الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
62/ 4/ 10 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد، فلا يمنعها"، قال: فقال بلال [بن عبد الله](1): والله لنمنعهنَّ. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبًّا سيئًا، ما سمعته سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول والله لنمنعهنَّ (2).
وفي لفظ: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"(3).
الكلام عليه من وجوه:
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
البخاري رقم (865، 873، 899، 900، 5238)، ومسلم (442 م)، وأبو داود (566، 567، 568)، ومالك في الموطأ (1/ 197)، والدارمي (1/ 293)، والترمذي (570)، وابن ماجه (16)، والحميدي (612)، وأحمد (2/ 7، 9، 151)، وأبو عوانة (2/ 56)، وابن خزيمة (1677)، وابن أبي شيبة (3/ 283)، والبيهقي (132/ 3)، والبغوي (864).
(3)
مسلم (442)، والبخاري (900)، وابن أبي شيبة (2/ 383)، والبيهقي (3/ 132)، وأحمد (2/ 16).
أحدها: في التعريف براويه، وقد سلفَ في [باب](1) الاستطابة.
وبلال هذا: هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب تابعي ثقة، قال بعض الأئمة: لا يعرف له غير هذا الحديث، كذا رواه ابن
شهاب عن سالم بن عبد الله وفي رواية ورقاء [
…
] (2) عن مجاهد عن ابن عمر، فقال: ابن له، يقال له: واقد، وواقد: هذا هو ابن عبد الله أيضًا.
قال القرطبي: في "شرح مختصر مسلم"(3): وكلاهما صحيح، كان لابن عمر ابنان: بلال وواقد، وكلاهما قابله بالمنع،
وكلاهما أدبه ابن عمر.
وقوله: "قال: فقال بلال" وقوله بعدهُ "قال: فأقبل عليه" المراد بالقائل: هو سالم بن عبد الله كما سلف في تلك الرواية، فلو صرّح به المصنف [كان](4) أوضح.
ثانيها: استأذن: استفعل من الإِذن [أي طلبه](5) يقال: أذن له في الشيء إذْنًا، ويكون أذِنَ بمعنى: علم، ومنه قوله -تعالى-:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (6) وأذِنَ له أذِنًا بفتح الهمزة: استمع.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
في فتح الباري (2/ 348)، زيادة: عن عمرو بن دينار.
(3)
المفهم (2/ 838).
(4)
في ن ب (لكان).
(5)
زيادة من ن ب.
(6)
سورة البقرة: آية 280.
قال الشاعر:
إن يسمعوا (1) رِيبةً طَارُوا بها فرحًا
…
مِنّي وما أَذِنوا مِن صالحٍ دَفَنُوا
[ومنه الحديث: "ما أذن الله لشيء [كأذنه لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن](2) " (3) ومن فسر يتغنى بمعنى: استغنى فقد أبعد] (4).
ثالثها: يقال: امرأة ومرأة بالهمز ومرة بغير همزة، كما تقدم في أول الكتاب.
رابعها: "المسجد" بكسر الجيم وفتحها، ومسيد كما تقدم أيضًا في باب المذي.
خامسها: الحديث نص صريح في النهي عن منع النساء من المساجد عند استئذانهن الأزواج، وينبغي أن يحمل عليه إذن السيد لأمته، لكن قال النووي (5) في "شرحه": إن هذا النهي للتنزيه فقط، وهو عام في النساء، ولكن الفقهاء خصصوه بشروط وحالات تقدمت
(1) في مختار الصحاح (13): يَأْذَنُوا، وبعده:
صُمُّ إذا سَمِعوا خيرًا ذُكرتُ به
…
وإن ذُكرتُ بشر عندهم أذِنوا
والأبيات للشاعر: قعنب بن أم صالح.
(2)
ساقط من الأصل، وسقته لأن المعنى المراد فيه.
(3)
متفق عليه. البخاري (5022، 5023)، ومسلم (792)، والنسائي (2/ 180)، وأبو داود في الصلاة (1473)، والدارمي (1/ 349، 2/ 472)، وأحمد (2/ 450، 271، 285)، والحميدي (949).
(4)
ساقطة من ن ب.
(5)
شرح مسلم (4/ 162).
في آخر الحديث الثاني من باب المواقيت؛ فهو من باب تخصيص العموم بالمعنى.
وفي مسلم: "لا تمنعوا النساء الخروج إلى المساجد بالليل"(1) وصح: "وليخرجن تفلات"(2).
وفي الصحيح: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة"(3) وخصها بالذكر؛ لأنه يمكنها قضاء الوطر في ذلك ما لا يمكن في غيره بخلاف صلاة الصبح، فإنها عند إقبال النهار.
فرع: لو لم يكن زوج ولا سيد واجتمعت الشروط حرم المنع، كما جزم به النووي في "شرح مسلم".
سادسها: في صحيح مسلم (4) عن عائشة: "لو أن
(1) مسلم (442).
