الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
رب يسر وأعن يَا ألله
الْحَمد لله الَّذِي من علينا بتوحيده وَجَعَلنَا من أفضل عبيده الَّذِي جنبنا الْأَهْوَاء المذلة والآراء المضلة أرانا الْحق إِذْ هدَانَا لبرهانه وَدَلِيله وَأظْهر لنا الْبَاطِل وتفضل علينا بالعدول عَن سَبيله نحمده بمحامده الَّتِي لَا تحصى ونشكره على الْآيَة الَّتِي لم تزل تترى ونسأله الصَّلَاة على نجبه من كَافَّة الورى أنبيائه وَرُسُله أَئِمَّة الْهدى وخصوصا الْمَبْعُوث إِلَى الثقلَيْن الْمفضل على الْعَالمين الْمُؤَيد بِالْآيَاتِ الصادعة والبراهين القاطعة موضح الْحق بواضحات الدَّلَائِل ومرهق الْكفْر وَالْبَاطِل صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الطيبين وعَلى جَمِيع النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ ورضى الله عَن خلفائه الرَّاشِدين وَعَن صحابته أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين
أما بعد
فقد وقفت وفقك الله على كتاب كتب بِهِ بعض المنتحلين لدين الْملَّة النَّصْرَانِيَّة سَمَّاهُ كتاب تثليث الوحدانية بعث بِهِ من طليطلة أَعَادَهَا الله إِلَى مَدِينَة قرطبة حرسها الله متعرضا فِيهِ لدين الْمُسلمين نائلا فِيهِ من عِصَابَة الْحق الْمُوَحِّدين سَائِلًا عَمَّا لَا يعنيه ومتكلما بِمَا لَا يدريه فأمعنت النّظر فِيهِ فَإِذا بالمتكلم يهرف بِمَا لَا يعرف وينطق بِمَا لَا يُحَقّق نَاقض وَلم يشْعر وعمى من حَيْثُ يظنّ أَنه يستبصر {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ} يلحن إِذا كتب ويعجم مَتى أعرب
…
وَذي خطل فِي القَوْل تحسب أَنه
مُصِيب فَمَا يلمم بِهِ فَهُوَ قَائِله
…
دلّ بقوله على ضعف عقله وبمكاتبته على سوء محاولته تعاطى دَرَجَة النظار وسود بأباطيله ذَلِك الطومار ليستزل بِهِ الأغبياء
الأغمار وَيحصل بذلك على مآكله شنار {فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ} وليته إِذا ادّعى النّظر سلك طَرِيقه وألتزم شُرُوطه فاعترف بالبديهيات وَلم ينظر الضروريات الَّتِي هِيَ أصُول النظريات وَلَكِن حل من عُنُقه ربقة الْعُقُول فَهُوَ فِي كل جَهَالَة يجول وإليها يَدْعُو وَبهَا يَقُول فليته لَو دفن من عواره مَا كَانَ مسطورا وَلَكِن كَانَ ذَلِك عَلَيْهِ فِي الْكتاب مسطورا
…
وَإِن لِسَان الْمَرْء مَا لم تكن لَهُ
حَصَاة على عوراته لدَلِيل
…
