الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَة فِي تقديسهم دُورهمْ وَبُيُوتهمْ بالملح
قَالَ حَفْص أما الْملح الَّذِي نقدس بِهِ الدّور والبيوت وَأَرَدْت فهم ذَلِك فَأَنا وجدنَا فِي سير إلْيَاس النَّبِي الَّذِي رَفعه الله أَن تِلْمِيذه اليسع مكث بِمَدِينَة أرِيحَا زَمَانا فَقَالَ لَهُ أَهلهَا إِن عندنَا عينا جَارِيَة تنفجر مِنْهَا مياه كَثِيرَة مرّة لَا نفع فِيهَا فَأمر أَن يُؤْتى إِلَيْهِ بِإِنَاء جَدِيد فَأدْخل فِيهِ الْملح وَقدس بِهِ مَاء الْعين فَمن هَذَا السَّبَب صرنا نقدس الدّور والبيوت بالملح الْمُقَدّس بعد مايتلو عَلَيْهِ القساوس آيَات من النُّبُوَّة
فَنَقُول لَهُم يَا هَؤُلَاءِ المتلاعبون بأديانهم المستمرون على هذيانهم كَيفَ جعلتم مثل هَذَا دَلِيلا على ثُبُوت حكم عَلَيْكُم وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيل من وُجُوه كَثِيرَة لَكنا نقتصر من ذَلِك على نُكْتَة كَافِيَة وَهِي أَن اليسع لم يفعل ذَلِك على جِهَة بَيَان أَنه حكم وَإِنَّمَا فعل ذَلِك على جِهَة إِظْهَار الْكَرَامَة والمعجزة فَإِن ذَلِك المَاء عذب وطاب فظهرت كرامته ومعجزاته كَمَا ظَهرت على عِيسَى حِين مس المبروص وبرأ وَكَذَلِكَ مس الأعميين فأبصرا إِلَى غير ذَلِك وَقد حكيتم فِي بعض أناجيلكم أَن أعمى سَأَلَ من عِيسَى أَن يرد عَلَيْهِ بَصَره فَأخذ قِطْعَة من طين فَجَعلهَا فِي عينه فأبصر وَهَذَا بِمَثَابَة مَا فعل اليسع فَكَانَ يَنْبَغِي لكم أَن تقدسوا دُوركُمْ بِالتُّرَابِ والطين كَمَا فعل عِيسَى وَهُوَ أولى بكم إِذْ هُوَ مفضل عنْدكُمْ على اليسع وَغَيره بزعمكم
وَمَعَ ذَلِك فتركتم الإقتداء بِهِ وأقتديتم بِمن هُوَ دونه وَذَلِكَ عكس مَا كَانَ يَنْبَغِي لكم وَهَذَا نتيجة جهلكم وَمن سوء فعلكم
مَسْأَلَة فِي تصليبهم على وُجُوههم فِي صلَاتهم
قَالَ حَفْص إِنَّمَا نصلب على وُجُوهنَا لأَنا وجدنَا فِي كتب عُلَمَائِنَا السالفين أَنه لما أَرَادَ ملك قسطنطينية أَن يَغْزُو بعض أعدائه ترَاءى لَهُ فِي السَّمَاء صُورَة صَلِيب من لَهب وَملك من الْمَلَائِكَة
يخاطبه وَيَقُول لَهُ إِن كنت تُرِيدُ غَلَبَة أعدائك فأجعل هَذِه الصُّورَة عَلامَة تكون قدامك فَإنَّك غَالب ظافر بهَا على جَمِيع أعدائك فَآمن وَفعل كَمَا قَالَ لَهُ الْملك وَهُوَ الَّذِي بحث وكشف عَن صَلِيب الْمَسِيح حَتَّى وجده مَدْفُونا وَعمل من المسامير الَّتِي كَانَت فِيهِ لجاما لفرسه وزين جَبينه بصليب من ذهب فَلم يزل من حِينَئِذٍ أهل مِلَّة الْمَسِيح يستعملون هَذِه الْعَلامَة لِأَنَّهَا عَلامَة السَّبق وَالظفر
هَذَا الَّذِي ذكره حَفْص هُنَا يصدق مَا حكيناه عَن قسطنطين فِيمَا تقدم فَإِن كذبنَا أحد مِنْهُم فِيمَا ذَكرْنَاهُ عَنهُ فليكذب أسقفه حفصا
على أَن مَا ذَكرْنَاهُ مَشْهُور عِنْد أهل التَّارِيخ الَّذين اعتنوا بِنَقْل أَخْبَار الْأَزْمَان الْمَاضِيَة والقرون السالفة
وَبعد هَذَا نقُول لمن اسْتدلَّ على أَن الصَّلِيب مَشْرُوع لَهُم من أَيْن عرفت صدق قسطنطين فِيمَا حكام وَقَالَهُ وَلَعَلَّه كذب وَأَرَادَ بِهِ بذلك إصْلَاح رَعيته وحالته وإيغار صُدُور الْعَامَّة على من خَالفه وَذَلِكَ دَاخل فِي بَاب السياسات إِلَى يسلكها من لم يتَقَيَّد بالشرعيات وَكَثِيرًا مَا يُشَاهد من الْمُلُوك مثلهَا
ثمَّ لَو سلمنَا أَنه صدق فِي رُؤْيَاهُ فَمن أَيْن علم أَن الَّذِي كَلمه ملك فَلَعَلَّهُ شَيْطَان قصد إضلالكم وَكَذَلِكَ كَانَ حَتَّى تعتقدوا الصلوبية الَّتِي هِيَ أعظم كل بلية ومحمل على العصبية ثمَّ لَو سلمنَا أَنه ملك فلأي معنى جعلتم ذَلِك التصليب فِي صَلَاتكُمْ وزدتم على مَا علمكُم عِيسَى
وَلَقَد كَانَ يَنْبَغِي لكم أَن تَفعلُوا فِي الصَّلَاة مثل فعله وَلَا تَزِيدُوا على ذَلِك ثمَّ يلزمكم على ذَلِك أَن يُقَال لكم لَا يَخْلُو ذَلِك التصليب أَن يكون حكما من أَحْكَام الصَّلَاة أَو لَا يكون فَإِن كَانَ حكما وَلم تنقلوه عَن عِيسَى وَلَا أَنه علمه لكم فقد نسبتم عِيسَى إِلَى أَنه كتم حكم الله وَلم يبلغهُ وَهَذَا محَال على عِيسَى وعَلى كل رَسُول أرْسلهُ الله إِلَى أمة وَإِن قُلْتُمْ أَنه لَيْسَ بِحكم فَلم تَفْعَلُونَ فِي الصَّلَاة مَا لَيْسَ بِحكم شَرْعِي وَإِن قُلْتُمْ شَرعه لنا أَئِمَّتنَا وأساقفتنا قُلْنَا لكم وَمن جعل لأئمتكم أَن يتحكموا فِي شرع الله ويفتروا على الله وهم مذنبون عاصون لَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ صرا وَلَا نفعا وَلَا عَطاء وَلَا منعا