الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة
قُلْنَا من قبل أَن شَرِيعَة مُوسَى عليه السلام كَانَت من قبل أَن تنسخ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم لبني إِسْرَائِيل وللأمم أَيْضا وَأَنه من قبل ظُهُور النَّصْرَانِيَّة كَانَ للشريعة الموسوية دعاة إِلَيْهَا ومدعويون عاملون بالدعوة فِي كل مَكَان كَمَا قَالَ يَعْقُوب حوارِي الْمَسِيح لِأَن مُوسَى مُنْذُ أجيال قديمَة لَهُ فِي كل مَدِينَة من يكرز أَي يبشر بِهِ إِذْ يقْرَأ فِي المجامع كل سبت
وَقد رأى النَّصَارَى الْأَولونَ أَن ينطلقوا بالدعوة إِلَى بني إِسْرَائِيل والأمم كَمَا أوصى الْمَسِيح لَكِن إِلَى بني إِسْرَائِيل أَولا وَقد اخْتلف الْيَهُود فِيمَا بَينهم بعد رفع الْمَسِيح إِلَى السَّمَاء فِي مد دعوتهم إِلَى الْأُمَم وَقد كَانُوا أوقفوا مد الدعْوَة من بعد سبى بابل إِلَّا نَفرا مِنْهُم غاروا على دين الله وَلم يَسْتَجِيبُوا لقوانين الحرمان والقطيعة الَّتِي سنّهَا عزرا وطبقها نحميا على وَاحِد من أَبنَاء يوياداع ابْن أليا شيب الكاهن الْعَظِيم فَرَأى بَعضهم مد الدعْوَة وَرَأى بَعضهم قصرهَا على بني إِسْرَائِيل وَالَّذين رَأَوْا مد الدعْوَة إِلَى الْأُمَم كَانُوا مُخلصين فِي دعوتهم وأمناء لأَنهم دعوا إِلَى شَرِيعَة مُوسَى الَّتِي مَا نسخهَا الْمَسِيح وَلَا نقضهَا
فَإِن بولس لما فتح للأمم بَاب الْإِيمَان إِلَى النَّصْرَانِيَّة على حسب تقاليدهم انحدر قوم من الْيَهُودِيَّة وَجعلُوا يعلمُونَ الْأُخوة أَنه إِن لم تختتنوا حسب عَادَة ناموس مُوسَى لَا يمكنكم أَن تخلصوا وَلم يدعوا إِلَى الْخِتَان فَحسب بل إِلَى كل أَحْكَام التَّوْرَاة كَمَا يَقُول كَاتب سفر الْأَعْمَال أَيْضا وَلَكِن قَامَ أنَاس من الَّذين كَانُوا قد آمنُوا من مَذْهَب الفريسيين وَقَالُوا أَنه يَنْبَغِي أَن يختنوا ويوصوا بِأَن يحفظوا ناموس مُوسَى
وَالْيَهُود الَّذين رَأَوْا قصر التَّوْرَاة على بني إِسْرَائِيل نظرُوا بِعَين العداء وَعين البغض إِلَى إخْوَانهمْ الَّذين سَارُوا إِلَى الْأُمَم بِالتَّوْرَاةِ بنصها دون تَفْسِير أَو بِالنَّصِّ وَالتَّفْسِير مَعًا وَإِلَى النَّصَارَى الَّذين لم
يَسِيرُوا إِلَى الْأُمَم بِالتَّوْرَاةِ كنص يحْتَاج إِلَى تَفْسِير بل بتفسير الْمَسِيح نَفسه للنبوءات الَّتِي فِيهَا عَن نَبِي الْإِسْلَام صلى الله عليه وسلم وَلما نظرُوا إِلَيْهِم بِعَين العداء وَعين البغض صبوا عَلَيْهِم من الْعَذَاب الْأَلِيم مَا قدرُوا عَلَيْهِ وأوحوا إِلَى الرومان أَن يصبوا عَلَيْهِم من الْعَذَاب الْأَلِيم مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ قائلين للرومان أَن أَكْثَرهم يَقُولُونَ لرعاياكم سَيظْهر نَبِي ملك تمتد مَمْلَكَته إِلَى أقْصَى الأَرْض وسيزيل الدولة الرومانية من فلسطين وَقَوْلهمْ هَذَا للرعايا يجرؤهم على القياصرة والولاة والرؤساء فَلَا يُعْطون كل ذِي حق حَقه من التوقير وَالطَّاعَة والإحترام وَإِذا تجرأت الرّعية على الْمُلُوك قل الْعَمَل وساء النظام وَظَهَرت الفوضى واضطربت المملكة وَهَذَا كُله يعجل بِفنَاء الدولة الرومانية ويمحوها من الْوُجُود فامتدت يَد الرومان إِلَى الْيَهُود الْأُمَنَاء وَالنَّصَارَى الأتقياء بالتعذيب وَالْقَتْل وَالنَّفْي والتشريد مِمَّا لم يسمع بِمثلِهِ من قبل وَلَا من بعد حَتَّى زماني هَذَا
وَأصْبح فِي الْعَالم وقتئذ ثَلَاث فئات الْيَهُود وَالنَّصَارَى والرومان الْيَهُود الَّذين يُرِيدُونَ لأَنْفُسِهِمْ كيانا مُسْتقِلّا إِلَى الْأَبَد وَلَا يتم لَهُم ذَلِك إِلَّا بإنكار النَّبِي الَّذِي سَيظْهر من الْعَرَب أَبنَاء إِسْمَاعِيل عليه السلام وَالنَّصَارَى الَّذين يُرِيدُونَ أَن يقدموا خدمَة لله بإعترافهم بذلك النَّبِي الْعَظِيم والرومان الَّذين يُرِيدُونَ من رعاياهم الطَّاعَة التَّامَّة للقياصرة وَالْوَلَاء للدولة وَلَا يتم لَهُم ذَلِك إِلَّا بتكميم أَفْوَاه النَّصَارَى وَالْيَهُود الْأُمَنَاء وَقطع أَيْديهم عَن الْكِتَابَة حَتَّى لَا يَقُولُوا أَن النَّبِي الْعَرَبِيّ قادم ليزيل الدولة