فاستخرت الله تَعَالَى فِي جَوَابه على تَخْلِيط مَعَانِيه وتثبيج خطابه بعد أَن أَقُول لَهُ اعْلَم يَا هَذَا إِن الْبُغَاة بأرضنا لَا تستنسر والتمييز عندنَا بَين الْفضة والقصة متيسر وَهَا أَنا إِن شَاءَ الله تَعَالَى أجاوبك على مَا كتبت حرفا حرفا وَأبين فَسَاده الَّذِي لَا يكَاد يخفى على أَنهم لَو فتح عَلَيْهِم بَابا من السَّمَاء {فظلوا فِيهِ يعرجون لقالوا إِنَّمَا سكرت أبصارنا بل نَحن قوم مسحورون} فَكيف لَا وَقد ركبُوا من اسْتِحَالَة الإتحاد والتثليث والحلول مَا يدْرك فَسَاده بضرورة الْعُقُول وَقد قَالُوا فِي الآب والإبن والأقانيم مَا تمجه بفطرته الأولى كل ذِي فهم مُسْتَقِيم وَلَا يَتَّسِع لقبوله قلب ذِي عقل سليم
…
وَمن كَانَ اللعين لَهُ لِسَانا
فَكل جداله زور ونكر
فَكل مقالهم إفْك وزيغ
وَنَصّ كِتَابهمْ شرك وَكفر
…
وَمن أعظم مَا ظهر عَلَيْهِم من الْفَاسِد فصرفوا لذَلِك عَن التَّوْفِيق والرشاد إنكارهم مَا يدل على نبوة نَبينَا من المعجزات وواضح الدلالات وَقد قاربت الضرورات حَتَّى أَنْكَرُوا مَا جَاءَ فِي كتبهمْ من الْإِعْلَام على نبوته وَإِيجَاب إتباع شَرِيعَته فَلَقَد كانو يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم ويعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وسأذكر إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا وَقع فِي أَنَاجِيلهمْ من وَصفه وصحيح نَعته وَلما تبين للعقلاء عنادهم سقط لذَلِك إرشادهم وَوَجَب حملهمْ على السَّيْف وجهادهم فقد يفعل الله بِالسَّيْفِ وَاللِّسَان مَا لَا يفعل بالبرهان وَمن كَلَام الْحُكَمَاء يزغ الله بالسلطان مَالا يزغ بِالْقُرْآنِ فَأَعْرض الْعُقَلَاء عَنْهُم
واكتفوا من الرَّد عَلَيْهِم بحكاية مَذْهَبهم ووكلوا النَّاظر فِيهِ لظُهُور تناقضه وَفَسَاد مَعَانِيه
وَقد كنت عزمت على الإقتداء بالعقلاء فِي الْإِعْرَاض حَتَّى أَكثر هَذَا الْمُتَكَلّم من التَّعَرُّض والإعتراض فَتعين لذَلِك الْجَواب وَأَنا أسأَل الله التَّوْفِيق للصَّوَاب ومجانبة الْخَطَأ وَمَا يُوجب العتاب أَنه ولى التَّوْفِيق وَهُوَ بإجابة السَّائِلين حقيق
فصل لتعلم يَا هَذَا المنتسب لدين الْمَسِيح أَنى أجاوبك إِن شَاءَ الله تَعَالَى بمنطق عَرَبِيّ فصيح أسلك فِيهِ مَسْلَك الأنصاف وأترك طَرِيق التعصب والإعتساف على أَن كلامك لَا يسْتَحق الإصغاء إِلَيْهِ وَلَا الْجَواب عَنهُ لِأَنَّك لَا تحسن السُّؤَال وَلَا تعرف تَرْتِيب الْمقَال بل تَقول مَا لَا تفهم وتكتفي بأنك تَتَكَلَّم وَلكَون كلامك هَذَا كثير الْغَلَط ظَاهر التَّنَاقُض والشطط وَأَنت مَعَ ذَلِك لَا تعرف مَذَاهِب النَّصَارَى الْمُتَقَدِّمين الَّذين كَانُوا بِنَوْع نظر مُتَمَسِّكِينَ وَإِن كَانُوا عَن مَذْهَب الْحق ناكبين حَتَّى أَنهم لَو سمعُوا كثيرا مِمَّا ذكرته لتبرأوا عَنهُ ولأنفوا مِنْهُ إِذْ لَا ينْسب أَكثر ذَلِك إِلَى من تكايس مِنْهُم وَلَا يرْوى بِحَال عَنْهُم