المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل فِي بَيَان بعض مَا طَرَأَ فِي التَّوْرَاة من الْخلَل وَأَنَّهَا - الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌صدر الْكتاب

- ‌فصل

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الأقانيم وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌أقانيم الْقُدْرَة وَالْعلم والحياة

- ‌دَلِيل التَّثْلِيث

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام السَّائِل وَ‌‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْجَوَاب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌وَالْجَوَاب عَن قَوْله

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكر

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌قَالُوا

- ‌الْجَواب عَن مَا ذكره الْمصدر كَلَامه

- ‌فِي بَيَان مذاهبهم فِي الإتحاد والحلول وَإِبْطَال قَوْلهم فِيهَا

- ‌معنى الإتحاد

- ‌تجسد الْوَاسِطَة

- ‌مَذْهَب أغشتين إِذْ هُوَ زعيم القسيسين

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌فِي حِكَايَة كَلَام هَذَا السَّائِل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَام السَّائِل

- ‌الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الرَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكره

- ‌الْفَصْل الْخَامِس

- ‌الْجَواب عَن كَلَامهم

- ‌ف {هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين}

- ‌مِنْهَا

- ‌وَنور بعد ذَلِك إلزامات لَهُم

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر يظْهر تناقضهم

- ‌ثمَّ نقُول تَحْقِيقا لالزام الْجَمِيع

- ‌إِلْزَام آخر وَطَلَبه

- ‌مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌‌‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌إِلْزَام آخر

- ‌الْفَصْل السَّادِس

- ‌نُكْتَة أُخْرَى

- ‌كمل الْبَاب الثَّانِي وبكماله كمل الْجُزْء الأول الحمدلله حق حَمده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَسلم يتلوه الثَّانِي

- ‌الْإِعْلَام

- ‌فِي النبوات وَذكر كَلَامهم

- ‌الْقسم الأول

- ‌احتجاج أَصْحَاب الْملَل

- ‌الْجَواب عَن كَلَامه يَا هَذَا أسهبت وأطنبت وبحبة خَرْدَل مَا أتيت كثر كلامك فَكثر غلطك وَقلت فَائِدَته فَظهر قصورك وسقطك وَمن كثر كَلَامه كثر سقطه وَمن كثر سقطه كَانَت النَّار أولى بِهِ أعميت لجهلك بلحنه وَلم تتفطن لتثبيجه ولحنه فَلَقَد استسمنت ذَا ورم ونفخت فِي غير ضرم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌فِي حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌فَافْهَم الْجَواب عَنهُ

- ‌الْفَصْل الثَّالِث

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌فصل

- ‌فَأول دَلِيل

- ‌فصل فِي بَيَان أَن الْإِنْجِيل لَيْسَ بمتواتر وَبَيَان بعض مَا وَقع فِيهِ من الْخلَل

- ‌الْفَصْل السَّابِع

- ‌من حِكَايَة كَلَامه أَيْضا

- ‌الْجَواب عَمَّا ذكر

- ‌‌‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌وَأما قَوْلك

- ‌الْقسم الثَّانِي

- ‌الْمُقدمَة الأولى

- ‌فَأَما المعجزة

- ‌وَأما وَجه دلالتها

- ‌الْمُقدمَة الثَّانِيَة

- ‌وَمِمَّا يدل على أَنهم من كِتَابهمْ وشرعهم على غير علم

- ‌ من ذَلِك

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌الْجُزْء الثَّالِث

- ‌أَنْوَاع الْقسم الثَّانِي

- ‌نقُول

- ‌النَّوْع الأول

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَمن ذَلِك

- ‌وَفِي التَّوْرَاة

- ‌وَمن ذَلِك مَا جَاءَ فِي الزبُور

- ‌أخبرونا

- ‌‌‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِي الزبُور أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَقد تقدم قَول دَاوُود

- ‌وَفِي الزبُور

- ‌وَفِيه أَيْضا عَن يوحنا

- ‌‌‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌وَفِيه أَيْضا

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌وَفِي الْإِنْجِيل أَيْضا

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ أشعياء

- ‌وَفِي صحف حبقوق النَّبِي الَّتِي بِأَيْدِيكُمْ

- ‌‌‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِيقَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء النَّبِي

- ‌وَفِي صحفه أَيْضا

- ‌وَفِي الصُّحُف المنسوبة للإثنى عشر نَبيا

- ‌وَفِي صحف حزقيال النَّبِي

- ‌وَقَالَ دانيال النَّبِي

- ‌وَفِي نفس النَّص

- ‌ثمَّ قَالَ

- ‌وَفِي صحف أشعياء

- ‌وَقَول أشعياء

- ‌وَقَالَ أَيْضا عَن الله

- ‌وَقَالَ على أثر ذَلِك

- ‌وَقَالَ أشعياء أَيْضا عَن الله

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌وَمن أوضح ذَلِك وأبينه

- ‌وَيَنْبَغِي الْآن أَن يعرف الجاحد وَالْجَاهِل بعض مَا خص بِهِ من صِفَات الْكَمَال والفضائل

- ‌اعْلَم أَنا

- ‌فَمن ذَلِك

- ‌قَالَ ناعته

- ‌يَقُول ناعته

- ‌وَأما فصاحة لِسَانه

- ‌وَأما نسبه

- ‌وَأما عزة قومه

- ‌أما سفساف الْأَخْلَاق ودنيها

- ‌وَأما قُوَّة عقله وَعلمه

- ‌أما الْأُمُور المصلحية

- ‌فأصول الشَّرِيعَة وَإِن تعدّدت صورها فَهِيَ رَاجِعَة إِلَى هَذِه الْخَمْسَة

- ‌وَأما الدِّمَاء

- ‌وَأما الْأَمْوَال

- ‌وَأما الْعُقُول

- ‌وَأما حفظ الْأَنْسَاب وصيانة إختلاط الْمِيَاه فِي الْأَرْحَام

- ‌وَأما الْمُحَافظَة على الْأَدْيَان وصيانتها

- ‌وَأما صبره وحلمه

- ‌وَأما تواضعه

- ‌وَأما عدله وَصدقه صلى الله عليه وسلم وأمانته وَصدق لهجته

- ‌وَأما زهده

- ‌وَأما كَثْرَة جوده وَكَرمه

- ‌وَأما وفاؤه بالعهد

- ‌يَا هَذَا تَأمل بعقلك

- ‌وَأما حسن سمته وتؤدته وَكثير حيائه ومروءته

- ‌وَمِمَّا يدلك على عَظِيم شجاعته

- ‌وَأما خَوفه من الله تَعَالَى وإجتهاده فِي عِبَادَته

- ‌خَاتِمَة جَامِعَة فِي صِفَاته وشواهد صدقه وعلاماته

- ‌النَّوْع الثَّالِث

- ‌وَالْجَوَاب من وَجْهَيْن

- ‌الْوَجْه الثَّانِي من الْجَواب

- ‌فَإِن قيل

- ‌الْجَواب

- ‌معَارض

- ‌فَإِن قيل

- ‌فَالْجَوَاب

- ‌الْوَجْه الأول

- ‌أَن لِسَان الْعَرَب مباين للسان غَيرهم

- ‌الْوَجْه الثَّانِي

- ‌الْوَجْه الثَّالِث

- ‌الْوَجْه الرَّابِع

- ‌النَّوْع الرَّابِع

- ‌الْفَصْل الأول فِي إنشقاق الْقَمَر

- ‌الْفَصْل الثَّانِي فِي حبس الشَّمْس آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّالِث نبع المَاء وتكثيره معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الرَّابِع تَكْثِير الطَّعَام معْجزَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْخَامِس فِي كَلَام الشّجر وَكثير من الجمادات وشهادتها لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّادِس فِي كَلَام ضروب من الْحَيَوَان وتسخيرهم آيَة لَهُ صلى الله عليه وسلم