وَمن أجل مصَالح الْكل اجْتَمعُوا للمصالحة فَإِن النَّصَارَى من مصلحتهم أَن يخف الإضطهاد عَنْهُم وَاتَّفَقُوا على مَا يل
1 -
طلب الْيَهُود من النَّصَارَى أَن لَا يجهروا بِنَبِي الْإِسْلَام صلى الله عليه وسلم وَأَن يَقُولُوا أَن نبوءات التَّوْرَاة وأسفار الْأَنْبِيَاء تدل على عِيسَى ابْن مَرْيَم وَعِيسَى على جِهَة الْخُصُوص هُوَ الْمَسِيح المتظر
2 -
طلب الرومان من النَّصَارَى أَن لَا يجهروا بِنَبِي الْإِسْلَام صلى الله عليه وسلم وَأَن يصوغوا عقائد النَّصْرَانِيَّة على مِثَال عقائد الرومان فِي تعدد الْآلهَة وَأَن يسْلك النَّاس فِي الْحَيَاة بِحَسب عادات أسرهم وتقاليد آبَائِهِم وأجدادهم وَإِذا سَأَلَ النَّاس عَن يَوْم الرب يَوْم
ظُهُور المسيا الَّذِي قُلْتُمْ عَنهُ من قبل قُولُوا قرب إنتهاء الدُّنْيَا وَقيام الْقِيَامَة
3 -
طلب النَّصَارَى فِي مُقَابل ذَلِك أَن يخف الإضطهاد أَولا ثمَّ تعترف الدولة الرومانية رسميا ثَانِيًا بمذهبهم
وَقد تمّ ذَلِك وَهل كَانَ يتم ذَلِك فِي عهد النَّصَارَى الْأَوَائِل مَا كَانَ يتم ذَلِك لقرب عَهدهم من النُّبُوَّة ولمشاهدة معجزات الْمَسِيح بأعينهم ولسماع دَعوته بآذانهم أما فِي هَذَا الجيل الثَّالِث فَإِن أَبنَاء أَبنَاء الْأَوَائِل لَيْسُوا فِي الْقُوَّة كَمَا كَانَ الْآبَاء والأجداد وَقد وصلت إِلَيْهِم مبادئ الْمَسِيح سَمَاعا من مغرضين ومعتدلين والمبادئ إِذا وصلت إِلَى النُّفُوس متأرجحة بَين الشَّك وَالْيَقِين لَا تحمس الْقلب على الدفاع عَنْهَا بل تَدْفَعهُ إِلَى عدم المبالاة بهَا حَتَّى يفرغ لَهَا فَمن أجل ذَلِك قبل أَبنَاء الْأَبْنَاء قَرَار الْمُصَالحَة قائلين فِي أنفسهم أَن مَا وعد الله بِهِ لابد كَائِن ولنرحم نَحن أَنْفُسنَا مِمَّا ابتلينا بِهِ لَكِن الَّذين خَافُوا الله وَالْيَوْم الآخر صَرَّحُوا بِأَن قَرَار الْمُصَالحَة بَاطِل وفضلوا سُكْنى الأديرة والكهوف عَن التَّكَلُّم بِالْبَاطِلِ وَمِنْهُم آريوس وَأَتْبَاعه الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِم من قبل وَمِنْهُم الرهبان الَّذين أسسوا الأديرة خوفًا من الظُّلم
ولكي يفهم القارئون معي أَكثر وَأكْثر عَن قَرَار الْمُصَالحَة هَذَا عَلَيْهِم أَن يقرأوا الإصحاح السَّابِع عشر من سفر أَعمال الرُّسُل عَالمين أَنه لم ينتشر بصورته هَذِه إِلَّا فِي الْقرن الرَّابِع فَمِنْهُ يُمكنهُم أَن يفهموا وَلَا نحيل القارئين إِلَى غير هَذَا السّفر من الْكتب المناوئة للنصرانية الَّتِي فصلت القَوْل فِي قَرَار الْمُصَالحَة تَفْصِيلًا جيدا لِأَنَّهُ من السهل على نَصْرَانِيّ أَن يدْفع تفاصيلهم بقوله هَذَا كَلَام من أَعْدَائِنَا لَا تحتجون بِهِ علينا وَلَا شكّ أَن الْمَكْتُوب فِيهِ فِيهِ لبس للحق بِالْبَاطِلِ وَلَكِن من الْمُمكن استخلاص الْحق من الْبَاطِل بمضاهاة النُّصُوص بَعْضهَا بِبَعْض انه من الَّذِي يقدر أَن يَقُول عَن النَّص الْآتِي أَنه خَال من الْبَاطِل وَحدث بعد هَذِه الْأُمُور أَن الله امتحن إِبْرَاهِيم فَقَالَ لَهُ يَا إِبْرَاهِيم فَقَالَ هَا أنذا فَقَالَ خُذ ابْنك وحيدك الَّذِي تحبه إِسْحَق واذهب إِلَى أَرض المريا وأصعده هُنَاكَ محرقة على أحد الْجبَال الَّذِي أَقُول لَك أَن الْبَاطِل فِي كلمة إِسْحَق فَإِنَّهُ
لَيْسَ الإبن الوحيد لإِبْرَاهِيم أَن الإبن الوحيد لإِبْرَاهِيم هُوَ إِسْمَاعِيل عليه السلام وَأَن الْبَاطِل فِي كلمة أَرض المريا فَإِن مريا لم تعين لبني إِسْرَائِيل مَكَانا مقدسا إِلَّا فِي زمن دَاوُود عليه السلام لما وضع أساس الهيكل وأكمله إبنه سُلَيْمَان وَعرف بهيكل سُلَيْمَان
