الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَة فِي المعمودية
أطبقت النَّصَارَى على اخْتِلَاف فرقهم على القَوْل بالمعمودية وصفتها عِنْدهم
أَن الَّذِي يُرِيد أَن يدْخل فِي دينهم أَو التائب مِنْهُ تتقدم الأقسة مِنْهُ فيمنعونه من اللَّحْم وَالْخمر أَيَّامًا ثمَّ يعلمونه إعتقادهم وَإِيمَانهمْ فَإِذا تعلم ذَلِك اجْتمع لَهُ القسيسون فَتكلم بعقيدة إِيمَانهم أمامهم ثمَّ يغطسونه فِي مَاء يغمروه وَقد اخْتلفُوا هَل يغطسونه مرّة وَاحِدَة أَو مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَإِذا هُوَ خرج من ذَلِك المَاء دعى لَهُ الأسقف بِالْبركَةِ وَوضع يَده على رَأسه
هَكَذَا كَانَت صفة معموديتهم قَدِيما فِي الأندلس وَأما الْيَوْم فلعلهم قد غيروا بعض أَحْكَامهَا وَرُبمَا اخْتلفُوا فِي بعض تِلْكَ الْأَحْوَال وَهِي عِنْدهم عبَادَة مُؤَكدَة وَقَاعِدَة ممهدة وَمن لم يقبلهَا عِنْدهم فَهُوَ كَافِر وَلَيْسَ لَهُ من ذنُوبه غَافِر
وَقد كتب الأسقف ليون إِلَى أساقفة صقليه رِسَالَة ذكر لَهُم فِيهَا أَمر المعمودية وفضيلتها فَقَالَ المعمودية هِيَ إماتة الذُّنُوب وقتلها وَتَأْويل الغطسات الثَّلَاث مكث الْمَسِيح فِي قَبره ثَلَاث أَيَّام وَالْخُرُوج عَن المَاء هُوَ الْخُرُوج عَن الْقَبْر
وَمِنْهُم من تَأَول فِي هَذِه الغطسات الثَّلَاث أَنه التَّثْلِيث الَّذِي يَعْتَقِدُونَ
وَهَذَا التعميد لم يجر لَهُ فِي التَّوْرَاة ذكر وَلم يشرع الله قطّ لمُوسَى لَكِن كتب النَّصَارَى فِي الْإِنْجِيل ان يحيى عمد عِيسَى بوادي الْأُرْدُن فَخرج مِنْهُ روح الْقُدس كالحمامة على المَاء وَزَعَمت النَّصَارَى أَيْضا أَن عِيسَى قَالَ للحواريين إِذا مررتم بالأجناس فعمدوهم على اسْم الآب والإبن وَالروح الْقُدس وَزَعَمُوا أَن بيطر عمد ثَلَاثَة آلَاف رجل فِي يَوْم نيقشتان
وَهَذِه الْمَسْأَلَة عِنْدهم ظَاهِرَة الْمُسْتَند قَوِيَّة الْمُعْتَمد فَإِنَّهُم قد أسندوا نقلهَا إِلَى الْأَنْبِيَاء والحواريين كَمَا تقدم وَلَكنَّا مَعَ ذَلِك
نطالبهم فِيهَا مطالبات تؤذن بِأَنَّهُم يرجعُونَ إِلَى الترهات فَنَقُول سلمنَا لكم جدلا مَا ذكرْتُمْ من إستناد المعمودية إِلَى مَا ذكرْتُمْ لَكِن لم قُلْتُمْ كَمَا فعلهَا يحيى والحواريون نفعلها نَحن وَلَعَلَّ الله تَعَالَى خص يحيى والحواريين بِعَمَل المعمودية وَلم يشرعها لغَيرهم فَإِن ادعوا أَن الله شرعها لَهُم كَمَا شرعها للحواريين طالبناهم بِالنَّصِّ من كتبهمْ الَّذِي بِهِ يجب على من دون الحواريين التعميد وَلَا يَجدونَ شَيْئا من ذَلِك أبدا
ثمَّ نقُول لَعَلَّ الحواريين وَيحيى إِنَّمَا عَمدُوا النَّاس لِأَن مَاءَهُمْ كَانَ مقدسا ودعاءهم متقبلا لكَون يحيى نَبيا والحواريون كَذَلِك عنْدكُمْ وَأما أَنْتُم فلستم أَنْبيَاء وَلَيْسَ ماؤكم مقدسا فلستم مثلهم فَكَانَ يَنْبَغِي لكم أَلا تعمدوا أحدا لكنكم وضعتم لأنفسكم شرعا بالتوهم وزدتم فِيهِ أمورا بالتحكم ثمَّ نقُول سلمنَا جدلا أَن المعمودية شرع لكم فَمن أَيْن زدتم فِيهَا الْعدَد وَوضع الْيَد على الرَّأْس والنفخ فِي الْوَجْه كَمَا فعله بعض من مضى مِنْكُم وَلم تكفرون من لَا يستعملها وَلم ينزل بِشَيْء من ذَلِك سُلْطَان وَلَا حكم بذلك إنجيل وَلَا فرقان لَوْلَا مَحْض التلاعب بالأديان والتحكم فِي دين الله والخذلان
ثمَّ نقُول هَذَا المَاء الَّذِي تعمدون فِيهِ أهوَ مقدس أَو غير مقدس فَإِن كَانَ مقدسا فَمن قدسه فَإِن قُلْتُمْ إِن الله قدسه فَمن أَيْن علمْتُم ذَلِك ثمَّ إِن قُلْتُمْ ذَلِك عورضتم بنقيضه وَقيل لكم بل نجسه الله وَإِن قُلْتُمْ نَحن قدسناه قُلْنَا فَمن أَنْتُم حَتَّى شَيْئا وَهل يصلح أَن يقدس من لَيْسَ بمقدس أَو يطهر من لَيْسَ بمطهر بل أَنْتُم مذنبون تتزايد ذنوبكم فِي كل وَقت وَحين قكيف تقدسون غَيْركُمْ وَأَنْتُم لَا تقدسون أَنفسكُم فليت الْعجل يهضم نَفسه
فَحصل من هَذَا أَن ماءكم الَّذِي تعمدون فِيهِ غير مقدس وَلذَا كَانَ كَذَلِك فلأي شَرط تشترطون فِي المعمودية أَن تكون بِالْمَاءِ وهلا عمدتم فِي الْبَوْل فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَجَاسَة عنْدكُمْ وَلَا فرق بَينه وَبَين المَاء إِذْ كل وَاحِد مِنْهُمَا لَيْسَ بمقدس
ثمَّ نقُول زعم النَّصَارَى أجمعهم وَكَتَبُوا فِي كتبهمْ أَن يحيى عمد عِيسَى الْمَسِيح بوادي الْأُرْدُن