- ‌النَّوْع الأول

- ‌النَّوْع الثَّانِي

- ‌الْفَصْل السَّابِع فِي إحْيَاء الْمَوْتَى وَكَلَام الصّبيان والمراضع وشهادتهم لَهُ بِالنُّبُوَّةِ

- ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي إِبْرَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم المرضى وَذَوي العاهات

- ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي إِجَابَة دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْعَاشِر فِي ذكر جمل من بركاته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي مَا أخبر بِهِ مِمَّا أطلعه الله من الْغَيْب صلى الله عليه وسلم

- ‌الْفَصْل الثَّانِي عشر فِي عصمَة الله لَهُ مِمَّن أَرَادَ كَيده

- ‌فَإِن قَالَ قَائِل من النَّصَارَى والمخالفين لنا

- ‌قُلْنَا فِي الْجَواب عَن ذَلِك

- ‌الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي مَا ظهر على أَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم من الكرامات الخارقة للعادات

- ‌أَحدهمَا أَن نبين أَن مَا ظهر على أَصْحَابه وعَلى أهل دينه من الكرامات هُوَ آيَة لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم الْآيَات وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى إِذا أكْرم وَاحِدًا مِنْهُم بِأَن خرق لَهُ عَادَة فَإِن ذَلِك يدل على أَنه على الْحق وَأَن دينه حق إِذْ لَو كَانَ مُبْطلًا فِي دينه مُتبعا لمبطل فِي

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌من ذَلِك مَا علمنَا من أَحْوَالهم على الْقطع

- ‌وَأما التابعون

- ‌وَبعد هَذَا

- ‌انْتهى الْجُزْء الثَّالِث من كتاب الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم ويليه الْجُزْء الرَّابِع بِإِذن الله وأوله الْبَاب الرَّابِع فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم وَأَنَّهُمْ لَا مُسْتَند لَهُم فِي

- ‌الْإِعْلَام بِمَا فِي دين النَّصَارَى من الْفساد والأوهام وَإِظْهَار محَاسِن دين الْإِسْلَام وَإِثْبَات نبوة نَبينَا مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام

- ‌تَقْدِيم وَتَحْقِيق وَتَعْلِيق الدكتور أَحْمد حجازي السقا

- ‌فِي بَيَان أَن النَّصَارَى متحكمون فِي أديانهم

- ‌الصَّدْر وَفِيه فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌قَالَ ذَلِك الْجَاهِل بعد ذكر الْمُحرمَات

- ‌الْفَنّ الأول

- ‌مَسْأَلَة فِي المعمودية

- ‌مَسْأَلَة فِي غفران الأساقفة والقسيسين ذنُوب المذنبين وإختراعهم الْكَفَّارَة للعاصين

- ‌مِثَال الْقسم الأول العابثون بالصبيان

- ‌وَمِثَال الثَّانِي نِكَاح الْقرَابَات

- ‌وَأما الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَة

- ‌مِثَال مَا يغرمون فِيهِ الْأَمْوَال

- ‌وَقد حكمُوا على قَاتل عَبده

- ‌وَأما قَاتل الْخَطَأ

- ‌وعَلى الْجُمْلَة

- ‌مُطَالبَة وَهِي أَنا نقُول لَهُم

- ‌مَسْأَلَة فِي الصلوبية وَقَوْلهمْ فِيهَا

- ‌قَالُوا

- ‌ مِنْهَا

- ‌‌‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌وَمِنْهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تَركهم الْخِتَان

- ‌فأولها

- ‌وَثَانِيها

- ‌وَثَالِثهَا

- ‌وَرَابِعهَا

- ‌وَهل يصلح الْعَطَّار مَا أفسد الدَّهْر

- ‌مَسْأَلَة فِي أعيادهم المصانة

- ‌مَسْأَلَة فِي قُرْبَانهمْ

- ‌أَحدهَا

- ‌مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح

- ‌مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم

- ‌مَسْأَلَة فِي قَوْلهم فِي النَّعيم وَالْعَذَاب الأخراوين

- ‌الْفَنّ الثَّانِي

- ‌تمهيد

- ‌أَحدهمَا

- ‌وَالْغَرَض الثَّانِي

- ‌وَفِي هَذَا الْفَنّ فصلان

- ‌الْفَصْل الأول

- ‌الْفَصْل الثَّانِي

- ‌مُلْحق

- ‌المبحث الثَّالِث

- ‌أَولا النبوءات

- ‌يَوْم الرب

- ‌ثَانِيًا تَغْيِير التَّوْرَاة

- ‌عالمية الْملَّة النَّصْرَانِيَّة

الفصل: ‌ ‌فصل فِي بَيَان بعض مَا طَرَأَ فِي التَّوْرَاة من الْخلَل وَأَنَّهَا

‌فصل

فِي بَيَان بعض مَا طَرَأَ فِي التَّوْرَاة من الْخلَل وَأَنَّهَا لم تنقل نقلا متواترا فتسلم لأَجله من الْخَطَأ والزلل

‌فَأول دَلِيل

أَنَّهَا لم تتْرك على مَا كَانَت فِي الألواح الَّتِي كتبهَا الله تَعَالَى لمُوسَى وَلَا على مَا انتسخها لَهُم مُوسَى بل زيد فِيهَا وَلَا بُد مَا لَيْسَ مِنْهَا وَلَا كَانَ فِي الألواح الَّتِي كتبهَا الله لمُوسَى وَيدل على ذَلِك أَن فِي آخر السّفر الْخَامِس أَن مُوسَى توفى فِي أَرض موآب بِإِزَاءِ بَيت فغور وَلم يعرف إِنْسَان مَوضِع قَبره إِلَى الْيَوْم وَكَانَ قد أَتَى على مُوسَى إِذْ توفى مائَة وَعِشْرُونَ سنة وَلم يضعف بَصَره وَلم يتشيخ وَجهه وَبكى بَنو إِسْرَائِيل على مُوسَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا فِي عريب موآب فَلَمَّا تمت أَيَّام حزنهمْ على مُوسَى امْتَلَأَ يشوع بن نون من روح الْحِكْمَة لِأَن مُوسَى كَانَ وضع يَده على رَأسه فِي حَيَاته وَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل يطيعونه ويعملون كَمَا أَمر الرب مُوسَى

وَلَا يشك الْوَاقِف على هَذَا التَّارِيخ وَهَذِه الْوَفَاة أَنَّهَا لَيست مِمَّا أنزل الله على مُوسَى وَلَا مِمَّا كتبهَا مُوسَى عَن نَفسه وَإِنَّمَا هِيَ من إِثْبَات من أَرَادَ أَن يثبتها بعد وَفَاة مُوسَى بِزَمَان ويدلك على ذَلِك قَوْله وَلم يعرف إِنْسَان مَوضِع قَبره إِلَى الْيَوْم يُرِيد بِهِ الْيَوْم الَّذِي كتب فِيهِ هَذَا وَهَذَا بَين عِنْد الْمنصف وَمَعَ بَيَانه فَلَيْسَ أحد من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِيمَا أعلم يَقُول إِن التَّوْرَاة زيد فِيهَا شَيْء بعد مُوسَى وَلَا يفرق بَين هَذَا الْكَلَام وَغَيره بل هِيَ كلهَا عِنْدهم كَلَام الله وَهَذَا جهل عَظِيم وخطب جسيم فهم بَين أَمريْن إِمَّا أَن يَقُولُوا ان هَذَا الْكَلَام هُوَ مِمَّا كتبه الله لمُوسَى وَأخْبر بِهِ مُوسَى أَو يَقُولُوا إِنَّه لَيْسَ مِمَّا أخبر الله بِهِ مُوسَى وَلم يخبر بِهِ مُوسَى فَإِن قَالُوا الأول كذبه مساق الْكَلَام فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ على الْقطع أَنه كتب بعد وَفَاة مُوسَى بِزَمَان وَإِن قَالُوا بالْقَوْل الآخر قيل لَهُم فلأي شَيْء خلطتم