وَمن الَّذِي لَا يقدر على إستخلاص الْحق فِي قَرَار الْمُصَالحَة مِمَّا سطره لوقا فِي ذَاك الإصحاح من سفر الْأَعْمَال
كَانَ للْيَهُود العبرانيين فِي مَدِينَة تسالونيكي اليونانية مجمع أَي مَوضِع لعبادة الله كالمسجد عندنَا نَحن الْمُسلمين فَدخل بولس إِلَيْهِم حسب عَادَته وَكَانَ يحاجهم ثَلَاثَة سبوت من الْكتب موضحا ومبينا أَنه كَانَ يَنْبَغِي أَن الْمَسِيح يتألم وَيقوم من الْأَمْوَات وَأَن هَذَا هُوَ الْمَسِيح يسوع الَّذِي أَنا أنادي لكم بِهِ فَمَاذَا جرى اقتنع قوم وأبى آخَرُونَ وَالَّذين أَبَوا وامتنعوا آخذوا رجَالًا وقفلوا أَبْوَاب الْمَدِينَة وتجمعوا حول الْبَيْت الَّذِي دخله بولس لما خرج من الْمجمع ثمَّ ذَهَبُوا إِلَى حكام الْمَدِينَة صارخين أَن هَؤُلَاءِ الَّذِي فتنُوا المسكونة حَضَرُوا إِلَى هَهُنَا وَهَؤُلَاء كلهم يعْملُونَ ضد أَحْكَام قَيْصر وَيَقُول الْكَاتِب فأزعجوا الْجمع وحكام الْمَدِينَة إِذْ سمعُوا هَذَا
وبحيلة طريفة هرب بولس إِلَى مَدِينَة بيرية ثمَّ إِلَى مَدِينَة أثينا وَإِذ وجدهم يعْبدُونَ تمثالا لاله مَجْهُول وقف فِي وَسطهمْ وَقَالَ أَيهَا الرِّجَال الأثينيون أَرَاكُم من كل وَجه كأنكم متدينون كثيرا لأنني بَيْنَمَا كنت أجتاز وَأنْظر إِلَى معبوداتكم وجدت أَيْضا مذبحا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ لاله مَجْهُول فَالَّذِي تتقونه وَأَنْتُم تجهلونه هَذَا أَنا أنادي لكم بِهِ وَقَالَ النَّصَارَى أَنه أَرَادَ بالإله الْمَجْهُول الَّذِي نَادَى لَهُم بِهِ الله عز وجل الَّذِي هُوَ قد تجسد وتأنس فِي شخص عِيسَى ابْن مَرْيَم كَمَا يَزْعمُونَ فِي قَوْله الله ظهر فِي الْجَسَد وَقد مر الْبَيَان
وانتهز بطرس وبولس وَمن نحا نَحْوهمَا فرْصَة الْجَهْل فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَة بِسَبَب تَقْصِير عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل فِي الدعْوَة فاعتمدوا على الخرافات فِي إقناع النَّاس بِمَا يُرِيدُونَ وللخرافات كَمَا هُوَ مَعْرُوف أثر عَظِيم فِي الْعَامَّة ويقل هَذَا الْأَثر تدريجيا إِذا ظهر الْعلمَاء بِالْحَقِّ ونكتفي من خرافاتهم بِهَذَا النَّص الْمَكْتُوب فِي الإصحاح الثَّامِن من سفر الْأَعْمَال
ثمَّ إِن ملاك الرب كلم فيلبس قَائِلا قُم وإذهب نَحْو الْجنُوب على الطَّرِيق المنحدرة من أورشليم إِلَى غَزَّة الَّتِي هِيَ بَريَّة فَقَامَ وَذهب وَإِذا رجل حبشى خصى وَزِير لكنداكة ملكة الْحَبَشَة كَانَ على جَمِيع خزائنها فَهَذَا كَانَ قد جَاءَ إِلَى أورشليم ليسجد
وَكَانَ رَاجعا وجالسا على مركبته وَهُوَ يقْرَأ النَّبِي أشعياء فَقَالَ الرّوح لفيلبس تقدم ورافق هَذِه المركبة فبادر إِلَيْهِ فيلبس وسَمعه يقْرَأ النَّبِي أشعياء فَقَالَ ألعلك تفهم مَا أَنْت تقْرَأ فَقَالَ كَيفَ يمكنني إِن لم يرشدني أحد وَطلب إِلَى فيلبس أَن يصعد وَيجْلس مَعَه وَأما فصل الْكتاب الَّذِي كَانَ يقرأه فَكَانَ هَذَا مثل شَاة سيق إِلَى الذّبْح وَمثل خروف صَامت أَمَام الَّذِي يجزه هَكَذَا لم يفتح فَاه فِي تواضعه إنتزاع قَضَاؤُهُ وجيله من يخبر بِهِ لِأَن حَيَاته تنتزع من الأَرْض فَأجَاب الخصى فيلبس وَقَالَ أطلب إِلَيْك عَن من يَقُول النَّبِي هَذَا عَن نَفسه أم عَن وَاحِد آخر فَفتح فيلبس فَاه وابتدأ من هَذَا الْكتاب فبشره بيسوع
وَفِيمَا هما سائران فِي الطَّرِيق أَقبلَا على مَاء فَقَالَ الخصى هُوَ ذَا مَاء مَاذَا يمْنَع أَن أعْتَمد فَقَالَ فيلبس إِن كنت تؤمن من كل قَلْبك يجوز فَأجَاب وَقَالَ أَنا أُؤْمِن أَن يسوع الْمَسِيح هُوَ ابْن الله فَأمر أَن تقف المركبة فَنزلَا كِلَاهُمَا إِلَى المَاء فيلبس والخصى فعمده وَلما صعدا من المَاء خطف روح الرب فيلبس فَلم يبصره الخصى أَيْضا وَذهب فِي طَرِيقه فَرحا وَأما فيلبس فَوجدَ فِي أشدود
