3717، 4147) تحقيق أحمد شاكر، وأيضًا جاء من رواية عدة من الصحابة سلمان وعائشة.
(5)
في ن ب ساقطة.
العادة مانع منهما بين حكمه صلى الله عليه وسلم وهو عدم الامتناع منهما بأذان بلال إلى سماع آذان ابن أم مكتوم، ومن هذا كقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} (1) فجعل حتى غاية للتبيين.
قال ابن عطية (2): والمراد به فيما قال جميع العلماء بياض النهار وسواد الليل، وهو نص قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم في حديثه المشهور (3).
قال: واختلف في الحد الذي يجب به الإِمساك.
فقال الجمهور: بطلوع أول الفجر الصادق.
وروي عن عثمان وحذيفة وابن عباس وطلق وعطاء والأعمش وغيرهم: أن الإِمساك يجب بتبيين الفجر [من](4) الطرق وعلى
رؤوس الجبال.
وذكر عن حذيفة أنه قال: "تسحرت مع رسول صلى الله عليه وسلم وهو النهار
(1) سورة البقرة: آية 187.
(2)
المحرر الوجيز (2/ 91).
(3)
ولفظه في البخاري (1916)، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه لما نزلت:{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت انظر في الليل فلا يتبين لي، فغدوت على رسول صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فقال:"إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار". اهـ.
(4)
لعلها (في) أقرب إلى المعنى، والله أعلم.
إلَّا أن الشمس لم تطلع" (1).
"وروي عن علي أنه صلى الصبح بالناس ثم قال الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود"(2).
قال الطبري: "ومما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هو في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس لأن آخره
غروبها فكذلك أوله طلوعها" (3).
(1) أخرجه ابن ماجه برقم (1695)، وأحمد في المسند (5/ 400)، والنسائي (1/ 303)، وابن حزم في المحلى (6/ 232)، وقال ابن حجر في الفتح (4/ 136): إنه رواه سعيد بن منصور عن أبي الأحوص، عن زر، عن حذيفة، وساقه بلفظه، وأخرجه الطحاوي من وجه آخر عن عاصم نحوه. وروى ابن أبي شيبة وعبد الرازق ذلك عن حذيفة من طرق صحيحه. اهـ. وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 324)، وانظر: تفسير الطبري تحقيق أحمد شاكر رقم (3011).
(2)
تفسير الطبري تحقيق أحمد شاكر -رحمنا الله وإياه- (3001، 3010).
قال ابن حجر في الفتح (4/ 136) بعد أن ساقه بلفظه: وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي.
(3)
قال الطبري رحمه الله في تفسيره (3/ 524)، وعلة من قال هذا القول: إن الوقت إنما هو النهار دون الليل، قالوا وأول النهار طلوع الشمس، كما أن آخره غروبها. قالوا: ولو كان أوله طلوع الفجر لتوجب أن يكون آخره غروب الشفق. قالوا: وفي إجماع الحجة على إن آخر النهار غروب الشمس. دليل واضح على أن أوله طلوعها، قالوا: وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تسحر بعد طلوع الفجر. أوضح الدليل على صحة قولنا. اهـ. هذا كلامه بنصه.
وحكى النقاش عن الخليل أن النهار من طلوع الفجر، ويدل على ذلك قوله -تعالى-:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} (1). والقول
في نفسه صحيح قال [وقد ذكرت](2) حجته في تفسير قوله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (3) قال: وفي الاستدلال بهذه الآية نظر.
خامسها: اختلف أصحابنا في دخول وقت هذا الأذان على أوجه خمسة أوضحتها في شرح المنهاج.
وأصحها عندهم: أنه يدخل من نصف الليل لأنه بمضيّه ذهب المعظم.
وأقربها عندي: أنه يؤذن قبيل طلوع الفجر في السحر، وهو ظاهر المنقول عن بلال وابن أم مكتوم فإن في الصحيح (4) أنه ليس بين أذانهما إلَّا أن ينزل [ذا](5) ويرقى [ذا](6) مقيد لإِطلاق الحديث المذكور أن بلال يؤذن بليل.
وضبط ابن أبي الصيف (7) في "نكته" في الصيام، السحر: بالسدس الأخير.