ص: 188

كَلَام الله بِكَلَام غَيره وأجريتموها فِي نسق وَاحِد وزدتم على كَلَام الله وَلم تشعروا بذلك بل نسبتم كل ذَلِك إِلَى أَن الله أنزلهُ

وَإِذا جَازَ زِيَادَة مثل هَذَا وَلم يتحرز مِنْهُ جَازَ أَن يكون كل حِكَايَة فِيهَا لَا يَصح نسبتها إِلَى الله زَائِدَة وَلَا سِيمَا الحكايات الرَّكِيكَة الَّتِي تحكى فِيهَا عَن الْأَنْبِيَاء الَّتِي لَا يَلِيق ذكرهَا بسفلة النَّاس وغالب الظَّن وَلَا يعلم الْغَيْب إِلَى الله تَعَالَى أَن السّفر الأول الَّذِي هُوَ سفر البدء والأنساب مِمَّا زيد على كَلَام الله تَعَالَى وَلم يشعروا بِزِيَادَتِهِ

وَمِمَّا يدل أَيْضا على هَذَا الْمَعْنى أَن كثيرا مِمَّا يَجِيء فِيهَا وكلم الرب مُوسَى وَقَالَ لَهُ اقبض حِسَاب بني جرشون وكلم الرب مُوسَى وَقَالَ لَهُ كلم بني إِسْرَائِيل وَمثل هَذَا كثير

وَهَذَا يدلك أَنه لَيْسَ مِمَّا قَالَه الرب جلّ ذكره لمُوسَى وَلَا مِمَّا قَالَه مُوسَى لَهُم أَعنِي لفظ وكلم الرب مُوسَى وَقَالَ لَهُ وَمَا أشبهه من لفظ الحكايه عَنهُ وانما هُوَ شَيْء حكى عَنهُ بعد انقراضه وأضيف الى كَلَام الله ثمَّ لَا يعْرفُونَ من الحاكي وَإِذا جَازَ مثل هَذَا وَلَا يَشْعُرُونَ بِهِ جَازَ أَن يكون أَكْثَرهَا مغيرا ومبدلا وَلَيْسَ من كَلَام الله وَلَا من كَلَام مُوسَى وَلَا يَشْعُرُونَ بِهِ وَمن وقف عَلَيْهَا متتبعا لهَذَا الْمَعْنى قطع بِأَنَّهَا زيد فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا

وَعند إنكشاف الْغُبَار تتبين أَفرس تَحْتك أم حمَار مَاء وَلَا كصدى ومرعى وَلَا كالسعدان

وَلَقَد حفظ الله الْقُرْآن الْعَظِيم فَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وَلذَلِك كره عُلَمَاؤُنَا رضي الله عنهم كتب التفاسير وَأَسْمَاء السُّور فِي الْمُصحف وَإِن كَانَت بِخَط آخر ولون آخر وَقد اتَّفقُوا فِيمَا أَحسب على أَنه لَا يجوز كتب فواتح السُّور يعْنى أسماءها بِخَط الْمُصحف وبلون مداه لِئَلَّا يخْتَلط بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فالحمدلله الَّذِي هدَانَا لهَذَا الدّين القويم والمنهج الْمُسْتَقيم

ص: 189

وَأما بَيَان أَنَّهَا لَيست متواترة فَهُوَ أَن الْيَهُود على بكرَة أَبِيهِم يعْرفُونَ وَلَا يُنكرُونَ أَن التَّوْرَاة إِنَّمَا كَانَت طور مُدَّة ملك بني إِسْرَائِيل عِنْد الكوهان الْأَكْبَر الهاروني وَحده وَعنهُ تلقيت وَلَا يُنكر ذَلِك مِنْهُم وَلَا مِنْكُم إِلَّا مجاهر بِالْبَاطِلِ

وَكَذَلِكَ مَا يحْكى من قتل بخت نصر جَمِيع بني إِسْرَائِيل وإحراقه كتب التَّوْرَاة حَيْثُ وجدت وَإِتْلَاف مَا كَانَ بِأَيْدِيهِم حَتَّى لم يتْرك مِنْهُم إِلَّا عددا يَسِيرا لَا يحصل بخبرهم الْعلم وَكَانَ قد أجلاهم إِلَى بابل وَهدم الْبَيْت أَو لَعَلَّه كَانَ الْبَاقِي مِنْهُم عددا كثيرا إِلَّا أَنهم لم يَكُونُوا كلهم يحفظونها بل كَانُوا عددا يَسِيرا لَا يحصل الْعلم بقَوْلهمْ وَكَانَ هَذَا كُله قبل الْمَسِيح بِخمْس مائَة سنة تَقْرِيبًا

وَكَذَلِكَ وَاقعَة طيطش بن شبشان الَّتِي كَانَت بعد الْمَسِيح إِلَى أَرْبَعِينَ سنة إِذْ فرقوا التَّفْرِقَة الَّتِي هِيَ الْيَوْم عَلَيْهَا وَهَذَا أَيْضا من الْمَعْرُوف عِنْد الْجَمِيع بِحَيْثُ لَا يُنكره إِلَّا مكابر مجاهر وَهَذِه الْأُمُور كلهَا مِمَّا تقدح فِي النَّقْل الَّذِي يَدعُونَهُ متواترا

ثمَّ نقُول هَذِه الْأُمُور الْمَذْكُورَة إِن وافقوا على وُقُوعهَا فقد اعْتَرَفُوا بِعَدَمِ التَّوَاتُر فَإِن من شَرط خبر التَّوَاتُر أَن يَنْقُلهُ الْعدَد الْكثير الَّذِي تحيل الْعَادة عَلَيْهِم التواطؤ على الْكَذِب والغلط عَن عدد مثله هَكَذَا وَلَا يَنْقَطِع

فَإِن رَجَعَ الْخَبَر إِلَى عدد لَا تحيل الْعَادة عَلَيْهِم الْكَذِب لم يحصل بذلك الْخَبَر الْعلم إِذْ لَا يكون متواترا وَإِن لم يوافقوا على وُقُوع هَذِه الوقائع هَكَذَا لم يقدروا على جحد أَصْلهَا وَإِذا اعْتَرَفُوا بأصلها لم يقدروا أَن ينكروا إِمْكَان وُقُوع مَا يعترفون بِأَصْلِهِ وتجويز وُقُوع ذَلِك كتحقيق وُقُوع ذَلِك فِي عدم حُصُول الْعلم بالْخبر الَّذِي يدعونَ أَنه متواتر

وَأما بَيَان التحريف فِيهَا فَهُوَ أَن الْيَهُود تعترف بِأَن السّبْعين كوهانا اجْتَمعُوا على تَبْدِيل ثَلَاثَة عشر حرفا من التَّوْرَاة وَذَلِكَ قبل الْمَسِيح فِي زمَان القياصرة وَمن إجترأ على تَبْدِيل حرف من كتاب