وأصبحت النَّصْرَانِيَّة دينا عالميا بعد قَرَار الْمُصَالحَة هَذَا الَّذِي تمّ فِي عهد القيصر قسطنطين دينا عالميا بجبروت الرومان وقوتهم لَا بالإقناع وَالْبَيَان
وَقد قُلْنَا من قبل
أَنهم تفادوا النبوءات وَلِأَن النبوءات تدل على شَرِيعَة جَدِيدَة غير شَرِيعَة مُوسَى سَتَكُون مَعَ النَّبِي المنتظر قَالُوا بشريعة للمسيح ليَكُون هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بالنبوءات فِي زعمهم
ونقول أَيْضا أَنهم يعلمُونَ أَن النَّبِي المنتظر سَتَكُون دَعوته عالمية لجَمِيع أُمَم الأَرْض فَهَل تفادوا هَذِه الصّفة فِيهِ لقد جعلُوا النَّصْرَانِيَّة دينا عالميا بالمبادئ الَّتِي قرروها وَمَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان رُبمَا ليتفادوا هَذِه الصّفة فِيهِ وَلَو أَنَّهَا عالمية على الأَصْل الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ الْمَسِيح وَهُوَ الْعَمَل بِالتَّوْرَاةِ حَتَّى يَأْتِي النَّبِي المنتظر فَيدْخلُونَ فِي دينه مَا صَحَّ لإِنْسَان أَن يعْتَرض عَلَيْهَا بِأَدْنَى إعتراض لِأَنَّهَا بِهَذَا الْمَعْنى فارضة نَفسهَا على الْعَالم من قبل مَجِيء الْمَسِيح لَكِن قصدهم من العالمية هُوَ تفادي الصّفة من جِهَة وليكسبوا أنصارا يناوئون بهم أَتبَاع النَّبِي المنتظر إِذا ظهر فِي حِينه من جِهَة أُخْرَى وَكسب الْأَنْصَار عِنْدهم أهم من تفادي الصّفة فَإِنَّهُم لَا يعجزون إِذا لزم الْأَمر عَن تَحْرِيف الْكَلم عَن موَاضعه
لقد فَهموا صفة االعالمية من النبوءات هَكَذَا
1 -
بيّنت التَّوْرَاة أَن لإسماعيل عليه السلام بركَة كَمَا لإسحاق
عَلَيْهِ السَّلَام بركَة وَالْيَهُود يعلمُونَ أَن بركَة إِسْحَاق تعنى ملكا ونبوة وَإِسْمَاعِيل مثله وَأَن النُّبُوَّة فِي إِسْحَاق لم تكن لنسله فَقَط لِأَن مُوسَى عليه السلام الَّذِي اصطفاه الله على النَّاس عُمُوما بِرِسَالَاتِهِ وبكلامه كَانَت دَعوته لنسل إِسْحَاق وللمصريين وَغَيرهم
2 -
لما حضر يَعْقُوب الْمَوْت قَالَ لِبَنِيهِ عَن النَّبِي المنتظر وَله يكون خضوع شعوب
3 -
لما وصف مُوسَى النَّبِي المنتظر بأوصاف تِسْعَة فِي الإصحاح الثَّامِن عشر من سفر التَّثْنِيَة قَالَ عَنهُ فِي تَرْجَمَة الْيَهُود وَيكون أَن الْإِنْسَان الَّذِي لَا يسمع لكلامي الَّذِي يتَكَلَّم بِهِ بإسمي أَنا أطالبه وَمن هَذِه التَّرْجَمَة يفهم أَن الْإِنْسَان يكون من جنس الْيَهُود فَقَط لِأَن أول النبوءة أقيم لَهُم نَبيا وَمن تَرْجَمَة بطرس فِي الإصحاح الثَّالِث من سفر الْأَعْمَال وَيكون أَن كل نفس الخ يفهم أَن كل نفس من الْيَهُود أَو من غير الْيَهُود وَهَذَا هُوَ قصد بطرس
4 -
لما قسم مُوسَى فِي الإصحاح الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من سفر التَّثْنِيَة بركَة الله فِي نسل إِبْرَاهِيم عليه السلام وتحدث عَن بركَة من فاران مَوضِع سُكْنى أَبنَاء إِسْمَاعِيل عليه السلام قَالَ عقب الحَدِيث عَنْهَا أَنه أحب الشّعب فِي التَّرْجَمَة العبرانية وَفِي التَّرْجَمَة السامرية قَالَ محب الشعوب أَي أَن دَعْوَة النَّبِي الَّذِي سَيكون من أَبنَاء إِسْمَاعِيل سكان فاران سَتَكُون عالمية لجَمِيع الشعوب هَذَا من الْأَسْفَار الْخَمْسَة ونبوءاتها هِيَ الْعُمْدَة فِي الإستدلال
لنذكر الْآن من الْأَدِلَّة الَّتِي اعْتمد عَلَيْهَا بطرس وبولس فِي عالمية الدعْوَة ملاحظتين أَنَّهُمَا نَادِيًا
1 -
بعالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة
2 -
وبتشريعات مُخَالفَة لتشريعات التَّوْرَاة وعقائد مُخَالفَة أَيْضا وهما بِهَذَيْنِ الْأَمريْنِ مخالفان للمسيح ابْن مَرْيَم عليه السلام الَّذِي قَالَ بالعالمية على وفْق التَّوْرَاة وَفسّر نبوءات التَّوْرَاة للأتباع قبل أَن يَأْمُرهُم بالإنطلاق إِلَى الْأُمَم