(1) سورة هود: آية 108.
(2)
في الأصل (وقوله لزمته)، وما أثبت من ن ب.
(3)
سورة البقرة: آية 160.
(4)
البخاري (1918، 1919).
(5)
في ن ب (هنا).
(6)
في الأصل ون ب (هذا)، وما أثبت من صحيح البخاري، وفي صحيح ابن خزيمة (1/ 210).
(7)
طبقات الشافعية (2/ 63) لابن قاضي شهبة و "نكتة على التنبيه".
وعبارة القاضي حسين الصحيح: أنه يؤذن في نحو السحر؛ لئلا يؤدي إلى اشتباه الأمر على الناس.
وضبط المتولي ذلك ما بين الفجر الصادق والكاذب.
وعبارة ابن يونس في "شرحه للتنبيه" في حكايته هذا الوجه ما نصه، وقيل: يؤذن [قبل](1) الصبح كوقت السحور.
وقال الشيخ تقي الدين: الذين قالوا بجواز الأذان للصبح قبل وقته اختلفوا في وقته. وذكر بعض أصحاب الشافعي أنه يكون في وقت السحر بين الفجر الصادق والكاذب ويكره التقديم على ذلك الوقت. قال: وقد يؤخذ من الحديث ما يقرب من هذا وهو أن قوله [عليه السلام](2)"أن بلال يؤذن بليل" إخبار يتعلق به فائدة للسامعين قطعًا، وذلك إذا كان وقت الأذان مشتبهًا محتملًا لأن يكون عند طلوع الفجر [فتبين أن](3) ذلك لا يمنع الأكل والشرب إلَّا عند طلوع الفجر الصادق، وذلك يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر.
قلت: ووقع في الأذكار (4) للنووي: حكايته وجه أنه يؤذن لها بعد ثلثي الليل وهو غريب، فالذي حكاه في غيره من كتبه أنه يؤذن لها بعد وقت العشاء المختار وهو ثلث الليل في قول، ونصفه في قول.
(1) في ن ب (قبيل).
(2)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(3)
في ن ب (فبين ذلك).
(4)
الأذكار (30).
ومن الأوجه البعيدة أن الليل كله وقت له، كما أنه وقت لنية صوم الغد.
ونقل القاضي عياض عن بعضهم: أنه لا يجوز تقديمه قبل الفجر إلَّا إذا كان ثم مؤذن آخر يؤذن بعد الفجر.
وفي "الإِحياء"(1) للغزالي في باب الأمر بالمعروف: الجزم به لئلا يشوش الصوم والصلاة على الناس كذا علله.
سادسها: فيه دليل على جواز [أن](2) يكون للمسجد الواحد مؤذنان وهو مستحب.
سابعها: فيه دليل على استحباب أن يؤذن كل واحد منهما منفردًا إذا اتسع الوقت (3) كصلاة الفجر ونحوها فإن كان ضيقًا
(1) انظر: إتحاف السادة المتقين (8/ 111، 112).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
فائدة: أول من أحدث أذان اثنين معًا بنو أمية. اهـ. من الفتح (2/ 101).
فائدة أخرى: على حديث مالك بن الحويرث ولابن عم له: "إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما"، قوله:"فأذنا"، أي: ليؤذن أحدكما ويجيب الآخر. ويشهد له الرواية الأخرى: "فليؤذن لكم أحدكم". قال السندي رحمه الله في حاشيته على النسائي: يريد أن اجتماعهما في الأذان غير مطلوب
…
إلخ.
وقال الألباني -حفظه الله- في الإِرواء (1/ 231): ومن جهل بعض المتأخرين بفقه الحديث أو تجاهلهم إنني قرأت لبعضهم رسالة مخطوطة في تجويز آذان الجماعة بصوت واحد المعروف في دمشق بأذان الجوقة، =
كالمغرب أذنوا متفرقين، وإلَّا معًا بلا تهويش، ثم لو اقتصر على مؤذن واحد لم يكره، وفرق بين أن يكون الفعل مستحبًا وبين أن
يكون تركه مكروهًا.
ثامنها: لبس في الحديث تعرض للزيادة على مؤذنين فإن احتيج إلى أكثر رتب قدر الحاجة.