على أَنهم فِي أصُول عقائدهم مُخْتَلفُونَ وَفِي ورطة الْجَهْل مرتبكون وسنبين لَك ذَلِك كُله إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَلما تبين ذَلِك مِنْك أعرض الْمُسلمُونَ عَن جوابك ونزهوا أنفسهم عَن خطابك إِذْ الْأَعْرَاض عَن الْجَاهِلين شرعة رب الْعَالمين على لِسَان سيد الْمُرْسلين وَأَيْضًا فَمن لم يعرف شُرُوط النّظر وَلم يسْلك مسالك الْبَحْث والعبر فَالْكَلَام مَعَه ضرب فِي حَدِيد بَارِد وَعمل لَيْسَ لَهُ جدوى وَلَا عايد
وَلما أَعرضُوا عَنْك لجهالتك تبجحت بذلك عِنْد عصابتك فَظَنَنْت أَن سكوتنا عَنْك إِنَّمَا هُوَ لرهبة مِنْك حَتَّى لقد أبلغتنا عَنْك نكرا وَقلت فِي كتابك هَذَا فحشا وهجرا فَنحْن وَإِيَّاك كَمَا قَالَ
…
سكت عَن السَّفِيه فَظن أَنى
عييت عَن الْجَواب وَمَا عييت
…
فَعظم هَذَا الْأَمر حِين نمى خَبره إِلَى مَعَ أَنه رغب إِلَى فِي ذَلِك جمَاعَة من الإخوان فَصَارَ ذَلِك على كَأَنَّهُ من فروض الْأَعْيَان فاغتنمتها
فرْصَة وسررت بهَا قصَّة لعلمي أَن النكاية فِي الْعَدو بالبرهان وَاللِّسَان أوقع من نكاية السَّيْف والسنان
والرجا من مَالك الدَّاريْنِ الْجمع بَين الْأَمريْنِ واحراز أجر العملين على أَنى لَا أتعرضهم بقزع السباب وَلَا أنزل مَعَهم إِلَّا إعتذار وعتاب وَإِنَّمَا هُوَ إِظْهَار جهلهم وتناقض مَذْهَبهم وَقَوْلهمْ
فأذكر كَلَام هَذَا السَّائِل كَمَا بَلغنِي وَأبين من خطئه وتناقضه مَا شَاءَ الله أَن يفهمني فأناقشه فِي لَفظه وَأظْهر سوء نَقله وَحفظه
فَتَارَة أسأله وَأُخْرَى أجاوبه ليعلم أَن النَّاقِد بَصِير والباحث خَبِير وليتبين عيه وجهله للكبير وَالصَّغِير ثمَّ من بعد الْفَرَاغ من تتبع كَلَامه أعطف بالمناظرة على أقسته ورهبانه فأحكى مذاهبهم كَمَا دونوها فِي كتبهمْ وعَلى مَا تلقفوها من أسقاقفتهم ثمَّ أسبرها على محك الْعرض وَأبين بعض مافيها من الْفساد والنقض وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل
وَقد استخرت الله تَعَالَى فِي أَن أجمل هَذَا الْكتاب على صدر وَأَرْبَعَة أَبْوَاب
الْبَاب الأول فِي الْكَلَام على الأقانيم الْبَاب الثَّانِي: فِي الِاتِّحَاد والحلول
الْبَاب الثَّالِث فِي الْكَلَام على النبوات وَإِثْبَات نبوة نَبينَا عليه الصلاة والسلام
الْبَاب الرَّابِع فِي جمل من فروع أحكامهم أبين فِيهَا أَن لَيْسَ لَهُم فِي أحكامهم مُسْتَند إِلَّا مَحْض الْهوى والتحكم واللدد
وكل بَاب من هَذِه الْأَبْوَاب يتَضَمَّن فصولا وَأَنا أسأَل الله تَعَالَى أَن يُطلق ألسنتنا بِالْحَقِّ وَالْحكمَة ويخرسها عَن الْبَاطِل والفتنة أَنه ذُو الْفضل وَالنعْمَة وَالْعَفو وَالرَّحْمَة