اعْتمد بطرس وبولس فِي النداء بعالمية الدعْوَة على أَن الله رب الْعَالمين وَلَيْسَ رَبًّا للْيَهُود وحدهم كَمَا زعم الْيَهُود من بعد سبى بابل
وَأَن النَّاس جَمِيعًا يهودا أَو غير يهود أَبنَاء لآدَم وآدَم من تُرَاب إِذن النَّاس جَمِيعًا إخْوَة من التُّرَاب فِي البدء خلقُوا وَإِلَى التُّرَاب فِي النِّهَايَة رَاجِعُون إِذن على أَي أساس يُمَيّز الله جِنْسا على جنس وهم متساوون فِي المبدء وَالنِّهَايَة وَإِذا كَانَ مبدأ التَّمْيِيز غير مَوْجُود لعدم مَا يَقْتَضِيهِ فلماذا يصر الْيَهُود على قصر الشَّرِيعَة عَلَيْهِم وَترك الْأُمَم فِي طغيانهم يعمهون إِن الله تَعَالَى لم يفضل الْيَهُود على سَائِر الْأَجْنَاس إِلَّا لِأَنَّهُ ائتمنهم على شَرِيعَة مُوسَى الَّتِي كَانَت للنَّاس هدى ونورا فِي ذَاك الزَّمَان فَلَمَّا خانوا الْأَمَانَة بالتحريف أَولا ثمَّ بقصرها عَلَيْهِم ثَانِيًا نبذهم وأهملهم وماذا يكون الْحَال الْآن لَو جارينا الْيَهُود فِي كفرهم وعنادهم لَيْسَ إِلَّا قلَّة الأصدقاء وَقت ظُهُور النَّبِي المنتظر فيدوسنا برجليه إِذن لَا بُد من أَن نحث الْيَهُود على عالمية الدعْوَة
قَالَ بطرس فِي بَيت كرنيليوس بِالْحَقِّ أَنا أجد أَن الله لَا يقبل الْوُجُوه بل فِي كل أمة الَّذِي يتقيه ويصنع الْبر مَقْبُول عِنْده
وَلما خاصمه الْيَهُود فِي دَعْوَة الْأُمَم قَالَ لَهُم إِن كَانَ الله قد أَعْطَاهُم الموهبة كَمَا لنا أَيْضا بِالسَّوِيَّةِ مُؤمنين بالرب يسوع الْمَسِيح فَمن أَنا أقادر أَن أمنع الله
وَبعد وعظ من بولس للأمم طلبُوا مِنْهُ ثَانِيَة أَن يَعِظهُمْ فانتهره الْيَهُود أَن لَا يَعِظهُمْ فَقَالَ لَهُم كَانَ يجب أَن تكلمُوا أَنْتُم أَولا بِكَلِمَة الله وَلَكِن إِذْ دفعتموها عَنْكُم وحكمتم أَنكُمْ غير مستحقين للحياة الأبدية هُوَ ذَا نتوجه إِلَى الْأُمَم
وَفِي مَوضِع آخر يَقُول كَاتب سفر الْأَعْمَال أَن الْيَهُود إِذا كَانُوا يقاومون دَعوته ويجدفون عَلَيْهِ نفض ثِيَابه وَقَالَ لَهُم دمكم على رؤوسكم أَنا برِئ من الْآن أذهب إِلَى الْأُمَم
وَكَانَ اسْتِدْلَال بطرس بنبوءات التَّوْرَاة ونبوءة يوحنا المعمدان اللَّاتِي فَسرهَا قسرا على الْمَسِيح ابْن مَرْيَم عيله السَّلَام فمثلا إِذا تحدثت نبوءة عَن أَن النُّور الَّذِي سينزل على النَّبِي المنتظر سيعم المسكونة كلهَا أَي دَعوته عالمية يَقُول بطرس أَن ذَلِك النُّور هُوَ نور الْإِنْجِيل
والعالمية للإنجيل على زَعمه وَلَيْسَت لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم كَمَا تدل النبوءات بِالْحَقِّ
أما اسْتِدْلَال بولس فَهُوَ بالنبوءات كَمَا فعل بطرس فِي تَفْسِيرهَا وَهُوَ أَيْضا بآيَات فِي أسفار التَّوْرَاة وأسفار الْأَنْبِيَاء
فَعَن بطرس يحْكى الْكَاتِب فِي الإصحاح الثَّانِي من سفر الْأَعْمَال أَن كثيرا من النَّاس فِي أورشليم فِي عيد العنصرة الَّذِي بعد عيد الْحَصاد بِخَمْسِينَ يَوْمًا من جَمِيع الْأُمَم من مصر وليبيا وروما وبلاد الْعَرَب وَغَيرهم لما حلت عَلَيْهِم الرّوح كَمَا زَعَمُوا تكلم كل إِنْسَان بلغَة غير لغته فتحير الْجَمِيع وارتابوا قائلين بَعضهم لبَعض مَا عَسى أَن يكون هَذَا وَكَانَ آخَرُونَ يستهزئون قائلين أَنهم قد امتلأوا سلافة وعندئذ وقف بطرس خَطِيبًا وَقَالَ هَذَا الْحَال قد أشارت إِلَيْهِ التَّوْرَاة فِي سفر النَّبِي يوئيل وَهُوَ حَال منطبق على أَتبَاع الْمَسِيح الْآن فآمنوا بدعوته مَعَ أَن عِبَارَات يوئيل لَا تُؤدِّي إِلَى غَرَضه وقف بطرس مَعَ الْأَحَد عشر وَرفع صَوته وَقَالَ لَهُم أَيهَا الرِّجَال الْيَهُود والساكنون فِي أورشليم أَجْمَعُونَ