ص: 190

الله وتحريفه فَلَا يوثق بِالَّذِي فِي يَده مِمَّا يدعى أَنه كتاب الله لعدم الثِّقَة بِهِ ولقلة مبالاته بِالدّينِ

وَأَيْضًا فَلَعَلَّهُ قد حرفه كُله أَو أَكْثَره

وَكَذَلِكَ يقرونَ وَلَا يُنكرُونَ أَن طَائِفَة مِنْهُم يُقَال لَهُم السامرية حرفوا التَّوْرَاة تحريفا بَينا كثيرا والسامرية يدعونَ عَلَيْهِم مثل ذَلِك التحريف

وَكَذَلِكَ النَّصَارَى أَيْضا يَدْعُو على الْيَهُود أَنهم حرفوا فِي التَّوْرَاة التَّارِيخ ويزعمون أَنهم نَقَصُوا من تَارِيخ آدم صلى الله عليه وسلم ألف سنة وَنَحْو الْمِائَتَيْنِ

وَهَذِه إحتمالات توجب على الْعَاقِل التَّوَقُّف فَلَا يَدعِي حُصُول الْعلم بِنَقْل التَّوْرَاة مَعَ انقداح هَذِه الممكنات إِلَّا مجاهر متعسف

فَإِن قيل كَيفَ يَصح أَن يُقَال هَذَا وَقد كَانَ الْأَنْبِيَاء بعد مُوسَى عليه السلام يحكمون بِالتَّوْرَاةِ ويرجعون إِلَيْهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى زمن يحيى وَعِيسَى

ثمَّ بعد ذَلِك تناقلها النَّصَارَى كَمَا تناقلها الْيَهُود خلفا عَن سلف إِلَى الْيَوْم وَإِن جَازَ تطرق التحريف إِلَى مَا هَذَا سَبيله فَيلْزم عَلَيْهِ أَن يحكم الْأَنْبِيَاء بِالْبَاطِلِ

وَيلْزم عَلَيْهِ أَيْضا أَن يقرُّوا على الْبَاطِل غَيرهم وَهَذَا كُله بَاطِل على الْأَنْبِيَاء وَيلْزم عَلَيْهِ أَيْضا أَن لَا يحصل الْعلم بِخَبَر متواتر وَلَا يوثق بِكِتَاب يدعى أَنه جَاءَ عَن نَبِي

فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

إِنَّا لم نعين لوُقُوع التحريف فِيهَا زَمَانا وَلَا عينا من حرف مِنْهَا شَيْئا وَلَا من ألحق بهَا شَيْئا فَيحْتَمل أَن يَقع التحريف فِيهَا قبلهم أَو بعدهمْ وَإِنَّمَا أبدينا تِلْكَ الإحتمالات ليعلم أَن الَّذِي فِي نفوسكم من الثِّقَة بهَا إِنَّمَا هُوَ إعتقاد جزم وَلَيْسَ بِعلم

وَمِمَّا يدل على قبُول تِلْكَ الإحتمالات وَأَنَّهَا قادحة فِي دَعْوَى الْعلم

ص: 191

بسلامتها أَنَّهَا لم تقر على مَا تلقيت من مُوسَى بل زيد فِيهَا مالم يتلق عَن مُوسَى مثل الَّذِي حكيناه من ذكر وَفَاته وحزن بني إِسْرَائِيل وحكاية قَول كلم الله مُوسَى وَهَذَا يعلم مِنْهُ على الْقطع أَن الله لم يقلهُ لمُوسَى وَلَا مُوسَى قَالَه عَن نَفسه يعلم ذَلِك من وقف عَلَيْهِ وتتبعه بضرورة مساق الْكَلَام وَلَا بُد

فَالَّذِي زَاد ذَلِك لَعَلَّه الَّذِي وَقع الْخلَل من جِهَته

وَأما مَا ذكرْتُمْ من حكم الْأَنْبِيَاء بهَا فَلَيْسَ فِيهِ حجَّة لِإِمْكَان أَن تنازعوا فِي قَوْلكُم كَانُوا يحكمون بهَا بل لَعَلَّهُم كَانُوا يحكمون بِمَا كَانَ الله يعلمهُمْ بِمَا يُوَافق شَرِيعَة مُوسَى وَلَا يُخَالِفهَا

وَلَو سلمنَا أَنهم كَانُوا يحكمون بهَا فَنَقُول كل شَيْء حكم بِهِ الْأَنْبِيَاء من التَّوْرَاة فَلَيْسَ بمحرف وَأما مَا لم يحكموا بِهِ مِنْهَا فَلَعَلَّهُ الَّذِي حرف مثل الْأَخْبَار الَّتِي حكيناها ونحكيها إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فَإِن قيل فَيلْزم مِنْهُ أَن يقر الْأَنْبِيَاء على الْخَطَأ ويتحدثوا بِالْكَذِبِ فَإِنَّهُم كَانُوا يتحدثون بهَا قُلْنَا لَيْسَ بكاذب من حكى شَيْئا يعْتَقد صِحَّته لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم الله تَعَالَى وَإِن كَانَ ذَلِك الْخَبَر فِي نَفسه مُخَالفا لما فِي الْوُجُود فَإِنَّهُ إِنَّمَا يحْكى عَن إعتقاده وَهُوَ حق وَإِنَّمَا الْكَاذِب الَّذِي يخبر عَن الشَّيْء بِخِلَاف مَا هُوَ عَلَيْهِ من الْعلم بذلك وَهُوَ حد الْكَذِب عندنَا وَحَقِيقَته

وَهَذَا إِنَّمَا يجوز فِي حِكَايَة الْأَخْبَار الَّتِي لَا يتَعَلَّق بهَا حكم وَأما مَا تعلق بِهِ حكم مِنْهَا فَلَا يجوز ذَلِك إِذْ الْأَنْبِيَاء معصومون فِيمَا يبلغونه من الْأَحْكَام عَن الله تَعَالَى وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا حذرا من أَن ننسب إِلَى الله تَعَالَى مَا لَا يَلِيق بجلاله أَن ينزله فِي كِتَابه وَلَا أَن يُنَاجِي بِهِ صفوة أحبابه من الْفَوَاحِش والفجور الَّتِي حكوها فِي التَّوْرَاة وَادعوا أَنه فِيهَا مسطور مَعَ أَنه لَيْسَ فِي ذكرهَا فَائِدَة بل هِيَ بِكُل ضَلَالَة عَائِدَة

وَكَذَلِكَ تنزه مُوسَى والأنبياء بعده صلوَات الله عَلَيْهِم عَن ذَلِك الْكَلَام الغث الركيك الَّذِي لَو حكى مثله عَن بعض السفلة لأنف مِنْهُ واستحى مِنْهُ وَلما كَانَ يَنْبَغِي لعاقل أَن يلْتَفت ويصغى إِلَيْهِ ولكان يجب عَلَيْهِ أَن يعرض عَنهُ وينكره إِذا سَمعه هَذَا إِذا كَانَ محكيا عَن

ص: 192

السفلة فَكيف إِذا حَكَاهُ الله عَن نَفسه أَو عَن خيرته من خلقه الَّذين برأهم الله عَن الْكَبَائِر والنقائص الَّتِي تنَاقض نبوتهم فهم أكْرم الْخلق عَلَيْهِ وأحظاهم لَدَيْهِ

وَأَيْضًا فَإِن الله تَعَالَى حرم الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن والغيبة والبهتان والإحن ثمَّ يتعامل بهَا مَعَ أكْرم الْخلق عَلَيْهِ فِي نُفُوسهم وذراريهم وبناتهم وينسبها إِلَيْهِم ويشيعها أَبَد الآبدين عَلَيْهِم