وقيل: لا يجاوز أربعة، وبه جزم الرافعي، ثم إن اتسع الوقت فبعضهم عقب بعض، وإلَّا معًا بلا تهويش، ومحل الخوض في ذلك كتب الفقه، وقد لخصته في "شرح المنهاج"(1)، فليراجع منه، ولما ذكر الشيخ تقي الدين أن بعض أصحاب الشافعي، قال: إن الزيادة على أربعة تكره، قال: استضعفه بعض المتأخرين لكن وجه الكراهة عند القائل بها أنه [عليه السلام](2) لم يزد على أربعة مؤذنين: بلال وابن أم مكتوم وسعد القرظ وأبو محذورة إلَّا أن بلالًا كان الملازم له لوظيفة الأذان حضرًا وسفرًا، فكره الزيادة على ذلك لهذا المعنى.
قلت: سعد القرظ كان بقباء، وأبو محذورة كان بمكة، فليس فيه أن الأربعة لمسجد واحد، كما هو المدعى فاعلمه.
وجعل الماوردي (3) سعد القرظ مؤذن أبي بكر أي بعد
= واستدل عليه بهذا فتساءلت في نفسي، ترى هل يجيز إقامة (الجوق) أيضًا، فإن الحديث يقول:"فأذنا وأقيما"، وهذا مثال من أمثلة كثيرة في تحريف المبتدعة لنصوص الشريعة، فإلى الله المشتكى.
(1)
ذكره في "شرح المنهاج"، مخطوط وخطها ضعيف وبدون ترقيم صفحات.
(2)
في ن ب (عيه الصلاة والسلام).
(3)
الحاوي الكبير (2/ 75).
النبي صلى الله عليه وسلم فإن بلال لما ترك الأذان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقله إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يؤذن فيه إلى أن مات، وقيل: إنه أذن لعمر بعد أبي بكر.
تاسعها: فيه دليل على جواز كون المؤذن أعمى، وأذانه صحيح ولا كراهة فيه (1) إذا كان معه بصير، ويكره أن يكون الأعمى
مؤذنًا وحده قاله أصحابا.
[العاشر](2): فيه دليل على جواز تقليد البصير للأعمى في الوقت، وجواز اجتهاده فيه، فإن الأعمى لا بد له من طريق يرجع إليه في طلوع الفجر إما [سماع] (3) من بصير أو اجتهاد. وفي الصحيح (4):"أنه كان لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت" أي قاربت الصباح كما صححه القاضي عياض ومنه: "حتى مطلع الفجر"(5)[وقيل](6) دخلت في الصباح. فهذا دليل على رجوعه إلى البصير ولو لم يرد ذلك لم يكن في هذا اللفظ دليل على جواز رجوعه إلى الاجتهاد بعينه، لأن الدال على أحد الأمرين منهما لا يدل على واحد منهما معينًا، وهذه المسألة عندنا فيها أوجه:
أحدها: أن للأعمى والبصير اعتماد المؤذن الثقة العارف في
(1) في ن ب زيادة (إلَّا).
(2)
في ن ب (عاشرها).
(3)
في ن ب (بسماع).
(4)
البخاري (617).
(5)
سورة القدر: آية 7.
(6)
في ن ب ساقطة.
الصحو والغيم، لأنه لا يؤذن في العادة إلَّا في الوقت، وصححه النووي (1) في كتبه.
والثاني: لا يجوز لهما لأنه اجتهاد وهما مجتهدان. وقال الماوردي: إنه المذهب.
والثالث: يعتمده أعمى مطلقًا وبصير في صحو دون غيم، وهو ما صححه الرافعي: لأنه في الغيم مجتهد، وفي الصحو مشاهد.
والرابع: يجوز للأعمى دون البصير من غير فرق بين الصحو والغيم؛ نعم لو كثر المؤذنون في يوم صحو أو غيم وغلب على الظن أنهم لا يخطئون لكثرتهم، جاز اعتمادهم للبصير والأعمى بلا خلاف.
الحادي عشر: فيه دليل أيضًا على صحة العمل بخبر الواحد.