ليكن هَذَا مَعْلُوما عنْدكُمْ وأصغوا إِلَى كَلَامي لِأَن هَؤُلَاءِ لَيْسُوا سكارى كَمَا أَنْتُم تظنون لِأَنَّهَا السَّاعَة الثَّالِثَة من النَّهَار بل هَذَا مَا قيل بيوئيل النَّبِي يَقُول الله وَيكون فِي الْأَيَّام الْأَخِيرَة أَنى أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم وَيرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما وعَلى عَبِيدِي أَيْضا وإمائي أسكب من روحي فِي تِلْكَ الْأَيَّام فيتنبأون وَأعْطى عجائب فِي السَّمَاء من فَوق وآيات على الأَرْض من أَسْفَل دَمًا وَنَارًا وبخار دُخان تتحول الشَّمْس إِلَى ظلمَة وَالْقَمَر إِلَى دم قبل أَن يَجِيء يَوْم الرب الْعَظِيم الشهير وَيكون كل من يَدْعُو بإسم الرب يخلص
إِن هَذَا كُله يَا بطرس قبل مَجِيء يَوْم الرب وَلم يحدث بإعترافك من هَذَا شَيْء قبل ظُهُور الْمَسِيح عليه السلام فَإِن قلت قبل مَجِيئه قرب الْقِيَامَة من الْأَمْوَات يجب عَلَيْك أَن تثبت دَلِيل الْمَجِيء فِي ذَاك الْوَقْت قبل مَا تَقول شَيْئا
وَعَن بطرس أَيْضا يَقُول الْكَاتِب أَن يوحنا المعمدان لما تنبأ عَن
نَبِي من بعده أقوى مِنْهُ وبالتأكيد لَا يُشِير إِلَى عِيسَى كَمَا بَينا قَالَ بطرس أَنه يُشِير إِلَى عِيسَى عليه السلام يَقُول بطرس الْكَلِمَة الَّتِي أرسلها إِلَى بني إِسْرَائِيل يبشر بِالسَّلَامِ بيسوع الْمَسِيح هَذَا هُوَ رب الْكل أَنْتُم تَعْمَلُونَ الْأَمر الَّذِي صَار فِي كل الْيَهُودِيَّة مبتدئا من الْجَلِيل بعد المعمودية الَّتِي كرز بهَا يوحنا الخ
هَذَا عَن بطرس أما عَن بولس فقد وضح فِي خطبَته فِي مَدِينَة أنطاكية بيسيدية مَا وضحه بطرس
قَامَ بولس وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ
أَيهَا الرِّجَال الإسرائيليون وَالَّذين يَتَّقُونَ الله اسمعوا إِلَه شعب إِسْرَائِيل هَذَا اخْتَار آبَاءَنَا وَرفع الشّعب فِي الغربة فِي أَرض مصر وبذراع مُرْتَفعَة أخرجهم مِنْهَا وَنَحْو مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة احْتمل عوائدهم فِي الْبَريَّة ثمَّ أهلك سبع أُمَم فِي أَرض كنعان وَقسم لَهُم أَرضهم بِالْقُرْعَةِ وَبعد ذَلِك فِي نَحْو أربعمئة خمسين سنة أَعْطَاهُم قُضَاة حَتَّى صموئيل النَّبِي وَمن ثمَّ طلبُوا ملكا فَأَعْطَاهُمْ الله شاول بن قيس رجلا من سبط بنيامين أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ عَزله وَأقَام لَهُم دَاوُود ملكا الَّذِي شهد لَهُ أَيْضا إِذْ قَالَ وجدت دَاوُود بن يسى رجلا حسب قلبِي الَّذِي سيصنع كل مشيئتي من نسل هَذَا حسب الْوَعْد أَقَامَ الله لإسرائيل مخلصا يسوع إِذا سبق يوحنا فكرز قبل مَجِيئه بمعمودية التَّوْبَة لجَمِيع شعب إِسْرَائِيل وَلما صَار يوحنا يكمل سَعْيه جعل يَقُول من تظنون أَنِّي أَنا لست أَنا إِيَّاه لَكِن هُوَ ذَا يَأْتِي بعدِي الَّذِي لست مُسْتَحقّا أَن أحل حذاء قَدَمَيْهِ الخ
وَلَقَد وَجه بولس خطابه هَذَا لَيْسَ إِلَى الْيَهُود الْمعبر عَنْهُم بِالرِّجَالِ الإسرائيليين بل وَجه خطابه أَيْضا إِلَى الْأُمَم الْمعبر عَنْهُم فِي الْخطاب بالذين يَتَّقُونَ الله ثمَّ اسْتدلَّ على أَن آخر الْأَنْبِيَاء من نسل دَاوُود بنبوءة فِي التَّوْرَاة هِيَ وجدت دَاوُود الخ وَأَن الْمَسِيح ابْن مَرْيَم جَاءَ من نسل دَاوُود تتميما للنبواءت وَأَنه هُوَ الَّذِي كَانَ يبشر بمجيئه يوحنا المعمدان وَلَقَد أَخطَأ بولس خطأ بَينا فِي قَوْله أَن آخر الْأَنْبِيَاء
من دَاوُود فَإِن يحيى وَعِيسَى وهما خَاتمًا النَّبِيين فِي بني إِسْرَائِيل لم يَكُونَا من نسل دَاوُود بل كَانَا من نسل هَارُون النَّبِي أخي مُوسَى عليهم السلام وَهَذَا وَاضح من الإصحاح الأول فِي إنجيل لوقا فَإِن زَكَرِيَّا وَامْرَأَته اليصابات أم يحيى من نسل هَارُون وَيَقُول لوقا أَن مَرْيَم قريبَة لاليصابات أَي من السبط الَّذِي هُوَ مِنْهُ لِأَن شَرِيعَة بني إِسْرَائِيل تنص على تميز الأسباط بزواج كل إمرأة بِوَاحِد من عشيرة سبط أَبِيهَا وَإِذا ثَبت أَن مَرْيَم قريبَة لإليصابات يثبت أَن مَرْيَم من هَارُون كَمَا أَن اليصابات من هَارُون
