الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلامك هَذَا هَمَمْت أَن لَا أكاتبك لكونك قَلِيل الْإِنْصَاف كثير الْجَهْل والإنحراف
وَلَقَد أعرف أَنَّك إِذا وقفت على كتابي هَذَا لَا تفهمه وَمَعَ ذَلِك فتبادر إِلَى رده مُكَابَرَة ومجاهرة وتتناوله بِالرَّدِّ والقبيح وَبِكُل قَول لَيْسَ بِصَحِيح وَقد حكمت بيني الْعُقَلَاء المتدينين الْفُضَلَاء الَّذين يعترفون بِالْحَقِّ حَيْثُ كَانَ وَلَا يعرجون فِي قبُوله على إِنْسَان
وَأما قَوْلك
الْحَاكِم عَلَيْك وعَلى جَمِيع الْأُمَم فَقَوْل لَيْسَ بِصَحِيح وَلَا أُمَم وَإِنَّمَا الْحَاكِم على كل الْأُمَم وكل الْمَخْلُوقَات الَّذِي أوجدها بعد أَن لم تكن ثمَّ يعدمها كَأَن لم تكن ثمَّ يُعِيدهَا كَأَنَّهَا مَا بَرحت {قل فَمن يملك من الله شَيْئا إِن أَرَادَ أَن يهْلك الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَأمه وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا وَللَّه ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا} الْآيَة
وَأما قَوْلك
ستلقاه حَاكما لَيْسَ يطْلب عَلَيْك بَيِّنَة فقد نسبتموه إِلَى الْجور فَإِنَّهُ إِذا لم تقم بَيِّنَة على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ عندنَا وعندكم وَنفذ الْحَاكِم الحكم نسب إِلَى الْجور فَإِذا قَامَت الْبَيِّنَة زَالَ عَنهُ توهم الْجور وَظهر معيار الْعدْل وَعند سَماع هَذَا يتَحَقَّق معنى الْمثل الْمَعْرُوف عَدو عَاقل خير من صديق جَاهِل
فَإِن الْعَدو الْعَاقِل يذعه عَنْك عقله وَالصديق الْجَاهِل يُرِيد نفعك فيضرك وَأَنت بجهلك أردْت أَن تعظم الْمَسِيح فنقصته وَأَن تمدحه فذممته فعل السَّفِيه الأحمق الْجَاهِل
وَأَنا أَقُول ستلقونه بَين يَدي الله تَعَالَى فَإِن اعترفتم بقولكم فِيهِ جوزيتم على ذَلِك بجزاء سَتَرَوْنَهُ عيَانًا وَإِن أنكرتم قَوْلكُم فِيهِ يَقُول الله لجوارحكم أنطقي فَتشهد عَلَيْكُم بأقوالكم وأفعالكم فَهَكَذَا يظْهر الْعدْل وَيعلم كل مُكَلّف أَنه محاسب بِمَا عمل من خير أَو شَرّ ومجزى عَلَيْهِ
وَمِمَّا يدل على أَن الله تَعَالَى إِنَّمَا يَأْخُذ بِالْبَيِّنَاتِ يَوْم الْقِيَامَة أَنه قد ثَبت على لِسَان من دلّت المعجزة على صدقه أَن الله وكل بِنَا
كراما كاتبين يَكْتُبُونَ مَا نَفْعل فهم الشُّهُود الْعُدُول الَّذِي لَيْسَ لطاعن عَلَيْهِم مَا يَقُول وستقدم فتعلم
ثمَّ الْعجب من جرأتك أَنَّك سببت خَلِيل رَبك حَيْثُ قلت رشح الْجلد المدبوغ فِي قصرية هَاجر هَذَا لإِبْرَاهِيم ذمّ صَرِيح صدر من جَاهِل وقبيح هُنَا يرد عَلَيْك قَوْلك كَيفَ قلت مَا لَا تعلم وَكَيف تجرمت فِي خَلِيل الرَّحْمَن أَن تَتَكَلَّم وستلقاه يناضل عَنهُ الله