الثاني عشر: فيه دليل على أن ما بعد طلوع الفجر من النهار، وفيه مذاهب ثلاثة:
أحدها: أنه من الليل.
والثاني: أنه من النهار وهو قول الجمهور (2).
والثالث: أنه منفرد بنفسه ليس من واحد منهما، لأنه زمان
(1) شرح مسلم (7/ 202).
(2)
وعليه جميع العلماء. قال ابن حجر في الفتح (2/ 101): وعلى أن ما بعد الفجر من حكم النهار. وكذلك ابن جرير رحمه الله في تفسيره (3/ 510) على قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قال: الليل من النهار.
ولوج الليل وينتقض بزمان ولوج النهار وهو وقت المغرب، وعزا الأول إلى الأعمش والشعبي وحكاه المحب الطبري عن السنجي (1) من أصحابنا، ولعله التبس عليه بالشعبي، فإنه القائل بذلك كما أسلفته، وممن حكاه عنه الماوردي (2) أو التبس على الناسخ.
الثالث عشر: فيه دليل لمن يرى بجواز الأكل مع الشك في الفجر حتى يتحقق طلوعه، وهو قول الأئمة الثلاثة، وخالف مالك
فقال: لا يأكل فإن أكل فعليه القضاء، وحمله بعض أصحابه على الاستجاب.
الرابع عشر: اختلف فيمن طلع عليه الفجر وهو مجامع أو أكل فترك، فإنه لا يبطل صومه عندنا، وبه قال ابن القاسم.
(1) هو الحسين بن شعيب بن محمد بن الحسين أبو علي أحد علماء الشافعية، توفي سنة سبع وعشرين وأربعمائة. انظر ترجمه في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 207).
قال ابن باز -غفر الله لنا وله- في تعليقه على الفتح (2/ 480): هذا القول المحكي عن الشعبي باطل، لأن الأدلة على أنه من النهار في حكم الشرع. أعني بذلك ما بعد طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، والله أعلم. وقال ابن حجر رحمه الله (2/ 480).
فائدة: يؤخذ من سياق الحديث أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، من النهار شرعًا. وقد روى ابن دريد في أماليه بسند جيد أن الخليل بن أحمد سئل عن هذا النهار، فقال: من الفجر المستطير إلى بداءة الشفق.
(2)
الحاوي الكبير (2/ 37).
وقال أبو حنيفة: يبطل في الأول دون الثاني، وبه قال عبد الملك من المالكية، ووجهه كونه جعل آذان بلال بليل فدل على أن آذان ابن أم مكتوم نهارًا، وإلَّا لم يكن لتخصيص آذان بلال بالليل فائدة. ويؤيده أن في رواية لمسلم:"وكان [لا] (1) ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت" كذا استدل به، وفيه نظر، ومعنى:"أصبحت"، أي: قاربت الصباح كما تقدم [قريبًا](2) أنه الصحيح في معناه.
الخامس عشر: فيه حجة على المالكية والحنفية حيث عممت [الرؤية](3) في جميع الأرض، ولم يجعلوا لكل قوم رؤيتهم كما قاله الشافعية واكتفوا في الأذان بواحد والمخبر برؤية الهلال على قاعدة المالكية أشبه بالرؤية من المؤذن، فينبغي أن يقبل الواحد قياسًا على الواحد بطريق الأولى.
قال القرافي في "قواعده": هنا سؤالان مشكلان على المالكية: الأول هذا.
ويجاب: بأن الأذان عدل به عن الإِخبار إلى صفة العلامة على دخول الوقت. انتهى.
وقد يجاب لهم: بأن الأذان يتكرر فلو أوجبنا العدد فيه لشق بخلاف رمضان.
(1) هكذا في البخاري وفي ن ب، أما في الأصل ساقطة.
(2)
زيارة في ن ب.
(3)
في ن ب (الرواية).