أما عَن إستدلال بولس بآيَات من التَّوْرَاة على عالمية الدعْوَة فَهَذَا لَيْسَ فِي سفر الْأَعْمَال بل فِي الإصحاح التَّاسِع من رسَالَته إِلَى أهل رُومِية والإصحاح الْعَاشِر لقد صرح بقوله لَا فرق بَين الْيَهُودِيّ واليوناني لِأَن رَبًّا وَاحِدًا للْجَمِيع غَنِيا لجَمِيع الَّذين يدعونَ بِهِ وَأقَام الْأَدِلَّة هَكَذَا
قَالَ بولس فَمَاذَا نقُول ألعل عِنْد الله ظلما حاشا لِأَنَّهُ يَقُول لمُوسَى إِنِّي أرْحم من أرْحم وأتراءف على من أتراءف فَإِذن لَيْسَ لمن يَشَاء وَلَا لمن يسْعَى بل لله الَّذِي يرحم لِأَنَّهُ يَقُول الْكتاب لفرعون أَنِّي لهَذَا بِعَيْنِه أقمتك لكَي أظهر فِيك قوتي ولكي يُنَادي بإسمي فِي كل الأَرْض فَإِذن هُوَ يرحم من يَشَاء ويقسى من يَشَاء فستقول لي لماذا يلوم بعد لِأَن من يُقَاوم مَشِيئَته بل من أَنْت أَيهَا الْإِنْسَان الَّذِي تجاوب الله ألعل الجبلة تَقول لجابلها لماذا صنعتني هَكَذَا أم لَيْسَ للخزاف سُلْطَان على الطين أَن يصنع من كتلة وَاحِدَة إِنَاء للكرامة وَآخر للهوان فَمَاذَا إِن كَانَ الله وَهُوَ يُرِيد ان يظْهر غَضَبه وَيبين قوته احْتمل بأناة كَثِيرَة آنِية غضب مهيأة للهلاك ولكي يبين غنى مجده على آنِية رَحْمَة قد سبق فأعدها للمجد الَّتِي أَيْضا دَعَانَا نَحن إِيَّاهَا لَيْسَ من الْيَهُود فَقَط بل من الْأُمَم أَيْضا كَمَا يَقُول فِي هوشع أَيْضا سأدعو الَّذِي لَيْسَ شعبي شعبي وَالَّتِي لَيست محبوبة محبوبة وَيكون فِي الْموضع الَّذِي قيل لَهُم فِيهِ لَسْتُم شعبي أَنه هُنَاكَ يدعونَ أَبنَاء الله الْحَيّ وأشعياء يصْرخ من جِهَة إِسْرَائِيل وَإِن كَانَ عدد بني إِسْرَائِيل كرمل الْبَحْر فالبقية ستخلص لِأَنَّهُ متمم
أَمر وقاض بِالْبرِّ لِأَن الرب يصنع أمرا مقضيا بِهِ على الأَرْض وكما سبق أشعياء فَقَالَ لَوْلَا أَن رب الْجنُود أبقى لنا نَسْلًا لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة
فَمَاذَا نقُول إِن الْأُمَم الَّذين لم يسعوا فِي أثر الْبر أدركوا الْبر الْبر الَّذِي بِالْإِيمَان وَلَكِن إِسْرَائِيل وَهُوَ يسْعَى فِي أثر ناموس الْبر لم يدْرك ناموس الْبر لماذا لِأَنَّهُ فعل ذَلِك لَيْسَ بِالْإِيمَان بل كَأَنَّهُ بأعمال الناموس الخ
اسْتدلَّ بولس من توراة مُوسَى الَّتِي بيد الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْآن على أَن الدّيانَة الموسوية كَانَت ديانَة عالمية لجَمِيع الْأُمَم بدليلين الأول قَول الله لمُوسَى عليه السلام أتراءف على من أتراءف وأرحم من أرْحم فَإِن من للْعُمُوم وَهَذَا النَّص فِي الإصحاح الثَّالِث وَالثَّلَاثِينَ من سفر الْخُرُوج الْآيَة التَّاسِعَة عشر وَالثَّانِي قَول الله لفرعون على لِسَان مُوسَى عليه السلام لأجل هَذَا أقمتك لكَي أريك قوتي ولكي يخبر بإسمي فِي كل الأَرْض يدل على شيوع هَذَا الْخَبَر فِي الْعَالم ليخشوا إِلَه الْعَالم كُله وَهُوَ الله عز وجل فيعلموا بِشَرِيعَتِهِ وَهَذَا النَّص فِي الإصحاح التَّاسِع من سفر الْخُرُوج الْآيَة السَّادِسَة عشر وإستدل بولس أَيْضا بأسفار الْأَنْبِيَاء بآيَات فِي سفر هوشع وبآيات فِي سفر أشعياء والآيات الَّتِي اسْتدلَّ بهَا من هوشع اسْتدلَّ بهَا بِالْمَعْنَى لَا بِنَصّ الْأَلْفَاظ وَهِي ادْع اسْمه لوعمى لأنكم لَسْتُم شعبي وَأَنا لَا أكون لكم لكَي يكون عدد بني إِسْرَائِيل كرمل الْبَحْر الَّذِي لَا يُكَال وَلَا يعد وَيكون عوضا عَن أَن يُقَال لَهُم لَسْتُم شعبي يُقَال لَهُم أَبنَاء الله الْحَيّ وآيات سفر أشعياء على العالمية هِيَ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ شعبك يَا إِسْرَائِيل كرمل الْبَحْر ترجع بَقِيَّة مِنْهُ قد قضى بِفنَاء فائض بِالْعَدْلِ لِأَن السَّيِّد رب الْجنُود يصنع فنَاء وقصاء فِي كل الأَرْض وَهِي لَوْلَا أَن رب الْجنُود أبقى لنا بَقِيَّة صَغِيرَة لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة يقْصد بالبقية الصَّغِيرَة نسل من غير بني إِسْرَائِيل على فهم بولس وَلَيْسَ هَذَا مُرَاد أشعياء وواضح من الْأَدِلَّة الَّتِي ذكرهَا بولس قُوَّة الإستدلال بآيَات من أسفار مُوسَى عليه السلام لَا بأسفار الْأَنْبِيَاء