ثمَّ من رَكِيك الإستعارة أَن الَّذِي ذممت بِهِ إِسْمَاعِيل يلْزم مِنْهُ ذمّ إِسْحَق وَالَّذِي ذممت بِهِ هَاجر يلْزم مِنْهُ ذمّ سارة فَإِن الْجلد الَّذِي رشح فِي قصرية هَاجر هُوَ الَّذِي رشح فِي قصرية سارة وأصل النُّطْفَة الَّتِي كَانَ مِنْهَا إِسْمَاعِيل هُوَ بِعَيْنِه الَّذِي كَانَت مِنْهُ نُطْفَة إِسْحَق وَهَذَا كُله ذمّ لإِبْرَاهِيم وَلعن فقد حاق بك وبمن قَالَ بِقَوْلِك لعنة الله الَّتِي قَالَ فِيهَا لإِبْرَاهِيم فِي التَّوْرَاة وألعن لاعنيك ثمَّ أعجب من ذَلِك كُله اعتذارك عَن قَبِيح مَا أتيت حَيْثُ قلت لما بعث إِلَى أَولا كتاب بالسفه والسب رددت لَهُ الْجَواب بِأُمِّهِ هَاجر
فكأنك قلت لما سببتني أَنْت أسب أَنا هَاجر الَّتِي إِذا سبت تعدى سبها إِلَى سَيِّدهَا إِبْرَاهِيم ثمَّ إِنَّك صرحت بسب إِبْرَاهِيم فلزمك على ذَلِك سبّ إِسْحَق وَأمه سارة فَأَنت فِي هَذِه الفعلة بِمَنْزِلَة من سبه رجل فِي وَجهه فَأخذ المسبوب ينكل الساب بِأَن يسب أَبَا نَفسه أعنى نفس المسبوب وَهَذَا مَا لَا يرضى بِهِ عَاقل وَلَا متدين جَاهِل
ثمَّ قلت بعد ذَلِك عهدا لغدرك الْقَبِيح مَا قلت هُنَالك وَلم تقل فِيهَا عشر مَا قَالَ الله فِي التَّوْرَاة وَعَن إبنها وَهَذَا القَوْل مِنْك يُوهم أَن الله تَعَالَى ذمها وإبنها فِي التَّوْرَاة وَهَذَا على الله وعَلى كِتَابه كذب صراح وَكفر براح ثمَّ ذكرت بعض قصه هَاجر مَعَ إِبْرَاهِيم وَلم تسقها بكمالها لِئَلَّا تفتضح وَتظهر كَذبك وخزيك
وَهَا أَنا أذكر قصَّة هَاجر مَعَ سارة كَمَا حَكَاهَا كتاب التَّوْرَاة حَتَّى يتَبَيَّن للْوَاقِف على هَذَا الْكتاب أَن الله تَعَالَى أثنى على هَاجر وإبنها ومدحها وَمَا ذمها بل أخبر بنبوتها أَو صديقتها ونبوة إبنها إِسْمَاعِيل بحول الله
قَالَ التَّوْرَاة إِن سارة إمرأة إِبْرَاهِيم لم تكن تَلد لَهُ وَكَانَت لَهُ أمة مصرية يُقَال إسمها هَاجر فَقَالَت سارة لإِبْرَاهِيم إِن الرب قد حرمني الْوَلَد فَادْخُلْ على أمتِي وإبن بهَا لعلى أرزق بِولد مِنْهَا فَسمع إِبْرَاهِيم قَول سارة وأطاعها فَانْطَلَقت سارة امْرَأَة إِبْرَاهِيم بهاجر أمتها المصرية وَذَلِكَ بَعْدَمَا سكن إِبْرَاهِيم أَرض كنعان عشر سِنِين فأدخلتها على إِبْرَاهِيم زَوجهَا فَدخل إِبْرَاهِيم على هَاجر فحبلت فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا قد حبلت استسفهت وزرت بسيدها وهانت فِي عينهَا فَقَالَت سارة يَا إِبْرَاهِيم أَنْت صَاحب ظلامتي أَنا وضعت أمتِي فِي حضنك فَلَمَّا حملت هنت عَلَيْهَا يحكم الرب بيني وَبَيْنك فَقَالَ إِبْرَاهِيم لسارة إمرأته هَذِه أمتك فِي يَديك فاصنعي فِيهَا مَا أَحْبَبْت وَحسن فِي عَيْنَيْك وسرك ووافقك