الثاني: حصول الإِجماع في الأزمان على أنها مختصة بأقطارها بخلاف الأهلة مع أن الجميع مختلف باختلاف الأقطار عند العلماء بهذا الشأن، فقد [يطالع](1) الهلال في بلد دون غيره بسبب البعد عن المشرق والمغرب منه، فإن البلد الأقرب من المشرق [هو](2) بصدد أن لا يرى فيه الهلال، ويرى في البلد الغربي بسبب مزيد السير الموجب لتخلص الهلال من شعاع الشمس، وكذلك ما من زوال إلَّا وهو غروب لقوم وطلوع الشمس لقوم ونصف اليل عند قوم، وكل درجة تكون الشمس فيها فهي متضمنة لجميع أوقات الليل والنهار لأقطار مختلفة.
فإذًا قياس الأهلة على أوقات الصلوات متجه، ويطلب الفرق ثم شرع يجيب عنه.
السادس عشر: في مسند أحمد (3) وصحيح ابن حبان (4) عكس حديث ابن عمر الذي ذكره المصنف من حديث أنيسة بت حبيب وكذا في صحيح ابن خزيمة (5) من حديث عائشة وقالا يجوز أن يكون بينهما نوب.
(1) في ن ب (يطلع).
(2)
في ن ب (وهو).
(3)
مسند أحمد حديث أنيسة (6/ 433)، وحديث عائشة له طريقان عنها (6/ 44، 54، 6/ 185، 186).
(4)
في صحيح ابن حبان (5/ 196) من حديث أنيسة وأيضًا من حديث عائشة.
(5)
وفي صحيح ابن خزيمة حديثا أنيسة وعائشة (1/ 210) من طريقين هشام بن عروة، والأسود بن يزيد.
[وأما](1) ابن الجوزي فقال في "جامع المسانيد" عقب حديث أنيسة [هكذا](2) رووه كأنه مقلوب إنما هو "إن بلالًا ينادي بليل".
قلت: وحديث ابن عمر (3)"أن بلالًا أذن بليل فنهاه [عليه السلام] "(4) فضعيف، ضعفه ابن المديني وأبو داود، كما نقله عنهما صاحب الإِقليد.
السابع عشر: "الباء" في "بليل" بمعنى "في" وهو أحد معانيها، ومنه زيد بالبصرة أي فيها هذا في ظرف المكان، وذاك ظرف
الزمان.
الثامن عشر: قوله: "فكلوا واشربوا"(5) إلى آخره، اعلم أن أكل، ومر، وأخذ، ثلاثتها حذفت العرب في الأمر همزاتها على
(1) في ن ب (فأما).
(2)
في الأصل (هكذا)، وما أثبت من ن ب.
(3)
أبو داود معالم السنن (1/ 286)، والترمذي (2/ 394)، والبيهقي (1/ 383). قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في فتح الباري (2/ 103): فقد ذكر أن الحفاظ اتفقوا على أن حمادًا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه وأن حمادًا انفرد برفعه
…
إلخ. اهـ. كلامه أيضًا كلام المنذري في مختصر السنن (1/ 286، 287)، انظر ت (5)] (455) ضعفه البيهقي في السنن، وضعفه النووي في المجموع (3/ 89). وانظر: كلام ابن التركماني في الجوهر النقي (1/ 383، 384).
(4)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(5)
في ن ب زيادة (حتى تسمحوا).
غير قياس كما نص عليه أهل العربية، وأبدى بعض الفضلاء له وجهًا من جهة القياس وهو أن إثبات الهمزة فيها يؤدي حالة الأمر إلى اجتماع همزتين همزة الوصل التي في مثل اضرب والهمزة التي [هي] (1) فاء الكلمة واجتماع الهمزتين مستثقل أو مرفوض ويوضح ذلك [أنه] (2) إذا أسقطت همزة الوصل ثبتت فاء الكلمة قال تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} لما استغنى عن همزة الوصل لاتصال الهمزة الساكنة [التي](3) هي فاء الكلمة بما قبلها وهو الراء وثبتت فاء الكلمة ولم تحذف.
التاسع عشر: استدل عبد الغني بن سعيد الحافظ بهذا الحديث على [جواز](4) السماع من وراء حجاب اعتمادًا على الصوت (5).
(1) زيادة من ن ب.
(2)
في ن ب (أنك).
(3)
في ن ب (هي).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
وعلى ذلك ذكره ابن حجر (2/ 101) في الفتح: "زاد، وإن لم يشاهد الراوي، وخالف في ذلك: شعبة لاحتمال الاشتباه".