(2)
من رواية زيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات". أخرجه أحمد (5/ 192، 193)، والبزار (445)، وذكره في مجمع الزوائد (2/ 32، 33)، وقال: إسناده حسن ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو صدوق. ومن رواية أبي هريرة بلفظ: أخرجه البغوي (760)، وأبو داود (565)، وابن الجارود (332)، والحميدي (978)، وأحمد (2/ 438، 475، 528)، وابن أبي شيبة (2/ 383)، وصححه ابن خزيمة (1679).
(3)
مسلم (444).
(4)
مسلم (445)، البخاري (869)، وأبو داود في الصلاة (569)، باب: التشديد في ذلك، وابن خزيمة (1698)، والبيهقي (3/ 133)، وأبو يعلى (4493)، ومالك في القبلة (15). انظر: كلام ابن حجر في =
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد، كما منعت نساء نبي إسرائيل".
قال النووي (1) وغيره: والمراد به إحداث الزينة والطيب وحسن الثياب ونحوها.
سابعها: ما يخص به بعضهم هذا الحديث: أن المنع للمرأة الجميلة المشهورة، وفيما ذلمحره بعضهم مما يقتضي التخصيص أن
يكون بالليل، وقد تقدم ما يشهد لذلك.
قال الشيخ تقي الدين (2): ومما قيل في تخصيصه أن لا يزاحمن الرجال. وقد قدمت هذا في الموضع المشار إليه أعلاه.
ثامنها: هل عدم المنع خاص بصلاة أو عام، فيه خلاف حكاه بعضهم.
تاسعها: استدل [بعضهم](3) بهذا الحديث على أن للرجل منع امرأته من الخروج إلَّا بإذنه.
قال الشيخ [تقي الدين](4): وهذا إن أخذ من تخصيص النهي بالخروج إلى المساجد، وأن ذلك يقتضي بطريق المفهوم جواز المنع في غير المساجد.
= الفتح (2/ 350).
(1)
في شرح مسلم (4/ 164).
(2)
إحكام الأحكام (2/ 142).
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
في ن ب ساقطة. انظر: إحكام الأحكام (2/ 143) مع الحاشية.
وقد يعترض عليه بأن هذا تخصيص الحكم باللقب. وهو ضعيف عند أهل الأصول.
وأجاب غيره: بأن مفهوم اللقب إنما ضعف لعدم رائحة التعليل فيه، والتعليل هنا موجود، وهو: أن المسجد فيه معنى مناسب، وهو أنه محل للعبادة، فلا تمنع من التعبد فيه، فلا يكون ذلك من مفهوم اللقب.
قال الشيخ: [و](1) يمكن أن يقال في هذا: إن منع النساء من الخروج مشهور معتاد، وقد قرروا عليه، وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز، وإخراجه عن المنع المستمر المعلوم. فيبقى ما عداه على المنع، وعلى هذا فلا يكون منع الرجل لخروج امرأته لغير المسجد مأخوذ من تقييد الحكم بالمسجد، ويمكن أن يقال فيه وجه آخر وهو: إن في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". [مناسبة تقتضي الإِباحة -أعني كونهن "إماء الله"- بالنسبة إلى خروجهن إلى مساجد الله](2). ولهذا كان التعبير: بإماء الله أوقع في النفس من التعبير بالنساء لو قيل. [وإن](3) كان مناسبًا أمكن أن يكون علة للجواز [فإن](4) انتفى انتفى الحكم، لأن الحكم يزول بزوال علته.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
في ن ب (وإذا).
(4)
في ن ب (فإذا).
عاشرها: أخذ من إنكار ابن عمر على ولده بلال وسبه إياه: تأديب المعترض على السنن والمعارض لها برأيه. وفيه تعزير الوالد
ولده، وإن كان كبيرًا وهو الوجه.
الحادي عشر: وتأديب العالم من يتعلم عنده إذا تكلم عنده بما لا ينبغي، وتقديم حق الله ورسوله على [غيرهم](1) والقول بالحق وإن كان المقول له قريبًا وهو [الثاني عشر](2).
الثالث عشر: فيه أيضًا نفي التحسين والتقبيح العقليين، وإثبات أن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبّحه [الشرع](3)، دون ما خبث في النفس والطبع.
الرابع عشر: إن ثبت أن مستند بلال بن عبد الله في المنع القياس ففيه حجة لمن يقول بتقديم القياس على خبر الواحد.
الخامس عشر: استنبط منه أنه لا يجوز للزوج منع زوجته من حج الفرض، وهو أحد القولين عندنا، والأظهر الجواز لحديث آخر فيه في البيهقي هو نص في المسألة (4).
(1) في ن ب (غيرهما).
(2)
في الأصل ساقطة.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
قال عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لها أن تنطلق إلَّا بإذن زوجها، ولا يحل للمرأة أن تسافر ثلاث ليال إلَّا ومعها ذو محرم تحرم عليه". أخرجه البيهقي (5/ 223، 224).