فأهانتها سارة سيدتها فهربت مِنْهَا فلقيها ملاك الرب على عين مَاء فِي الْبَريَّة فِي طَرِيق جرار فَقَالَ لَهَا يَا هَاجر أمة سارة من أَيْن لَك أَقبلت وَأَيْنَ تريدين فَقَالَت أَنا هاربة من سارة سيدتي فَقَالَ لَهَا ملاك الرب انطلقي إِلَى سيدتك وتعبدي لَهَا ثمَّ قَالَ لَهَا ملاك الرب عَن قَول الرب أَنا مكثر زرعك ومنميه حَتَّى لَا يحصوا من كثرتهم ثمَّ قَالَ لَك الرب إِنَّك حُبْلَى وستلدين إبنا وتدعين إسمه إِسْمَاعِيل لِأَن الرب قد عرف ذلتك وخضوعك وَيكون إبنك هَذَا وحشيا من النَّاس يَده على كل وَيَد كل بِهِ وسيحل على جَمِيع حُدُود إخْوَته فدعَتْ إسم الرب الَّذِي كلمها فَقَالَت أَنْت الله ذُو الْوَحْي والرؤيا
هَذَا ذكر الله لهاجر وإبنها فِي السّفر الأول فِي التَّوْرَاة فِي الإصحاح السَّادِس عشر مِنْهَا وَذكرهَا أَيْضا فِي الإصحاح الْحَادِي وَالْعِشْرين
وَقَالَت التَّوْرَاة أَبْصرت سارة ابْن هَاجر المصرية الْمَوْلُود لإِبْرَاهِيم يستهزئ فَقَالَت لإِبْرَاهِيم أخرج هَذِه الْأمة وإبنها لِأَن هَذَا ابْن الْأمة لَا يَرث مَعَ ابْني إِسْحَق فشق هَذَا الْأَمر على إِبْرَاهِيم لمَكَان ابْنه فَقَالَ الله لإِبْرَاهِيم لَا تشقن لحَال الصَّبِي وَأمتك أطع سارة فِي جَمِيع مَا تَقول لَك لِأَن نسلك إِنَّمَا يذكر بإسحق وَابْن الْأمة أجعله أَبَا لشعب كثير لِأَنَّهُ ذريتك فغدا إِبْرَاهِيم باكرا فَأخذ خبْزًا وإداوة فَأَعْطَاهَا هَاجر وَحملهَا الصَّبِي وَالطَّعَام وأرسلها فأنطلقت وتاهت فِي بَريَّة بير شبع ونفد المَاء من الأداوة فَأَلْقَت الصَّبِي تَحت شَجَرَة من شجر الشيح وَانْطَلَقت فَجَلَست قبالته تَبَاعَدت عَنهُ كرمية سهم لِأَنَّهَا قَالَت لَا أعاين موت الصَّبِي فَجَلَست إزاه وَرفعت صَوتهَا وبكت فَسمع الرب صَوت الصَّبِي فَدَعَا ملاك الرب من السَّمَاء هَاجر وَقَالَ لَهَا مَالك يَا هَاجر لَا تخافي لِأَن الرب قد سمع صَوت الصَّبِي حَيْثُ هُوَ قومِي فاحملي الصَّبِي وشدي بِهِ يَديك لِأَنِّي أجعله رَئِيسا لشعب عَظِيم فَأجلى الله عَن بصرها فرأت بير مَاء فَانْطَلَقت فملأت الْإِدَاوَة وأسقت الْغُلَام فَكَانَ الله مَعَ الْغُلَام فشب الْغُلَام وَسكن بَريَّة فاران
فَأخْبرنَا يَا أَيهَا الْكَاذِب على كتاب الله المفترى على رسل الله من أَيْن استجزت سبّ الْأَنْبِيَاء وَالْكذب على الله ذِي الآلاء
افي إنجيلك قرأته أم عَن الحواريين بلغته حاشا وكلا بل بتواقحك اختلقته ثمَّ من أعظم مباهتتك وأفحش جرأتك ومغالطتك أَنَّك أوهمت بِقَوْلِك وَلم تقل فِيهَا تعنى فِي هَاجر عشر مَا قَالَ الله فِيهَا فِي التَّوْرَاة وَفِي إبنها تشعر بِأَن الله ذمها وإبنها فِي التَّوْرَاة فِي عدَّة مَوَاضِع