هَذَا مِمَّا لَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى وَالْقَائِل بِوُقُوع هَذَا مستهزئ مفتر على الله

وسننقل عَن بعض مَا حكوا فِي التَّوْرَاة من هَذِه القبائح إِثْر هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى

ثمَّ نقُول لَو سلمنَا أَنَّهَا لم تحرف فِي زمَان الْأَنْبِيَاء لأمكن أَن نقُول فَلَعَلَّهُ حرف بعدهمْ وَذَلِكَ بعد وقْعَة طيطش حَيْثُ أفناهم وَالَّذين تنصرُوا مِنْهُم عدد يسير لَا تقوم الْحجَّة بقَوْلهمْ

وَإِن قُلْنَا إِنَّهُم كَانُوا عددا كثيرا فَلم يكن كل وَاحِد مِنْهُم مِمَّن يحفظها وَلَا يضبطها

ثمَّ نقُول لِلنَّصَارَى إِن أنكرتم أَن يكون شَيْء من التَّوْرَاة حرف فلأي شَيْء تَقولُونَ إِن الْيَهُود حرفوا فِي التَّوْرَاة فِي نسب آدم ونقصوا مِنْهُ وَإِذا جَازَ ذَلِك فِي نسب آدم جَازَ فِي غَيره وَهَذَا بَين وَأما قَوْلهم يلْزم أَن لَا نقبل خبر متواتر وَلَا يوثق بِكِتَاب نَبِي فَلَا يلْزم شَيْء من ذَلِك فَإِن الْخَبَر إِذا تطرقت إِلَيْهِ أَمْثَال تِلْكَ الإحتمالات فَلَا يوثق بنقله وَلَا يعول عَلَيْهِ لَا مَكَان تِلْكَ الْآفَات

أَو لَعَلَّ أشرافكم تتخلب نَحْو كتَابنَا فَيَقُولُونَ فكتابكم لَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يعول عَلَيْهِ فَنَقُول هَيْهَات إِنَّمَا قُلْنَا كل كتاب تطرق إِلَيْهِ شَيْء من تِلْكَ الإحتمالات وَكِتَابنَا منزه عَن أَمْثَال تِلْكَ الْآفَات فَإِن الله تَعَالَى تولى حفظه وأجزل من كل صِيَانة حَظه فصانه بنظمه الَّذِي لَا يقدر الْجِنّ وَالْإِنْس على آيَة مِنْهُ فَلَا يخْتَلط بِهِ كَلَام مُتَكَلم وَلَا يقبل وهم متوهم إِذْ لَيْسَ من جنس كَلَام الْبشر وَهُوَ مَعْدُود الْآي والسور ثمَّ صانه بِأَن يسره للْحِفْظ والإستظهار فيستوى فِي نَقله

ص: 193

الْكِبَار وَالصغَار لَا يخْتَص بحفظه أحد وَالْوَالِد إِذْ نقص مِنْهُ حرفا وَاحِدًا أَو غير حَرَكَة مِنْهُ رده وَأَصْلَحهَا عَلَيْهِ الْوَلَد

وَمَعَ هَذَا فحروفه وكلماته وآياته وسوره فِي الدَّوَاوِين معددة وأشكال كتبه حُرُوفه فِيهَا مُقَيّدَة وَمَعَ هَذَا فَنقل الْأُمَم الَّتِي لَا تحصى عَن الامم الَّتِي لَا تحصى حَتَّى يصل ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْمُصْطَفى مَعَ قرب الْعَهْد والتشمير فِي صيانته وَالْجد وإستعمال القانون النَّحْوِيّ وتثقيف اللِّسَان الْعَرَبِيّ فيهمَا كمل الله لَهُ الصون وَحصل لَهُ بهما على فهمه أكبر العون فَللَّه الْحَمد على مَا أولى وَالشُّكْر لَهُ على نعمه الَّتِي لَا تحصى فَأَيْنَ اللُّؤْلُؤ من الخزف والياقوت من الصدف

وَبعد هَذَا فَالْآن حَان أَن نذْكر بعض مَا وَقع فِي التَّوْرَاة مِمَّا تطرق إِلَيْهَا التهم

وَمن ذَلِك مَا ذَكرُوهُ فِيهَا فِي الْمُصحف الأول مِنْهَا

وَرَأى الله أَن قد كثر فَسَاد الْآدَمِيّين فِي الأَرْض فندم على خلقهمْ وَقَالَ سأذهب الْآدَمِيّ الَّذِي خلقت على الأَرْض والخشاش وطيور السَّمَاء لِأَنِّي نادم على خلقتها جدا

وَهَذَا فِي حق الله تَعَالَى محَال إِذْ النَّدَم إِنَّمَا يلْحق من لَا يعلم مصير المندوم عَلَيْهِ ومآله وإعتقاد هَذَا فِي حق الله كفر إِذْ يُنبئ عَن أَن الله تَعَالَى جَاهِل وَأَنه متغير تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَلَفظ النَّدَم هُنَا نَص لَا يقبل التَّأْوِيل فَهُوَ كذب وباطل قطعا

وَمن ذَلِك مَا ظهر فِي الْوُجُود خِلَافه وَذَلِكَ أَنهم حكوا فِيهَا أَن بني إِسْرَائِيل يسكنون تِلْكَ الأَرْض إِلَى الإنقراض ثمَّ لم يَلْبَثُوا أَن رأيناهم أخرجُوا مِنْهَا رَأْي الْعين

فقد ظهر أَن ذَلِك بَاطِل وَكذب

وَمن ذَلِك أَيْضا أَنه حكى فِيهَا أَن الله تَعَالَى كالإنسان شخص

ص: 194

ذُو جوارح وَهَذَا على الله بِالضَّرُورَةِ محَال وَلَا للتأويل فِي هَذَا اللَّفْظ مجَال ثمَّ أَنى هَذَا من قَوْله {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير}

وَمن ذَلِك أَيْضا أَن الله تَعَالَى حِين أَمر بني إِسْرَائِيل إِلَى التَّوَجُّه إِلَى الشَّام وعدهم أَن يتَوَجَّه مَعَهم وَأمره أَن يعملوا قبَّة على صفة كَذَا ينزل فِيهَا فِي سيره مَعَهم

ثمَّ إِن مُوسَى قَالَ لَهُ يارب إِن هَذِه الْأمة القاسية رقابها لَا تمْضِي إِلَيْك إِلَى الشَّام حَتَّى تمْضِي مَعهَا كَمَا وعدتها فَقَالَ الله نعم اعْمَلُوا لي الْقبَّة فَعلم مُوسَى الْقبَّة وسماها قبَّة الْعَهْد وَنزل الله من عَرْشه وَسَار مَعَهم فِي دَاخل الْقبَّة ينزل بنزولهم ويرحل برحيلهم هَذَا نَص التَّوْرَاة

وَمِمَّا يذكرُونَهُ من بَقِيَّة هَذَا وَلَيْسَ فِي التَّوْرَاة أَنهم حِين جمعُوا المَال لعمل هَذِه الْقبَّة أجروا الإتفاق على يَد مُوسَى عليه السلام فَلَمَّا كمل عَملهَا ادعوا عَلَيْهِ أَنه قد نقصهم من المَال ألف رَطْل وَسبع مائَة رَطْل وَخَمْسَة وَسَبْعُونَ رطلا وَقَالُوا لمُوسَى تهكما بِهِ أَيْن نقص هَذَا المَال وَإِنَّمَا جرى الإتفاق على يَديك فَسَمِعُوا صَوتا من السَّمَاء يَقُول لَهُم إِن هَذَا الْعدَد دخل فِي رُؤُوس الأعمدة وَفِي التغشية فَحِينَئِذٍ كفوا عَنهُ فَهَؤُلَاءِ لم يعرفوا الله حق مَعْرفَته وَلَا قدروه حق قدره {فويل لَهُم مِمَّا كتبت أَيْديهم وويل لَهُم مِمَّا يَكْسِبُونَ}