وَالسُّؤَال الْأَخير فِي بحثنا هَذَا لماذا يعد عُلَمَاء مُقَارنَة الْأَدْيَان بولس المؤسس الْحَقِيقِيّ للنصرانية لَا عِيسَى ابْن مَرْيَم عليه السلام مَعَ أَن بولس لم يزدْ على مَا أثْبته بطرس وَيَعْقُوب هَل لِكَثْرَة جهاده أَكثر من رفقائه هَل لِكَثْرَة رسائله الَّتِي بلغت أَرْبَعَة عشرَة رِسَالَة ولبطرس رسالتان وليعقوب وَاحِدَة هَل لِأَنَّهُ اخْتصَّ بدعوة الْأُمَم وَغَيره دَعَا بني إِسْرَائِيل لَا الْأُمَم هَل لِأَنَّهُ فلسف المبادئ بأسلوب يقنع الْعَوام والسذج والبسطاء من النَّاس هَل لِأَنَّهُ اجتذب أنصارا أَكثر من غَيره لقَوْله الدعْوَة الَّتِي دعى فِيهَا كل وَاحِد فليلبث فِيهَا كَمَا فِي الإصحاح السَّابِع من رسَالَته الأولى إِلَى أهل كورنثوس لَيْسَ لِكَثْرَة الْجِهَاد وَكَثْرَة الرسائل وَلَا لإختصاصه بالأمم فَإِنَّهُم فعلوا كَمَا فعل كَمَا بَينا من قبل وَإِنَّمَا لِأَنَّهُ فلسف المبادئ واجتذب أنصارا أَكثر من غَيره وَلَا أَشك فِي أَنه مَاتَ على يَهُودِيَّته الَّتِي حرف من أجلهَا دَعْوَة الْمَسِيح عليه السلام وَلَعَلَّ مَا أذكرهُ الْآن يصلح دَلِيلا على الحكم عَلَيْهِ
فِي الْيَوْم الثَّالِث عشر من يناير سنة ألف وَأَرْبَعمِائَة وتسع وَثَمَانِينَ من الميلاد كتب شخص يَهُودِيّ إسمه شامور حاخام حَكِيم يهود مَدِينَة ارل بفرنسا إِلَى الْمجمع الْيَهُودِيّ العالمي فِي إسطنبول يستشيره حول بعض الْحَالَات الحرجة قَائِلا
إِن الفرنسيين فِي مدن اكس وارل ومرسيليا يتهددون معابدنا فَمَاذَا نعمل
فَرد الْمجمع الْيَهُودِيّ العالمي بِمَا نَصه
أَيهَا الْأُخوة الأعزاء بمُوسَى
تلقينا كتابكُمْ الَّذِي تطلعوننا فِيهِ على مَا تقاسونه من الهموم والبلايا فَكَانَ وَقع الْخَبَر علينا شَدِيد الْوَطْأَة إِلَيْكُم رأى الحاخاميين والربانيين
تَقولُونَ إِن ملك فرنسا يجبركم على إعتناق الدّيانَة المسيحية فاعتنقوها لِأَنَّهُ لَيْسَ بوسعكم أَن تقاوموا لَكِن يجب عَلَيْكُم أَن تبقوا شَرِيعَة مُوسَى راسخة فِي قُلُوبكُمْ وتقولون إِنَّهُم يأمرونكم بالتجرد من ممتلكاتكم فاجعلوا أَوْلَادكُم تجارًا ليتمكنوا رويدا رويدا من تَجْرِيد المسيحيين من أملاكهم وتقولون إِنَّهُم يعتدون على حَيَاتكُم فاجعلوا أَوْلَادكُم أطباء وصيادلة ليعدموا المسيحيين حياتهم وتقولون إِنَّهُم يهدمون معابدكم فاجعلوا أَوْلَادكُم كهنة واكليريكيين ليهدموا كنائسهم وتقولون أَنهم يسومونكم تعديات أُخْرَى كثير فاجعلوا أَوْلَادكُم وكلاء دعاوى وَكتاب عدل ليتدخلوا دَوْمًا فِي القضايا الحكومية ويخضعوا المسيحيين لنيركم فتستولون على زِمَام السلطة الْعَالِيَة وَبِذَلِك يتسنى لكم الإنتقام سِيرُوا بِمُوجب أمرنَا هَذَا فتتعلموا بالإختبار أَنكُمْ من مذلتكم وضعتكم تتوصلون إِلَى ذرْوَة الْقُوَّة وَالْعَظَمَة
وضح لنا أَن مبادئ النَّصْرَانِيَّة مبدأين إثنين ثمَّ وضحت لنا عالمية دعوتهم وكل مَا كتبناه إلزاما لَهُم أَثْبَتْنَاهُ من كتب النَّصَارَى أنفسهم وَقد حاولت تبسيط الأساليب عَن الْمعَانِي ليفهم المتعلم كَمَا يفهم الْعَالم وَإِنِّي على يَقِين من أَن الآتين من بعدِي سيكونون أقوى مني على الْإِيضَاح وَالْبَيَان فقد وضعت لَهُم مَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ وَالله ولي التَّوْفِيق د أَحْمد حجازي السقا نها لمن