وَهَذِه التَّوْرَاة قد تلوتها عَلَيْك وأنهيتها إِلَيْك فَإِذا بِالتَّوْرَاةِ تخبر بِأَن هَاجر نبية أَو صديقَة مباركة أوحى الله إِلَيْهَا وكلمها وبشرها بنبوة وَلَدهَا إِسْمَاعِيل بل قد مدح الله إِسْمَاعِيل وَأخْبر عَنهُ بِمَا لم يخبر بِهِ عَن إِسْحَق حَيْثُ قَالَ فِيهِ يَده على كل وَيَد كل بِهِ وسيحل على جَمِيع حُدُود إخْوَته
وَهَذَا الْكَلَام يبشر بل يفصح ويخبر بنبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَإِن إِسْمَاعِيل لم يقل الله تَعَالَى فِيهِ يَده على كل يَد وَيَد كل بِهِ وسيحل على جَمِيع حُدُود إخْوَته إِلَّا لأجل حفيده مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَإِن الله تَعَالَى قد بَعثه بدعوة جَمِيع الْخلق إِلَى الله بني إِسْرَائِيل وَمن دونهم وَمن فَوْقهم فَكل من بلغته دَعوته وَجب عَلَيْهِ الدُّخُول فِي دينه
ثمَّ إِن الله تَعَالَى قد أظهره على الدّين كُله وَلَو كره الْكَافِرُونَ وَهَذَا كُله وَفَاء بوعد الله تَعَالَى لنَبيه إِبْرَاهِيم حَيْثُ قَالَ فِي التَّوْرَاة وَقد استجبت لَك فِي إِسْمَاعِيل وباركته وكثرته وأنميته جدا جدا يُولد لَهُ إثني عشر عَظِيما وأجعله رَئِيسا عَظِيما بشعب عَظِيم
فَانْظُر أَيهَا الْعَاقِل كَيفَ قَالَ الله فِي إِسْمَاعِيل يَده على كل وَيَد كل بِهِ وسيحل على جَمِيع حُدُود إخْوَته وَلم يقل مثل هَذَا فِي إِسْحَق وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ يكون رَئِيسا على شعوب كَثِيرَة وملوك الشعوب من نَسْله وَبَين الْكَلَامَيْنِ فرق ظَاهر عِنْد الْعَاقِل الْفَهم الْمنصف وَكَذَلِكَ قَالَ فِي إِسْمَاعِيل باركته وكثرته وأنميته جدا جدا وَلم يقل مثل هَذَا القَوْل فِي إِسْحَق وَإِن كَانَ قد قَالَ فِيهِ أباركه وَأثبت عهدي لَهُ وَهَذَا الَّذِي وعد الله بِهِ إِسْحَق وعد بِهِ إِسْمَاعِيل وَزَاد زِيَادَة عَظِيمَة يعرفهَا من مساق كَلَام التَّوْرَاة من كَانَ عَارِفًا بمجاري كَلَام الله تَعَالَى فِيهَا وَكَانَ مَعَ ذَلِك عَاقِلا منصفا
وسننبه على سر تَحت قَوْله جدا جدا فِي الْقسم الثَّانِي من هَذَا الْبَاب
فَأَما هَاجر فقد جَاءَ فِي التَّوْرَاة ة فِي حَقّهَا مَا لم يجِئ فِي حق سارة وَذَلِكَ أَن ملاك الرب كلمها عَن الله وأبلغها أمره مرَّتَيْنِ أَو أَكثر فَإِذن هِيَ نبية أَو صديقَة وَفِي أَي مَوضِع من التَّوْرَاة جَاءَ أَن سارة نبية وَأَن اله أرسل إِلَيْهَا ملكا ليبلغها أمره وَنَهْيه كَمَا فعل بهاجر
وَلَا شكّ أَن من آتَاهُ الله النُّبُوَّة هُوَ أفضل مِمَّن لم يؤته إِيَّاهَا وَلَا يظنّ الْجَاهِل أَن هَذَا الْكَلَام غض من منصب سارة رضي الله عنها بل هِيَ صديقَة مباركة وكل لَهُ مقَام مَعْلُوم وَالْحق أَحَق أَن يتبع