وَمن ذَلِك أَيْضا أَنهم ذكرُوا فِيهَا أَن الله قَالَ لَهُم أَن يضْربُوا الْقرن فِي عَسْكَرهمْ قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى يلْقوا عدوهم فَحِينَئِذٍ يضربونه بأشد مَا يقدرُونَ عَلَيْهِ ليسمعهم الله فيؤيدهم على عدوهم فَكَأَنَّهُ سبحانه وتعالى لَا يسمع إِلَّا الْأَصْوَات الْعَالِيَة فَأَيْنَ هَذَا من وصف الله تَعَالَى نَفسه فِي كِتَابه على لِسَان نبيه وَرَسُوله حَيْثُ قَالَ {وَإِن تجْهر بالْقَوْل فَإِنَّهُ يعلم السِّرّ وأخفى الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحسنى}

ص: 195

وفيهَا من هَذَا النَّوْع كثير لَو ذهبت أنقله لطال الْكتاب ولخرجنا من مَقْصُود الْبَاب

وَيَنْبَغِي أَن نذْكر الْآن مَا جَاءَ فِيهَا مِمَّا ينزه عَنهُ الْأَنْبِيَاء عليهم السلام

من ذَلِك مَا حكوا فِي السّفر الأول عَن لوط أَنه طلع من صاغار فسكن الْجَبَل هُوَ وابنتاه مَعَه فَجَلَسَ فِي مغار هُوَ وإبنتاه فَقَالَت الْكُبْرَى للصغرى قد شاخ أَبونَا وَلَيْسَ على الأَرْض رجل يدْخل علينا نسقى أَبَانَا الْخمر ونضطجع مَعَه فِي مضطجعه فَفَعَلْنَا وحملتا مِنْهُ بولدين موآب وعمون

هَذَا لوط من رسل الله الأكرمين أوقعه الله فِي فَاحِشَة كَمَا يُوقع الأرذلين ثمَّ خلد ذكرهَا فِي الآخرين وَهل هَذَا إِلَّا عين الإهانة وَأي نِسْبَة بَين هَذَا وَبَين النُّبُوَّة والكرامة

وَكَذَلِكَ أَيْضا حكوا فِيهَا أَن اسحق لما شاخ وعمى بَصَره دَعَا بعيسو إبنه الْأَكْبَر ليبارك عَلَيْهِ وليدعوا لَهُ بِالنُّبُوَّةِ فتحيل يَعْقُوب عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِسْحَق أَبوهُ من أَنْت فَقَالَ لَهُ بكرك عيسو فَقَالَ لَهُ إدن مني حَتَّى أجسك فَدَنَا مِنْهُ وَقد كَانَ وضع على رَأسه شعرًا بمكيدة أمه فَقَالَ لَهُ الصَّوْت صَوت يَعْقُوب وَلَكِن الْيَدَيْنِ يدا عيسو فَبَارك عَلَيْهِ ودعا لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وبشره بهَا وَهُوَ على غلط فِيهِ ثمَّ بعد ذَلِك جَاءَ عيسو وَقَالَ لَهُ باركني أَيْضا يَا أبي فَقَالَ لَهُ دخل أَخُوك بمكر فَقبل بركاتك فَقَالَ عيسو بعد بكاء وحزن أما تركت من البركات شَيْئا أبركة وَاحِدَة لَك يَا أبتي

فَمَا أعظم هَذِه الْآيَة الَّتِي تشبه حَدِيث خرافة

وَمن ذَلِك مَا ذَكرُوهُ فِيهَا أَيْضا أَن يَعْقُوب بَيْنَمَا هُوَ يصلح خيمته

ص: 196

ويبسطها مَشى إبنه رأوبين وَهُوَ أكبر أَوْلَاده فضاجع سَرِيَّة أَبِيه بلهة وَلما علم بذلك يَعْقُوب قَالَ لإبنه رأوبين فضل الْعِزّ فائرا كَالْمَاءِ فَلذَلِك لم أفضلك بِالسَّهْمِ الزَّائِد حَيْثُ أمتهنت فِرَاشِي

وَتَفْسِير هَذَا أَن سنة الْمِيرَاث كَانَت عِنْدهم أَن يَرث الْوَلَد الْأَكْبَر سَهْمَيْنِ وَسَائِر الْوَلَد سَهْما وَاحِدًا فعاتب يَعْقُوب إبنه رأوبين على فعله بسريته بِأَن لم يفضله بِالْمِيرَاثِ على أَنه كَانَ أكبر وَلَده

وَفِي بعض التراجم أَن يَعْقُوب قَالَ يَا رأوبين أَنْت بكري وقوتي وَرَأس حراتي وعوني طائقة الحمولة وطائقة الْعِزّ والمنعة عديت مثل المَاء فَلَا تمكث إِذْ صعدت إِلَى مُضْطَجع أَبِيك حَقًا لقد نجست مضطجعي وتناولته

وَمن ذَلِك مَا ذَكرُوهُ فِيهَا أَيْضا أَن يهوذا بن يَعْقُوب زنى بكنته ثامار إمرأة ولديه وَلَقَد كَانَا هلكا عَنْهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد فَردهَا يهوذا إِلَى بَيت أَبِيهَا ووعدها بتزويج وَلَده الثَّالِث الْمُسَمّى بشيلا إِذا كبر ثمَّ أَنَّهَا قعدت ليهوذا فِي طَرِيق غمنه وتسترت جهدها فظنها بغيا فَعدل إِلَيْهَا ودعاها إِلَى نَفسه فَسَأَلته أجرا فوعدها بجدى من غنمه فطلبت مِنْهُ رهنا فَأَعْطَاهَا خَاتمه ومنديله وَعَصَاهُ وواقعها بزعمهم فَحملت مِنْهُ ثمَّ إِن يهوذا أرسل بالجدي ليطلب رَهنه فَلم تُوجد الْمَرْأَة فجَاء بِنَفسِهِ إِلَى أهل الْقرْيَة وَقَالَ لَهُم أَيْن قحباكم المتبلطة على الطَّرِيق فَقَالُوا مَا كَانَ منا على الطَّرِيق قحبا ثمَّ قيل لَهُ بعد حِين إِن كنتك ثامار حُبْلَى فَقَالَ تحرق بالنَّار فأخرجت لتحرق بالنَّار فَقَالَت إِنَّمَا أَنا حَامِل مِنْهُ وَهَذِه رَهنه بيَدي حِين زنى بِي ليفكها بجدي من غنمه فَعرف ذَلِك يهوذا وَقَالَ هِيَ أصدق مني

وَفِي بَقِيَّة هَذَا الْخَبَر خرافة وَذَلِكَ أَن ثامار لما جاءها الْمَخَاض كَانَ فِي بَطنهَا توأمان فتناولت الْقَابِلَة خيط عهن فربطته على يَده وَقَالَت هَذَا يخرج بديا فَلَمَّا مد يَده خرج أَخُوهُ فَقَالَ لقد انحزمت فِيك ثلمة عَظِيمَة

ص: 197

وَحكى فِيهَا أَيْضا أَن دينة بنت يَعْقُوب خرجت لبَعض شَأْنهَا فَنظر إِلَيْهَا شخيم بن حمورا الزناتي فعشقها واحتملها فواقعها وافتضها ثمَّ أَن شخيم قَالَ لِأَبِيهِ حمورا اخْطُبْ لي هَذِه الْجَارِيَة لتَكون لي إمرأة فَبلغ ذَلِك يَعْقُوب وَأَنَّهُمْ قد نجسوا دينة إبنته فَصمت يَعْقُوب وأطرق حَتَّى أَتَاهُ بنوه فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك اغتموا وساءهم ذَلِك وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم ذَلِك جدا لأَنهم ارتكبوا النَّجَاسَة فِي إِسْرَائِيل ثمَّ إِن بني يَعْقُوب عاقدوا شخيم وحمور أَبَاهُ وَقَومه أَنهم إِذا اختتنوا أنكحوه أختهم دينة فَإِنَّهُم قَالُوا لشخيم لَا نقدر أَن نزوج أُخْتنَا من رجل لَهُ غرلة وَلَكِن إِذا اختتنتم زوجناكم أُخْتنَا وبناتنا ونتزوج بناتكم

فَفعل الْقَوْم ذَلِك فَلَمَّا اشتدت بهم أوجاعهم تنَاول شَمْعُون ولاوى كل وَاحِد مِنْهُمَا حَرْبَة ودخلا على الْقرْيَة بَغْتَة فقتلا كل ذكر فِيهَا

وَمثل هَذَا كثير مِمَّا يخرج استقصاؤه إِلَى التَّطْوِيل

وَكَذَلِكَ حكوا فِيهَا أَيْضا من وَعِيد الله لبني إِسْرَائِيل بالفاحشة والقبيح مَالا يقبله ذُو عقل صَحِيح

مثل مَا حكوا أَن مُوسَى قَالَ لبني إِسْرَائِيل فِي الْوَصِيَّة الَّتِي وصاهم بهَا حَيْثُ قَالَ لَهُم إِن كفرت بِرَبِّك وحدت عَن سَبيله وعبدت الْآلهَة الْأَجْنَبِيَّة يَضْرِبك الرب بقرحة مصر وبالبواسير والجرب والحكة حَتَّى لَا تَسْتَطِيع الشِّفَاء تخْطب إمرأة وَرجل آخر يضطجع مَعهَا

وَهَذَا الْكَلَام تضمن أَن الله تَعَالَى توعد بني إِسْرَائِيل من عبد غير الله مِنْهُم بِثَلَاثَة أَنْوَاع من الْفَوَاحِش لَا يَنْبَغِي لذوى المروءات أَن يتلفظوا بهَا وَلَو أسقطوا مروءتهم فتلفظوا بهَا لما كَانَ يَنْبَغِي لَهُم أَن يتوعدوا بهَا وَلَا أَن ينفذوا ذَلِك الْوَعيد لفحشه ثمَّ إِنَّهُم يلْزمهُم على هَذَا أحد ثَلَاث أُمُور أَحدهَا أَن يكون هَذَا الْكَلَام بَاطِلا أَو كذبا على الله تَعَالَى عَن ذَلِك أَو يكون بني إِسْرَائِيل كل من أشرك مِنْهُم

ص: 198

وَعبد غير الله أَن يبتلى بِهَذِهِ الأدواء الثَّلَاثَة وَأَن يَكُونُوا بني زنى وَلَا يقدرُونَ على أَن ينكروا أَنهم قد أشركوا بِاللَّه وَأَنَّهُمْ عبدُوا الْأَوْثَان بعد مُوسَى فَيلْزم من ذَلِك إِن لم يكن ذَلِك الْكَلَام محرفا أَن يَكُونُوا كلهم بني زنى وقرحانين وموصوفين بالفاحشة الْكُبْرَى

وحكوا فِي سفر صموئيل الثَّانِي أَن دَاوُود عليه السلام اطلع من قصره فَرَأى إمرأة من نسَاء الْمُؤمنِينَ تَغْتَسِل فِي دارها فعشقها وَبعث فِيهَا فحبسها أَيَّامًا حَتَّى حبلت تَعَالَى الله أَن يجرى ذَلِك على رسله ثمَّ ردهَا وَكَانَ زَوجهَا يُسمى أوريا غَائِبا فِي الْعَسْكَر وَلما علمت الْمَرْأَة بِالْحملِ أرْسلت بِهِ إِلَى دَاوُود فَبعث دَاوُود إِلَى يوآب بن صوريا قائده على الْعَسْكَر يَأْمُرهُ أَن يبْعَث إِلَيْهِ بأوريا زوج الْمَرْأَة فجَاء فَصنعَ لَهُ طَعَاما وخمرا حَتَّى سكر وَأمره بالإنصراف إِلَى أَهله ليوقعها فينسب الْحمل إِلَيْهِ ففهم الْأَمر أوريا وتخابث فَلم يمش إِلَى أَهله وَقَالَ حاشى لله أَن يكون الْملك هُنَا دون أَهله وأمشى أَنا إِلَى أَهلِي فَلَمَّا يئس دَاوُود مِنْهُ رده إِلَى الْعَسْكَر وَكتب إِلَى الْقَائِد أَن يصدر بِهِ فِي الْقِتَال مستقتلا لَهُ فقفل أوريا وَقتل مَعَه من الْمُؤمنِينَ سَبْعَة آلَاف وفزع الْقَائِد من دَاوُود لقتل الْعدَد الْعَظِيم من الْمُؤمنِينَ وَقَالَ للرسول إِذا أَنْت أخْبرت الْملك دَاوُود بقتل النَّاس ورأيته قد غضب قل لَهُ سَرِيعا إِن أوريا قتل فيهم فَفعل الرَّسُول وَسكن دَاوُود من بعد الْغَضَب وسر بِمَوْت أوريا وهانت عَلَيْهِ من أجل مَوته دِمَاء الْمُؤمنِينَ

فأعتبر هَذِه الْفَوَاحِش الْمُنكرَة وَهَذِه الصِّفَات المذمومة المستقذرة هَل تلِيق بِأولى الديانَات فَكيف بمعدن النبوات وَهل يحمد ذكرهَا عِنْد ذَوي المروءات فَكيف عِنْد الْحَيّ الْكَرِيم إِلَه الْمَخْلُوقَات تَبًّا لَهُم ولمصدقهم وخسرا براحنة وجذعا وعقرا فوَاللَّه لقد افتروا على رسل الله وكذبوا على كتب الله {افتراء على الله قد ضلوا وَمَا كَانُوا مهتدين}

ص: 199

وَكَتَبُوا فِي هَذَا الْمُصحف أَن أمنون بن دَاوُود عشق أُخْته تامار بنت دَاوُود وتمارض فعاده أَبوهُ فتمنى عَلَيْهِ طَعَاما تطعمه تامار أُخْته فَبعث بهَا دَاوُود إِلَيْهِ فَلَمَّا قربت إِلَيْهِ الطَّعَام وضع يَده فِيهَا وافتضها فَخرجت باكية فلقيها أَخُوهَا الآخر سقيقها أبشالوم فَأَخْبَرته فهون عَلَيْهَا ثمَّ بعد أَيَّام وثب على أمنون فَقتله من أجل ذَلِك

وَكَتَبُوا فِي هَذَا الْمُصحف أَن أبشالوم بن دَاوُود نَافق على أَبِيه وَأخرجه عَن قصره وَدخل على نِسَائِهِ فوطئهن كُلهنَّ على أعين بني إِسْرَائِيل استبلاغا فِي الإنتقام من أَبِيه

وَمن أفضح مَا كتبُوا فِي هَذَا الْمُصحف عَن سُلَيْمَان بن دَاوُود أَنه ختم عمره بِعبَادة الْأَصْنَام وَالسحر وسيبت نساؤه دينه كذبُوا {قَاتلهم الله أَنى يؤفكون} إِذْ بالأباطل وَالْفَوَاحِش يتقولون ويتخرصون فَلَقَد صدق الله الْعَظِيم وَرَسُوله الْكَرِيم حَيْثُ قَالَ سبحانه وتعالى فِي مُحكم كِتَابه الْحَكِيم {وَاتبعُوا مَا تتلوا الشَّيَاطِين على ملك سُلَيْمَان وَمَا كفر سُلَيْمَان وَلَكِن الشَّيَاطِين كفرُوا} فَغَضب الله عَلَيْهِم وعَلى من يُصدقهُمْ إِلَى يَوْم الدّين ولعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ

فَهَذِهِ الحكايات الوخيمة والأقوال غير المستقيمة تَضَمَّنت الْأَخْبَار عَن لوط بِأَنَّهُ زنى بإبنتيه وأنهما حملتا مِنْهُ من الزِّنَى وَأَن نبوة يَعْقُوب إِنَّمَا حصلت لَهُ بِأَن خدع إِسْحَق ومكر بِهِ وَإِنَّمَا كَانَت لعيسو وَأَن دَاوُود زنى بإمرأة مُؤمنَة زَوْجَة مُؤمن وَأَن دَاوُود تحيل على زَوجهَا حَتَّى قتل وَقتل لقَتله جمَاعَة من الْمُؤمنِينَ فسر بذلك وَأَن رأوبين زنى بسرية أَبِيه يَعْقُوب وَكَذَلِكَ يهوذا زمى بكنته ثامار وَولدت لَهُ من الزِّنَى توأمين وَأَن إبنة يَعْقُوب زنى بهَا شخيم بن حمورا وَأَن

ص: 200

أَوْلَاد يَعْقُوب بعد أَن أمنوه وعقدوا مَعَه غدروا بِهِ وقتلوه وأباه وَأهل الْقرْيَة وَأَن أمنون بن دَاوُود زنى بأخته تامار بنت دَاوُود وَأَن أخاها أبشالوم قَتله غيلَة وغدرا وَأَن أبشالوم زنى بنساء دَاوُود أَبِيه وَأَن سُلَيْمَان ارْتَدَّ عَن نبوته وَعبد الْأَصْنَام

فَإِن ثَبت هَذَا الَّذِي ذَكرُوهُ فِي كتبهمْ تَعَالَى الله والأنبياء عَن قَوْلهم فَهَذَا الشّعب الَّذِي ذَكرُوهُ فِيهِ هَذِه الْفَوَاحِش لَيْسَ هُوَ شعب النَّبِي إِسْحَق بل هُوَ شعب غدر ونفاق وزنى وَكفر وَكَيف يَصح أَن تكون هَذِه الْأَفْعَال القبيحة أَفعَال أهل نبوة صَحِيحَة بل كل ذَلِك نَاقض للنبوات لَا سِيمَا مَعَ دُعَاء إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق لذريتهما بِالْبرِّ والبركات فَإِن كَانَ هَذَا شعبهما الَّذِي دعوا لَهُ بِالْبرِّ وَالْبركَة فدعاؤهما غير مسموع وقولهما مَرْدُود مَدْفُوع

ثمَّ هَذِه الحكايات الوخيمة الْفَاحِشَة غير المستقيمة فِي التَّوْرَاة لَهَا أُمُور أخر تعارضها بل وأدلة الْعقل تناقضها

من ذَلِك مَا حكى فِيهَا من مدح لوط على لِسَان إِبْرَاهِيم وشهادته لَهُ بِالْبرِّ وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى لما أعلم إِبْرَاهِيم بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يهْلك سدوم وعمورا وهما مسكن قوم لوط قَالَ يَا رب أتهلك الْأَبْرَار مَعَ الْفجار يعْنى بالأبرار لوطا وبنتيه فسماهم أبرارا وَشهد لَهُ بذلك بَين يَدي الله تَعَالَى وَكَيف يَصح أَن يكون ابنتا لوط من الْأَبْرَار ويوقعان أَنفسهمَا فِي أَن يزنى بهَا أَبوهُمَا نَبِي الله ثمَّ لم يعصمه الله تَعَالَى من مثل هَذِه الرذيلة ثمَّ إِن الله شهد عَنهُ هَذِه الفضيحة الَّتِي يتحدث بهَا على مد الدَّهْر مَعَ أَنه لم يسمع قطّ من المتشرعين من أجَاز نِكَاح الْبَنَات وَهل هَذَا من ناقله وناسبه إِلَى الله إِلَّا جرْأَة وتواقح على الله

وَكَذَلِكَ مَا كتبوه فِيهَا من الحكايات الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي ذُرِّيَّة إِسْحَق يُعَارضهُ مَا حكوا فِيهَا عَن الله أَنه قَالَ لإِبْرَاهِيم فِي غير مَوضِع مَا مِنْهَا لأباركك بركَة تَامَّة ولأكثر نسلك ويتبارك بنسلك جَمِيع الشعوب لِأَنَّك أطعتني

ص: 201

وَكَذَلِكَ قَالَ الله لاسحق بعد موت إِبْرَاهِيم أَنا مَعَك أكون وأباركك لِأَنِّي أُعْطِيك ونسلك جَمِيع هَذِه المتملكات ويتبارك بنسلك جَمِيع الشعوب

وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَق ليعقوب حَيْثُ مكر بِهِ يَعْقُوب بزعمهم قَاتلهم الله قَالَ بِهِ يؤتيك الله من ظلّ السَّمَاء وخصب الأَرْض تعبدك الْأُمَم وتسجد لَك الشعوب كن رَئِيسا لاخوتك تسْجد لَك بَنو أمك مباركوك مباركوك وَلَا عنوك ملعونون

تَأمل بعقلك هَذِه المخازي الْبَادِيَة وَمَا نسبوا فِي كتبهمْ إِلَى أكْرم الْخلق من المناكر الفاشية

فَإِذا أَنْت أمعنت النّظر وأشتدت مِنْك العبر علمت أَن هَذِه الحكايات بواطل وَأَن مُلْحَقهَا فِي التَّوْرَاة وناسبها إِلَى الله متزندق جَاهِل وَإِنَّمَا ألحقها عَدو للأديان أَرَادَ أَن يَقُول فِي صفوة الله الْبُهْتَان فَحصل لَهُ مُرَاده حَيْثُ أفسد على المتشرعين الْإِيمَان

ثمَّ نقُول لِلنَّصَارَى بعد ذَلِك الْعجب مِنْكُم وَمن جهلكم حَيْثُ صَدقْتُمْ بِوُقُوع هَذِه الْفَوَاحِش من الْأَنْبِيَاء واعترفتم مَعَ ذَلِك بنبوتهم ثمَّ لم تجوزوا على الحواريين وُقُوع الْغَلَط مِنْهُم فِيمَا حكوا لكم إِن صحت الحكايات عَنْهُم من إتحاد الْعلم باللحمة فَإِن الْعقل يدل بضرورته على أَن ظَاهر ذَلِك فَاسد محَال فَهَلا عَلَيْكُم تأولتم ذَلِك أَو قُلْتُمْ أَنه يجوز عَلَيْهِم الْغَلَط وَلَا يدل ذَلِك على نقضهم كَمَا قُلْتُمْ فِي الْأَنْبِيَاء الَّذين حكيت عَنْهُم تِلْكَ الْفَوَاحِش وَلَو فَعلْتُمْ ذَلِك لَكَانَ الأولى عِنْد الْعُقَلَاء

ص: 202